Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 177-177)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اعلم أنه لا يبعد حَمْلُ الآية الأولى على المرتدين ، وحمل هذه الآية على اليهود . ومعنى : { ٱشْتَرَوُاْ ٱلْكُفْرَ بِٱلإِيمَانِ } أنهم كانوا يعرفون النبي صلى الله عليه وسلم ويؤمنون به قبل مَبْعَثِه ، فلما بُعِثَ كفروا به ، وتركوا ما كانوا عليه ، فكأنهم أعطوا الإيمان ، وأخذوا الكفر بدلاً عنه ، كما يفعلُ المشتري من إعطاء شيء وأخْذ غيره بدلاً عنه . ولا يبعد أيضاً - حَمْلُ هذه الآيةِ على المنافقينَ ؛ لأنهم متى كانوا مع المؤمنين أظهروا الإيمان ، فإذا خلوا إلى شياطينهم كفروا ، وتركوا الإيمان ، فكان ذلك كأنهم اشتروا الكفر بالإيمان . فإن قيل : ما فائدة التكرار في الآيتين في قوله : { لَن يَضُرُّواْ ٱللَّهَ شَيْئاً } ؟ فالجوابُ : أن فائدةَ التكرارِ أمورٌ : أحدهما : أن الذين اشتروا الكفرَ بالإيمانِ لا شك أنهم كانوا كافرين أولاً ، ثم آمنوا ، ثم كفروا بعد ذلك ، وهذا يدلُّ على شدَّة الاضطرابِ ، وضَعْفِ الرأي ، وقِلَّةِ الثباتِ ، ومثل هذا الإنسان لا خوف منه ، ولا هيبةَ له ، ولا قدرةَ له على إلحاق الضَّرَر بالغير . ثانيها : أن أمر [ الدّينِ ] أهمّ الأمورِ وأعظمها ، ومثل هذا مما لا يقدم الإنسان فيه - على الفعل ، أو على التَّركِ - إلا بعد إمعانٍ النّظَرِ ، وكَثْرة الفِكْر ، وهؤلاء يُقْدِمون على الفعل ، أو على الترك في هذا المهم بأهونِ الأسبابِ وأضعفِ الموجباتِ ، وهذا يدلُّ على قِلَّةِ عقولهم ، وشدة حماقتهم ، وأمثال هؤلاء لا يَلْتَفِتُ العاقلُ إليهم . ثالثها : أن أكثرهم إنما ينازعونك في الدّينِ لا بِنَاءً على الشُّبُهات ، بل بناءً على الحَسَدِ والمنازعة في منصب الدُّنْيَا ، ومَنْ كان عَقْلَه بهذا القَدْر - وهو بيع السعادة العظيمة الأخروية بالقليل الفاني من سعادة الدنيا - كان في غاية الحماقة ، ومِثْلهُ لا يقدر على إلحاق ضرر بالغير ، والله أعلم .