Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 108-109)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : " تلْكَ " مبتدأ ، { آيَاتُ ٱللَّهِ } خبره ، و " نَتْلُوهَا " جملة حالية . وقيل : { آيَاتُ ٱللَّهِ } بدل من " تِلْكَ " ، و " نَتْلُوها " جملة واقعة خبر المتبدأ ، و " بِالحَقِّ " حال من فاعل " نتلُوهَا " ، أو مفعولة ، وهي حال مؤكدة ؛ لأنه - تعالى - لا ينزلها إلا على هذه الصفة . وقال الزَّجَّاج : " في الكلام حذف ، تقديره : تلك آيات القرآن حُجَجُ الله ودلائله " . قال أبو حيان : فعلى هذا الذي قدَّره يكون خبر المبتدأ محذوفاً ؛ لأنه عنده بهذا التقدير يتم معنى الآية ، وهذا التقدير لا حاجة إليه ؛ [ إذ الكلام مُسْتَغْنٍ عنه ، تامٌّ بنفسه ] . والإشارة بـ " تِلْكَ " إلى الآيات المتقدمة المتضمنة تعذيب الكفار ، وتنعيم الأبرار ، وإنما جاز إقامة " تلك " مقام هذه ؛ لأن هذه الآيات المذكورة قد انقضت بعد الذكر ، فصارت كأنها بعدت ، فقيل فيها : " تلك " . وقيل : لأن الله - تعالى - وعده أن يُنزل عليه كتاباً مشتملاً على ما لا بدّ منه في الدين ، فلما أنزل هذه الآيات قال : تلك الآيات الموعودة هي التي نتلوها عليك . وقرأ العامة " نَتْلُوها " - بنون العظمة - وفيه التفات من الغيبة إلى التكلَّم . وقرأ أبو نُهَيْك : " يتلوها " بالياء - من تحت - وفيه احتمالان : أحدهما : أن يكون الفاعل ضمير الباري - تعالى - لتقدُّم ذكره في قوله : { آيَاتُ ٱللَّهِ } ولا التفات في هذا التقدير ، بخلاف قراءة العامة . الثاني : أن يكون الفاعل ضمير جبريل . قوله : { بِٱلْحَقِّ } فيه وجهان : لأول : ملتبسة بالحق والعدل من جزاء المحسن والمسيء بما يستوجبانه . الثاني : بالحق ، أي : بالمعنى الحق ؛ لأن معنى المتلُوِّ حَقّ . قوله : { وَمَا ٱللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعَالَمِينَ } اللام - في " لِلْعَالَمِينَ " - زائدة - لا تعلُّق لها بشيء ، زيدت في مفعول المصدر وهو ظلم والفاعل محذوف ، وهو - في التقدير - ضمير الباري ، والتقدير : وما الله يريد أن يظلم العالمين ، فزيدت اللام ، تقوية للعامل ؛ لكونه فرعاً ، كقوله : { فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ } [ البروج : 16 ] . فصل وقيل : معنى الكلام : وما الله يريد ظلم العالمين بعضهم لبعض ، ورُدَّ هذا بأنه لو كان المراد هذا لكان التركيب بـ " من " أولى منه باللام ، فكان يقال : ظلماً من العالمين ، فهذا معنى ينبو عنه اللفظ . ونكر " ظلماً " ؛ لأنه في سياق النفي ، فهو يعم كل أنواع الظلم ، وحسن ذكر الظلم - هنا - ، لأنه تقدم ذكر العقوبة الشديدة ، وهو تعالى أكرم الأكرمين ، فكأنه - تعالى يعتذر عن ذلك ، فقال : إنهم إنما وقعوا في هذا العذاب بسبب أفعالهم . فصل قال الجبائي : هذه الآية تدل على أنه - تعالى - لا يريد شيئاً من القبائح ، لا من أفعاله ، ولا من أفعال عباده , ولا يفعل شيئاً من ذلك ، لأن الظلم إما أن يُفْرَض صدوره من الله - تعالى - أو من العبد ، وصدوره من العبد إما أن يظلم العبد نفسه بعصيانه - أو يظلم