Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 140-140)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قرأ الجماعة : " نُزِّل " مبنياً للمفعول ، وعاصم ويعقوب قَرَآه " نَزَّلَ " مبنياً للفاعِل ، وأبو حَيْوة وحُميد : " نَزَل " مخففاً مَبْنياً للفاعِل ، والنخعي : " أُنْزِل " بالهَمْزَة مبنياً للمفعُول . والقائمُ مقامَ الفاعِل في قراءة الجَمَاعة والنَّخعي ، هو " أنْ " وما في حيِّزها ، أي : وقد نَزَّل عليْكُم المَنْعَ من مُجَالستِهِم عند سَماعِكم الكُفْر بالآيَات ، والاسْتِهْزَاء بها . وأمّا في قراءة عاصمٍ : فـ " أنْ " مع ما بعدها في مَحَلِّ نصبٍ مفعولاً به بـ " نزَّل " ، والفاعل ضميرُ الله - تعالى - كما تقدَّم . وأما في قِرَاءة أبي حَيْوة وحمَيد : فمحَلُّها رفعٌ بالفاعِليّة لـ " نزل " مخففاً ، فمحَلُّها : إمّا نَصْب على قِرَاءة عَاصِمٍ ، أو رَفْع على قِراءة غيره ، ولكن الرَّفْع مختلف . فصل قال المفسِّرون : المَعْنَى : وقد نَزَّل عليكم يا معشر المُؤمنين ، { أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ ٱللَّهِ } يعني : القُرْآن { يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم } يعني : مع المُسْتَهْزِئين { حتى يخوضوا في حديث غيره } ، وذلك أنَّ المُشركِينَ كانُوا يخوضُونَ في مُجَالَسَتِهم في ذِكْر القُرْآن ، يستَهْزِئُون به ، فأنْزَل الله - تعالى - { وَإِذَا رَأَيْتَ ٱلَّذِينَ يَخُوضُونَ فِيۤ آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ } [ الأنعام : 68 ] وهذه الآية نَزَلَتْ في مَكَّة . ثم إن أحْبَار اليهُود بالمدينَة ، كانوا يَفْعَلُون فعل المُشْرِكِين ، وكان المُنافِقُون يَقْعُدون معهُم ، ويُوافِقُونهم على ذلك ، فقال - تعالى - مُخَاطِباً لَهُم : { وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها } والمعنى : إذا سَمِعْتُم الكُفْر بآيَات اللَّه والاستهزاء بِهَا ، لكنَّه أوْقع فعل السماع على الآية ، والمُراد بها : سَمَاع الاسْتِهْزَاء . قال الكسَائِيُّ : هو كما يُقَال : سَمِعْت عَبْد اللَّه يُلاَم . قال ابن الخطِيب : وعندي فيه وَجْه آخَر : وهو أنْ يَكُون المَعْنَى : إذا سَمِعْتُم آيَاتِ اللَّه حَالَ ما يُكْفَر بها ويستهزأ بها ، وعلى هذا فلا حَاجَة لما قاله الكسَائِيُّ . قوله : " أنْ إذَا " " أن " هذه هي المُخَفَّفةُ من الثَّقيلة ، واسمُهَا : ضِمِير الأمْر والشَّأن ، أي : أنَّ الأمْر والشأن إذا سَمعْتُم الكُفْر والاسْتهْزَاء ، فلا تَقْعُدُوا . قال أبو حيان : وما قَدَّره أبو البقاء من قوله : " أنَّكُم إذا سَمِعْتُم " ليس بجَيِّد ، لأن " أن " المخففة لا تَعْمَل إلاَّ في ضِمِير الشَّأن ، إلا في ضرورةٍ ؛ كقوله : [ الطويل ] @ 1888 - فَلَوْ أنْكِ فِي يَوْمِ الرَّخَاءِ سألْتِني طَلاَقَكِ لَمْ أبْخَلْ وَأنْتِ صَدِيق @@ قال شهاب الدين : هكذا قال ، ولم أره أنا في إعراب أبِي البَقَاءِ إلا أنَّه بالهَاءِ دون الكَافِ والمَيم ، والجملةُ الشَّرْطِية المُنْعَقدةُ من " إذا " وجوابها في مَحَلِّ رَفْع ، خَبَراً لـ " أنْ " ، ومن مَجِيء الجُمْلة الشرطيَّة خبراً لـ " أنْ " المُخَفَّفَة : قوله : [ الكامل ] @ 1889 - فَعَلِمْتُ أنْ مَا تَتَّقُوهُ فَإنَّهُ جَزْرٌ لِخَامِعَةٍ وفَرْخِ عُقَابِ @@ فـ " مَا " شَرْطيةٌ ، و " فإنه " جَوابُها ، والجُمْلَةُ خبرٌ لـ " أنْ " المخفَّفَةِ . قوله : " يُكْفَرُ بِهَا " في محلِّ نَصْب على الحَالِ من الآيات ، و " بها " في محلِّ رفع ؛ لقيامِه مقامَ الفاعلِ ، وكذلِك في قوله : " يُسْتَهْزَأ بها " والأصل : يكفر بها أحدٌ ، فلمَّا حُذِف الفاعلُ ، قام الجارُّ والمَجْرُورُ مقامَه ، ولذلك رُوعِي هذا الفَاعِلُ المَحْذُوف ، فعاد عليه الضَّمِيرُ من قوله : { مَعَهُمْ حتى يخوضوا } كأنه قِيل : إذا سَمِعْتُم آياتِ الله يَكْفرُ بها المُشْرِكُون ، ويَسْتَهزِئُ بها المُنَافِقُون ، فلا تَقْعدوا مَعَهُم حتى يخُوضُوا في حَديثٍ غيره ، أي : غير حَدِيث الكُفْر والاستهزاء ، فعاد الضَّمير في " غيره " على ما دَلَّ عليه المَعْنَى . وقيل : الضَّمير في " غيره " يجُوزُ أنْ يعودَ على الكُفْر والاستِهْزَاء المفهُومَيْن من قوله : " يُكْفَر بِهَا " و " وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا " ، [ وإنما أفْرَد الضَّمِير وإن كان المُرَاد به شَيْئين ؛ لأحد أمرين : ] إمَّا لأنَّ الكُفر والاستِهْزَاء شيءٌ واحدٌ في المعْنَى : وإمَّا لإجراءِ الضَّميرِ مُجْرى اسم الإشَارةِ ، نحو : { عَوَانٌ بَيْنَ ذَٰلِكَ } [ البقرة : 68 ] . وقوله : [ الرجز ] @ 1890 - كَأنَّهُ فِي الجِلْدِ تَوْلِيعُ البَهَقْ @@ وقد تقدَّم تَحْقِيقُه في البقرة ، و " حتى " : غايةٌ للنَّهْي ، والمعنى : أنه يجُوز مُجَالستهم عند خَوْضِهم في غير الكُفْر والاستِهْزَاء . قال الضَّحاك : عن ابن عبَّاسٍ : دخل في هذه الآيَة كل مُحْدِث في الدِّين ، وكل مُبْتَدِع إلى يَوْم القِيَامَةِ . قوله : { إنكم إذاً مثلهم } " إذاً " هنا : مُلغَاةٌ ؛ لوقوعها بين مُبْتَدأ وخبر ، والجمهور على رفعِ اللام في " مثلُهم " على خَبَرِ الابتداء ، وقرئ شاذاً بفتحها ، وفيها تَخْريجَان : أحدهما : - وهو قولُ البصْريِّين - أنه خبر أيضاً ، وإنما فُتِح لإضافته إلى غير مُتَمَكِّن ؛ كقوله - تعالى - : { إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَآ أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ } [ الذاريات : 23 ] بفتح اللاَّم ، وقول الفرَزْدَق : [ البسيط ] @ 1891 - … … وإذْ مَا مِثْلَهُمْ بَشَرُ @@ في أحدِ الأوجه . والثَّاني : - وهو قولُ الكُوفيِّين - إن " مِثْل " يَجُوز نصبها على المَحَلِّ ، أي : الظرف ، ويُجيزُون : " زيد مِثْلَك " بالنَّصب على المحلِّ أي : زيدٌ في مثل حالك ، وأفرد " مثل " هُنَا ، وإن أخْبَرَ به عن جَمْع ولم يُطابق به كما طابق ما قبله في قوله : { ثُمَّ لاَ يَكُونُوۤاْ أَمْثَالَكُم } [ محمد : 38 ] ، وقوله : { وَحُورٌ عِينٌ كَأَمْثَالِ } [ الواقعة : 22 ، 23 ] . قال أبُو البقاء وغيره : لأنه قصد به هُنَا المصدر ، فوحَّد كما وحَّد في قوله : { أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا } [ المؤمنون : 47 ] . وتحرير المَعْنَى : أن التقدير : إنَّ عصيانكم مثل عصيانهم ، إلا أنَّ تقدير المصدريّة في قوله : " لِبَشَريْنِ مِثْلِنَا " قلق . فصل في معنى الآية والمعنى : أنكم إذاً مِثْلُهُم ، إن قعدْتُم عندهم وهُم يَخُوضُون ويَسْتهزِئُون ، ورضيتم بِهِ ، فأنتم كُفَّار مِثْلُهم ، وإن خَاضُوا في حَدِيث غَيْرِه ، فلا بأس بالقُعُود مَعَهم مع الكَرَاهَة . قال الحَسَن : لا يجوز القُعُود معهم وإن خَاضُوا في حَدِيث غَيْره ؛ لقوله - تعالى - : { وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ ٱلشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ ٱلذِّكْرَىٰ مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } [ الأنعام : 68 ] والأكثرون على الأوَّل ، وآية الأنعام مَكِّية وهذه مَدَنِيَّة ، والمتأخِّر أوْلَى . فصل قال بعض العُلَمَاء : هذا يدل على أنَّ من رَضِي بالكُفْرِ ، فهو كافِرٌ ، ومن رَضِيَ بمنكر يَرَاه ، وخالط أهْلَه وإن لَمْ يُبَاشِر ذلك ، كان في الإثْمِ بمَنْزِلة المُبَاشِر لهذه الآية ، وإن لم يَرْض وحَضَر خَوْفاً وتقية ، فلا . قوله : { إِنَّ ٱللَّهَ جَامِعُ ٱلْمُنَافِقِينَ وَٱلْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً } أي : كما اجتمعوا على الاسْتِهْزَاء بآيَاتِ اللَّه في الدُّنْيا ، فكذلك يَجْتِمَعُون في العَذَاب يوم القِيَامَةِ ، وأراد : جامعٌ بالتنوين ؛ لأنَّه بعدما جَمَعَهُم حذف التَّنْوِين ؛ استخفافاً من اللَّفْظ ، وهو مرادٌ في الحَقِيقَةِ .