Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 200-200)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قال ابنُ الخطيبِ : " ختم هذه السورة بهذه الآية المشتملة على جميع الآدابِ ، وذلك لأن أحوال الإنسان قسمان : منها ما يتعلق به وحده ، ومنها ما يكون مشتركاً بينه وبين غيره ، أما القسم الأول فلا بُدَّ فيه من الصَّبْر ، وأما القسم الثاني فلا بد فيه من المصابرة " . قال الحسن : اصبروا على دينكم ، فلا تدعوه لشِدَّةٍ لا رَخَاءٍ . وقال قتادة : اصبروا على طاعةِ الله ، وصابروا أهل الضلالة ، ورابطوا في سبيل الله . وقال الضحاكُ ، ومقاتل بنُ سليمان : على أمر اللَّهِ . وقال مقاتلُ بن حيان : على فرائض الله . وقال زيد بن أسلم : على الجهاد . وقال الكلبيّ على البلاء . واعلم أن الصبر يدخل تحته أنواع : الصبر على مشقّة النظر والاستدلال على الطاعات ، وعلى الاحتراز عن المنهيَّات ، وعلى شدائد الدُّنْيا من الفَقْر ، والقحط والخوف ، وأما المصابرة فهي تَحَمُّل المكاره الواقعة بينه وبيْنَ غيره ، كتحَمُّل الأخلاق الردئيةِ من أهله وجيرانه وترك الانتقام كقوله تعالى : { وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْجَاهِلِينَ } [ الأعراف : 199 ] وإيثار الغير على نفسه ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . وقوله : { ٱصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ } من الجناس اللفظي ، وكذلك قوله : { ٱثَّاقَلْتُمْ إِلَى ٱلأَرْضِ أَرَضِيتُمْ } [ التوبة : 38 ] " وصابروا " يعني الكفار ، " ورابطوا " يعني المشركين . قال أبو عبيدة : " أي : اثبتوا ودَاوِمُوا " والربطُ : الشد ، وأصل المرابطة : أن يربط هؤلاء خيولهم وهؤلاء خيولهم بحيث يكون كل من الخصمين مستعداً لقتال الآخرِ ثم قيل لكل مقيم في ثَغْرٍ يدفع عَمَّنْ وراءه : مرابط ، وإن لم يكن له مركوبٌ مربوطٌ . قال - عليه السلام - : " رِباط يَوْم في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها وما عليها ، وموضع سَوْطِ أحَدِكم من الجنة خير من الدنيا وما فيها وما عليها ، والروحة يروحها العبد في سبيل الله أو الغدوة خير من الدنيا وما عليها " . { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } قال بعضهم : اصبروا على النَّعْماء ، وصابروا على البأساء والضراء ، ورابطوا في دار الأعداء ، واتقوا إله الأرض والسماء ، لعلكم تفلحون في دار البقاء . وقيل : المرابطة : انتظار الصلاة بعد الصلاة لما روى أبو سلمةَ بن عبد الرحمن ، قال : لم يكن في زمنِ رسول الله صلى الله عليه وسلم غزو يرابط فيه ، وإنما نزلت هذه الآية في انتظار الصلاة بعد الصلاة . واحتج أبو سلمة بقوله صلى الله عليه وسلم : " ألاَ أدلُّكم عَلَى مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا ، ويَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ ؟ إسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ ، وَكَثْرةُ الْخُطَا إلى المَسَاجِدِ ، وانْتِظَارُ الصَّلاَةِ بَعْدَ الصَّلاةِ ثُمَّ قَالَ : فَذلِكُمُ الرِّبَاطُ " ثلاث مراتٍ - وقيل الرباط : اللزوم والثبات ، وهذا المعنى يعم ما تقدم . روى ابنُ عباسِ ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَنْ قرأ السُّورَةَ الَّتِي يُذكر فِيهَا آل عِمْرانَ يَومَ الْجُمُعَةِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَمَلاَئِكَتهُ حَتَّى تُحْجَب الشَّمس " . وعن أبَيٍّ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَنْ قرأ آلِ عمرانَ أعْطي بكل آيةٍ منها أمَاناً على جِسْر جَهَنَّمَ " وعن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَنْ قَرَأ آلَ عِمْرَانَ فَهُوَ غَنِيٌّ " . وعن العرس بن عُمَيْرَةَ قال : سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول : " تَعَلَّمُوا البَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ ؛ فَإنَّهُمَا الزَّهْرَاوَانِ ، وَإنَّهُمَا يَأتِيَانِ يَوْمَ القِيَامَةِ فِي صُورَةِ مَلَكَيْنِ يَشْفَعَانِ لَصَاحِبِهمَا حَتَّى يُدْخِلاَهُ الْجَنَّةَ " . قيل : سُمِّيتَ البَقَرَةُ وآل عمران بالزَّهْرَاوَيْنِ ؛ لأنهما نُورَان ، مأخوذ من الزَّهر والزَّهرة . وقيل : لِهِدَايَتِهِمَا قَارِئهُمَا بما يُزْهِرُ له من نُورِهما ، أي مَعَانيهما . وقيل : لما يُثِيبُ على قراءتها من النُّورِ التَّامِّ يوم القيامة . وقيل : لما تَضَمَّنَتَاهُ من اسْمِ الله الأعظمِ ، كما " رَوَى أبو دَاوُدَ وغيره عن أسْمَاءَ بنت يَزيدَ ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : اسْمُ اللَّهِ الأعْظَمُ فِي هَاتَيْنِ الآيَتَيْنِ : { وَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلرَّحْمَـٰنُ ٱلرَّحِيمُ } [ البقرة : 163 ] ، والتي في آل عمران : { ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } [ آل عمران : 2 ] . "