Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 122-122)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { إِذْ هَمَّتْ } في هذا الظرف أوجه : أحدها : أنه ظَرْف لـ { غَدَوْتَ } . الثاني : أنه بدل من { وَإِذْ غَدَوْتَ } ، فالعامل ، فيه هو العامل في المُبْدَل منه . الثالث : أنه ظرف لـ { تُبَوِّىءُ } . وهذه الأوجه تحتاج إلى نقل تاريخي في اتحاد الزمانين . الرابع : أن الناصب له " عَليمٌ " - وحده - ذكره أبو البقاء . الخامس : أن العامل فيه إما " سَمِيعٌ " ، وإما " عَلِيمٌ " على سبيل التنازع ، وتكون المسألة - حينئذ - من إعمال الثاني ، إذ لو أعمل الأول ، لأضمر في الثاني . قال الزمخشري : أو عمل فيه معنى : { سَمِيعٌ عَلِيمٌ } . قال أبو حيان : " وهذا غير محرَّر ؛ لأن العامل لا يكون مركباً من وصفين ، فتحريره أن يقال : عمل فيه معنى سميع ، أو عليم ، وتكون المسألة من التنازع " . قال شهاب الدين : " لم يرد الزمخشري بذلك إلا ما ذكرناه من إرادة التنازع ، ويصدق أن يقول : عمل فيه هذا وهذا بالمعنى المذكور ؛ لا أنهما عملا فيه معاً ، على أنه لو قيل به لم يكن مبتدعاً قولاً ؛ إذ الفراء يرى ذلك ، ويقول - في نحو : ضربتُ وأكرمتُ زيداً : إن زيداً منصوب بهما ، وإنهما سُلِّطَا عليه معاً " . فإن قيل : إذا كان الهمُّ العزم فظاهر الآية يدل على أن الطائفتين عزمتا على الفشل ، والترك - وذلك معصية - فكيف يليق أن يقال : { وَٱللَّهُ وَلِيُّهُمَا } ؟ فالجواب : أن الهَمَّ قد يُرادُ به الكفر ، وقد يراد به : حديث النفس ، وقد يراد به : ما يظهر من القول الدالِّ على قوة العدو وكثرة عدده ، وأيُّ شيء ظهر من هذا الجنس صح أن يوصف صاحبه بأنه هَمَّ أن يفشل ، من حيث ظهر منه ما يوجب ضَعْف القلب ، وإذا كان كذلك ، فلا يدل على أن المعصية وقعت منهما ، وبتقدير أن يقال ذلك ، فيكون من باب الصغائر ؛ لقوله : { وَٱللَّهُ وَلِيُّهُمَا } . وقيل : الهَمّ دون العزّم ، وذلك أن أول ما يمر بقلب الإنسان يُسَمَّى : خاطراً ، فإذا قويَ سُمِّيَ : حديث نفسٍ ، فإذا قَوِيَ سُمِّيَ : هَمًّا ، فإذا قَوِيَ سُمِّيَ : عزماً ، ثم بعده إما قول ، أو فعل . وبعضهم يُعَبِّر بالهَم عن الإرادة ، تقول العرب : هممت بكذا ، أهُمَ به - بضم الهاء - ويقال : همت - بميم واحدة - حذفوا إحدى الميمين تخفيفاً ، كما قالوا : مِسْت وظلت ، وحست - في مَسِسْتُ وظَلِلْتُ وحَسِسْتُ - وهو غير مقيس . والهم - أيضاً - : الحُزْن الذي يُذِيب صاحبه ، وهو مأخوذ من قولهم : همت الشحم - أي : أذبته ، والهم الذي في النفس قريب منه ، لأنه قد يؤثر في نفس الإنسان ، كما يؤثر الحُزْن . ولذلك قال الشاعر : [ الطويل ] @ 1609 - وَهَمُّكَ مَا لَمْ تُمْضِهِ لَكَ مُنْصِبٌ @@ أي : إنك إذا هممت بشيء ، ولم تفعله ، وجال في نفسك ، فأنت في تعب منه حتى تقضيَه . قوله : { أن تَفْشَلاَ } متعلق بـ " هَمَّتْ " ؛ لأنه يتعدى بالباء ، والأصل : بأن تفشلا ، فيجري في محل " أن " الوجهان المشهوران . والفشل : الجبن والخَوَر . وقال بعضهم : الفشل في الرأي : العجز ، وفي البدن : الإعياء ، وعدم النهوض ، وفي الحرب الجُبْن والخَوَر ، والفعل منه فَشِل - بكسر العين - وتفاشل الماء - إذا سال - . وقرأ عبد الله : والله وليهم ، كقوله : { وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُواْ } [ الحجرات : 9 ] . قوله : { وَعَلى ٱللَّهِ } متعلق بقوله : { فَلْيَتَوَكَّلِ } ، قدم للاختصاص ، ولتناسب رؤوس الآي . وتقدم القول في نحو هذه الفاء . قال أبو البقاء : " دخلت الفاء لمعنى الشرط ، والمعنى : إن فشلوا فتوكلوا أنتم ، أو إنْ صعب الأمر فتوكلوا " . قال جابر : نزلت هذه الآية - { إِذْ هَمَّتْ طَّآئِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ } - فينا - بني سلمة ، وبني حارثة وما أحب أنها لم تنزل ، والله يقول : { وَٱللَّهُ وَلِيُّهُمَا } . قال ابنُ الخَطِيبِ : " ومعنى ذلك فرط الاستبشار بما حصل لهم من الشرف بثناء الله تعالى ، وإنزاله فيهم آية ناطقة بصحة الولاية ، وأن تلك الهمَّة ، ما أخرجتهم عن ولاية الله تعالى " . والتوكُّل : تفعُّل ، إمَّا من الوكالة - وهي : تفويض الأمر إلى من يوثق بحُسْن تدبيره ، ومعرفته في التصرُّف - وإمَّا من وكل أمره إلى فلان ، إذا عجز عنه . قال ابنُ فارس : " هو إظهار العَجْز ، والاعتماد على غيرك " ، يقال : فلان وكله يَكِلُه ، أي : عاجز يكلُ أمره إلى غيره ، والتاء في تُكَلَة بدل من الواو ، كتخمة وتجاه وتراث . فصل اختلف العلماء في حقيقة التوكل ، فسئل عنه سَهْل بن عبد الله ، فقال : قالت فرقة : هو الرضا بالضمان وقطع الطمع من المخلوقين . وقال قوم : التَّوكُّل : ترك الأسباب ، والركون إلى مُسَبِّب الأسباب ، فإذا شغله السبب عن المسبب ، زال عنه اسم التوكُّل . قال سهل : من قال : التوكل يكون بتَرك السبب ، فقد طعن في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ لأن الله يقول : { فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلاَلاً طَيِّباً } [ الأنفال : 69 ] ، والغنيمة اكتساب ، وقال صلى الله عليه وسلم : " إنَّ اللهَ يُحِبُّ الْعَبْدَ الْمُحْتَرِفَ " .