Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 30, Ayat: 45-47)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : " لِيَجْزِيَ " في مُتَعَلَّقِهِ أوجه : أحدها : " يمهدون " . والثاني : " يَصِّدَّعُونَ " . والثالث : محذوف . ( و ) قال ابن عطية : تقديره : " ذلك لِيَجْزِيَ " وتكون الإشارة إلى ( ما تقدر مِنْ ) قوله : " من كفَر ومَنْ عَمِلَ " . هَذا قوله وجعل أبو حيان قسيم قوله : { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ } محذوفاً لدلالة قوله { إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْكَافِرِينَ } عليه هذا إذا علقت اللام بـ " يَصَّدَّعُونَ " أو بذلك المحذوف ، قال : تقديره " ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات من فضله والكافرين بعدله " . فصل قال ابن عباس : " ليجزي الذين آمنوا وعملوا ليثيبهم الله أكثر من ثواب أعمالهم " . قوله : { وَمِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلَ ٱلرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ } لما ذكر ظهور الفساد والهلاك بسبب الشرك ذكر ظهور الصلاح ولم يذكر أنه سببب العمل الصالح لأن الكريم لا يذكر لإحسانه عوضَاً ويذكر لإضراره سبباً لئلا يتوهم ( بِهِ ) الظلم فقال : { يُرْسِلَ ٱلرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ } قيل : بالمطر كما قال تعالى : { بُشْرَاً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ } [ النمل : 63 ] ، أي قبل الفطرة ، وقيل مبشرات بصلاح الأَهْوِية والأحوال ؛ فإن الرياح لو لم تَهُبّ لظهر الوباء والفساد وقرأ العامة : " الرياح " جميعاً لأجل " مبشرات " ، والأعمش بالإفراد ، وأراد الجنس لأجل " مبشرات " . قوله : " وَلِيُذِيقَكُمْ " إما عطف على معنى مبشرات لأن الحال والصفة يُفْهمان العلة فكان التقدير : " ليبشّر وليذيقكم " وإما أن يتعلق بمحذوف أي وليذيقكم أَرْسَلَها ، وإما أن يكون الواو مزيدة على رأي فتتعلق اللام بأن يرسل . قوله : { وَلِيُذِيقَكُمْ مِّن رَّحْمَتِهِ } ( نعمته ) بالمطر أو الخَصْب { وَلِتَجْرِيَ ٱلْفُلْكُ } لما أسند الفعل إلى الفلك عقبه بقوله " بأَمْرِهِ " أي الفعل ظاهر عليه ولكنه بأمر الله ، والمعنى في ولتجري الفلك في البحر بهذه الرياح بأمره وكذلك لما قال : " وَلتَبْتَعوا " مسنداً إلى العباد ذكر بعده " مِنْ ( فَضْلِهِ ) " . أي لا استقلال لغيره بشيء ، والمعنى لتطلبوا من رزقه بالتجارة في البحر " ولعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ " هذه النعم . فصل قال تعالى : " ظهر الفساد - ليذيقهم بعض الذي عملوا " ( وقال ههنا : { وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ } فخاطبهم ههنا تشريفاً ، ولأن رحمته قريب من المحسنين والمحسنين قريب فيخاطب والمسمّى مُبْعَد فلم يُخَاطَبْ وقال هناك : { بَعْضَ ٱلَّذِي عَمِلُواْ } [ الروم : 41 ) فأضاف ما أصابهم إلى أنفسهم ، وأضاف ما أصاب المؤمن إلى رحمته فقال : " من رحمته " ؛ لأن الكريم لا يذكر لرحمته وإحسانه عوضاً فلا يقول أعطيتك لأنك فعلت كذا بل يقول هذا لك مني ، وأما ما فعلت من الحسنة فجزاؤه بعد عندي ، وأيضاً فلو قال : أرسلت بسبب فعلكم لا يكون بشارة عظيمة ، وأما إذا قال من رحمته كان غاية البشارة وأيضاً فلو قال : بما فعلتم لكان ذلك موهماً لنُقْصَان ثوابهم في الآخرة ، وأما في حق الكفار فإذا قال بما فعلتم إنما عن نُقْصَانِ عقابهم وهو كذلك وقال هناك : " لعلهم يَرْجِعُونَ " وقال ههنا : ولعلكم تشكرون ، قالوا وإشارة إلى توفيقهم للشكر في النعم فعطف على النعم . ( قوله : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلاً إِلَىٰ قَوْمِهِمْ فَجَآءُوهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ } لما بين الأصلين ) بالبراهين ذكر الأصل الثالث وهو النبوة فقال : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلاً } أي إرسالهم دليل رسالتك فإنهم لم يكن لهم شُغْلٌ غير شُغْلِكَ ولم يظهر عليهم غير ما أظهر عليك ، ومن آمن بهم كان له ( الانتصار ) ومن كَذَّبهم أَصَابَهُمْ البَوَارُ ، وفي تعلق الآية وجه آخر وهو أن الله لما بين بالبراهين ولم ينتفع بها الكفار سَلَّى قلب النبي عليه ( الصلاة و ) السلامَ وقال : حالك كحال من تقدمكم كان كذلك وجاءُوا بالبينات أيضاً : أي بالدلائل والدّلاَلاَتِ الواضحات على صدقهم وكان في قومهم كافرٌ ومؤمنٌ كما في قومك { فَٱنتَقَمْنَا مِنَ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ } عذبنا الذين كذبوهم ونصرنا المؤمنين . ( قوله : ) وَكَانَ حَقّاً ، وقف بعضهم على " حقاً " وابْتَدَأَ بما بعده فجعل اسم " كان " مضمراً فيها و " حقاً " خبرها ، أي وكان الانتقام حقّاً ، قال ابن عطية : وهذا ضعيف لأنه لم ( يَدْرِ ) قدر ما عرضه في نظم الآية يعني الوقف على " حقاً " ؛ وجعل بعضهم " حقاً " منصوباً على المصدر واسم كان ضمير ( الأمر والشأن ) و " علينا " خبر مقدم ، و " نصر " اسم مؤخر ، وجعل بعضهم " حقاً " خبرها و " علينا " متعلق " بحقاً " ، أو بمحذوف صفة له ، فعلى الأول يكون بشارة للمؤمنين الذين آمنوا بمحمد - صلى الله عليه وسلم - أي علينا نَصْرُكُمْ أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ ونصرهم إنجاؤهم من العذاب ، وعلى الثاني معناه وكان حقاً علينا ؛ أي نصر المؤمنين كان حقاً علينا .