Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 129-130)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وفيه قولان : الأول : لن تَقْدِرُوا في التَّسْوِية بَيْنَهُنَّ في مَيْل الطِّبَاع ، من الحُبِّ ومَيْل القلب ، وإذا لم تَقْدِرُوا عليه ، لَمْ تكُونوا مكَلَّفين به . قالت المُعْتَزِلَة : هذا يدلُّ على أن تَكْلِيفَ ما لا يُطَاق ، غيْر وَاقِع ولا جائز الوُقُوع ، وقد تَقَدَّم إلزامهم في العِلْمِ والدَّاعِي ، وقد يُجَاب أيْضاً : بأنه - تعالى - إنما نَفَى الاسْتِطَاعة الَّتي هي من جِهَة المكَلَّفِ ، ولَمْ يَنْفِ التَّكْلِيف الَّذِي هو من جهة الشَّارع ، فالآيَة لا تَدُلُّ على نَفْيِ التَّكْلِيفِ ، وإنما تَدُلُّ على نفي اسْتِطَاعة المكَلَّف . الثاني : لا يستطيعون التَّسْوِيَةَ بينهن في الأقْوَال والأفْعَال ؛ لأن التَّفَاوُت في الحُبِّ ، يوجِبُ التَّفَاوُت في نتائِجِ الحُبِّ ؛ لأن الفِعل بدون الدَّاعِي ، [ و ] مع قيام الصَّارف مُحَالٌ . ثم قال : " فَلاَ تَمِيلُواْ " أي : إلى التي تُحِبُّونها ، " كُلَّ المَيْل " في القِسْمة ، واللَّفْظ والمَعْنَى : أنكم لَسْتُم تَحْتَرِزُون عن حُصُول التَّفَاوُت في المَيْل القَلْبِي ؛ لأن ذَلِك خَارِجٌ عن وُسْعكُم ، ولكنكم مَنْهِيُّون عن إظْهَار ذلك [ التفاوت ] في القَوْل والفِعْل . " روي عن رسُول الله صلى الله عليه وسلم : [ أنه ] كان يَقْسِم ، ويقول : " هذا قَسَمِي فيما أمْلِكُ ، وأنْت أعْلَم بما لا أمْلِكُ " " . قوله : " كُلَّ المَيْلِ " : نصبٌ على المَصْدرية ، وقد تقرر أن " كل " بحسَبِ ما تُضَاف إليه ، إنْ أضيفَت إلى مَصْدرٍ - كانت مَصْدَراً - أو ظرفٍ ، أو غَيْرِه ؛ فكذلك . قوله : " فَتَذَرُوهَا " فيه وجهان : أحدهما : أنه مَنْصُوب بإضْمَارِ " أنْ " في جَوابِ النَّهْي . والثاني : أنه مَجْزُوم عَطْفاً على الفِعْل قبله ، أي : فلا تَذرُوها ، ففي الأوَّل نَهْيٌ عن الجمع بينهما ، وفي الثاني نهيٌ عن كلٍّ على حِدَتِه وهو أبلغُ ، والضَّميرُ في " تَذَرُوها " يعود على المُميلِ عنها ؛ لدلالة السِّياق عليها . قوله : " كالمُعلَّقة " : حال من " ها " في " تَذَروها " فيتعلَّق بمَحْذُوف ، أي : فتذُروها مُشْبهةً المُعَلَّقة ، ويجُوز عندي : أن يَكُون مفعولاً ثانياً ؛ لأن قولك : " تَذَر " بمعنى : تَتْرك ، و " تَرَك " يتعدَّى لاثْنَيْن إذا كان بِمَعْنَى : صيَّر . والمعنى : لا تَتَّبِعُوا هَوَاكُم ، فَتَدَعُوا الأخْرى كالمُعَلَّقَة لا أيِّماً ، ولا ذَات بَعْل ؛ كما أن الشَّيء المُعَلَّق لا [ يَكُون ] على الأرْضِ ، ولا على السَّماءِ ، وفي قِرَاءة أبَيِّ : " فَتَذَرُوها كالمَسْجُونَة " ، وفي الحَدِيث : " من كَانَت له امْرأتَانِ يميلُ مع إحْدَاهُمَا ، جاء يَوْم القِيَامة وأحدُ شِقَّيْه مَائِلٌ " . قوله : " وإن تُصْلِحُوا " بالعدل في القَسْم ، و " تَتَّقُوا " : الجور { فإن الله كَانَ غَفُوراً رَحِيماً } لما حَصَل في القَلْبِ من