Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 123-124)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قرأ أبو جَعْفَر المَدَنِي { [ لَّيْسَ ] بِأَمَانِيِّكُمْ وَلاۤ أَمَانِيِّ } بتخفيف الياء فيهما جميعاً ، واعلم : أن " لَيْسَ " فعْلٌ ، فلا بد من اسْمٍ يكون هو مُسْنداً إليه ، وفيه خلافٌ : فقيل : يَعُود ضَمِيرُها على مَلْفُوظٍ به ، وقيل : يَعُود على ما دَلَّ عليه اللَّفْظُ من الفِعْل وقيل : يَدُلُّ عليه سَبَبُ الآيَةِ . فأمَّا عوَدْهُ على مَلْفُوظٍ بِهِ فقيل : هو الوَعْدُ المتقدِّم في قوله : " وعد الله " وهذا اختيار الزَّمَخْشَرِي ؛ قال : " في لَيْس ضَمِيرُ وعدِ الله أي : لَيْس يُنالُ ما وعد الله من الثَّواب بأمانِيِّكم ولا بأمَاني أهل الكِتَابِ ، والخطابُ للمُسْلِمين ؛ لأنَّه لا يُؤمن بوعِد الله إلا مَنْ آمَن بِهِ " . وأمَّا عَوْدُه على ما يَدُلُّ عليه اللَّفْظ ، فقيل : هو الإيمان المَفْهُومُ من قوله : " والذين آمنوا " وهو قولُ الحسن ، وعنه : " ليس الإيمانُ بالتَّمَنِّي " . وأمَّا عودُه على ما يَدُلُّ عليه السَببُ ، فقيل : يعودُ على مُجَاوَرةِ المُسْلِمِين مع أهلِ الكِتَابِ ، وذلك أنَّ بعضهم قال : " دينُنا قبل دينِكُم ، ونبيُّنَا قبل نَبيِّكم ؛ فنحن أفضلُ " ، وقال المُسْلِمُون : " كتابُنا يَقْضِي على كِتابِكم ، ونبينا خَاتَمُ الأنْبِياء " فنزلت . وقيل : يعودُ على الثَّوابِ والعِقَاب ، أي : ليس الثَّوَابُ على الحَسَنَاتِ ، ولا العقابُ على السيّئات بأمانيكم . وقيل : قالت اليهودُ { نَحْنُ أَبْنَاءُ ٱللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ } [ المائدة : 18 ] ، ونحن أصْحَاب الجَنَّة ، وكذلك النَّصَارى ، وقالت كُفَّار قُرَيْش : لا نُبْعَثُ ؛ فنزلت ، أي : ليس ما ادَّعَيْتُمُوه يا كُفَّارَ قريش بأمانيِّكم . وقرأ الحسن ، وأبُو جَعْفَر ، وشَيْبةُ بن نصاح ، والحَكَم ، والأعْرَج : " أمانيكم " ، " ولا أمَانِي " بالتَّخْفِيف كأنَّهم جَمَعُوه على فَعَالِل دون فَعَالِيل ؛ كما قالوا : قَرْقُور وقراقير وقراقِر ، والعرب تُنْقِصُ من فَعَالِيل اليَاء ، كما تزيدُها في فَعَالِل ، نَحْو قوله : @ 1881 - … … تَنْقادَ الصَّيَارِيفِ @@ فصل قال مَسْرُوق ، وقتادة ، والضَّحَّاك : أراد : ليس بأمَانِيِّكم أيها المُسْلِمُون ولا أمَانيِّ أهل الكِتَاب ، يعني : اليَهُودَ والنَّصارى ؛ وذلك أنَّهم افْتَخَرُوا ، فقال أهْلُ الكتاب : نَبِيُّنَا قَبْل نبِيِّكُم ، وكِتَابُنَا قبل كِتَابِكُم ، فنحن أوْلَى باللَّه مِنْكُم . وقال المُسْلِمُون : نبينا خاتمُ الأنْبِيَاء ، وكتابُنَا يَقْضِي على الكُتُب وقد آمَنَّا بكتابِكُم ، ولم تُؤمنوا بِكتابِنَا ؛ فنحن