Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 31, Ayat: 1-7)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { الۤـمۤ تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ ٱلْحَكِيمِ } تلك إشارة إلى غائب ، والمعنى آيات القرآن ( أي ) آيات الكتاب الحكيم . والحكيم ( قيل ) : فعيلٌ بمعنى مُفْعَل وهذا قليل . قالوا عَقَدْتُ اللَّبَنَ فَهُوَ عَقِيدٌ ، ( أو بمعنى فاعل ) أو بمعنى ذي الحكمة أو أصله الحكيمُ قائِلُهُ ( ثم ) حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مُقَامَهُ وهو الضمير المجرُور ، فانقلب مرفوعاً فاسْتَتَرَ في الصِّفة قاله الزمخشري ، وهو حسن الصِّنَاعِة . قوله : " هَدىً وَرَحْمَةً " العامة على النصب على الحال من " آيات " والعامل ما في اسم الإشارة من معنى الفعل او المَدْح . وحمزةُ بالرفع على خبر مبتدأ مضمر وجوز بعضهم أن يكون " هدى " منصوباً على الحال رفع " رحمة " . قال : ويكون رفعها على خبر ابتداء مضمر ، ( وجوز بعضهم أن يكونَ هُدىً ) أي وهو رحمة وفيه بُعْدٌ . فصل قال في البقرة : ذَلِكَ الكِتَابُ ، ولم يقل : " الحَكِيمُ " وههنا قال : " الحَكِيمُ " ؛ لأنه لما زاد ذكرَ وصفٍ في الكتاب زاد ذكر أمر أحواله فقال هدى ورحمة وقال هناك : " هدى للمتقين " ، فقوله : " هدى " ( في مقابلة قوله : " الكتاب " وقوله : " ورحمة " ) مقابلة قوله " الحكيم " ووصف الكتاب بالحكيم على معنى ذو الحكمة كقوله تعالى : { فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ } [ الحاقة : 69 ] أي ذات رضا وقال هناك " لِلْمُتَّقِينَ " وقال هنا : " للمُحْسِنِينَ " ؛ لأنه لما ذكر أنه هدى ولم يذكر شيئاً آخر قال : " لِلْمُتَّقِين " أي يهدى ( به ) من يتقي من الشرك والعناد ، وههنا زاد قوله : " وَرَحْمَة " فقال : " لِلْمُحْسِنِينَ " ؛ لأن رحمة الله قريبٌ من المحسنين وقال تعالى : { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ٱلْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ } [ يونس : 26 ] فناسب زيادة قوله " وَرَحْمَة " ، ولأن المحسن يتقي ، ( وزيادة ) . قوله : " الذين يقيمون " صفة أبو بدل أو بيان لما قبله ، أو منصوب أو مرفوع على القطع وعلى كل تقدير فهو تفسير للإحسان . وسئل الأصمعي عن الألمعي فأنشد : @ 4049 - الأَلْمَعِيُّ الَّذِي يَظُنُّ بِـكَ الظَّنْـ ـنَ كَأَنْ قَدْ رَأَى وَقَدْ سَمِعَـا @@ يعني أن الألمعي هو الذي إذا ظن شيئاً كان كمن رآه وسمعه كذلك المحسنون هم الذين يفعلون هذه الطاعات ومثله وسئل بعضهم عن الهلوع فلم يزد أن تلا : " إِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً " . فصل قال في البقرة : { ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلاةَ } [ البقرة : 3 ] ولم يقل هنا : الذين يؤمنون بالغيب ؛ لأن المتَّقِيَ هو التارك للكفر ويلزم منه أن يكون مؤمناً ، والمؤمن هو الآتي بحقيقة الإيمان ، ويلزمه أن لا يكونَ كافراً ، فلما كان المتقي دالاً على المؤمن بالالتزام مدح بالإيمان هناك ، ولما كان المحسن دالاً على الإيمان بالتنصيص لم يصرح بالإيمان . وتقدم الكلام على نظير قوله : { ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ } إلى قوله : " المُفْلِحُونَ " . قوله : { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ ٱلْحَدِيثِ } لما بين أن القرآن كتابٌ حكيمٌ يشتملُ على آياتِ حكيمة بين حال الكفار أنهم يَترُكُون ذلك ويشتغلون بغيره . قال مقاتل والكلبي : نزلت في النَّضْرِ بْنِ الحَارِث كان يَتَّجرُ فيأتي الحيرة ويشتري أخبار العجم ويحدث بها قريشاً ويقول : إن محمداً يحدثكم بحديث عاد وثمود وأنا أحدثكم بحديث " رُسْتم ، واسفِنْديَار " ، وأخبار الأكاسرة فيستملحون حديثه ويتركون استماع القرآن ، فأنزل الله هذه الآية ، وقال مجاهد : يعني شراء القِيَانِ والمُغَنِّينَ ، ووجه الكلام على هذا التأويل من يشتري ذاتَ او ذَا لَهْوِ الحَدِيث ، قال عَليه ( الصلاة و ) السلام : " لا يحل ( تعليم ) المغنيات ولا بيعهن وأثمانهن حرام " وفي مثل هذا نزلت الآية { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ ٱلْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } وما من رَجُلٍ يرفع صوته بالغناء إلاَّ بعث الله عليه شيطانين أحدهما على هذا المَنْكِبِ والآخر على هذا المنكب فلا يزالان يضربانه بأرجلهما حتى هو الذي يسكت قال النحويون قوله : " لَهْوَ الحديث " من باب الإضافة بمعنى " مِنْ " ؛ لأن اللهو يكون حديثاً وغيرهَ فهو كباب ، وهذا أبلغ من حذف المضاف . قوله : " لِيُضِلَّ " ( قرأه ابن كثير وأبو عمرو ) بفتح حرف المضارعة ، والباقون بضمه لمن " أَضَلَّ غَيْرَهُ " فمفعوله محذوف ، وهو مستلزم للضلال لأن من " أَضَلَّ " فقد " ضَلَّ " من غير عكس ، وقد تقدم ذلك في إبراهيم . قال الزمخشري هنا : فإن قلت : القراءة بالرفع بينة لأن النضر كان غرضه باشتراء اللهو أن يصد الناس عن الدخول في الإسلام واستماع القرآن ويضلهم عنه ، فما معنى القراءة بالفتح ؟ قلت : معنيان : أحدهما : ليثبت على ضلالة الذي كان عليه ولا يَصْدِفَ ويزيدَ فيه ويمده فإن المخذول كان شديد التمكّن في عداوة الدين وصد الناس عنه . الثاني : ان موضع " ليضل " ( موضع ) من قِبَلِ أنَّ من " أَضَلَّ " كان ضالاًّ لا محالة ، فدل بالرَّدِيفِ على المَرْدُوفِ . فصل روي عن عبد الله بن مسعود وابن عباس وعكرمة وسعيد بن جبير قالوا : ( لهو ) الحديث هو الغناء ، والآية نزلت فيه ، ومعنى قوله : { مَن يَشْتَرِي لَهْوَ ٱلْحَدِيثِ } أي يستبدل ويختار الغناء والمزامير والمعازف على القرآن ، وقال ابن جريح : هو الطبل ، وقال الضحاك : وهو الشرك ، وقال قتادة : حسب المرء من الضلالة أن يختار حديث الباطل على حديث الحقّ . قوله : " بغير علم " حال أن يشتري بغير علم بأحوال التجارة حيث اشترى ما يخسر قيمة الدَّارَيْنِ . قوله : " وَيَتَّخِذَهَا " قرأ الأخوان وحفص بالنصب أي بنصب الذَّال عطفاً على " لِيُضِلَّ " وهو علة كالذي قبله . والباقون بالرفع عطفاً على " يَشْتَرِي " فهو صلة ، وقيل : الرفع على الاستئناف من غير عطف على الصلة ، والضمير المنصوب يعود على الآيات المتقدمة أو السبيل لأنه يُؤَنَّثُ ، أو الأحاديث الدال عليها الحَدِيثُ لأنه اسم جنس . قوله : " أولَئِكَ لَهْمْ " حمل أولاً على لفظ " مَنْ " فأفرد ( ثم ) على معناها فجمع ثم على لفظها فأفرد في قوله : { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ } وله نظائر تقدم التنبيه عليها في المائدة عند قوله : { مَن لَّعَنَهُ ٱللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ } [ المائدة : 6 ] . قال أبو حيان : ولا نعلم جاء في القرآن ما حمل على اللفظ ثم على المعنى ثم على اللفظ غير هاتين الآيتين ، قال شهاب الدين : ووجد غيرهما كما تقدم التنبيه عليه في المائدة . وقوله : " عَذَابٌ مُهِينٌ " أي دائم . قوله : { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّىٰ مُسْتَكْبِراً } أي يشتري الحديث الباطل ، ويأتيه الحق الصُّرَاحُ مَجَّاناً فيعرض عليه . قوله : { كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا } حال من فاعل " وَلَّى " أو من ضمير " مُسْتَكْبِراً " وقوله : { كَأَنَّ فِيۤ أُذُنَيْهِ وَقْراً } حال ثالثة أو بدل مما قبلها ، أو حال من فاعل " يَسْمَعْهَا " أو تبيين لما قبلها ، وجوز الزمخشري أن تكون جملة التنبيه استئنافيتين . معنى { كأن لم يسمعها } شغل المتكبر الذي لا يلتفت إلى الكلام ويجعل نفسه كأنها غافلة ، وقوله : { كَأَنَّ فِيۤ أُذُنَيْهِ وَقْراً } أدخل في الإعراض { فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } أي مؤلم ، ووصفه أولاً بأنه " مهين " وهو إشارة إلى الدوام فكأنه قال : " مُؤْلِم دَائم " .