المَيْلِ إلى بَعْضِهِنَّ دون بَعْضٍ . وقيل المعنى : وإن تُصْلحوا ما مَضَى من مَيْلِكُم ، وتَتَدَارَكُوه بالتَّوْبَة ، وتَتَّقُوا في المُسْتَقْبَل عن مِثْلِه ، غفر اللَّه لكم ذَلِكَ ، وهذا أوْلَى ؛ لأن التَّفَاوُت في المَيْل القَلْبي ليس في الوُسْع ، فلا يحتاج إلى المَغْفِرَة . قوله " وَإنْ يَتَفَرَّقا " يعني : الزَّوْج والمَرْأة بالطَّلاق ، { يُغنِ اللَّه كُلاًّ مِن سَعَتِهِ } : من رزقه ، يعني : المَرْأة بِزَوْج آخر ، والزَّوْج بامرأة أخْرى . وقيل : يُغْنِي اللَّه كل واحِدٍ منهما عن صَاحِبِه بعد الطَّلاقِ ، { وكان اللَّه واسِعاً حَكِيماً } وصف نفسه بِكَوْنه وَاسِعاً ؛ ولم يُضِفْه إلى شَيْء ؛ لأنه - تعالى - وَاسِعُ الفَضْل ، واسع الرِّزْقِ ، واسع النِّعْمَةِ ، واسع الرَّحْمَةِ ، واسع القُدْرَةِ ، واسِعُ العِلْمِ ، واسعٌ في جميع الكمالات ، فلو قالَ : واسِعٌ في كذا ، لاخْتَصَّ بذلك المَذْكُور ، وقوله : " حكيماً " قال ابن عبَّاسٍ : يريد فيما أمرَ ونَهَى ، وقال الكلبيُّ : فيما حَكَم على الزَّوْج من إمْسَاكِهَا بمعرُوفٍ ، أوْ تسريحٍ بإحْسَانٍ . فصل حُكْم الرَّجلِ إذا كان تَحْتَهُ امْرأتَان أوْ أكْثَر ، يجِبُ عليه التَّسْوِيَة بَيْنَهُنَّ في القَسْم ، فإن ترك التَّسْوِيَة بَيْنَهُنَّ في القَسْم ، عَصَى اللَّه - تعالى - ، وعليه القَضَاءُ للمَظْلُومة ، والتَّسْوِيَة شَرْط في البَيْنُونَةِ أمَّا في الجِمَاع فَلاَ ؛ لأنه يَدُور على النَّشَاطِ وليس ذَلِكِ إلَيه ، ولو كانت تَحْتَه حُرّةٌ وأمَةٌ فإنَّه يَبِيتُ عِنْد الحُرَّة لَيْلَتَيْن ، وعند الأمَة لَيْلَة ، وإذا تَزَوَّج جَدِيدَةً على قَدِيمَة ، يخص الجَدِيدَة بأن يَبِيت عِنْدَهَا سَبْعَ لَيَالٍ على التَّوالِي إن كانت بِكْراً ، وإن كانت ثَيِّباً ، فثلاث لَيَالٍ ، ثم يُسَوِّي بعد ذَلِك بين الكُلِّ ، ولا يجب قَضَاء هذه الثلاث للقَدِيمَات ؛ لقول أنسٍ : من السُّنَّةِ إذا تزوَّج البكر على الثَّيِّب أن يُقِيم عِنْدَها سَبْعَةً ، وإذا تزوَّج الثَّيِّب على البِكْرِ ، أن يُقِيم عندها ثلاثاً ، فإن أحبَّت الثَّيِّبُ أن يُقِيم عِنْدَها سبْعاً ، فعل ، ثم قَضَاه للبَوَاقِي ؛ لأن " النَّبِي صلى الله عليه وسلم لما تَزَوَّج أمَّ سَلَمَة أقام عِنْدَها سَبْعاً ، ثم قال : لَيْس بك هَوانٌ على أهْلِكِ ، إن شِئْت سَبَّعْت لَكِ ، وإن سَبَّعْت لك سَبَّعْت لِنِسَائي " ، وإذا أرادَ الرَّجُل سفرَ حَاجَةٍ ، فيجُوزُ له أنْ يحمل بَعْضَ نِسَائِه [ معه بالقُرْعَة بَيْنَهُنَّ ] ، ولا يَجِبُ عليه [ أن ] يَقْضِي للبَاقِيَات مُدَّة سَفَرِه وإن طَالَتْ إذا لَمْ يزدْ مَقَامُهُ في بَلْدة على مُدَّة المُسَافِرِين ؛ لأن النَّبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد سَفَراً ، أقْرَعَ بين نِسَائِه ، فأيّتهن خَرَج سهُمُهَا ، خرج بِهَا مَعَهُ ، أما إذا أرَادَ سَفَرَ نَقْلةٍ ، فَلَيْسَ له تَخْصِيصُ بَعْضِهِن ، لا بِقُرْعَة ولا بِغَيْرها .