أولى . وقال مُجَاهِد : الآية خطاب لِعَبَدَة الأوْثان ، يعني : مُشرِكِي أهل مَكَّة ، وذلك أنَّهم قالوا : لا بَعْث ولا حِسَابَ ، وقال أهل الكِتَاب : { لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً } [ البقرة : 80 ] ، و { لَن يَدْخُلَ ٱلْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ } [ البقرة : 111 ] ، فأنزل اللَّه الآية ، وإنما الأمْر بالعَمَل الصَّالِح . قوله : { مَن يَعْمَلْ سُوۤءًا يُجْزَ بِهِ } : جملة مُسْتأنفة مؤكِّدةٌ لحكم الجُمْلَة قبلها . قالت المُعْتَزِلَةُ : هذه الآية دالَّة على أنَّه [ - تعالى - ] لا يعفُو عن شَيْءٍ من السَّيِّئَات . وليس لِقَائِل أن يقُول : هذا يُشْكِلُ بالصَّغَائِر ، فإنها مَغْفُورَةٌ . فالجواب عنه من وَجْهَيْن : الأول : أن العَامَّ بعد التَّخْصِيص حُجَّة . والثاني : أن صاحب الصَّغِيرة قد حَبَط من ثَوَابِ طَاعته بِمقْدَار عِقَاب تلك المَعْصِيَة ، فههنا قد وَصَل خبر تلك المَعْصِيَة إليه . وأجابوا بأنه لِمَ لا يجُوز أن يَكُون المُرَادُ من هَذَا الجَزَاء ما يَصل إلى الإنْسَان [ في الدُّنْيَا ] من الهُمُوم والآلاَم والأسْقَام ؛ ويَدُلَّ على ذلك قوله : { وَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ فَٱقْطَعُوۤاْ أَيْدِيَهُمَا جَزَآءً بِمَا كَسَبَا } [ المائدة : 38 ] سمَّى القطع جَزَاءً . ورُوِي : " أنَّه لما نَزَلت هذه الآيَة قال أبو بكر الصِّدِّيق - رضي الله عنه - كيف الصَّلاح بعد هَذِه الآيَة ؟ ، فقال - [ عليه الصلاة والسلام ] - غفر اللَّه لكَ يا أبَا بَكْرٍ ، ألست تَمْرَض ؟ ألَيْس تُصِيبُكَ الآلام ؟ فهو ما تُجْزَوْن به " . وعن عَائِشَة - رضي الله عنها - [ أن ] " رجلاً لما قَرَأ هذه الآيَة . فقال : [ إن كان ] الجَزَاء بكلِّ ما نَعْمَل ، لقد هَلَكْنا ، فبلغ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كَلاَمُهُ ؛ فقال : يُجْزَى المُؤمِنُ في الدنيا بِمُصِيبَةٍ في جَسَدِه وما يُؤذِيه " . وعن أبي هُرَيْرَة - رضي الله عنه - : " لمَّا نَزَلَت هذه الآية بَكَيْنَا ، وحِزِنا ، وقلنا : يا رسول الله ، ما أبْقَت هذه [ الآية ] لنا شَيْئاً ، فقال - عليه الصلاة والسلام - : " أبشروا فإنَّه لا يُصِيبُ أحداً منكم مُصِيبَةٌ في الدُّنْيَا ، إلا جَعَلَهَا الله له كَفَّارة ؛ حتَّى الشَّوْكَة التي تَقَع في قَدَمِه " " . وأيضاً : هَبْ أن ذَلِك الجَزَاء إنَّما يصل إلَيْهم يوم القِيَامة ، لكن لم لا يَجُوز أن يَصِل الجَزَاء بتنقِيص ثَوَابِ إيمانِه ، وسائر طَاعَاتِه ؛ كقوله - تعالى - : { إِنَّ ٱلْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ ٱلسَّـيِّئَاتِ } [ هود : 114 ] . ولما رَوَى الكلبي ، عن أبِي صَالح ، عن ابن عبَّاسٍ ، أنَّه قال : " لمّا نَزَلت هَذِه الآيَة شقت على المُؤمِنِين مَشَقَّة شَدِيدة ، قالوا : يا رسُول الله ، وأيُّنَا لم يعمل سُوءاً ، فكيف الجَزَاءُ ؟ فقال - عليه الصلاة والسلام - : إنَّه - تعالى - وعد على الطَّاعَةِ عَشْر حَسَناتٍ ، وعلى المَعْصِيَة الوَاحِدة عُقُوبَة واحدة ، فمن جُوزي بالسَّيِّئة ، نَقَصَت وَاحِدة من عَشْرَة ، وبقيت له تِسْع حَسَناتٍ ، فويل لمن غلب آحَادُه أعْشَارَهُ " . وأيضاً : فَهَذِه الآيَةُ إنَّما نزلت في الكُفَّار ؛ لقوله [ - تعالى - ] بعدها : { وَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ } . فالمؤمن الذي أطَاعَ اللًّه سَبْعِين سَنَةً ، ثم شَرِب قَطْرةً من الخَمْر ، فهو مؤمِنٌ قد عَمِل الصَّالِحَات ؛ فوجب القَطْع بأنَّه يدخل الجَنَّةَ . وقولهم : خرج عن كوْنه مُؤمِناً ، فهو باطل ؛ للدلالة الدَّالَّة على أنَّ صَاحِب الكَبِيرة مُؤمِن ؛ لقوله - تعالى - : { وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُواْ } [ الحجرات : 9 ] إلى قوله : { فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَىٰ ٱلأُخْرَىٰ } [ الحجرات : 9 ] سَمَّى البَاغِي حَالَ كَوْنه باغياً : مُؤمِناً ، وقوله { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِصَاصُ فِي ٱلْقَتْلَى } [ البقرة : 178 ] سَمَّى [ قَاتِل العمد العُدْوَان مُؤمِناً ] ، وقوله { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ تُوبُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً } [ التحريم : 8 ] سَمَّاه مُؤمِناً حال مَا أمَره بالتَّوْبَة ، وإذا ثَبَت أنَّ صَاحِب الكَبِيرَة مُؤمِنٌ ، كان قوله [ - تعالى - ] { وَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّالِحَاتِ } حُجَّةً في أنَّ المُؤمِن صاحب الكَبِيرَة من أهْلِ الجَنَّةِ ؛ فوجبَ أن يكُون قوله : { مَن يَعْمَلْ سُوۤءًا يُجْزَ بِهِ } مخصوصاً بأهْل الكُفْر . وأيضاً : فهَبْ أنَّ النَّصَّ يَعُمُّ المؤمِن والكَافِر ، لكن قوله : { وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَآءُ } [ النساء : 48 ] أخص مِنْه ، والخاصُّ مقدَّم على العَامِّ ، والكَلاَمُ على العُمُومات قد تَقدَّم فِي قوله : { بَلَىٰ مَن كَسَبَ سَيِّئَةً } [ البقرة : 81 ] . فصل في دلالة الآية على أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة دلت الآيَة على أنَّ الكُفَّار مخاطبون بفروع الإسْلام ؛ لأن قوله - تعالى - : { وَمَن يَعْمَلْ سُوۤءًا } يتناول جَمِيع المُحَرًّماتِ ، فيَدْخل فيه ما صَدَر عن الكُفَّار مما هو مُحَرَّم في دين الإسلام ، وقوله : " يُجْزَ بِهِ " يدلُّ على وُصُولِ جَزَاء