Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 120-120)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قرأ العامة { تَسُؤْهُمْ } ، بالتأنيث ؛ مراعاةً للفظ " حَسَنَةٌ " . وقرأ أبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ بالياء من تحت ؛ لأنّ تأنيثها مجازيّ ، وقياسه أن يقرأ " وَإن يصبكم سَيئةٌ " بالتذكير - أيضاً - لكن لم يبلغنا عنه في ذلك شيء . والمس : أصله باليد ، ثم يُسَمَّى كل ما يصل إلى الشيء ماسًّا ، على سبيل التشبيه ، يقال : فلان مسَّه العصب والنصب ، قال تعالى : { وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ } [ ق : 38 ] . وقال الزمخشري : المسّ مستعار هاهنا بمعنى : الإصابة ، قال تعالى : { إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُواْ } [ التوبة : 50 ] . وقال : { مَّآ أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ ٱللَّهِ وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ } [ النساء : 79 ] . والمراد بالحسنة - هنا : منفعة الدنيا ، من صحة البدن ، وحصول الخِصْب والغنيمة ، والاستيلاء على الأعداء ، وحصول الألْفَة والمحبة بين المؤمنين . والمراد بالسيِّئَة : اضدادها ، والسيئة : من ساء الشيء يَسيءُ - فهو سيِّءٌ ، والأنْثَى سيئة - أي : قبح ، ومنه قوله تعالى { سَآءَ مَا يَعْمَلُونَ } [ المائدة : 66 ] ، و السوء ضد الحسن ، وهذه الآية من تمام وَصْف المنافقين . فصل قال ابو العباس : وردت الحسنةُ على خمسةِ أوجُه : الأول : بمعنى : النصر والظفَر ، قال تعالى : { إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ } [ آل عمران : 120 ] أي : نَصْر وَظفَر . الثاني : بمعنى : التوحيد ، قال تعالى : { مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ } [ الأنعام : 160 ] أي : بالتوحيد . الثالث : الرَّخَاء : قال تعالى : { وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَـٰذِهِ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ } [ النساء : 78 ] أي : رخاء . الرابع : بمعنى : العاقبة ، قال تعالى : { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلسَّيِّئَةِ قَبْلَ ٱلْحَسَنَةِ } [ الرعد : 6 ] أي بالعذاب قبل العاقبةِ . الخامس : القول بالمعروف ، قال تعالى : { وَيَدْرَءُونَ بِٱلْحَسَنَةِ ٱلسَّيِّئَةَ } [ الرعد : 22 ] أي : بالقول المعروف . فصل والسيئة - أيضاً - على خمسة أوجه : الأول : بمعنى : الهزيمة - كما تقدم - كقوله : { وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا } [ آل عمران : 120 ] أي : هزيمة . الثاني : الشرك ، قال تعالى : { وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ } [ الأنعام : 160 ] أي : بالشرك . الثالث : القحط ، قال تعالى : { وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَـٰذِهِ مِنْ عِندِكَ } [ النساء : 78 ] أي : قحط ، ومثله قوله : { وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ } [ الأعراف : 131 ] . الرابع : العذاب ، قال تعالى : { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلسَّيِّئَةِ } [ الرعد : 6 ] . الخامس : القول الرديء ، قال تعالى : { وَيَدْرَءُونَ بِٱلْحَسَنَةِ ٱلسَّيِّئَةَ } [ الرعد : 22 ] . قوله : { وَإِن تَصْبِرُواْ } أي : على طاعة الله ، وعلى ما ينالكم فيها من شدة ، وغَمٍّ ، { وَتَتَّقُواْ } كلَّ ما نهاكم عنه ، { لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ } . قرأ نافع وابنُ كثير وأبو عمرو : " يَضِرْكُمْ " بكسر الضاد ، وجزم الراء في جواب الشرط ، من ضاره يضيره ويقال - أيضاً - : ضاره يضوره ، ففي العين لغتان ، ويقال ضاره يضيره ضَيْراً ، فهو ضائر ، وهو مضير ، نحو : قلته أقوله ، فأنا قائل ، وهو مقول . وقرأ الباقون : { يَضُرُّكُمْ } بضم الضاد ، وتشديد الراء مرفوعة ، وفي هذه القراءة أوجه : الأول : أن الفعل مرتفع ، وليس بجواب للشرط ، وإنما هو دالٌّ على جواب الشرط ، وذلك أنه على نية التقديم ؛ إذ التقدير : لا يضركم إن تصبروا وتتقوا ، فلا يضركم ، فحذف فلا يضركم الذي هو الجواب ، لدلالة ما تقدم عليه ، ثم أخر ما هو دليل على الجواب ، وهذا تخريج سيبويه وأتباعه ، إنما احتاجوا إلى ارتكاب ذلك ، لما رأوا من عدم الجزم في فعل مضارع لا مانع من إعمال الجزم ، ومثله قول الراجز : @ 1599 - يا أقْرَعُ بْنَ حَابسٍ يَا أقْرَعُ إنَّكَ إنْ يُصْرَع أخُوكَ تُصْرَعُ @@ برفع " تصرع " الأخير - . وكذلك قوله : [ البسيط ] @ 1600 - وَإنْ أتَاهُ خَلِيلٌ يَوْمَ مَسْألَةٍ يَقُولُ : لاَ غَائِبٌ مَالِي وَلاَ حَرِمُ @@ برفع " يقول " - إلاَّ أن هذا النوع مطّرد ، بخلاف ما قبله - أعني : كون فعل الشرط والجزاء مضارعين - فإن المنقول عن سيبويه ، وأتباعه وجوب الجزم ، إلا في ضرورة . كقوله : [ الرجز ] @ 1601 - … إنَّك إنْ يُصْرَعْ أخُوكَ تُصْرَعُ @@ وتخريجه هذه الآية على ما تقدم عنه يدل على أن ذلك لا يُخَصُّ بالضرورة . الوجه الثاني : أن الفعل ارتفع لوقوعه بعد فاء مقدَّرة ، وهي وما بعدها الجواب في الحقيقة ، والفعل متى وقع بعد الفاء رُفِع ليس إلاَّ كقوله تعالى : { وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ ٱللَّهُ مِنْهُ } [ المائدة : 95 ] . والتقدير : فلا يضركم ، والفاء حذفت في غير محل النزاع . كقوله : [ البسيط ] @ 1602 - مَنْ يَفْعَلِ الْحَسَنَاتِ اللهُ يَشْكُرُهَا وَالشَّرُّ بِالشَّرِّ عِنْدَ اللهِ مِثْلانِ @@ أي : فالله يشكرها ، وهذا الوجه نقله بعضهم عن المبرد ، وفيه نظر ؛ من حيث إنهم ، لما أنشدوا البيت المذكور ، نقلوا عن المبرد أنه لا يُجَوَّز حَذْفَ هذه الفاء - ألبتة - لا ضرورة ، ولا غيرها - وينقلون عنه أنه يقول : إنما الرواية في هذا البيت : [ البسيط ] @ 1603 - مَنْ يَفْعَلِ الْخَيْرَ فَالرَّحْمنُ يَشْكُرُهُ @@ وردوا عليه بأنه إذا صحَّت روايةٌ ، فلا يقدح فيها غيرُها ، ونقله بعضُهم عن الفراء والكسائي ، وهذا أقرب . الوجه الثالث : أن الحركة حركة إتباع ؛ وذلك أن الأصل : " لاَ يَضْرُرْكُمْ " . بالفك وسكون الثاني جَزْماً ، وسيأتي أنه إذا التقى مِثْلان في آخر فعل سكن ثانيهما - جَزْماً ، أو وَقْفاً - فللعرب فيه مذهبان : الجزم : وهو لغة تميم . والفك : وهو لغة الحجاز . لكن لا سبيل إلى الإدغام إلا في متحرك ، فاضطررنا إلى تحريك المِثْل الثاني ، فحَرَّكْناه بأقرب الحركات إليه ، وهي الضمة التي على الحرف قبله ، فحرَّكناه بها ، وأدْغمنا ما قبله فيه ، فهو مجزوم تقديراً ، وهذه الحركة - في الحقيقة - حركة إتباع ، لا حركة إعراب ، بخلافها في الوجهين السابقين ، فإنها حركة إعراب . واعلم أنه متى أدغم هذا النوع ، فإما أن تكون فاؤُه مضمومةً ، أو مفتوحةً ، أو مكسورةً ، فإن كانت مضمومة - كالآية الكريمة . وقولهم : مُدَّ - ففيه ثلاثة أوجه حالة الإدغام : الضم للإتباع ، والفتح للتخفيف ، والكسر على أصل التقاء الساكنين ، فتقول : مُدَّ ومُدُّ ومُدِّ . وينشدون على ذلك قول الشاعر : [ الوافر ] @ 1604 - فغُضّ الطَّرْفَ إنَّكَ مِنْ نُمَيْرٍ فَلاَ كَعْباً بَلَغْتَ وَلاَ كِلاَبَا @@ بضم الضاد ، وفتحها ، وكسرها - على ما تقرر - وسيأتي أن الآية قُرِئَ فيها بالأوُجه الثلاثةِ . وإن كانت فاؤه مفتوحةً ، نحو عَضَّ ، أو مكسورة ، نحو فِرَّ ، كان في اللام وجهان : الفتح ، والكسر ؛ إذ لا وَجْهَ للضمِّ ، لكن لك في نحو فِرَّ أن تقول : الكسر من وجهين : إما الإتباع ، وإما التقاء الساكنين ، وكذلك لك في الفتح - نحو عَضَّ - وجهان - أيضاً - : إما الإتباع ، وإمَّا التخفيف . هذا كله إذا لم يتصل بالفعل ضمير غائب ، فأما إذا اتصل به ضمير الغائب - نحو رُدَّهُ - ففيه تفصيل ولغات ليس هذا موضعها . وقرأ عاصم - فيما رواه المفضَّل - : بضم الضاد ، وتشديد الراء مفتوحة - على ما تقدم من التخفيف - وهي عندهم أوجه من ضم الراء . وقرأ الضحاك بن مزاحم : " لا يَضُرِّكُمْ " بضم الضاد ، وتشديد الراء المكسورة - على ما تقدم من التقاء الساكنين . وكأن ابْنُ عَطِيَّةَ لم يحفظها قراءةً ؛ فإنه قال : فأما الكسر فلا أعرفه قراءةً . وعبارة الزجَّاج في ذلك متجوَّز فيها ؛ إذْ يظهر من روح كلامه أنها قراءة وقد بينا أنها قراءة . وقرأ أبيّ : " لا يَضْرُرْكُمْ " بالفكّ ، وهي لغة الحجاز . والكيد : المكر والاحتيال . وقال الراغب : هو نوع من الاحتيال ، وقد يكون ممدوحاً ، وقد يكون مذموماً ، وإن كان استعماله في المذموم أكثر . قال ابْنُ قُتَيْبَةَ : وأصله من المشقة ، من قولهم : فلان يكيد بنفسه ، أي : يجود بها في غمرات الموت ، ومشقاته . ويقال : كِدْتُ فلاناً ، أكيده - كبعته أبيعُه . قال الشاعر : [ الخفيف ] @ 1605 - مَنْ يَكِدْنِي بسَيِّىءٍ كُنْتُ مِنْهُ كَالشَّجَى بَيْنَ حَلْقِهِ وَالْوَرِيدِ @@ و " شَيْئاً " منصوب نصب المصادر ، أي : شيئاً من الضرر ، وقد تقدم نظيره . ومعنى الآية : أن كل من صبر على أداء أوامر الله تعالى ، واتقى عما نهى الله عنه ، كان في حِفْظ الله ، فلا يضره كيد الكائدين ، ولا حِيَلُ المحتالين . قوله : { إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ } قراءة العامة { يَعْمَلُونَ } - بالغيبة ، وهي واضحة . وقرأ الحسن بالخطاب ، إما على الالتفات ، والتقدير : إنه عالم ، محيط بما تعملونه من الصبر والتقوى ، فيفعل بكم ما أنتم أهله ، وإما على إضمار : قُل لهم يا محمد . وإنما قال : { إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ } ولم يقل : إنَّ اللهَ محيط بما يعملونَ ؛ لأنهم يُقدِّمون الأهم ، والذي هُمْ بشأنه أعْنَى ، وليس المقصود - هنا - بيان كونه تعالى عالماً ، بل بيان أن جميع أعمالهم معلومة لله تعالى ، ومجازيهم عليها ، فلا جرم قدّم ذكر العمل .