Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 92-92)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

النيل : إدراك الشيء ولحوقه . وقيل : هو العطية . وقيل : هو تناول الشيء باليد ، يقال : نِلْتُه ، أناله ، نَيْلاً ، قال تعالى : { وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً } [ التوبة : 120 ] . وأما النول - بالواو - فمعناه التناول ، يقال : نِلتُه ، أنوله ، أي تناولته ، وأنلْته زيداً ، وأنوله إياه ، أي ناولته إياه ، كقولك : عطوته ، أعطوه ، بمعنى : تناولته ، وأعطيته إياه - إذا ناولته إياه . قوله : " حتى تنفقوا " بمعنى إلى أن ، و " مِن " في " مما تحبون " تبعيضية يدل عليه قراءة عبد الله : بعض ما تحبون . قال شهاب الدين : " وهذه - عندي - ليست قراءة ، بل تفسير معنى " . وقال آخرون : " إنها للتبيين " . [ وجوز أبو البقاء ذلك فقال : " أو نكرة موصوفة ولا تكون مصدرية ؛ لأن المحبة لا تنفق ، فإن جعلت المحبة بمعنى : المفعول ، جاز على رأي أبي علي " يعني يَبْقى التقدير : من الشيء المحبوب ، وهذان الوجهان ضعيفان والأول أضعف ] . فصل لما بيَّن أن نفقتهم لا تنفع ذكَر - هنا - ما ينفع ، فإن من أنفق مما يُحِبُّ كان من جملة الأبرار المذكورين في قوله : { إِنَّ ٱلأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ } [ الانفطار : 13 ] ، وغيرها . قال ابن الخطيب : " وفي هذا لطيفة ، وهي أنه - تعالى - قال في سورة البقرة - : { وَلَـٰكِنَّ ٱلْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِر } [ البقرة : 177 ] وقال - هنا - { لَن تَنَالُواْ ٱلْبِرَّ حَتَّىٰ تُنْفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ } والمعنى : لو فعلتم ذلك المتقدم كله ، لا تفوزون بالبر حتى تُنْفقوا مما تُحِبُّون ، وذلك يدل على أن النفقة من أفضل الطاعات . فإن قيل : " حتى " لانتهاء الغاية ، فتقتضي الآية أن من أنفق مما يحب ، صار من جملة الأبرار ، ونال البر وإن لم يأت بسائر الطاعات . فالجواب : أن المحبوب إنما يُنفق إذا طمع المنفِق فيما هو أشرف منه ، فلا ينفق المرءُ في الدنيا إلا إذا أيقن سعادة الآخرة ، وذلك يستلزم الإقرار بالصانع ، وأنه يجب عليه الانقيادُ لأوامره وتكاليفه ، وذلك يعتمد تحصيل جميع الخصال المحمودة في الدين " . فصل قال ابنُ عَبَّاسٍ وابنُ مَسْعُودٍ ومُجَاهِدٌ : البرّ : الجنة . وقال مقاتل بن حيان : البرّ التقوى . كقوله : { وَلَـٰكِنَّ ٱلْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِر } [ البقرة : 177 ] إلى قوله : { وَأُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُتَّقُونَ } [ البقرة : 177 ] . وقيل : البر " الطاعة . فالذين قالوا : إن البر هو الجنة قال بعضهم : معناه لن تنالوا ثواب البر . ومنهم من قال : المراد بر الله أولياءه ، وإكرامه إياهم ، وتفضله عليهم ، من قولهم : بَرَّني فلان بكذا أو بِرُّ فلان لا ينقطع عني . وقوله : " مما تحبون " قال بعضهم : إنه نفس المال . وقال آخرون : أن تكون الهبة رفيعة جيدة لقوله تعالى : { وَلاَ تَيَمَّمُواْ ٱلْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُون } [ البقرة : 267 ] . وقال آخرون : ما يكون محتاجاً إليه القوم ؛ قال تعالى : { وَيُطْعِمُونَ ٱلطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّه } [ الإنسان : 8 ] - في أحد تفاسير الحُبِّ - وقوله : { وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَة } [ الحشر : 9 ] . وقال صلى الله عليه وسلم : " أفْضَلُ الصَّدَقَةِ مَا تَصَدَّقْتَ بِهِ وَأنْتَ صَحِيحٌ ، شَحِيحٌ ، تَأمُلُ الغِنَى وتَخْشَى الْفَقْرَ " . روى الضحاك عن ابن عباس : أن المراد به : الزكاة . قال ابْنُ الخَطِيبِ : لو خصصنا الآية بغير الزكاة لكان أوْلَى ؛ لأن الآية مخصوصة بإيتاء الأحَبّ ، والزكاة الواجبة لا يجب على المزكِّي أن يُخرج أشرف أموال ، أو أكرمها ، بل الصحيح أن هذه الآية مخصوصة بإيتاء المال على سبيل النَّدْب . ونقل الواحدي عن مجاهد والكلبي ، أن هذه الآية منسوخة بإيتاء الزكاة ، وهذا في غاية البُعْد ؛ لأن إيجاب الزكاة كيف ينافي الترغيب في بَذْل المحبوب لوجه الله . قوله : { وَمَا تُنْفِقُواْ مِن شَيْءٍ } تقدم نظيره في البقرة . فإن قيل : لِمَ قيل : { فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ } على جهة جواب الشرط ، مع أن الله يعلمه على كل حال ؟ فالجواب من وجهين : الأول : أن فيه معنى الجزاء ، تقديره : وما تُنْفِقُوا من شيء فإن الله مجازيكم به - قَلَّ أم كَثر - ، لأنه عليم به ، لا يَخْفَى عليه شيء منه ، فجعل كونه عالماً بذلك الإنفاق كناية عن إعطاء الثواب ، والتعريض - في مثل هذا الموضع - يكون أبلغ من التصريح . الثاني : أنه - تعالى - يعلم الوجه الذي لأجله تفعلونه ، ويعلم أن الداعي إليه هو الإخلاص أم الرياء ، ويعلم أنكم تنفقون الأحب الأجود أم الأخسّ الأرذل ، ونظيره قوله تعالى : { وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ ٱللَّه } [ البقرة : 197 ] ، وقوله : { وَمَآ أَنفَقْتُمْ مِّن نَّفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِّن نَّذْرٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُه } [ البقرة : 270 ] أي : يبينه ويجازيكم على قدره .