Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 130-132)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قال بعضهم : إنه تعالى لما شرح عظيم نعمه على المؤمنين ، فيما يتعلق بإرشادهم إلى الأصلح في أمر الدين والجهاد ، اتبع ذلك بما يدخل في الأمر والنهي ، والترغيب والتحذير ، وعلى هذا التقدير ، فيكون ابتداء كلام ، لا تعلُّق له بما قبله . وقال القفال : يُحتمل أن يكون متصلاً بما قبله من أن المشركين إنما أنفقوا على تلك العساكر أموالاً جمعوها بسبب الربا ، فلعل ذلك يصير داعياً للمسلمين على الإقدام على الربا ، فيجمعوا المالَ ، ويُنْفِقُوه على العساكر ، فيتمكنون من الانتقام منهم ، فنهاهم الله عن ذلك . قوله : { أَضْعَافاً } جمع ضعف ، ولما كان جمع قلة - والمقصود : الكثرة - أتبعه بما يدل على الكثرة وهو الوصف بقوله : { مُّضَاعَفَةً } . وقال أبو البقاء : { أَضْعَافاً } مصدر في موضع الحال من " الرِّبا " ، تقديره : مضاعفاً ، وتقدم الكلام على { أَضْعَافاً } ومفرده في البقرة . وقرأ ابنُ كثير وابنُ عامر : " مضعَّفة " - مشددة العين ، دون ألف . والباقون بالألف والتخفيف ، وتقدم الكلام على ذلك في البقرة . فصل لما كان الرجل في الجاهلية ، إذا كان له على إنسان مائة درهم إلى أجل ، ولم يكن المديون واجداً لذلك المال فقال : زدني في المال حَتَّى أزيدَك في الأجَلِ ، فربما جعله مائتين ، ثم إذا حَلَّ الأجَلُ الثاني ، فعل مثل ذلك ، ثم إلى آجالٍ كثيرةٍ ، فيأخذ بسبب تلك المائة أضعافها ، فهذا هو المراد بقوله : { أَضْعَافاً مُّضَاعَفَةً } . قوله : { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } فإن اتقاء الله واجب ، والفلاح يقف عليه ، وهذا يدل على أن الربا من الكبائر ، وقد تقدم الكلام على الربا في " البقرة " . قوله تعالى : { وَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتِيۤ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ } في هذه الآية سؤالان . الأول : أن النار التي أعدت للكافرين تكون بقدر كفرهم ؛ وذلك أزيد مما يستحقه المسلم بفسقه ، فكيف قال : { وَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتِيۤ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ } ؟ والجواب : أن التقدير : اتقوا أن تجحدوا تحريمَ الربا ، فتصيروا كافرين . السؤال الثاني : أن ظاهر قوله : { أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ } يقتضي أنها ما أعدت لغيرهم ، وهذا يقتضي القطع بأن أحداً من المؤمنين لا يدخل النار ، وهو خلاف سائر الآيات . والجواب عليه من وجوه : أحدها : أنه لا يبعد أن يكون في النار دركات ، أعِدَّ بعضُها للكفار ، وبعضها للفُسَّاق ، فتكون هذه الآية إشارة إلى الدركات المخصوصة بالكفار ، وهذا لا يَمْنَعُ ثبوت دركات أخْرَى أعِدَّت لغير الكفار . وثانيها : أن تكون النار مُعَدَّة للكافرين ، ولا يمنع دخول المؤمنين فيها ؛ لأن أكثر أهل النار الكفار ، فذكر الأغلب ، كما أن الرجل يقول : هذه الدابة أعددتَها لِلِقَاءِ المُشْرِكِينَ ، ولا يمنع من ركوبها لحوائجه ، ويكون صادقاً في ذلك . وثالثها : أن القرآن كالسورة الواحِدَةِ ، فهذه الآية دلت على أن النار معدة للكافرين ، وباقي الآيات دلَّت أيضاً على أنها معدة لمن سرق ، وقتل ، وزنى ، وقذف ، ومثله قوله تعالى : { كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَآ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ } [ الملك : 8 ] ، وليس جميع الكفار قال ذلك ، وقوله : { فَكُبْكِبُواْ فِيهَا هُمْ وَٱلْغَاوُونَ } [ الشعراء : 94 ] إلى قوله : { إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [ الشعراء : 98 ] ، وليس هذا صفة جميعهم ، لما كانت هذه الصفات مذكورة في سائر السور كانت كالمذكورة - هاهنا - . الرابع : أن قوله : { أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ } إثبات كونها معدة لهم ، ولا يدل على الحصر ، كقوله - في الجنة : { أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ } [ آل عمران : 133 ] ، ولا يدل ذلك على أنه لا يدخلها سواهم من الصبيان والمجانين ، والحور العين . وخامسها : أنَّ المقصود مِنْ وَصْفها - بكونها { أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ } : تعظيم الزَّجْرِ ؛ لأن المؤمنين مخاطبين باتقاء المعاصي ، إذا علموا بأنهم متى فارقوا التقوى ، دخلوا النار المعدة للكافرين ، وقد تقرَّر في عقولهم عظم عقوبة الكافرين ، انزجروا عن المعاصي أتَمَّ الانزجار ، كما يُخوفُ الوالدُ ولدَه بأنك إن عصيتني أدخلتك دارَ السباع ، ولا يدل ذلك على أن تلك الدارَ لا يدخلها غيرهم . وهذه الآية تدل على أن النار مخلوقة في الأزل ؛ لأن قوله : " أعِدَّتْ " إخبار عن الماضي ، فلا بد وأن يكون ذلك الشيء دخل في الوجود . قوله تعالى : { وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } لما ذكر الوعيد ذكر بعده الوعد - على عادته المستمرَّة في القرآن . قال محمدُ بن إسحاق بن يسار : هذه الآية معاتبة للذين عَصَوْا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ، حين أمرهم بما أمرهم يوم أُحُدٍ .