Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 10-10)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لما حكى دعاءَ المؤمنين وتضرُّعَهم حكى كيفيةَ حال الكافرين ، وشدة عقابهم ، وفيهم قولان : أحدهما : أن المراد بهم وفد نجران ؛ لأنا روينا في قصتهم أن أبا حارثة بن علقمة قال لأخيه إني أعلم أنه رسولُ اللهِ حقاً ، ولكني إن أظهرتُ ذلك أخذ ملوكُ الرومِ مني ما أعطَوْنِي من المال ، فبيَّن الله تعالى أن أموالهم لا تدفع عنهم عذابَ الله . الثاني : أن اللفظ عام ، وخصوصُ السبب لا يمنع عمومَ اللفظ . قوله : { لَن تُغْنِيَ } العامة على " تُغْنِي " بالتاء من فوق ؛ مراعاةً لتأنيث الجميع ، وقرأ الحسنُ وأبو عبد الرحمن بالياء من تحت - بالتذكير - على الأصل ، وسكن الحسن ياءَ " تُغْنِي " ؛ استثقالاً للحركةِ على حرف العلة ، وذهاباً به مَذْهَبَ الألف ، وَبَعضهم يخص هذا بالضرورةِ . قوله : { مِّنَ ٱللَّهِ } في " مِن " هذه أربعة أوجه : أحدها : أنها لابتداء الغايةِ - مجازاً - أي : من عذاب الله وجزائه . الثاني : أنها بمعنى " عند " قاله أبو عبيدة ، وجعله كقوله تعالى : { أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ } [ قريش : 4 ] ، أي : عند جوع ، وعند خوف ، وهذا ضعيف عند النحويين . الثالث : أنها بمعنى بدل . قال الزمخشري : قوله : { مِّنَ ٱللَّهِ } مثل قوله : { إَنَّ ٱلظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ ٱلْحَقِّ شَيْئاً } [ يونس : 36 ] ، والمعنى : لن تغني عنهم من رحمة الله ، أو من طاعته شيئاً ، أي : بدل رحمته وطاعته ، وبدل الحق ومنه [ قوله ] : " ولا ينفع ذا الجد منك الجد " أي : لا ينفعه جده وحظه من الدنيا بدلاً ، أي : بدل طاعتك وما عندك ، وفي معناه قوله تعالى : { وَمَآ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ بِٱلَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَىٰ } [ سبأ : 37 ] ، وهذا الذي ذكره من كونها بمعنى بدل جمهور النحاة يَأبَاه ؛ فإن عامة ما أوْرَدَهُ يتأوَّله الجمهورُ . ومنه قوله : [ الرجز ] @ 1345 - جاريةٌ لَمْ تَأكُلِ الْمُرَقَّقَا وَلَمْ تَذُقْ مِنَ الْبُقُولِ الْفُسْتُقَا @@ وقول الآخر : [ الكامل ] @ 1346 - أخَذُوا الْمَخَاضَ مِنَ الْفصيلِ غُلُبَّةً ظُلْماً ، وَيَكْتُبُ للأميرِ أفِيلا @@ وقوله تعالى : { لَجَعَلْنَا مِنكُمْ مَّلاَئِكَةً } [ الزخرف : 60 ] ، وقوله : { أَرَضِيتُمْ بِٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا مِنَ ٱلآخِرَةِ } [ التوبة : 38 ] ؟ الرابع : أنها تبعيضية ، إلا أن هذا الوجه لما أجازه أبو حيّان مبنياً على إعراب " شَيْئاً " مفعولاً به ، بمعنى : لا تدفع ، ولا تمنع ، قال : فعلى هذا يجوز أن يكون " من " في موضع الحال من " شَيْئاً " ؛ لأنه لو تأخر لكان في موضع النعتِ له ، فلما تقدم انتصب على الحال ، وتكون " من " إذ ذاك - للتبعيض . قال شهاب الدينِ : " وهذا ينبغي أن لا يجوز ألبتة ؛ لأن " منَ " التبعيضية تؤوَّلُ بلفظ بعض مضافةً لما جرَّتْه " مِنْ " ألا ترى أنك إذا قلتَ : رأيت رجلاً من بني تميم ، معناه : بعض بني تميم ، وأخذت من الدراهم : أي : بعضَ الدراهم ، وهنا لا يُتَصَوَّرُ ذلك أصْلاً ، وإنما يصح جعله صفة لـِ " شَيْئاً " إذا جعلنا " مِنْ " لابتداء الغاية ، كقولك : عندي درهم من زيد ، أي : كائن أو مستقر من زيد ، ويمتنع فيها التبعيض ، والحال كالصفة في المعنى ، فامتنع أن تكون من للتبعيض مع جعله " مِنَ اللهِ " حالاً من " شَيْئاً " ، وأبو حيّان تبع أبا البقاءِ في ذلك ، إلا أن أبا البقاء حين قال ذلك - قَدَّر مضافاً وضَّح به قوله ، والتقدير : شيئاً من عذاب الله ، فكان ينبغي أن يتبعه - في هذا الوجهِ - مُصَرِّحاً بما يدفع هذا الذي ذكرته " . و " شَيْئاً " إما منصوب على المفعول به وقد تقدم تأويله وإما على المصدرية ، أي : شَيْئاً من الإغناء . قوله : { وَأُولَـٰئِكَ هُمْ وَقُودُ ٱلنَّارِ } هذه الجملة تحتمل وجهَيْن : أحدهما : أن تكون مستأنفةً . والثاني : أن تكون منسوقة على خبر " إنَّ " و " هم " تحتمل الابتداء والفصل . وقرأ العامة " وَقُودُ " بفتح الواو ، والحَسن بِضَمِّها وتقدم تحقيقُ ذلك في البقرة ، وأن المصدرية محتملة في المفتوح الواو أيضاً ، وحيث كان مصدراً فلا بد من تأويله ، فلا حاجة إلى إعادته . فصل اعلم أن كمال العذاب هو أن يزول عنهم كل ما يُنْتَفَعُ به ، ثم تجتمع عليه الأسبابُ المؤلمة . الأول هو المراد بقوله : { لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُم } ؛ فإن المرء - عند الخطوب - يفزع إلى المال والولد ؛ لأنهما أقربُ الأمور التي يُفْزَع إليها في دَفْع النوائب ، فبيَّن تعالى أن صفة ذلك اليوم مخالِفَةٌ لصفةِ الدنيا ، وإذا تعذَّر عليه الانتفاع في ذلك اليوم بالمالِ والولدِ - وهما أقرب الطرق - فما عداه بالتعذُّر أوْلَى ، ونظيره : { يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ إِلاَّ مَنْ أَتَى ٱللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } [ الشعراء : 88 , 89 ] . وأما الثاني من أسباب كمال العذاب - وهو اجتماع الأسباب المُؤْلمةِ - فهو المراد بقوله : { وَأُولَـٰئِكَ هُمْ وَقُودُ ٱلنَّارِ } وهذا هو النهايةُ في العذابِ ؛ فإنه لا عذابَ أعظم من أن تشتَعِل النارُ فيهم كاشتعالها في الحطب اليابِسِ .