Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 36, Ayat: 13-19)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَٱضْرِبْ لَهُمْ مَّثَلاً أَصْحَابَ ٱلقَرْيَةِ } تقدم الكلام على نظيره في البقرةِ والنحل . والمعنى واضرب لأجلهم مثلاً ، أو اضرب لأجل نفسك أصحاب القرية لهم مثلاً أي مثلهم عند نفسك بأصحاب القرية . فعلى الأول لمَّا قال تعالى : { إِنَّكَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } [ يس : 3 ] وقال : { لِتُنذِرَ قَوْماً } [ يس : 6 ] قال : قل لهم ما أنا بدعاً من الرسل بل ( قبلي ) بقليل جاء أصحاب القرية مرسلون وأنذروهم بما أنذرتكم وذكروا التوحيد وخوفوا بالقيامة وبشروا بنعيم دار الإقامة . وعلى الثاني لما قال تعالى : إن الإنذار لا ينفع من أضله اللَّهُ وكتب عليه أنه لا يؤمن قال للنبي عليه ( الصلاة و ) السلام : فلا بأس واضرب لنفسك ولقومك ( مثلاً ) أي مَثِّلْ لهم عند نفسك مثلاً بأصحاب القرية ، حيث جاءهم ثلاثةُ رُسُل فلم يؤمنوا ، وصبر الرسل على القتل والإيذاء وأنت جئتهم واحداً وقومك أكثر من قوم الثلاثة ، فإنهم جاءوا قريةً وأنت بعثت إلى العالم . قوله : { أَصْحَابَ ٱلقَرْيَةِ } أي واضرب لهم مثلاً ( مَثَلَ ) أصحابِ القرية ، فترك " المَثَلَ " وأقيم " الأصحاب " مُقامة في الإعراب كقوله : { وَسْأَلِ ٱلْقَرْيَةَ } [ يوسف : 82 ] . قال الزمخشري : وقيل : لا حاجة إلى الإضمار بل المعنى اجعل أصحاب القرية لهم مثلاً أو مثل أصحاب القرية بهم . قال المفسرون : المراد بالقرية أنْطَاكية . قوله : " إِذْ جَآءَهَا " بدل اشتمال . قال الزمخشري : " إذْ " منصوبة لأنها بدل من أصْحَابِ القَرْيَة كأنه تعالى قال : واضْرِب لهم وقت مجيء المرسلين ومثل ذلك الوقت بوقتِ مُحَمَّد . وقيل : منصوب بقوله : " اضْرِبْ " أي اجعل الضرب كأنه حين مجيئهم وواقع فيه . والمرسلون من قوم عيسى وهم أقرب مُرْسَلٍ أُرْسل إلى قوم إلى زمان محمد - عليه ( الصلاة و ) السلام - وهم ثلاثة . قوله : " إِذْ أَرْسَلْنَآ " بدل من " إذ " الأولى ، كأنه قال : اضْرب لهم مثلاً إذْ أرسلنا إلى أصحاب القرية اثنين . قال ابن الخطيب : والأصح الأوضح أن يكون " إذ " ظرفاً والفعل الواقع فيه " جَاءَها " ، أي جاءها المرسلون حينَ أرْسَلْنَاهُمْ إِلَيْهِمْ . وإنما جاءوهم حيث أمروا . وهذا فيه لطيفة أخرى وهي أن في القصة أن الرسلَ كانوا مبعوثين من جهة عيسى - عليه ( الصلاة و ) السلام - أرسلهم إلى أنطاكية فقال تعالى : إرسال عيسى ( - عليه السلام - ) هو إرسالنا رسول رسول الله بإذن الله فلا يقع لك يا محمد أن أولئك كانوا رُسُلَ الرسل وإنما هم رُسُلُ الله ، فإن تكذيبهم كتكذيبك فتتم التسلية بقوله : " إِذْ أَرْسَلْنَا " . ويؤيد هذا مسألة فِقْهِيَّةٌ وهي أن وَكيلَ الوكيل بإذن الموكل وَكِيلُ المُوَكّل لا وكيل الوكيل حتى لا ينعزل بعزل الوكيل إِياه وينعزل إذا عزله الموكل ( الأول ) . وهذا على قولنا : { واضرب لهم مثلاً } ضرب المثل لأجل محمد - عليه الصلاة والسلام - ظاهر وقوله : { إذا أرسلنا إليهم اثنين } في بعثة الاثْنَيْنِ حكمةٌ بالغة وهي