Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 195-195)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ فَٱسْتَجَابَ } بمعنى : أجَابَ ويتعدى بنفسه وباللام ، وتقدم تحقيقه في قوله : { فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي } . ونقل تاج القراء أن " أجَابَ " عام ، و " اسْتَجَابَ " خاص في حصول المطلوب . قال الحسن : ما زالوا يقولون ربنا ربنا حتى استجاب لهم . وقال جعفر الصادق : من حزبه أمرٌ فقال خمس مرات " ربّنا " نجّاه مما يخاف ، وأعطاه ما أراد ، قيل : وكيف ذلك ؟ قال اقرءوا : { ٱلَّذِينَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً } [ آل عمران : 191 ] إلى قوله : { إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ ٱلْمِيعَادَ } [ آل عمران : 194 ] . قوله تعالى : { أَنِّي لاَ أُضِيعُ } الجمهور على فتح " أن " والأصل : بأني ، فيجيء فيها المذهبان ، وقل أن يأتي على هذا الأصل ، وقرأ عيسى بن عمر بالكسر ، وفيها وجهان : أحدهما : على إضمار القول أي : فقال : إني . والثاني : أنه على الحكاية بـ " استجاب " ؛ لأن فيه معنى القول ، وهو رأي الكوفيين . قوله : " لا أضيع " الجمهور على " أضيع " من أضاع ، وقرئ بالتشديد والتضعيف ، والهمزة فيه للنقل كقوله : [ الطويل ] @ 1717 - كمُرْضِعَةٍ أوْلاَدَ أخْرَى وَضَيَّعَتْ بَنِي بَطْنِهَا هَذَا الضَّلالُ عَنِ الْقَصْدِ @@ قوله : " منكم " في موضع جر صفة لـ : " عامل " ، أي : كائناً منكم . قوله : { من ذكر وأنثى } فيه خمسة أوجهٍ : أحدها : أن " مِنْ " لبيان الجنسِ ، بيِّن جنس العامل ، والتقدير : الذي هو ذكرٌ أو أنثى ، وإن كان بعضهم قد اشترطَ في البيانيةِ أنْ تدخلَ على معرَّفٍ بلامِ الجنسِ . ثانيها : أنَّهَا زائدةٌ ، لتقدم النفي في الكلام ، وعلى هذا فيكون { مِّن ذَكَرٍ } بدلاً من نفس " عَامِلٍ " ، كأنه قيل : عامل ذكر أو أنثى ، ولكنْ فيه نظرٌ ؛ من حيثُ إنَّ البدلَ لا يُزاد فيه " من " . ثالثها : أنها متعلقة بمحذوف ؛ لأنها حالٌ من الضمير المستكن في " مِنْكُمْ " ؛ لأنه لما وقع صفة تحمَّل ضميراً ، والعامل في الحال العامل في " مِنْكُمْ " أي : عامل كائن منكم كائناً من ذكر . رابعها : أن يكون " مِنْ ذكرٍ " بدلاً من " مِنْكُمْ " قال أبو البقاء : " وهو بدلُ الشيء من الشيء ، وهما لعين واحدة " . يعني فيكون بدلاً تفصيليًّا بإعادة العامل ، كقوله : { لِلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ } [ الأعراف : 75 ] وقوله : { لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِٱلرَّحْمَـٰنِ لِبُيُوتِهِمْ } [ الزخرف : 33 ] وفيه إشكالٌ من وجهينِ : الأول : أنه بدل ظاهر من حاضر في بدل كل من كل ، وهو لا يجوز إلا عند الأخفش ، وقيَّد بعضُهم جوازه بأن يفيد إحاطة ، كقوله : [ الطويل ] @ 1718 - فَمَا بَرِحَتْ أقْدامُنَا فِي مَكَانِنَا ثَلاَثَتُنَا حَتَّى أرينَا الْمَنَائِيَا @@ وقوله تعالى : { تَكُونُ لَنَا عِيداً لأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا } [ المائدة : 114 ] فلما أفاد الإحاطةَ والتأكيدَ جاز ، واستدل الأخْفَش بقول الشّاعرِ : [ البسيط ] @ 1719 - بِكُمْ قُرَيْشٍ كُفِينَا كُلَّ مُعْضِلَةٍ وَأمَّ نَهْجَ الْهُدَى مَنْ كَانَ ضِلِّيلا @@ وقول الآخرِ : [ الطويل ] @ 1720 - وَشَوْهَاءَ تَعْدُو بِي إلَى صَارِخِ الْوَغَى بِمُسْتَلئِمٍ مِثْلِ الْفَنِيقِ المُدَجَّلِ @@ فـ " قريش " بدلٌ من " كم " و " بمستلئم " بدل من " بي " بإعادة حرف الجر ، وليس ثَمَّ إحاطة ولا تأكيد ، فمذهبه يتمشى على رأي الأخفشِ دون الجمهورِ . الثاني : أن البدلَ التفصيليّ لا يكون بـ " أو " إنما يكون بالواو ؛ لأنها للجمع . كقولِ الشّاعرِ : [ الطويل ] @ 1721 - وَكُنْتُ كَذِي رِجْلَيِنِ رِجْلٍ صَحِيحَةٍ وَرِجْلٍ رَمَى فِيهَا الزَّمَانُ فَشَلَّتِ @@ ويُمكن أن يجابَ عنه بأن " أو " قد تأتي بمعنى الواو . كما في قول الشّاعرِ : [ الكامل ] @ 1722 - قَوْمٌ إذَا سَمِعُوا الصَّرِيخَ رَأَتَهُمْ مَا بَيْنَ مُلْجِمِ مُهْرِهِ أوْ سَافِعِ @@ فـ " أو " بمعنى الواو ، لأن " بين " لا تدخل إلا على متعدد ، وكذلك هنا لما كان " عامل " عاماً أبْدِلَ منه على سبيل التوكيدِ ، وعطف على أحد الجزأين ما لا بد له منه ؛ لأنه لا يؤكَّد العموم إلا بعموم مثله . خامسها : أن يكون { مِّن ذَكَرٍ } صفة ثانية لـِ " عامل " قصد بها التوضيح ، فيتعلق بمحذوف كالتي قبلها . قوله : { بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ } مبتدأٌ وخبرٌ ، وفيه ثلاثةُ أوجهٍ : الأولُ : أنَّ هذه الجملةَ استئنافيةٌ ، جيء بها لتبيين شركة النساء مع الرجالِ في الثَّواب الذي وَعَدَ الله به عباده العاملين ؛ لأنه روي في سبب النزولِ ، أنَّ أمَّ سلمة رضي الله عنها قالت : يَا رَسُولَ اللَّهِ إني لأسْمَع الله يذكر الرِّجَالَ في الهجرة ، ولا يذكر النَِّسَاءَ ، فنزلت الآية . والمعنى : كما أنكم من أصلٍ واحدٍ ، وأن بعضكم مأخوذٌ من بعضٍ ، كذلك أنتم في ثواب العملِ ، لا يُثابُ عامل دون امرأةٍ عاملةٍ . وعبَّر الزمخشريُّ عن هذا بأنها جملة معترضة ، قال : " وهذه جملةٌ معترضةٌ ثبت بها شركة النساءِ مع الرّجال فيما وعد اللَّهُ عباده العاملينَ " . ويعني بالاعتراض أنها جيء بها بين قوله : { عَمَلَ عَامِلٍ } وبين ما فُصِّل به عملُ العاملِ من قوله : { فَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ } ولذا قال الزمخشريُّ : { فَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ } تفصيل لعمل العاملِ منهم على سبيل التعظيمِ لَهُ . الثاني : أنَّ هذه الجملَة صِفَةٌ . الثالث : أنَّها حالٌ ، ذكرهما أبو البقاءِ ، ولم يُعيِّن الموصوف ولا ذا الحال ، وفيه نظرٌ . قال الكلبي : { بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ } في الدين والنصرة والموالاة . وقيل : كلكم من آدم وحوَّاء ، وقال الضّحّاك : [ رجالكم ] شكب نسائكم ، ونساؤكم شكل رجالِكم في الطاعات ؛ لقوله : { وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ } [ التوبة : 71 ] . وقيل : " مِنْ " بمعنى اللامِ ، أي : بعضكم لبعض ومثل بعض في الثّواب على الطاعة والعقاب على المعصية . قال القفَّالُ : هذا من قولكم : فلان مني ، أي : عَلَى خلقي وسيرتي . قال تعالى : { فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي } [ البقرة : 249 ] وقال - عليه السَّلامُ : " مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا " فقوله : { بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ } أي : بعضكم شبه بعض في استحقاق الثوابِ على الطَّاعة والعقاب على المعصية . فصل ليس المرادُ أنه لا يُضِيع نفس العمل ؛ لأن العملَ - كما وجد - تلاشى وفني ، بل المرادُ أنه لا يُضِيع ثوابَ العملِ ، والإضاعة : عبارة عن تَرْكِ الإثابةِ ، " لاَ أضِيعُ " نفي للنفي ، فيكون إثباتاً ، فيصير المعنى : إني أوَصِّل ثوابَ أعمالِكم إليكم ، وإذا ثبت ذلك فالآية دالَّةٌ على أن أحَداً من المؤمنين لا يُخَلَّد في النار ؛ لأنه بعمله الصالح استحق ثواباً ، وبمعصيته استحق عقاباً ، فلا بد من وصولهما إليه - بحكم هذه الآية - والجمع بينهما مُحَالٌ ، فإما أن يقدم الثواب ، ثم يعاقب ، وهو باطلٌ بالإجماعِ ، أو يقدم العقاب ، ثم ينقل إلى الثّوابِ . وهو المطلوب . فإن قيلَ : القوم طلبوا - أولاً - غفران الذنوب ، وثانياً : إعطاء الثواب ، فقوله : { أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنْكُمْ مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ } إجابة لهم في إعطاء الثواب ، فأين الجوابُ في طلب غُفْران الذنوب . فالجواب أنه لا يلزم من إسقاط العذاب حصول الثواب ، لكن يلزم من حصول الثّوابِ إسقاط العذاب فصار قوله : { أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنْكُمْ } إجابةً لدعائهم في المطلوبَيْن . قال ابنُ الخطيبِ : " وعندي - في الآية - وَجْه آخر ، وهو أن المراد من قوله : { أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنْكُمْ } أي لا أُضيع دُعاءكم . وعدم إضاعة الدعاء عبارة عن إجابة الدعاء ، فكان المراد منه أنه حصلت إجابة دعائكم في كل ما طلبتموه وسألتموه " . قوله : { فَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ } مبتدأ ، وقوله : { لأُكَفِّرَنَّ } جواب قسم محذوف ، تقديره : والله لأكَفِّرَنَّ ، وهذا القسم وجوابه خبر لهذا المبتدأ . وفي هذه الآية ونظائرها من قوله تعالى : { وَٱلَّذِينَ جَاهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا } [ العنكبوت : 69 ] وقولِ الشاعر : [ الكامل ] @ 1723 - جَشَأتْ فَقُلْتُ اللَّذْ جَشَأتِ لَيَأتِيَنْ وَإذَا أتَاكِ فَلاَتَ حِينَ مَنَاصِ @@ رَدٌّ على ثعلبٍ ؛ حيث زعم أن الجملةَ القسميةَ لا تقع خبراً ، وله أن يقول : هذه معمولة لقول مُضْمَر هو الخبرُ - وله نظائر . والظاهرُ أن هذه الجُمَل - التي بعد الموصولِ - كُلَّها صِلات له ، فلا يكون الخبرُ إلا لمن جمع بين هذه الصفاتِ : المهاجرة ، والقَتْل ، والقتال . ويجوز أن يكون ذلك على التنويع ، ويكون قد حَذف الموصولات لفَهْم المعنى وهو مذهب الكوفيين كما تقدم ، والتقدير : فالذين هاجروا والذين أخْرِجوا ، والذين قاتلوا ، فيكون الخبر بقوله : { لأُكَفِّرَنَّ } عمن اتصف بواحدةٍ من هذه . وقرأ جمهورُ السبعة : " وَقَاتَلُوا وَقُتِلوا " ببناء للفاعلِ من المفاعَلةِ ، والثاني للمفعول ، وهي قراءة واضحة . وابنُ عامرٍ ، وابن كثيرٍ كذلك ، إلا أنهما شدَّدَا التاء من " قُتلوا " للتكثير ، وحمزة والكسائي بعكس هذا ، ببناء الأولِ للمفعول ، والثاني للفاعلِ ، وتوجيه هذه القراءة بأحدِ معنيينِ : الأول : أنّ الواو لا تقتضي الترتيب ، كقوله : { وَٱسْجُدِي وَٱرْكَعِي } [ آل عمران : 43 ] فلذلك قدم معها ما هو متأخرٌ عنها في المعنى ، هذا إن حَمَلْنا ذلك على اتحاد الأشخاصِ الذِينَ صدر منهم هذانِ الفعلانِ . الثاني : أن تحمل ذلك على التوزيع ، أي : منهم مَنْ قُتِل ، ومنهم مَنْ قاتل كقولهم : قُتِلْنا ورَبِّ الكعبة إذا ظهرت أماراتُ القتلِ فيهم وهذه الآيةُ في المعنى كقوله : { قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ } [ آل