Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 133-134)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قرأ نافعُ ، وابْنُ عَامِرٍ : سارعوا - بدون واو - وكذلك هي في مصاحف المدينة والشام . والباقون بواو العطف ، وكذلك هي في مصاحف مكةَ والعراقِ ومصحف عثمانَ . فمن أسقطها استأنف الأمر بذلك ، أو أراد العطف ، لكنه حذف العاطفَ ؛ لقُرْب كل واحد منهما من الآخر في المعنى - كقوله تعالى : { ثَلاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ } [ الكهف : 22 ] ، فإن قوله : { وَسَارِعُوۤاْ } ، وقوله : { وَأَطِيعُوۤاْ } كالشيء الواحد ، وقد تقدم ضعف هذا المذهب . ومن أثبت الواو عطف جملة أمريةً على مثلها ، وبعد إتباع الأثر في التلاوة ، أتبع كل رسم مصحفه . ورَوَى الكِسَائِيُّ : الإمالة في { وَسَارِعُوۤاْ } ، و { أُوْلَـٰئِكَ يُسَارِعُونَ } [ المؤمنون : 61 ] ، و { نُسَارِعُ لَهُمْ فِي ٱلْخَيْرَاتِ } [ المؤمنون : 56 ] وذلك لمكان الراء المكسورة . قوله : { مِّن رَّبِّكُمْ } صفة لِـ " مَغْفِرَةٍ " ، و " مِنْ " للابتداء مجازاً . فصل قال بعضهم : في الكلام حذف ، والتقدير : وسارعوا إلى ما يوجب مغفرة من ربكم . وفيه نظر ؛ لأن الموجب للمغفرة ، ليس إلا افعال المأمورات ، وترك المنهيات ، فكان هذا أمراً بالمسارعة إلى فعل المأمورات ، وترك المنهيات . وتمسك كثيرٌ من الأصوليين بهذه الآية ، في أن ظاهر الأمرِ يوجب الفور ؛ لأنه ذكر المغفرة على سبيل التنكير ، والمراد منه : المغفرة العظيمة المتناهية في العِظَم ، وذلك هو المغفرة الحاصلة بسبب الإسلام . فصل قال ابْنُ عَبَّاسٍ : إلى الإسلام . ورُوِيَ عنه إلى التوبة - وهو قول عكرمة - والمعنى : وبادروا ، وسابقوا . وقال عَلِيُّ بْنُ أبِي طَالِب : إلى أداء الفرائض ؛ لأن الأمر مُطْلَق ، فيعم كل المفروضات . وقال عثمان بن عفان : إنه الإخلاص ؛ لأنه المقصود من جميع العبادات ؛ لقوله تعالى : { وَمَآ أُمِرُوۤاْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ } [ البينة : 5 ] . وقال أبو العالية : إلى الهجرة . وقال الضحاك ومحمد بن إسحاق : إلى الجهاد ؛ لأن من قوله : { وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ } [ آل عمران : 121 ] إلى تمام ستين آية نزل في يوم أُحُد ، فكان كل هذه الأوامر والنواهي مختصَّة بما يتعلق بالجهاد . وقال سعيد بن جبير : إلى التكبيرة الأولى ، وهو مروي عن أنس . وقال يمان : إنه الصلوات . وقال عِكْرمَةُ ومُقَاتِل : إنه جميع الطاعة ؛ لأن اللفظ عام ، فيتناول الكُلَّ . وقال الأصَمُّ : { وَسَارِعُوۤاْ } بادروا إلى التوبة من الربا والذنوب ؛ لأنه - تعالى - نهى أوَّلاً عن الربا ، ثم قال : { وَسَارِعُوۤاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ } وهذا يدل على أن المراد منه : المسارعة في تَرْك ما تقدم النَّهْيُ عنه . قال ابنُ الخَطِيبِ : " والأوْلَى ما تقدم من وجوب حَمْله على أداء الواجبات ، والتوبة عن جميع المحظورات ، لأن اللفظ عامّ ، فلا وَجْهَ لتخصيصه ، ثم إنه - تعالى - بَيَّن أنه كما تجب المسارعةُ والمغفرة ، فكذلك تجب المسارعة إلى الجنة ، وإنما فصل بينهما ؛ لأن الغُفْران معناه إزالة العقاب ، والجنة معناها حصول الثواب ، فجمع بينهما ؛ للإشعار بأنه ، لا بُدَّ للمكلف من تحصيل الأمرين " . قوله : { عَرْضُهَا ٱلسَّمَاوَاتُ وَٱلأَرْضُ } [ لا بد فيه من حَذْف ؛ لأن نفس السموات ] لا تكون عرضاً للجنة ، فالتقدير : عرضها