Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 9-9)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قرأ أبو حاتم { جَامِعٌ ٱلنَّاسَ } بالتنوين والنصب - و " لِيَوْمٍ " اللام للعلة ، أي : لجزاءِ يوم ، وقيل : هي بمعنى " في " ، ولم يذكر المجموع لأجله ، و " لا رَيْبَ " صفة لـ " يَوْم " ، أي : لا شك فيه ، فالضمير في " فِيهِ " عائد عليه ، وأبْعَد مَن جَعَلَه عائداً على الجمع المدلول عليه بـ " جَامِعُ " ، أو على الجزاء المدلول عليه بالمعنى ، أو على العَرْض . قوله : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُخْلِفُ ٱلْمِيعَادَ } يجوز أن يكون من تمام حكايةِ قولِ الراسخين ، فيكون التفاتاً من خطابهم للباري تعالى بضمير الخطاب إلى الإتيَان بالاسم الظاهر ؛ دلالةً على تعظيمه ، ويجوز أن يكون مستأنفاً من كلام الله تعالى ، فلا التفاتَ حينئذٍ . و " الميعاد " مصدر ، وياؤه منقلبة عن واو ، لانكسار ما قبلها كميقات . فإن قيل : لم قالوا - في هذه الآية - : إن اللهَ لا يخلف الميعادَ ، وقالوا - في تلك الآية - إنك لا تخلف الميعاد ؟ فالجوابُ : أن هذه الآيةَ في مقام الهيبةِ ، يعني أن الآية تقتضي الحشر والنشر ؛ ليُنْتَصَف للمظلومين من الظالمين ، فكان ذكره باسمه الأعظم أوْلَى في هذا المقامِ ، وفي تلك الآية مقام طلب العبدِ من ربه أن ينعم عليه بفضله ، ويتجاوز عن سيئاته ، فليسَ مقام الهيبةِ ، فلا جرم قال : { إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ ٱلْمِيعَادَ } [ آل عمران : 194 ] . فصل اعلم أن الراسخين لما طلبوا من ربهم الصَّوْنَ عن الزيغ ، وأن يخصَّهم بالهداية والرحمة ، فكأنهم قالوا : ليس الغرض من هذا السؤال ما يتعلق بمصالح الدنيا ؛ فإنها منقضية ، وإنما الغرض الأعظم منه ما يتعلق بالآخرة ؛ فإنا نعلم أنك جامع الناس للجزاء في يوم القيامة ، ووعدك حق ، فمن زاغ قلبه بقي هناك في العذاب أبَدَ الآبادِ ، ومن وفقتَه وهديتَه ورحمتَه بقي هناك في السعادة والكرامة أبد الآباد . فصل احتج الجبائيُّ - بهذه الآية - على القطع بوعيد الفساق ، قال : لأن الوعيدَ داخل تحت لفظ الوعد ؛ لقوله تعالى : { قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً } [ الأعراف : 44 ] ، والموعد والميعاد واحد ، وقد أخبر - في هذه الآيةِ - أنه لا يُخْلف الميعاد . والجواب : لا نسلم القول بوعيد الفساق مطلقاً ، بل ذلك مشروط بعدم العفو ، كما هو مشروط بعدم التوبة بالاتفاقِ ، فكما أنكم أثبتم ذلك الشرط بدليل منفصل فكذا نحن أثبتنا شرط عدم العفو بدليل منفصل ، سلمنا أنه توعدهم ، ولكن لا نسلم أن الوعيد داخل تحت لفظ الوعد ، ويكون قوله : { فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً } [ الأعراف : 44 ] كقوله : { فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } [ آل عمران : 21 ] وقوله : { ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْكَرِيمُ } [ الدخان : 49 ] ، فيكون من باب التهكمِ ، ويجوز أن يكون المراد أنهم كانوا يتوقعون من أوثانهم أنها تشفع لهم عند الله تعالى . وذكر الواحديُّ في البسيط - أنه يجوز أن يُحْمَل هذا على ميعاد الأولياء ، دون وعيد الأعداء ؛ لأن خُلْفَ الوعيد كرم عند العرب ؛ لأنهم يمدحون بذلك ، قال : [ الطويل ] @ 1343 - إذَا وَعَدَ السَّرَّاءَ أنَجْزَ وَعْدَهُ وَإنْ أوْعَدَ الضَّرَّاءَ فَالْعَفْوُ مَانِعُه @@ وروى المناظرة بين أبي عمرو بن العلاء وبين عمرو بن عُبَيْد : قال أبو عمرو بن العلاء لعمرو بن عُبَيْد فما تقول في أصحاب الكبائر ؟ فقال : أقول : إنَّ الله تعالى وَعَدَ وعْداً وأوعد إيعاداً ، فهو مُنجز إيعاده كما هو منجز وعده ، فقال أبو عمرو بن العلاء : إنك رجل أعْجَمُ ، لا أقول : أعجم اللسان ، ولكن أعجمُ القلب ؛ إن العربَ تَعُدُّ الرجوعَ عن الوعد لُؤماً ، وعن الإيعاد كَرَمًا ، وأنشد : [ الطويل ] @ 1344 - وَإنِّيَ إن أوْعَدْتُهُ أوْ وَعَدْتُهُ لَمُكْذِبُ إيعَادِي وَمُنْجِزُ مَوْعِدِي @@ فقال له عمرو بن عبيد : يا أبا عمرو ، فهل يُسَمّى الله مكذب نفسه ؟ فقال : لا ، فقال له عمرو بن عبيد : فقد سقطت حجتك . قال ابن الخطبيبِ : " وكان لأبي عمرو بن العلاء أن يجيب عن هذا السؤال فيقول : إنك قِسْت الوعيد على الوعد ، وأنا إنما ذكرت هذا لبيان الفرق بين البابين ؛ وذلك لأن الوعدَ حق عليه ، والوعيد حق له ، ومن أسقط حق نفسه فقد أتى بالجود والكرم ، ومن أسقط حق غيره ، فذلك هو اللؤم ، فظهر الفرق . وأما قولك : لو لم يفعلْ لصار كاذباً ، أو مكذب نفسه . فالجوابُ : أن هذا إنما يلزم لو كان الوعيدُ ثابتاً جزماً من غير شرط ، وعندي أن الوعيد مشروط بعدم العفو فلا يلزم من تركه دخول الكذب في كلام الله تعالى " .