أنهما كانا مبعوثين من جهة عيسى عليه ( الصلاة و ) السلام - ( بإذن الله فكان عليهما إنهاء الأمر إلى عيسى عليه الصلاة والسلام ) فهو بشر فأمره الله بإرسال اثنين ليكون قَوْلُهُمَا على قومهما عند عيسى حجَّةً تامَّةً . فصل قال ابن كثير : وروى ابن إسحاق عن ابن عباس وكعب الأحْبار ووهب بن منبّه ورُوِيَ عن بُريدةَ بْنِ الحصِيب وعكرمة وقتادة والزهري أن هذه القرية أنطاكية وكان اسم ملكها انطيخش ، وكان يعبد الأصنام فبعث الله إليه ثلاثة من الرسل وهم صَادِق وصَدُوق وسلومُ فكذبهم وهذا ظاهر ( ه ) أنهم رسل الله - عز وجل - وزعم قتادة أنهم كانوا رسلاً من عند المسيح وكان اسم الرسولين الأولين شمْعون ويوحَنّا واسم الثالث بُولص والقرية أنطاكية . وهذا القول ضَعِيف جداً ؛ لأن أهل أنطاكية لما بَعث إليهم المسيحُ ثلاثةً من الحواريين كانوا أول مدينة آمنت بالمسيح في ذلك الوقت ، ولهذا كانت إحدى المدن الأربع التي تكون فيها مباركة النصارى وهي أنطاكية والقدس واسكندرية رومية ، ثم بعدها قسطنطينية ، ولم يهلكوا ( إذ ) أهل هذه القرية المذكورة في القرآن أهلكوا لقول الله تعالى : { إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ } [ يس : 29 ] لكن إن كانت الرسل الثلاثة المذكورة في القرآن بعثوا لأهل أنطاكية قديماً فكذبوهم فأهلكهم الله ثم عُمِّرت بعد ذلك فلما كان في زمن المسيح آمنوا برسله فيجوز . والله أعلم . قوله : " فَعَزَّزْنَا " قرأ أبو بكر بتخفيف الزاي بمعنى غَلَبْنا ، ومنه : { وَعَزَّنِي فِي ٱلْخِطَابِ } [ ص : 23 ] ومنه قولهم : عَزَّ وبَزَّ أي صا له بَزّ . والباقون بالتشديد بمعنى قَوَّيْنَا ، يقال : عَزَّز المَطَرُ الأَرْضَ أي قواها ولَبدها ، ويقال لِتِلْكَ الأرْضِ العَزاء وكذا كل أرض صُلْبَة . وتعَزَّزَ لَحْمُ النَّاقَة أي صلُبَ وقَوِيَ . وعلى كلتا القراءتين المفعول محذوف أي فَقَوّيناهما ( أو فغلبناهما بثالث ) ؛ لأن المقصود من البعثة نُصرة الحق ، لا نصرتهما ، والكل كانوا مقوين للدين والبرهان . وقرأ عبد الله " بالثَّالِثِ " بألفٍ ولام . قوله : { إِنَّآ إِلَيْكُم لَمُّرْسَلُونَ } جرد خبر " إنّ " هذه من لام التوكيد ، وأدخلها في خبر الثانية ، لأنهم في الأولى استكملوا مجرد الإنكار فقابلتهم الرسل بتوكيد واحد وهو الإتيان بـ " إنَّ " وفي الثانية بالَغُوا في الإنكار فقابلتهم ( الرسل ) بزيادة التأكيد ، فأتوا بـ " إنَّ " وبـ " اللاَّم " . قال أهل البيان : الأخبار ثلاثة أقسام : ابتداءٌ وطلبيٌّ وإِنكاريٌّ . فالأول : ( يقال ) لمن لك يتردد في نسبة أحد الطرفين إلى الآخر نحو : زَيْدٌ عَارَفٌ . والثاني : لمن هو متردد في ذلك طالبٌ له منكِرٌ له بعض إنكار فيقال له : إنَّ زَيْداً عَارِفٌ . والثالث : لم يبالغ في إنكاره فيقال له : إنَّ زَيْداً لَعَارِفٌ . ومن أحسن ما يحكى أن رجلاً جاء إلى أبي العباس الكِنْدِيِّ فقال : يا أبا العباس : إني لأَجدُ في كلام العرب حشواً . قال : وما ذالك ؟ قال : يقولون زُيْدٌ قَائِمٌ ، وإنَّ زَيْداً لَقَائمٌ ، فقال : كلاَّ ، بل المعاني مختلفة ، " فعبد الله قائم " إخبار بقيامة ، و " إنَّ عبد الله قائمٌ " جواب لسؤال سائل و " إنَّ عبد الله لقائمٌ " جواب عن إنكار مُنْكِرٍ وهذا هوا لكندي الذي سئل أن يعارض القرآن ففتح المصحف فرأى سورة المائدة . وقال أبو حيان : وجاء أولاً " مرسلون " بغير لام ، لأنه ابتداء إخْبار ، فلا يحتاج إلى توكيد ، وبعد المجاورة " لَمُرْسَلُونَ " بلام التوكيد ، لأنه جواب عن إنكارٍ . قال شهاب الدين : " وهذا قصور عن فهم ما قاله أهل البيان ، فإنه جعل المقام الثاني - وهو الطلبي - مقام المقام الأول وهو الابتدائي " . قوله : { مَآ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَآ أَنَزلَ ٱلرَّحْمَـٰنُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ } جعلوا كونهم بشراً مِثلهم دليلاً على عدم الإرسال . وهذا عام في المشركين قالوا في حق محمد عليه ( الصلاة و ) السلام : { أَأُنزِلَ عَلَيْهِ ٱلذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا } [ ص : 8 ] وإنما ظنُّوه دليلاً بناء على أنهم لم يعتقدوا في الله الاختيار وإنما قالوا : إنه موجب بالذات وقد استوينا في البشرية فلا يمكن ( الرجحان ) ، فرد الله تعالى عليهم بقوله : { ٱللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ } [ الأنعام : 124 ] ، وبقوله : { ٱللَّهُ يَجْتَبِيۤ إِلَيْهِ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِيۤ إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ } [ الشورى : 13 ] إلى غير ذلك . ثم قالوا : " وَمَا أَنْزَل الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ " وهذا يحتمل وجهين : أحدهما : أن يكون مُتمِّماً لما ذكرو ( ه ) فيكون الكل شبهةً واحدة ، والمعنى وما أنزل الله إليكم أحداً فكيف صرتم رسلاً ؟ ! والثاني : أن يكون هذا شبهة أخرى مستقلة وهي أنهم لما قالوا : أنتم بشر مثلنا ، فلا يجوز رُجْحَانُكم علينا . ذكروا الشبهة من جهة النظر إلى المُرْسَلِين ثم قولوا شبهة أخرى من جهة المرسِل وهو أنه تعالى ليس بمنزل شيئاً في هذا العالم ، فإن تصرفه في العالم العلوي فاللَّهُ لم ينزل شيئاً من الأشياء في الدينا فكيف أنزل إليكم ؟ ! . وقوله تعالى : { ٱلرَّحْمَـٰنُ } إشارة إلى الرد عليهم ، لأن الله تعالى لما كان رَحْمنَ الدُّنْيَا ، والإرسال رحمة فكيف لا ينزل رحمته وهو رَحْمن ؟ ! ثم قال : { إنْ أَنْتُمْ إلاَّ تَكْذِبُونَ } أي ما أنتم إلا كاذبون فيما تزعمون . { إذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِم اثْنَيْنِ } قال وهب : اسمهما يحيى وبولس { فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا } برسول " ثَالِثٍ " وهو شمعون . وقال كعب : الرسولان صَادِق وصدوق والثالث سلوم . وإنما أضاف الله الإرسال إليه ، لأن عيسى - عليه ( الصلاة و ) السلام - إنما بعثهم بأمره - عز وجل - . قوله : { قَالُواْ رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّآ إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ } وهذا إشارة إلى أنهم بمجرد التكذيب لم يسأموا ولم يتركوا بل أعادوا ذلك لهم ، وكرروا القول عليهم وأكدوه باليمين . { قَالُواْ رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّآ إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ } وأكدوه باللام لأن علم الله يجري مَجْرَى القسم ، كقوله : { ٱللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ } [ الأنعام : 124 ] أي هو عالم بالأمور { وَمَا عَلَيْنَا إِلاَّ البَلاَغُ المُبِينُ } ، وذلك تسلية لأنفسهم أي نحن خرجنا عن عُهْدَةِ ما علينا هو البَلاَغ . وقوله " المبين " أي المبين الحق عن الباطل وهوالفارق بالمعجزة والبُرهان ؛ إذ البلاغ المظهر لما أرسلنا إلى الكل أي لا يكفي أن يبلغ الرسالة إلى شخص أو شخصين . أو المظهر للحق بكل ما يمكن فإذا لم يقبلوا الحق فهنالك الهلاك فما كان جوابهم بعد ذلك إلا قولهم : { إنا تَطَيَّرْنا بِكُمْ } أي تَشَاءمنا بكُمْ وذلك أن المطر حُبِسَ عنهم فقالوا أصابنا هذا بشؤمِكُمْ { لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمنَّكُمْ } لنقتلنّكم . قاله قتادة . وقيل : لنشتمنّكم . { وليمسنكم منا عذاب أليم } فإن فسرنا الرجم بالحجارة فيكون قولهم : { وليمسنكم منا عَذَابٌ أَلِيمٌ } كأنهم قالوا : لا نكتفي برجمكم بحجر أو حجرين بل نديم ذلك عليكم إلى الموت وهو العذاب الأليم أو يكون المراد : ولَيَمسَّنَّكُمْ بسبب الرجم منَّا عذاب أليم أي مُؤْلِم . وإن قلنا : الرجم الشتم فكأنهم قولوا ولا يكفينا الشتم بل شتم يؤدي إلى الضرب والإيلام الحِسِّيِّ . وإذا فسرنا " أليم " بمعنى مؤلم فالفَعِيلُ بمعنى مُفْعِل قليلٌ . ويحتمل أن يقال : هو من باب قوله : { عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ } [ الحاقة : 21 ] أي ذاتِ رِضَا أي عذابٌ ذُو ألَمٍ ، فيكون فعيل بمعنى فَاعِلٍ وهو كثيرٌ . ثم أجابهم المرسلون فقالوا " طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ " أي شؤمكم معكم ، أي كُفْركُمْ . قوله : " طائركم " العامة على " طائِر " اسم فاعل أي ما طَارَ لكم من الخير والشر ، فعبر به عن الحظ والنصيب وقرأ الحسن - فيما روى عنه الزمخشري " اطَّيَّرُكُمْ " مصدر اطَّيَّرَ الذي أصله تَطَيَّرَ ، فلما أريد إدغامه أبدلت الفاء طاء وسكنت واجتلبت همزة الوصل وصار اطَّيَّر ، فيكون مصدره " اطِّيَّاراً " . ولما ذكر أبو حيان هذا لم يرد عليه وكان ( هو ) في بعض ما رد به على ابن مالك في شرح التسهيل في باب المصادر أن مصدر " تَطَيَّر وتَدَارأ " إذا أدغما وصار " اطَّيَّر وادَّارأ " لا يجيء مصدرهما علهيما ، بل عل أصلهما ، فيقال : اطَّيَّر تَطَيُّراً ، وادَّارأَ تَدَارُءاً . ولكن هذه القراءة تَرُدُّه إنْ صحت . وهو بعيدٌ . وقد روى غيره طَيْرُكُمْ بياء ساكنة . ويغلب على الظن أنها هذه . وإنما تصحفت على الرواي فحسبها مصدراً وظن أن ألف " قالوا " همزةُ وَصْلٍ . قوله : { أَإِن ذُكِّرْتُم } قرأ السبعة بهمزة استفهام بعدها إن الشرطية وهم على أصولهم من التسهيل والتحقيق ، وإدخال ألف بين الهمزتين وعدمه في سورة ( البقرة ) . واخْتَلَفَ سيبويه ويونسُ إذا اجتمع استفهام وشرط أَيُّهُما يُجَابُ ؟ فذهب سيبويه إلى أجابةِ الاستفهام ، ويونُس إلى إِجابة الشرط . فالتقدير عند سيبويه أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ تَتَطَيَّرُون وعند يونس تَطَيَّرُوا مجزوماً . فالجواب للشرط على القولين محذوف . وقد تقدم هذا في سورة الأنبياء . وقرأ أبو جفعر وطلحة وزِرّ بهمزتين مفتوحتين ، إلاَّ أنَّ زِرّاً لم يسهل الثانية ، كقوله : @ 4172 - أَإِنْ كُنْتَ دَاوُدَ بْنَ أَحْوًى مُرَحَّلاً فَلَسْتَ برَاعٍ لابْنِ عَمِّكَ مَحْرَمَا @@ وروي عن أبي عمرو وزرٍّ أيضاً كذلك ، إلا أنها فصلاً بأَلِفٍ بين الهَمْزَتَينِ . وقرأ المَاجَشُون ( بهمزة ) واحدة مفتوحة . وتخرج هذه القراءات الثلاث على حذف لام العلة أي ( أَ ) لأَنْ ذُكّرْتُمْ تَطَيَّرْتُمْ فـ " تطيرتم " هو المعلول ، وأن ذكرتم عليته . والاستفهام منسحب عليهما في قراءة الاستفهام . وفي غيرها يكون إخباراً بذلك . وقرأ الحسن بهمزة واحدة مكسروة وهي شرط من غير استفهام ، وجوابه محذوف أيضاً . وقرأ الأعمش والهَمْدَانيُّ أين بصيغة الظرف . وهي أين الشرطية وجوابها محذوف عند جمهور البصريين أي أين ذكرتم فطائركم معكم أو صُحْبَتُكُمْ طائركم ، لدلالة ما تقدم من قوله : " طَائِرُكُمْ مَّعَكُمْ " ومن يجوز تقديم الجواب لا يحتاج إلى حذف . وقرأ الحسن وأبو جعفر وأبو رجاء والأصْمَعِيُّ عن نافع ذُكِرْتُمْ بتخفيف الكاف . فصل قوله : " أئن ذكرتم " جواب عن قوله : " لَنَرْجُمَنَّكُمْ " أي أتفعلون بنا ذلك وإن ذكرتم أي وعظتم بالله وبين لكم الأمر بالمعجز والبُرْهان { بَلْ أَنْتُمْ قَومٌ مُسْرِفُونَ } مشركون مجاوزون حيث تجعلون ما يُتَبرَّكُ به يتشاءم بِهِ وتقصدون إِيلام من يجب إِكرامه ، أو مسرفون حيث تكفرون ثم تُصِرُّونَ بعد ظهور الحق بالمُعْجِزة والبُرهان . فإن قيل : ( بل ) للإضراب فما ( الأمر ) المضروب عنه ؟ . فالجواب : يحتمل أن يقال قوله : أَئِنْ ذُكِّرتم واردة على تكذيبهم فإنهم قالوا : نحن كاذبون وإن جئتنا بالبرهان لا بل قوم مسرفون . ويحتمل أن يقال : أنحن مشؤومون وإن جئنا ببيان صحة ما نحن عليه لا بل أنتم قوم مسرفون . ويحتمل أن يقال : أنحن مستحقون الرجم والإيلام وإن بينا صحَّةَ ما أتينا به لا بل أنتم قوم مسرفون . فصل ذكر المفسرون أن عيسى - عليه ( الصلاة و ) السلام - بعث رجلين إلى أهل أنطاكية فَدَعَوَا إلى توحيد الله وأظهرا المعجزة من إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى فحبسهم الملك فأرسل بعدهما شمْعُون ، فأتى الملك ، ولم يدع الرسالة وقرب نفسه من الملك بحسن التدبير ، ثم قال : إني أسْمَعُ ( أنَّ ) في الحبس رَجُلَيْنِ يَدِّعيَا ( نِ ) أمراً بديعاً أفلا يحضران نسمع كلامهما ؟ فقال الملك : بلى فأحضرا وذكرا مقالتهما الحقَّةَ فقال شمعون : وهل لكما بيِّنَةٌ ؟ قالا : نعم فأبرءا الأكمه والأبرص وأَحْيَيا الموتى . فقال شمعون : يا أيها الملك : إن شئتَ أن تَغْلِبَهم فقل للآلهة التي تعبدونها تفعل شيئاً من ذلك فقال له الملك أنت لا يخفى عليك أنها لا تسمع ولا تبصر ولا تعلم فقال شمعون : فَإذَنْ ظهر لي الحق من جانبهم فآمن الملك ( وقوم ) وكفر آخرون . وكانت الغلبة للمكذبِينَ .