مثل عرض السموات والأرض ، يدل على ذلك قوله : " كعرض " ، والجملة في محل جر صفة لِـ " جَنَّةٍ " . فصل في معنى قوله : { عَرْضُهَا ٱلسَّمَاوَاتُ وَٱلأَرْضُ } وجوه : أحدها : أن المراد : لو جُعِلَت السمواتُ والأرضُ طبقاتٍ طبقاتٍ ، بحيث تكون كل واحدةٍ من تلك الطبقات خَطاً مؤلفاً من أجزاء لا تُجَزَّأ ، ثم وُصِل البعض بالبعض طبقاً واحداً ، لكان مثل عرض الجنة . وثانيها : أن الجنة التي يكون عرضُها كعرض السموات والأرض ، إنَّما تكون للرجل الواحد ؛ لأن الإنسان إنما يرغب فيما يصير ملْكاً له . وثالثها : قال أبو مسلم : إن الجنة لو عُرِضت بالسموات والأرض على سبيل البيع ، لكانت ثمناً للجنة ، يقول : إذا بعت الشيء بالشيء : عرضته عليه وعارضته به فصار العرض يوضع موضع المساواة بين الشيئين في القدر ، وكذلك - أيضاً - في معنى : القيمة ؛ لأنها مأخوذة من مقاومة الشيء للشيء حتى يكون كلُّ واحدٍ منهما مِثْلاً للآخر . ورابعها : أن المقصود المبالغة في وَصْف سعة الجنة ؛ لأنه ليس شيء عنده أعرض منها ، ونظيره قوله : { خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَاوَاتُ وَٱلأَرْضُ } [ هود : 107 - 108 ] فإن أطْول الأشياء بقاءً - عندنا - هو السموات والأرض فخوطبنا على قَدْر ما عرفناه . فإن قيل : لِمَ خُصَّ العَرْضُ بالذكْر . فالجواب من وجهين : الأول : أنه لما كان الغرض تعظيم سعتها ، فإذا كان عَرْضُها بهذا العِظَم ، فالظاهر أن الطول يكون أعظم ، ونظيره قوله : { بَطَآئِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ } [ الرحمن : 54 ] ، فذكر البطائن ؛ لأن الظاهرَ أنَّها أقل حالاً من الظِّهارة ، فإذا كانت البطائن هكذا ، فكيف الظهارة . الثاني : قال القفّال : ليس المراد بالعَرض - هاهنا - المخالف للطول ، بل هو عبارة عن السعة ، كما تقول العرب : بلاد عريضة ، ويقال : هذه دعوى عريضة ، واسعة عظيمة . قال الشاعر : [ الطويل ] @ 1616 - كَأنَّ بِلاَدَ اللهِ - وَهْيَ عَرِيضَةٌ - عَلَى الْخَائِفِ الْمَطْلُوبِ كِفَّةُ حَابِلِ @@ والأصل فيه أن ما اتسع عَرْضُه لم يَضِقْ وما ضاق عرضه دَقَّ ، فجعل العَرْضَ كنايةً عن السعة . فصل رُوِيَ أن يهوديًّا سأل النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال : إنك تدعو إلى جنة عرضُها السموات والأرض أعدت للمتقين ، فأين النار . فقال صلى الله عليه وسلم : " سبحان الله ! ! فأين الليلُ إذا جاءَ النهار " . ورُوِيَ عن طارق بن شهاب أن ناساً من اليهود سألوا عمر بن الخطاب - وعنده أصحابه - فقالوا : أرأيتم قولكم : وجنة عرضها السموات والأرض ؟ فأين النار . قال عُمَرُ : أرأيتم إذا جاء النهار ، أين يكون الليل ؟ وإذا جاء الليل ، أين يكون النهار . فقالوا له : إنه لمثلها في التوراة ، ومعناه حيث شاء الله . سُئِلَ أنس بن مالك عن الجنة ، أفي السماء ، أم في الأرض . فقال : وأي أرض وسماء تسع الجنة . قيل : فأين هي . فقال : فوق السماوات السبع ، تحت العرش . وقال قتادة : كانوا يَرَوْنَ أن الجنة فوقَ السموات السبع ، وأن جهنَّمَ تحت الأرضين السبع . فإن قيل : قال الله تعالى : { وَفِي ٱلسَّمَآءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ } [ الذاريات : 22 ] ، وأراد بالذي وُعِدنا الجنة ، وإذا كانت الجنة في السماء ، فكيف يكون عَرْضُها السمواتُ والأرض . فالجواب : أن باب الجنة في السماء ، وعرضها كما أخبر . وقيل : إن الجنة والنار تُخْلقان بعد قيام الساعة ، فعلى هذا لا يبعد أن