Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 199-199)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قال جابرٌ ، وابنُ عبّاسٍ ، وقتادةُ ، وأنسٌ : " نزلت في النجاشي - ملك الحبشة - واسمه أصْحَمة ، وهو - بالعربية - عطية ، وذلك أنه لما مات نعاه جبريلُ - عليه السّلام - لرسول الله صلى الله عليه وسلم في اليوم الذي مات فيه ، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه : اخرجوا ، فصلُّوا على أخ لكم مات بِغَيْر أرْضِكم ، فقالوا : مَنْ هو ؟ قال النجاشيُّ ، فخرج إلى البقيع ، وكُشِفَ له إلى أرض الحبشةِ ، فأبصر سريرَ النجاشي ، وصَلَّى عليه أربعَ تكبيراتٍ ، واستغفر له ، فقال المنافقون : انظروا إلى هذا يُصلي على عِلجٍ حبشيٍّ ، نصرانيٍّ ، لم يَرَه قطّ ، وليس على دينه . " فأنزل اللَّه هذه الآية . قال عطاءٌ : نزلت في أربعينَ رجلاً من أهل نجرانَ ، واثنينَ وثلاثينَ من الحبشة ، وثمانيةٍ من الرُّوم ، كانوا على دينِ عيسى فآمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم . قال ابن جُرَيْحٍ : نزلت في عبد اللَّهِ بن سلام وأصحابه . وقال مُجَاهدٌ : نزلتْ في مؤمني أهل الكتاب كُلِّهم . قوله : { لَمَن يُؤْمِنُ } اللام لام الابتداء ، دخلت على اسم " إنَّ " لتأخُّرهِ عنها ، و " مِنْ أهْلِ " خبرٌ مقدَّمٌ و " من " يجوز أن تكونَ موصولةً - وهو الأظهر - وموصوفة ، أي : لـ " قوماً " ، و " يؤمن " صلة - على الأول - فلا محلَّ له ، وصفة - على الثاني - فمحله النصب ، وأتى - هنا - بالصِّلة مستقبلة - وإن كان ذلك قد مضى - دلالة على الاستمرار والديمومة . والمعنى : إن من أهْلِ الكتابِ مَنْ يُؤمِن باللَّهِ وما أنْزِل إليكم ، وهو القرآنُ ، وما أنْزِلَ إلَيْهَم ، وهو التوراة والإنجيل . قوله : { خَاشِعِينَ } فيه أربعةُ أوجهٍ : أحدها : أنه حالٌ من الضمير في " يؤمن " وجَمَعَه ، حَمْلاً على معنى " مَنْ " كما جمع في قوله : " إلَيْهِمْ " وبدأ بالحمل على اللفظ في " يُؤْمِن " ثم بالحَمْلِ على المعنى ؛ لأنه الأولى . ثانيها : أنه حال من الضمير في " إلَيْهِمْ " فالعامل فيه " أنْزِلَ " . ثالثها : أنه حال من الضمير في " يَشْتَرُون " وتقديم ما في حيِّز " لا " عليها جائز على الصحيح وتقدم شيء من ذلك في الفاتحة . رابعها : أنه صفة لـِ " من " إذا قيل بأنها نكرة موصوفة . وأما الأوجه الثلاثة السابقة فجائزة ، سواء كانت موصولةٌ ، أو نكرة موصوفة . قوله : " للَّهِ " فيه وجهان : أحدهما : أنه متعلق بـ " خَاشِعِينَ " أي : لأجل الله . ثانيهما : أنه متعلق بـ " لاَ يَشْتَرُونَ " ذكره أبو البقاء ، قال : " وهو في نية التأخير ، أي : لا يشترون بآيات الله ثمناً قليلاً لأجل الله " . قوله : { لاَ يَشْتَرُونَ } كقوله : { خَاشِعِينَ } إلا في الوجه الثالث ، لتعذره ، ويزيد عليها وجهاً آخر ، وهو أن يكون حالاً من الضمير المستكن في " خَاشِعينَ " أي : غير مشترين . وتقدم معنى الخشوع والاشتراء وما قيل فيه في البقرة . ومعناه : أنهم لا يُحَرِّفُونَ كُتُبَهم ، ولا يكتمون صفة محمد صلى الله عليه وسلم لأجل الرياسة والمأكلة ، كفعل غيرهم من رؤساءِ اليهودِ . واعلم أنه - تعالى - لما بيَّن أنَّ مصير الكفار إلى العقاب ، بيَّن - هنا - أنَّ مَنْ آمنَ منهم فإن مَصيرَه إلى الثّوابِ . وقد وصفهم بصفات : أولها : الإيمان بالله . ثانيها : الإيمان بما أُنْزِلَ على محمد صلى الله عليه وسلم . وثالثها : الإيمان بما أُنْزِلَ على الأنبياء قَبْلَه . ورابعها : كونهم خَاشِعِينَ لله . وخامسها : أنهم لا يشترون بآيات الله ثَمَناً قَلِيلاً ، كما يفعله أهلُ الكتابِ ممن كان يكتم أمرَ الرسول صلى الله عليه وسلم . قوله : { أُوْلۤـٰئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ } " أولئك " مبتدأ ، وأما " لَهُمْ أجْرُهُمْ " ففيه ثلاثة أوجه : أحدها : أن يكون " لَهُمْ " خبراً مقدَّماً ، و " أجْرُهُمْ " مبتدأ مؤخر ، والجملة خبر الأول ، وعلى هذا فالظرفُ فيه وجهانِ : الأول : أنه متعلق بـ " أجْرُهُمْ " . الثاني : أنه حال من الضمير في " لَهُمْ " وهو ضمير الأجر ، لأنه واقع خبراً . ثانيها : أن يرتفع " أجْرُهُمْ " بالجارِّ قبله ، وفي الظرف الوجهان ، إلا أنّ الحال من " أجْرُهُمْ " الظاهر ؛ لأن " لَهُمْ " لا ضمير فيه حينئذ . ثالثها : أن الظرف هو خبر " أجْرُهُمْ " و " لَهُمْ " متعلق بما تعلَّق به من هذا الظرف من الثبوت والاستقرار . ومن هنا إلى آخر السورة تقدم إعراب نظائره .