Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 30, Ayat: 48-50)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { ٱللَّهُ ٱلَّذِي يُرْسِلُ ٱلرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً } أي تنشره وتبْسطه في السَّمَاء كيف يشاء سيره يوماً أو يومين وأكثر على ما يشاء و " يَجْعَلُهُ كِسَفاً " قطعاً متفرقة ، { فَتَرَى ٱلْوَدْقَ } المطر { يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ } وسطه { فَإِذَا أَصَابَ بِهِ } بِالوَدقِ { مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } أي يفرحون بالمطر . قوله : { وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ } أي وقد كانوا من قبل أن ينزل عليهم . وقيل : وما كانوا ( إلا ) " مُبْلِسِينَ " أي آيسين . قوله : " مِنْ قَبْلِهِ " فيه وجهان : أحدهما : أنه تكرير " لِمنْ قَبْلِ " الأولى على سبيل التوكيد . والثاني : أن يكون غير مُكَرَّر ؛ وذلك ( أن يجعل ) الضمير في " قبله " للسَّحَاب ، وجاز ذلك لأنه اسم جنس يجوز تذكيره وتأنيثه ، أو للريح فتتعلق ( " مِن " الثانية ) بيُنَزِّل . وقيل : يجوز عود الضمير على " كِسَفاً " كذا أطلق أبو البقاء ، وأبو حيان ، وهذه بقراءة من سَكَّنَ السِّينَ . وقد تقدمت قراءات " كسفاً " في " سُبْحَانَ " . وقد أبدى الزمخشريُّ وابنُ عَطِيَّةَ ( فائدة التوكيد المذكور فقال ابن عطية ) أفاد الإعلام بسرعة تقلب قلوب البشر من الإِبلاس إلى الاسْتِبْشَار ، وذلك أن قوله : { مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ } يحتمل الفُسْحَةَ في الزمان أي من قبل أن ينزل بكثيرٍ كالأيام ونحوه ، فجاء قوله : " مِنْ قَبْلِهِ " ( بمعنى ) أن ذلك متصلٌ بالمطر ، فهذا تأكيد مفيد . وقال الزمخشري : ومعنى التأكيد فيه الدلالة على أنَّ عَهْدَهُمْ بالمطر قد نَفَدَ فاستحكم بأسُهُم وتمادى إبلاسهم ، فكان استبشارهم على قدر اغتمامهم بذلك ، وهو كلام حسن ، إِلاَّ أنَّ أبَا حَيَّان لم يَرْتَضِهِ منهما فقال : ما ذكراه من فائدة التأكيد غير ظاهر فإنما هو لمجرد التوكيد ويفيد رفع المجاز انتهى . قال شهاب الدين ولا أدري عَدَمُ الظُّهُورِ لِمَاذَا . قال قُطْرُبٌ : وإنْ كَانُوا من قبل التَّنْزِيل من قبلِ المَطَرِ ، وقيل التقدير من قبل إنْزَالِ المَطَرِ من قبل أن يزرعوا ، ودل المطر على الزرع لأنه يخرج بسبب المطر ودل على ذلك قوله : " فَرَأَوْهُ مُصْفَرّاً " يعني الزرع قال أبو حَيَّانَ : وهذا لا يستقيم ؛ ( لأن ) { مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ } متعلق " بمبلسين " ، ( ولا يمكنُ من قبل الزرع أن يتعلق " بمبلسين " ) ؛ لأن حَرْفَيْ جَرٍّ لا يتعلقان بعامل واحد إلا بوَسَاطَةِ حرف العَطْفِ ( أ ) والبَدَل ، وليس هنا عطف والبدل لا يجوز إذْ إنزالُ الغَيْثِ ليس هو الزرع ولا الزرع بعضه ، وقد يتخيل فيه بدل الاشتمال بتكلف إما لاشتمالِ ( الإنزال ) على الزرع بمعنى أن الزرع يكون ناشئاً عن الإنزال فكأن الإنزال مشتملٌ عليه ، وهذا على مذهب من يقول الأول مشتمل على الثاني . وقال المبرد الثاني السَّحَاب ؛ لأنهم لما رأوا السَّحاب كانوا راجين المَطَرَ انتهى يريد من قبل رؤية السحاب ويحتاج أيضاً إلى حرف عطف ليصح تعلق الحرفين بمبلسين . ( وقال الرُّمانِيُّ من قبل الإِرسال ) ، وقال الكِرْمَانِيُّ : من قبل الاسْتِبْشَار ؛ لأنه قرنه بالإبلاس ، ولأنه ( مَنَّ ) عليهم بالاستبشار ويحتاج قولهما إلى حرف العطف لما تقدم ، وادعاء حرف العطف ليس بالسهل فإن فيه خلافاً بعضهم يَقِيسُه ، وبعضُهم لا يَقِيسُه ، هذا كله في المفردات ، أما إذا كان في الجمل فلا خلاف في اقتياسه . وفي حرف عبد الله بن مسعود : وإنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ ينزل عَلَيْهِمْ لَمُبُلِسِينَ غير مكرر . قوله : { فَٱنظُرْ إِلَىٰ آثَارِ } قرأ أبنُ عامر والأخوانِ وحَفْصٌ بالجمع والباقون بالإفراد , ( وَسلاَّمٌ ) بكسر الهمزة ، وسكون الثاء وهي لغة فيه . وقرأ العامة " كَيْفَ يُحْيِي " بياء الغيبة ، أي أثر الرحمة فيمن قرأ بالإفراد ، ومن قرأ بالجمع فالفعل مسند لله تعالى وهو يحتمل في الإِفْرَادِ والجَحْدَرِيُّ وأَبو حَيْوَة وابْنُ السَّمَيْقع " تُحْيِي " بتاء التأنيث وفيها تخريجان أظهرهما : أن الفاعل عائد على الرحمة . والثاني : قاله أبو الفضل عائد على " أَثَرِ " وأنث " أثر " لاكتسابه بالإضافة التأنيث كنظائر ( له ) تقدمت ، وَرُدَّ عليه بأن شرط ذلك كون المضاف ( بمعنى المضاف ) إليه أو من سببه لا أجنبياً ، وهذا أجنبي و " كَيْفَ يُحْيِي " معلق " لانْظُرْ " وهو في محل نصب على إسقاط الخافض . وقال أبو الفتح : الجملة من " كَيْفَ يُحْيي " في موضع نصب على الحال حملاً على المعنى انتهى . وكيف تقع جملة الطلب حالاً ؟ وأراد برحمة الله هنا المطر أي انْظُرْ إلى حسن تأثيره في الأرض كيف يحيي الأرض بعد موتها ؟ ! . قوله : { إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْييِ ٱلْمَوْتَىٰ } أي إن ذَلك الذي يُحيِي الأرض لمُحْيِي الموتى ، فأَتَى باللام المؤكدة لاسم الفاعل .