تُخْلَق الجنة في مكان السموات ، و النار في مكان الأرض . قوله : { أُعِدَّتْ } يجوز أن يكون محلها الجَرّ ، صفة ثانية لِـ " جَنَّةٍ " ، ويجوز أن يكون محلها النصب على الحال من " جَنَّةٍ " ؛ لأنها لما وُصِفَتْ تخصَّصت ، فقَرُبَت من المعارف . قال أبو حيان : " ويجوز أن يكون مستأنفاً ، ولا يجوز أن يكون حالاً من المضاف إليه ؛ لثلاثة أشياء : أحدها : أنه لا عامل ، وما جاء من ذلك متأوَّل على ضَعْفه . والثاني : أن العرض - هنا - لا يراد به : المصدر الحقيقي ، بل يراد به : المسافة . الثالث : أن ذلك يلزم منه الفصل بين الحال ، وصاحبه بالخبر " . يعني بالخبر : قوله : { ٱلسَّمَاوَاتُ } ، وهو رَدٌّ صحيح . وظاهر الآية يدل على أن الجنة والنار مخلوقتان الآن ، وهو نص حديث الإسراء في الصحيحين وغيرهما . وقالت المعتزلة : إن الجنة والنار غير مخلوقتين في وقتنا هذا ، وإن الله تعالى إذا طوى السماوات والأرض ابتدأ خلق الجنة والنار حيث شاء ؛ لأنهما دار جزاء بالثواب والعقاب ، فخُلِقتا في وقت الجزاء ؛ لأنه لا يجتمع دار التكليف ، ودار الجزاء في الدنيا ، كما لم يجتمعا في الآخرة . وقال ابن فورك : " الجنة في السماء ، ويزاد فيها يوم القيامة " . قوله : { ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ } يجوز في محله الألقاب الثلاثة ، فالجر على النعت ، أو البدل ، أو البيان ، والنصب والرفع على القطع المشعر بالمدح ، ولما أخبر بأن الجنة مُعَدَّة للمتقين وصفهم بصفات ثلاث ، حتى يُقْتَدَى بهم في تلك الصفات . فاصفة الأولى : قوله : { ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّآءِ وَٱلضَّرَّآءِ } . فقيل : معناه : في العُسْر واليُسْر . وقيل : سواء كانوا في سرور ، أو حُزْن ، أو في عُسْر ، أو في يُسْر . وقيل : سواء سرهم ذلك الإنفاق - بأن كان على وفق طبعهم - أو ساءهم - بأن كان على خلاف طبعهم - فإنهم لا يتركونه . روى أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " السَّخِيُّ قَرِيبٌ مِنَ اللهِ ، قَرِيبٌ مِنَ الجَنَّةِ ، قَرِيبٌ مِنَ النَّاسِ ، بَعِيدٌ مِنَ النَّارِ ، وَالبَخِيلُ بَعِيدٌ مِنَ اللهِ ، بَعِيدٌ مِنَ الجَنَّةِ ، بَعِيدٌ مِنَ النَّاسِ ، قَرِيبٌ مِنَ النَّارِ ، ولجاهل سخِيٌّ أحبُّ إلَى اللهِ مِنَ عابد بخيل " . ورُوي أنَّ عَائِشَةَ تصدَّقَتْ بحَبَّة عِنَبٍ . الصفة الثانية : قوله : { وَٱلْكَاظِمِينَ ٱلْغَيْظَ } يجوز فيه الجر والنَّصب على ما تقدم قبله . والكَظْم : الحبس ، يقال : كظم غيظه ، أي : حبسه ، وكَظَم القربة والسقاء كذلك ، والكظم - في الأصل - مخرج النفَس ، يقال : أخذ بكظمه ، أي : أخذ بمجرى نفسه . والكُظوم : احتباس النفس ، ويُعَبَّر به عن السكوت ، قال المبرد : تأويله أنه كتمه على امتلاء به منه ، يقال : كَظَمْتُ السِّقَاءَ ، إذا ملأته وسددت عليه ، وكل ما سددت من مجرى ماء ، أو باب ، أو طريق ، فهو كَظْم ، والذي يُسَدّ به يقال له : الكظامة والسدادة ، ويقال للقناة التي تجري في بطن الأرض : كظامة ، لامتلائها بالماء كامتلاء القربة المكظومة ، والمَكْظُوم : الممتلئ غيظاً ، وكأنه - لغيظه لا يستطيع أن يتكلم ، ولا يُخرج نفسه ، والكظيم : الممتلئ أسَفاً . قال أبو طالب : [ الكامل ] @ 1617 - فَحَضَضْتُ قَوْمِي ، وَاحْتَسَبْتُ قِتَالَهُمْ وَالْقَوْمُ مِنْ خَوْفِ المَنَايَا كُظَّمُ @@ وكظم البعيرُ جِرَّتَه ، إذا رَدَّها في جَوْفه ، وترك الاجترار . ومنه قول الراعي : [ الكامل ] @ 1618 - فَأفَضْنَ بَعْدَ كُظُومِهِنَّ بِجِرَّةِ مِنْ ذِي الأبَاطِحِ إذْ رَعَيْنَ حَقِيلا @@ الحقيل ، قيل : نبت . وقيل : موضع ، فعلى الأول هو مفعول به ، وعلى الثاني هو ظرف ، ويكون قد شذ جره بـ " في " ؛ لأنه ظرف مكان مختص ، ويكون المفعول محذوفاً ، أي : إذْ رعين الكلأ في حقيل ، ولا تقطع الإبلُ جِرَّتَها إلا عند الجهد والفزع فلا تجترّ . ومنه قول أعشى باهلة يصف رجلاً يكثر نحر الإبل : [ البسيط ] @ 1619 - قَدْ تَكْظِمُ البُزْلُ مِنْهُ حِينَ تُبْصِرُهُ حَتَّى تَقَطَّعَ فِي أجْوَافِهَا الْجِرَرُ @@ والجرر جمع جِرَّة . والكظامة : حلقة من حديد تكون في طرف الميزان تجمع فيها خيوطه ، وهي - أيضاً - السير الذي يُوصَل بوتر القَوْس . والكظائم : خروق بين البئرين يجري منها الماء إلى الأخرى ، كل ذلك تشبيه بمجرى النفَس وتردّده فيه . فصل قال صلى الله عليه وسلم : " مَنْ كَظَمَ غَيْظاً - وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى إنْفاذِهِ - مَلأ اللهُ قَلْبَه أمناً وَإيمَاناً " وقال صلى الله عليه وسلم : " مَنْ كَظَمَ غَيْظاً - وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى أن ينفذه - دَعَاهُ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ - يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَى رُؤوسِ الخَلائِقِ ، حَتَّى يُخَيِّرَهُ مِنْ أيِّ الحُورِ شَاءَ " . { وَٱلْكَاظِمِينَ ٱلْغَيْظَ } : الذين يَكُفُّونَ غيظهم عن الإمضاء ، ونظيره قوله : { وَإِذَا مَا غَضِبُواْ هُمْ يَغْفِرُونَ } [ الشورى : 37 ] ، وقال صلى الله عليه وسلم : " لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ ، لَكِنَّهُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ " . الصفة الثالثة : قوله : { وَٱلْعَافِينَ عَنِ ٱلنَّاسِ } . قال القفال : يُحْتَمَلُ أن يكون هذا راجعاً إلى ما ذم من فعل المشركين في أكل الربا ، فنهي المؤمنين عن ذلك ، ونُدبوا إلى العفو عن المُعْسرين ، فإنه تعال قال - عقب قصة الربا والتداين - : { وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ } [ البقرة : 280 ] وقال { وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ } [ البقرة : 280 ] . ويُحْتَمَلُ أنْ يكون هذا بسبب غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حين مَثَّلُوا بعَمِّه حمزة ، وقال : لأمَثلنَّ بِهِمْ فندب إلى كَظْم هذا الغيظ . وقال الكلبي : العافين عن المملوكين سوءَ الأدب . وقال زَيْدُ بْنُ أسْلَمَ وَمُقَاتِلٌ : عمن ظلمهم وأساء إليهم ، قال صلى الله عليه وسلم : " لاَ يَكُونُ العَبْدُ ذَا فضْل حَتَّى يَصِلَ مَنْ قَطَعَهُ ، ويَعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَهُ ويُعْطِيَ مَنْ حَرَمَهُ " . ورُوِي عن عيسى ابن مريم أنه قال : " لَيْسَ الإحْسَانُ أنْ تُحْسِنَ إلى مَنْ أحْسَنَ إلَيْكَ ، ذَاكَ مُكَافَأةٌ ، إنَّما الإحْسَانُ أنْ تُحسِنَ إلى مَنْ أسَاءَ إلَيْكَ " . ثم قال : { وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ } هذه اللام يحتمل أن تكون للجنس ، فيدخل كل مُحْسن ، وأن تكون للعهد ، فتكون إشارة إلى هؤلاء . وهذه الآية من أقْوَى الدلائل على أن الله - تعالى - يعفو عن العُصَاة ، لأنه قد مدح الفاعلين لهذه الخصال ، وأحَبَّهم ، وهو أكرم الأكرمين ، والعفو والغفور الحليم ، والآمر بالإحسان ، فكيف يمدح بهذه الأفعال ، ويندب إليها ، ولا يفعلها ؟ إن ذلك لممتنع في العقول .