غيره ، فهذه الأقسام الثلاثة هي أقسام الظلم ، وقوله : { وَمَا ٱللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعَالَمِينَ } نكرة في سياق النفي ، فوجب ألا يريد شيئاً يكون ظلماً ، سواء كان منه أو من غيره ، وإذا ثبت ذلك وجب أن لا يفعل الظلم أصلاً - ويلزم منه أن يكون فاعلاً لأعمال العباد ؛ لأن من جملة أعمالهم ظلمهم لأنفسهم ، وظلم بعضهم لبعض ، فثبت بهذه الآية أنه - تعالى - غير فاعل للظلم ، وغير فاعل لأعمال العباد ، وغير مريد للقبائح من أفعال العباد ، قالوا : ويؤيده قوله - بعد ذلك - : { وَلِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } [ آل عمران : 109 ] وإنما ذكر هذه الآية - عقيب ما تقدم - لوجهين : الأول : نه لما ذكر أنه لا يريد الظلم والقبائح ، استدل عليه بأن فاعل القبيح ، إنما يفعل القبيح إما للجهل ، أو للعجز ، أو للحاجة ، وكل ذلك - على الله - محال ؛ لأنه مالك لكل ما في السموات وما في الأرض وهذه المالكية تنافي العَجْزَ والجَهْلَ والحاجة ، فامتنع كونه فاعلاً للقبيح . الثاني : أنه لما ذكر أنه لا يريد الظلم بوجهٍ من الوجوه ، كان لقائل أن يقولَ : إنا نشاهد وجودَ الظلم في العالم ، فإذا لم يكن وقوعه بإرادة الله - تعالى - كان على خلاف إرادته ، فيلزم منه كونه ضعيفاً عاجزاً مغلوباً ، وذلك محال . فأجاب الله - تعالى - بقوله : { وَللَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } أي : أنه تعالى قادر على أن يمنع الظلم عن الظالم - على سبيل الإلجاء والقَهْر - وإذا كان قادراً على ذلك لا يكون عاجزاً ، ضعيفاً ؛ إلا أنه - تعالى - أراد منهم ترك المعصية - اختياراً - ليستحقوا الثواب ، فلو قهرهم على الترك لبطلت هذه الفائدة . وأجيب بأن المراد من الآية أنه - تعالى - لا يريد أن يظلم أحداً من عباده . وقوله : { وَلِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } يدل على كونه خالقاً لأفعالِ العبادِ ؛ لأن أفعالَ العبادِ من جملة ما في السموات وما في الأرض . وأجاب الجبائي : بأن قوله : " ولله " إضافة ملك ، لا إضافة فعل ، ألا ترى أنه يقال : هذا البناء لفلان . ويريدون أنه مملوكه ، لا أنه مفعوله ، وأيضاً فالمقصود من الآية تعظيم الله - تعالى - لنفسه ، وتَمدُّحه لإلهية نفسه ، ولا يجوز أن يتمدح بأن ينسب إلى نفسه الأفعال القبيحة ، وأيضاً فقوله : { مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } ، إنما يتناول ما كان مظروفاً في السموات والأرض ، وذلك من صفات الأجسام ، لا مِنْ صفات الأفعال التي هي أعراض . وأجيب بأن هذه إضافة الفعل ؛ لأن القادر على الحَسَن والقبيح ، لا يرجح الحَسَن على القبيح إذا حصل في قلبه ما يدعوه إلى الفعل الحَسَن ، وتلك الداعية حاصلة بتخليق الله - تعالى - دَفْعاً للتسلسل ، ولمَّا كان المؤثِّر في حصول فعل العبد هي مجموع القدرة والداعية بخلق الله - تعالى - ثبت أن فعل العبد مخلوق لله تعالى . وقوله : { وَإِلَىٰ ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ } المراد منه رجوع الخلق إلى حُكمه وقضائه ، لا لحكم غيره .