Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 137-138)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لما وعد على الطاعة والتوبة بالمغفرة والجنة ، أتبعه بذكر ما يحملهم على فعل الطاعةِ والتوبةِ ، وهو تأمل أحوال القرونِ الخوالي ، وهذا تَسْلِيَة من الله تعالى للمؤمنين . قال الواحدي : أصل الخلُوّ - في اللغة - الانفراد ، والمكان الخالي هو المنفرد عمن يسكن فيه ، ويُستعمل - أيضاً - في الزمان بمعنى : المُضِيّ ؛ لأن ما مضى انفرد عن الوجود ، وخلا عنه ، وكذا الأمم الخالية . قوله : { مِن قَبْلِكُمْ } يجوز أن يتعلق بـ " خَلَتْ " ، ويجوز أن يتعلق بمحذوف على أنه حال من { سُنَنٌ } ؛ لأنه - في الأصل - يجوز أن يكون وَصْفاً ، فلما قُدِّمَ نُصبَ حالاً . والسُّنَن : جمع سُنَّة ، وهي الطريقة التي يكون عليها الإنسان ويلازمها ، ومنه سُنَّة الأنبياء . قال خالد الهُذَلِي لخاله أبي ذُؤيب : [ الطويل ] @ 1622 - فَلاَ تَجْزَعَنْ مِنْ سُنَّةِ أنْتَ سِرْتَهَا فَأوَّلُ رَاضٍ سُنَّةً مَنْ يَسِيرُهَا @@ وقال آخر : [ الطويل ] @ 1623 - وَإنَّ الأُلَى بِالطَّفِّ مِنْ آلِ هَاشِمٍ تَأسَّوْا ، فَسَنُّوا لِلْكِرَامِ التَّآسِيَا @@ وقال لبيد : [ الكامل ] @ 1624 - مِنْ أمَّةٍ سَنَّتْ لَهُمْ آبَاؤُهُمْ وَلِكُلِّ قَوْمٍ سُنَّةٌ وَإمامُهَا @@ وقال المفضَّل : السُّنَّة : الأمة ، وأنشد : [ البسيط ] @ 1625 - مَا عَايَنَ النَّاسُ مِنْ فَضْلٍ كَفَضْلِكُمُ وَلاَ رَأوْا مِثْلَكم فِي سَالِفِ السُّنَنِ @@ ولا دليل فيه ؛ لاحتمال أن يكون معناه : أهل السنن . وقال الخليل : سَنَّ الشيء بمعنى : صوره ، ومنه : { مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ } [ الحجر : 28 ] أي : مُصَوَّر وقيل : سن الماء والدرع إذا صبهما ، وقوله : { مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ } [ الحجر : 28 ] يجوز أن يكون منه ، ولكن نسبة الصب إلى الطين بعيدة . وقيل : مسنون ، أي : متغير . وقال بعض أهل اللغة : هي فُعْلة من سَنَّ الماء ، يسنه ، إذا والى صَبَّه ، والسَّنُّ : صَبُّ الماء والعرق نحوهما . وأنشد لزهير : [ الوافر ] @ 1626 - نُعَوِّدُهَا الطراد كُلَّ يَوْمٍ تُسَنُّ عَلَى سَنَابِكِهَا الْقُرُونُ @@ أي : يُصب عليها من العرق ، شبَّه الطريقة بالماء المصبوب ، فإنه يتوالى جرْيُ الماء فيه على نَهْج واحد ، فالسُّنَّة بمعنى : مفعول ، كالغُرْفَةِ . وقيل : اشتقاقها من سننت النَّصْل ، أسنّه ، سنًّا ، إذا حددته [ على المِسَن ] ، والمعنى : أن الطريقةَ الحسنةَ ، يُعْتَنَى بها ، كما يُعْتَنَى بالنَّصْل ونحوه . وقيل : من سَنَّ الإبل ، إذا أحسن رعايتها ، والمعنى : أن صاحب السنة يقوم على أصحابه ، كما يقوم الراعي على إبله ، والفعل الذي سَنَّه النبي سُمِّيَ سُنَّةً بمعنى : أنه صلى الله عليه وسلم أحسن رعايته وإدامته . وقد مضى من ذلك جملة صالحة في البقرة . فصل قال [ أكثر المفسرين ] : المراد : سنن الهلاك ؛ لقوله تعالى : { فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُكَذِّبِينَ } [ الزخرف : 25 ] ؛ لأنهم لما خالفوا الرُّسُلَ ؛ لحرصهم على الدنيا ، ثم انقرضوا ، ولم يَبْقَ من دنياهم أثر وبقي اللعن في الدنيا ، والعقاب في الآخرة عليهم ، فرغَّب الله تعالى أمَّةَ محمد صلى الله عليه وسلم في الإيمان بالتداخل في أحوال هؤلاء الماضين ، ليصير ذلك داعياً لهم إلى الإيمان بالله ورُسُله ، والإعراض عن الرياسة في طلب الدنيا والحياة . قال الزجاج : المعنى : أهل سنن ، فحذف المضاف . قال مجاهد : بل المراد ، سنة الله تعالى في الكافرين والمؤمنين ، فإن الدنيا لم تَبْقَ ، لا مع المؤمن ، ولا مع الكافر ، ولكن المؤمن يبقى له بعد موته الثناءُ الجميل في الدنيا ، والثواب الجزيل في العُقْبَى ، والكافر يبقى اللعن عليه في الدنيا والعقاب في الآخرة . قوله : { فَسِيرُواْ } جملة معطوفة على ما قبلها ، و التسبُّب في هذه الفاء ظاهر ، أي : سبب الأمر بالسير لتنظروا - نَظَرَ اعتبار - خُلُوَّ مَنْ قبلكم من الأمم وطرائقهم . وقال أبو البقاء : " ودخلت الفاء في " فَسِيرُوا " ؛ لأن المعنى على الشرط ، أي : إن شككتم فسيروا " . وقوله : { كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُكَذِّبِينَ } " كيف " خبر مقدم ، واجب التقديم ، لتضمُّنه معنى " الاستفهام " ، وهو معلق لـ " انْظُرُوا " قبله ، فالجملة في محل نصب بعد إسقاط الخافض ؛ إذ الأصل : انظروا في كذا . فصل والغرض من هذا الكلام : زَجْر الكفار عن الكفر بتأمل أحوال المكذبين ، ونظيره قوله تعالى : { وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا ٱلْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ ٱلْمَنصُورُونَ وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلْغَالِبُونَ } [ الصافات : 171 - 173 ] ، وقوله : { وَٱلْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } [ القصص : 83 ] ، وقوله : { أَنَّ ٱلأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ ٱلصَّالِحُونَ } [ الأنبياء : 105 ] وليس المراد منه الأمر بالسير - لا محالة - بل المقصود : تعرف أحوالهم ، فإن حصلت المعرفة بغير السير حصل المقصود ، ويحتمل أن يقال - أيضاً - : إنَّ مشاهدة آثار المتقدمين لها ، أثر أقوى من أثر السماع . قال الشاعر : [ الخفيف ] @ 1627 - إنَّ آثَارَنَا تَدُلُّ عَلَيْنَا فَانْظُرُوا بَعْدَنَا إلَى الآثَارِ @@ فصل قال المفسرون : وهذا في حرب أحد ، يقول : فأنا أمهلهم ، وأسْتدرجهم ، حتى يبلغ أجلي الذي أجَّلْتُ في نُصْرَة النبي صلى الله عليه وسلم وأوليائه وهلاك أعدائه . قوله تعالى : { هَـٰذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ } أي : القرآن . وقيل : ما تقدم من قوله : { قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ } . وقيل : ما تقدم من أمره ونهيه ووعده ووعيده . والموعظة : الوعظ وقد تقدم . قوله : " للناس " يجوز أن يتعلقَ بالمصدر قبلَه ، ويجوز أن يتعلق بمحذوف على أنه وَصْف له . قوله : { لِّلْمُتَّقِينَ } يجوز أن يكون وَصْفاً - أيضاً - ويجوز أن يتعلق بما قبله ، وهو محتمل لأن يكونَ من التنازع ، وهو على إعمال الثاني للمحذوف من الأول . فصل في الفرق بين الإبانة وبين الهُدَى ، وبين الموعظة ؛ لأن العطْفَ يقتضي المغايرة ، وذكروا فيه وجهين : الأول : أن البيان هو الدلالة التي تزيل الشبهة ، والهُدَى بيان الطريق الرشيد ؛ ليُسْلَك دون طريق الغَيّ ، والموعظة هي الكلام الذي يُفِيد الزَّجْر عما لا ينبغي في الدين . الثاني : أن البيانَ هو الدلالة ، وأما الهدى فهي الدلالة بشرط إفْضَائها إلى الاهتداء . وخصَّ المتقين ؛ لأنهم المنتفعون به ، وتقدَّم الكلام في ذلك في قوله : " هدى للمتقين " . وقيل : إن قوله { هَـٰذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ } عَامّ ، ثم قوله : { وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ } مخصوص بالمتقين ؛ لأن الهُدَى اسم للدلالة الموصِّلة إلى الاهتداء ، وهذا لا يحصُل إلا في حقِّ المتقين .