Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 29, Ayat: 53-55)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلْعَذَابِ } نزلت في النضر بن الحارث حين قال : { فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } [ الأنفال : 32 ] { وَلَوْلاَ أَجَلٌ مُّسَمًّى } قال ابن عباس : ما وعدتك أني لا أعذب قومك ولا أستأصلهم وأؤخر عذابهم إلى يوم القيامة كما قال : { بَلِ ٱلسَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ } [ القمر : 46 ] وقيل : يوم بدر . ولولا ذلك الأجل المسمى الذي اقتضته حكمته { لَّجَآءَهُمُ ٱلْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً } يعني العذاب . وقيل : الأجل بغتة { وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } بإتيانه ، وقوله : { وهم لا يشعرون } يحتمل وجهين : أحدهما : معنى تأكيد قوله : " بغتة " ، كما يقول القائل : أتيته على غفلة منه بحيث لم يدرِ . فقوله : ( بحيث لم يدر ) أكد معنى الغفلة . والثاني : أنه يفيد فائدة مستقلة وهي أن العذاب يأتيهم بغتة { وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } هذا الأمر ، ويظنون أن العذاب لا يأتيهم أصلاً . قوله : { يَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِٱلْكَافِرِينَ } ذكر هذا للتعجب ، لأن من توعد بأمر فيه ضرر يسير كلطْمةٍ أو لكمة فيرى في نفسه الجلد ويقول : بسم الله هات ، وأما من توعد بإغراقٍ أو إحراقٍ ويقطع بأن المتوعد قادر لا يخلف الميعاد لا يخطر ببال العاقل أن يقول له : هات ما توعدني به فقال هاهنا " يستعجلونك بالعذاب " والعذاب بنار جهنم المحيطة ( بهم ) فقوله ( " يستعجلونك بالعذاب " ) أولاً : إخباراً عنهم ، وثانياً : تعجباً منهم . وقيل : أعادَهُ تأكيداً ، ثم ذكر كيفية إحاطة جهنم فقال : { يَوْمَ يَغْشَاهُمُ ٱلْعَذَابُ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ } . فإن قيل : لم يخص الجانبين ولم يذكر اليمين والشمال وخلفَ وقُدَّام ؟ فالجواب : أن المقصود ذكر ما تتميز به نار جهنم عن نار الدنيا ، ( ونار ) الدنيا تحيط بالجوانب الأربعة فإن من دخلها تكون الشعلة قدامَهُ وخلفَه ويمينَه ويَسَارَه ، فأمّا النار من فوق لا تنزل وإنما تصعد من أسفلَ في العادة وتحت الأقدام ، ولا تبقى الشعلة بل تنطفىء الشعلة التي تحت القدم ، ونار جهنم تنزل من فوق ولا تنطفىء بالدوس موضع القدم . فإن قيل : ما الحكمة في قوله : { مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ } ولم يقل : من فوق رؤوسهم ولا قال من فوقهم " ولا من تحتهم " بل ذكر المضاف إليه عند ذكر " تحت " ولم يذكره عند ذكر " فوق " ؟ فالجواب : أن نزول النار من " فوق " سواء كان من ( سمت ) الرأس أو موضع آخر عجيب فلهذا لم يخصه بالرؤوس وأما بقاء النار تحت القدم فهو عجيب , وإلا فمن جوانب القدم في الدنيا تكون الشعلة فذكر العجيب وهو ما تحت الأرجل حيث لم ينطق بالدّوس . وأما " فوق " فعلى الإطلاق . قوله : " وَيَقُولُ ذُوقُوا " قرأ نافع وأهل الكوفة " ويقول " بياء الغيبة أي الله تعالى ، أو الملك الموكل بعذابهم ، وباقي السبعة بالنون أي جماعة الملائكة ، أو نون العظمة لله تعالى ، وأبو البَرَهْشَم بالتاء من فوق أي جهنم كقوله : { وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ } [ ق : 30 ] وعبد الله وابن أبي عَبْلَةَ : " ويُقَالُ " مبنياً للمفعول ، وقوله : { مَا كُنْتُمْ تَعْمَلَونَ } أي جزاء ما كنتم تعملون لما بين عذاب أجسامهم بين عذاب أرواحهم وهو أن يقال لهم على سبيل التنكيل والإهانة { ذُوقُواْ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } جعل ذلك عين ما كانوا يعملون مبالغة بطريق إطلاق اسم المُسبَّب على السَّبَب ، فإن عملهم كان سبباً لعذابهم وهذا كثير في الاستعمال .