كُل ذلك إلَيْهم . فإن قِيلَ : لم [ لا ] يجُوز أن يَكُون ذَلِكَ الجَزَاء ، عِبَارَة عمَّا يصل إليهم من الهُمُوم والغُمُوم في الدُّنْيَا . فالجَوَابُ أنَّه لا بُدَّ وأن يَصِل جَزَاء أعْمَالِهم الحَسَنة إليْهِم في الآخِرَة ، وإذا كان كَذَلِك ، اقْتَضَى أن يكُون تَنَعُّمُهم في الدُّنْيَا أكثر ؛ ولذلك قال - عليه الصلاة والسلام - " الدُّنْيَا سِجْنُ المُؤمِن وجَنَّةُ الكَافِرِ " ؛ فامْتَنَع القَوْل بأنَّ جزاء أفْعَالِهِم المَحْظُورة تَصِلُ إليْهِم في الدُّنْيَا ؛ فوجب القول بِوُصُول ذلك الجَزَاء [ إليْهِم ] في الآخرة . فصل في شبهة المعتزلة وردِّها قالت المُعْتَزِلَة : دلت [ هذه ] الآيَة على أنَّ العَبْد فَاعِلٌ ، وعلى أنَّه بعملِ السُّوء يستحِقُّ الجَزَاء ، وإذا كَانَ كَذَلِك ، دلَّت على أنًّ اللَّه غير خَالِق لأفْعَال العِبَاد من وَجْهَيْن : أحدُهُما : أنه لما كان عَمَلاً للعبد ، امْتَنَعَ كَوْنه عَمَلاً للَّه ؛ لامتناع حُصُول مَقْدُورٍ واحدٍ بِقَادِرَيْن . والثاني : أنه لَو حَصَل بخلق اللَّه ، لما استَحَقَّ العَبْد جَزَاءً ألْبَتَّة ، وذلك بَاطِل ؛ لأن الآيَة دلَّت على أن العَبْد يستحِقُّ الجزَاءَ على عملِهِ ، وقد تقدَّمَ الجوابُ عن هذا الاسْتِدْلالِ . قوله : { وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيراً } قرأ الجمهور بجزم " يَجِدْ " ، عطفاً على جواب الشرط ، وروي عن ابن عامر رفعه ، وهو على القطع عن النسق . ثم يُحْتمل أن يكون مستأنفاً وأن يكونَ حالاً ، كذا قيل ، وفيه نظرٌ من حيث إنَّ المضارع المنفي بـ " لا " لا يقترن بالواوِ إذا وقع حالاً . فصل في شبهة المعتزلة بنفي الشفاعة وردها قالت المُعْتَزِلَة : [ دلت ] الآية على نَفْي الشَّفَاعة ، وأجَابُوا بوجهين : أحدهما : أنا بيَّنا أن هذه الآيَة في حقِّ الكُفَّار . والثَّاني : أن شفاعة الأنْبِيَاء والمَلاَئِكَة في حقِّ العُصَاة ، إنَّما تكُون بإذن الله - تعالى - ، وإذا كان كَذلِك ، فلا وَلِيَّ لأحَدٍ ولا نصير ، إلا اللَّه - سبحانه وتعالى - . قوله : { [ ومن يعمل ] من الصالحاتِ من ذكر } " من " الأولَى : للتَّبعيضِ ؛ لأنَّ المكلَّف لا يطيق عَمَل كل الصَّالِحَات . وقال الطَّبَرِي : " هي زائدةٌ عند قَوْم " وفيه ضعفٌ ، لعدم الشَّرْطَيْن ، و " مِنْ " الثانية للتبيين ، وأجاز أبو البقاء أن تكُونَ حالاً ، وفي صَاحِبها وجهان : أحدهما : أنه الضَّميرُ المَرْفُوع بـ " يَعْمَل " . والثاني : أنه الصَّالحات ، أي : الصالحات كَائِنةً من ذكر أو أنثى ، وقد تقدَّم إيضاح هذا في قوله : { لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ } [ آل عمران : 195 ] والكلامُ على " أوْ " أيضاً ، وقوله : " وَهُوَ مُؤْمِنٌ " جملة حَالِيّة من فَاعِل " يَعْمَل " . [ قوله " يدخلون " ] قرأ أبو عَمْرو ، وابن كَثير ، وأبُو بَكْر عن عَاصِم : " يُدْخَلون " هُنَا ، وفي مَرْيم ، وأوَّل غَافِر بضم حَرْف المُضَارَعة ، وفتح الخَاء مبنياً للمَفْعُول ، وانفردَ ابنُ كَثِيرٍ وأبو بكْرٍ بثانية غَافِر ، وأبو عمرو بالتي في فَاطِر ، والبَاقُون : بفتحِ حَرْفِ المُضَارعة ، وضمِّ الخَاءِ مبنياً للفاعِل ، وذلك للتفنُّنِ في البلاغَةِ . والأوّل أحْسن ؛ لأنَّهُ أفْخَم ، ولِكَوْنه مُوافقاً لقوله : { وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً } . وأما القِرَاءة الثَّانية : فهي مُطَابِقَةٌ لقوله : { ٱدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ } [ الزخرف : 70 ] ، ولقوله { ٱدْخُلُوهَا بِسَلامٍ } [ الحجر : 46 ] . والنقير : النَّقْرَة في ظَهْر النَّوَاة ، مِنْها تَنْبُت النَّخْلَة ، والمَعْنَى : أنَّهم لا يُنْقَصُون قدر مَنْبَت النَّوَاة . فإن قِيلَ : لم خصَّ اللَّه الصالِحينَ بأنَّهم لا يُظْلَمُونَ ، مع أنَّ غيرهم كَذَلِك ؛ كما قال : { وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ } [ فصلت : 46 ] ، وقوله { وَمَا ٱللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعَالَمِينَ } [ آل عمران : 108 ] . فالجواب : من وجهين : الأول : أن يَكُون الرَّاجع في قوله : " ولا يُظْلَمُونَ " عائداً إلى عُمَّال السُّوءِ ، وعُمَّال الصَّالِحَات جَمِيعاً . والثَّاني : أن من لا يُنْقِصُ من الثَّواب ، أولى بأن لا يَزِيدَ في العِقَابِ . روى الأعْمَش ، عن أبي الضُّحَى عن مَسْرُوقٍ ، قال : لمَّا نَزَل { لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلاۤ أَمَانِيِّ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوۤءًا يُجْزَ بِهِ } قال أهْل الكِتَاب : نَحْنُ وأنْتُم سَوَاءٌ ، فَنَزَلتْ : { وَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّالِحَاتِ } الآية ، ونزل أيْضاً : { وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِّمَّنْ أَسْلَمَ } [ النساء : 125 ] . فصل : صاحب الكبيرة لا يخلد في النار وهذه الآية من أدَلِّ الدَّلائِل على أن صَاحِبَ الكَبِيرَة لا يُخَلَّد [ في النَّارِ ] بل ينقل إلى الجَنَّة ؛ لأنَّا بينَّا أن صاحِبَ الكبِيرَة مؤمن ، وإذا ثَبَتَ ذَلِك ، وكان قد عَمِلَ الصَّالِحَات ، وجب أنْ يدْخُل الجَنَّة ، لهذه الآية ، ولزم بِحُكْم الآيَات الدَّالَّة على وَعِيد الفُسَّاق أن يَدْخُل النَّار ، فإمَّا أن يدْخُل النَّار ، ثم يَنْتَقِل إلى النَّارِ ، وذلك بَاطِلٌ بالإجْماع ، أو يَدْخُل النَّار ، ثم ينتقل إلى الجَنَّة ، وذلك هُو المَطْلُوب .