Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 147-147)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
في " مَا " وجهان : أحدهما : أنها استفهامية ، فتكون في محل نصب بـ " يَفْعَل " وإنما قُدِّم ؛ لكونه له صدر الكلام ، والباءُ على هذا سببيةٌ متعلقةٌ بـ " يَفْعَلُ " ، والاستفهام هنا معناه النفيُ ، والمعنى : أن الله لا يفعلُ بعذابِكُمْ شيئاً ؛ لأنه لا يجلبُ لنفسِه بعذابكم نفعاً ، ولا يدْفَعُ عنها به ضُرًّا ، فأيُّ حاجة له في عذابكُمْ ؟ [ والمقصودُ منه حمل المكلَّفين على فعل الحَسَن والاحتراز عن القبيح ] . والثاني : أن " مَا " نافية ؛ كأنه قيل : لا يُعذِّبُكُمُ الله ، وعلى هذا : فالباء زائدة ، ولا تتعلَّق بشيءٍ . [ قال شهاب الدين : ] وعندي أن هذين الوجهين في المعنى شيءٌ واحدٌ ، فينبغي أن تكون سبييةٌ في الموضعين أو زائدة فيهما ؛ لأن الاستفهام بمعنى النفْيِ ، فلا فرق . وقال البَغَوِي : هذا اسْتِفْهَام بمعْنَى التَّقْرير معناه : إنه لا يُعَذِّبُ المؤمِنَ الشَّاكِر ، فإن تَعْذِيبَهُ عِبَادهُ لا يَزِيدُ في مُلْكِهِ ، وتَرْكَهُ عُقُوبَتَهُم على فعلهم لا يُنْقصُ من سُلطانِه [ والشُّكْرُ ضد الكُفر ، والكُفْر سَتْر النِّعْمَة والشُّكْرُ إظهَارُهَا ] ، والمصدر هُنا مُضَاف لمفْعُولِهِ . وقوله " إِن شَكَرْتُمْ " جوابُهُ مَحْذُوفٌ ؛ لدلالةِ ما قبله عليه ، أي : إن شَكَرْتُم وآمَنْتُم فما يَفْعَلُ بعَذابكُم . فصل لِمَ قدَّم الشُّكر على الإيمان في الآية ؟ وفي تَقْدِيم الشُّكْرِ على الإيمانِ وُجُوه : الأول : على التَّقْدِيم والتَّأخير ، أي : آمَنْتُم وشكرْتُم ؛ لأن الإيمان مقدَّمٌ على سَائِر الطَّاعَاتِ ، ولا يَنْفَعُ الشكْرُ مع عَدَمِ الإيمَانِ . الثاني : أن الوَاوَ لا تُوجِبُ التَّرْتِيبَ . الثالث : أن الإنْسَانَ إذا نَظَر إلى نَفْسِهِ ، رَأى النِّعْمَة العَظيمَة في تَخْلِيقهَا وتَرْتيبها ، فيْشكُر شُكْراً مُجْمَلاً بِهَا ، ثُمَّ إذا تَمَّمَ النَّظَر في مَعْرِفَة المُنْعِم ، آمَنَ به ثُمَّ شكَر شُكْراً مُفَصَّلاً ، فكان ذلك الشكْرُ المُجْمَل مُقَدَّماً على الإيمانِ ؛ فَلِهذَا قُدِّمَ عليه في الذِّكْرِ . فصل اسْتَدَلُّوا بهذه الآيةِ على أنَّهُ لا يُعَذَّبُ أصْحَاب الكَبَائِرِ ؛ لأنا نفرض الكلام فيمن شَكَر وآمن ، ثم أقْدَم على الشُّرْبِ أو الزِّنَا ، فهذا يَجِبُ ألاَّ يُعَاقَبَ ؛ لقوله - تعالى - : { مَّا يَفْعَلُ ٱللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ } وقد تقدَّم الاسْتِدْلاَل على أنَّ صَاحِب الكَبِيرَةِ مُؤمِنٌ . فصل قالت المُعْتَزِلَة : دَلَّت هذه الآيةُ على أنَّه - سبحانه [ وتعالى ] - ما خَلَق خَلْقاً ابْتِدَاءً لأجْلِ التَّعْذِيب والعِقَابِ ؛ لأن قوله : { مَّا يَفْعَلُ ٱللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ } صريحٌ في أنَّه - تعالى - لَمْ يَخْلُق أحْداً لِغَرَضِ التَّعْذِيبِ . ودلَّت أيضاً على أنَّ فاعل الشُّكْرِ والإيمانِ هو العَبْد ، وليس ذلك فِعْلاً للَّه تعالى وإلا لَصَار التَّقْدِير : ما يَفْعَلُ اللَّه بعذَابِكُم بعد أن خَلَقَ الشُّكْرَ والإيمَانَ فِيكُم ، وذلك غير مُنْتَظِم . وتقدَّم الجوابُ عن مِثْلِ ذلك . ثم قال { وَكَانَ ٱللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً } أمرَهُمْ بالشُّكْرِ ، وسَمَّى الجَزَاءَ شُكْراً ، على سَبيلِ الاسْتِعَارةِ ، فالشُّكْرُ من اللَّهِ هو الرِّضَا بالقَلِيلِ من عِبَادِهِ ، وإضْعَافِ الثَّوَابِ عَلَيْه ، والشُّكْر من العَبْدِ الطَّاعَة ، والمُراد من كونه عَلِيماً : أنَّهُ عَالِمٌ بِجَميع الجُزْئيَّات ، فلا يَقَعُ لَهُ الغَلَطُ ألْبَتَّة ، فلا جَرَمَ يُوصلُ الثَّوَابَ إلى الشَّاكِرِ ، والعِقَابَ إلى المُعرِضِ .