عمران : 146 ] والخلافُ في هذه كالخلافِ في قوله : { فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ } [ التوبة : 111 ] والتوجيهُ هناك كالتوجيهِ هنا . وقرأ عمر بن عبد العزيز وقَتَلوا وقُتِلوا - ببناء الأولِ للفاعل ، والثاني للمفعول - من " فعل " ثلاثياً ، وهي كقراءة الجماعة ، وقرأ محارب بن دثار : وقَتَلوا وقَاتَلُوا - ببنائهما للفاعل - وقرأ طلحة بن مُصرِّف : وقُتِّلوا وقاتلوا ، كقراءة حمزة والكسائي ، إلا أنه شدد التاء ، والتخريج كتخريج قراءتهما . ونقل أبو حيّان - عن الحسنِ وأبي رجاء - قاتلوا وقتّلوا ، بتشديد التاءِ من " قُتّلوا " وهذه هي قراءة ابن كثيرٍ وابن عامرٍ - كما تقدم - وكأنه لم يعرف أنها قراءتهما . فصل هذه في المهاجرينَ الذين أخرجهم المشركون من ديارهم ، فقوله : { وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي } أي : في طاعتي وديني . { لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ ثَوَاباً } قوله : " ثواباً " في نصبه ثمانية أوجهٍ : أحدها : أنه نصب على المصدر المؤكد ؛ لأن معنى الجملةِ قبله تقتضيه ، والتقدير : لأثيبَنَّهم إثابة أو تثويباً ، فوضع " ثَوَاباً " موضع أحد هذينِ المصدرينِ ؛ لأن الثوابَ - في الأصل - اسم لما يُثَابُ به ، كالعطاء - اسم لما يُعْطَى - ثم قد يقعان موضع المصدر ، وهو نظير قوله : { صُنْعَ ٱللَّهِ } [ النمل : 88 ] و { وَعْدَ ٱللَّهِ } [ القصص : 13 ] في كونهما مؤكدينِ . ثانيهما : أن يكون حالاً من " جَنَّاتٍ " أي : مثاباً بها - وجاز ذلك وإن كانت نكرة ؛ لتخصصها بالصفة . ثالثها : أنها حالٌ من ضمير المفعول ، أي : مثابين . رابعها : أنه حالٌ من الضمير في " تَجْرِي " العائد على " جَنَّات " وخصَّص أبو البقاء كونه حالاً بجَعْله بمعنى الشيء المُثَاب بِهِ ، قال : وقد يقع بمعنى الشيء المثاب به ، كقولك : هذا الدرهم ثوابك ، فعلى هذا يجوز أن يكونَ حالاً من [ ضمير الجنّاتِ ، أي : مثاباً بها ، ويجوز أن يكون حالاً من ] ضمير المفعول به في " لأدْخِلَنَّهُم " . خامسها : نصبه بفعل محذوف ، أي : نعطيهم ثواباً . سادسها : أنه بدل من " جَنَّاتٍ " وقالوا : على تضمين " لأدْخِلَنَّهُمْ " لأعْطِيَنَّهُمْ ، لما رأوا أنَّ الثوابَ لا يصح أن ينسب إليه الدخولُ فيه ، احتاجوا إلى ذلك . ولقائل أن يقول : جعل الثواب ظرفاً لهم ، مبالغة ، كما قيل في قوله : { تَبَوَّءُوا ٱلدَّارَ وَٱلإِيمَانَ } [ الحشر : 9 ] . سابعها : أنه نصب على التمييز ، وهو مذهب الفرّاء . ثامنها : أنه منصوبٌ على القطعِ ، وهو مذهبُ الكسائيّ ، إلا أن مَكِّياً لما نقل هذا عن الكسائي فَسَّر القطع بكونه على الحالِ ، وعلى الجملة فهذانِ وجهانِ غريبانِ . وقوله : { مِّن عِندِ ٱللَّهِ } صفةٌ له ، وهذا يدل على كون ذلك الثَّوابِ في غايةِ الشرف ، كقول السلطانِ العظيم : أخلع عليك خلعة من عندِي . قوله : { وَٱللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ ٱلثَّوَابِ } الأحسن أن يرتفع { حُسْنُ ٱلثَّوَابِ } على الفاعلية بالظرف قبله ؛ لاعتماده على المبتدأ قَبْله ، والتقدير : والله استقر عنده حُسْنُ الثَّوابِ . ويجوز أن يكون مبتدأ ، والظرف قبله خبره ، والجملة خبرُ الأولِ . وإنما كان الوجه الأول أحسنَ ؛ لأنّ فيه الإخبار بمفرد - وهو الأصل - بخلاف الثّانِي ، فإنَّ الإخبار فيه بجملة وهذا تأكيد لكونه ذلك الثوابِ في غايةِ الشرفِ .