Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 147-148)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الجمهور على نصب { قَوْلِهِمْ } خبراً مقدَّماً ، والاسم " أنْ " وما في حيزها ، تقديره : وما كان قولهم [ إلا هذا الدعاء ، أي : هو دأبهم وديدنهم ] . وقرأ ابن كثيرٍ وعاصم - في رواية عنهما - برفع " قولُهم " على أنه اسم " كان " والخبر " أن " وما في حيزها . وقراءة الجمهور أوْلَى ؛ لأنه إذا اجتمع معرفتانِ فالأولى أن تَجْعَل الأعرف اسماً ، و " أن " وما في حيزها أعْرَف ؛ قالوا : لأنها تُشْبِه المُضْمَر من حيثُ إنها لا تُضْمَر ، ولا تُوصَف ، ولا يُوصَف بها ، و " قولهم " مضافٌ لمُضْمَرٍ ، فَهُوَ في رُتْبَةِ العَلَمِ ، فهو أقلُّ تعريفاً . ورَجَّحَ أبو البقاء قراءة الجمهور بوجهين : أحدهما : هذا ، والآخر : أن ما بعد " إلاَّ " مُثبَت ، والمعنى : كان قولَهُمْ : ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا دَأبَهم في الدعاء ، وهو حَسَنٌ . والمعنى : وما كان قولهم شيئاً من الأقوالِ إلا هذا القول الخاصّ . فصل معنى الآية : وما كان قولهم عند قَتْل نبيِّهم إلا أن قالوا : رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذنوبنَا ، والغرض مِنْهُ تحريضُ هذه الأمة بالاقتداء بهم . قال القاضي : إنما قدموا طلب المغفرة للذنوب والإسراف ؛ لأنه - تعالى - لما ضَمِن النُّصرةَ للمؤمنين ، فإذا لم تحصل النصرة ، وظهر أمارات استيلاء العدو ، دلَّ ذلك ظاهراً - على صدور ذنب وتقصير من المؤمنين ، فلهذا المعنى يجب عليهم تقديمَ التوبةِ والاستغفارِ على طلب النُّصْرَة ، فبيَّن - تعالى - أنهم بدءوا بالتوبة عن كل المعاصي ، فقالوا : { ربَّنَا ٱغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا } أي : الصغائر { وَإِسْرَافَنَا فِيۤ أَمْرِنَا } أي : الكبائر ؛ لأن الإسراف في كل شيء هو الإفراط فيه ؛ قال تعالى : { قُلْ يَٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ } [ الزمر : 53 ] وقال { فَلاَ يُسْرِف فِّي ٱلْقَتْلِ } [ الإسراء : 33 ] وقال : { وَلاَ تُسْرِفُوۤاْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُسْرِفِينَ } [ الأعراف : 31 ] ويقال : فلان مُسْرِف - إذا كان مكثراً في النفقة . قوله : { فِيۤ أَمْرِنَا } يَجُوز فيه وجهانِ : الأول : أنه متعلق بالمصدر قبله ، يقال : أسرفتُ في كذا . الثاني : أن يتعلق بمحذوف على أنَّه حَالٌ منه ، أي : حال كونه مستقراً في أمرنا . والأول أوجهُ . ثم سألوا - بعد ذلك - أن يثبت أقدامهم ، وذلك بإزالة الخوفِ عن قلوبهم ، وهذا يدلُّ على أن فعل العبد مخلوقٌ للهِ ، والمعتزلة يحملونه على الألطاف . ثم سألوا أن ينصرهم على القوم الكافرين ، وهذه النصرة لا بد فيها من أمر زائدٍ على ثبات أقدامهم . قال القاضي : وهذا تأديبٌ من الله - تعالى - في كيفية الطلب بالأدعية عند النوائب والمِحَن ، سواء كان في الجهادِ أو غيره . قوله : " فآتاهم الله " يقتضي أن اللهَ - تَعَالَى - أعطاهم [ الأمْرَين ] أما ثوابُ الدُّنْيَا فَهُوَ : النصرة و الغنيمة ، وقهر العدو ، والثناء الجميل ، وانشراح الصدرِ بنور الإيمان ، وأما ثوابُ الآخرة فلا شك أنه ثواب الجنة . وقرأ الجَحْدَرِيُّ فأثابهم - من لفظ الثواب - وخَصَّ - تعالى - ثواب الآخرة بالحُسْنِ ؛ تنبيهاً على جلالةِ ثوابِهِم ، وذلك لأنّ ثوابَ الآخرةِ كُلَّه في غاية الحُسْنِ . ويجوز أن يُحْمَل قوله : " فآتاهم " على أنه سيؤتيهم ، كقوله تعالى : { أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ } [ النحل : 1 ] أي : سيأتي أمرُ اللهِ . قيل : ولا يمتنع أن تكون هذه الآية مختصة بالشهداءِ - وقد أخبرَ - تَعَالَى - عن بعضهم أنهم أحياءٌ ، عند ربِّهِم يرزقونَ - فيكون حالُ هؤلاء - أيضاً - كذلك . فصل قال فيما تقدم : { وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ ٱلدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ ٱلآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا } [ آل عمران : 145 ] فأتى بلفظ " من " الدالة على التبعيض ، وقال هنا : { فَآتَاهُمُ ٱللَّهُ ثَوَابَ ٱلدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ ٱلآخِرَةِ } ولم يذكر كلمة " من " لأن الذين يُريدون ثوابَ الآخرةِ إنما اشتغلوا بالعبادة لطلب الثوابِ ، فكانت مرتبتهم في العبودية نازلةً عن مرتبة هؤلاء ؛ لأنهم لم يذكروا من أنفسهم إلا الذنبَ والتقصيرَ ، ولم يذكروا التدبيرَ والنصرةَ والإعانة إلا من ربّهم ، فكان مقامهم في العبودية في غاية الكمالِ ؛ لأنَّهم أرادوا خدمة مولاهم ، وأما أولئك فإنما أرادوا الثواب .