Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 145-146)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الدَّرْك : قرأ الكوفيُّون - بخلاف عن عاصمٍ - بسكون الراء ، والباقون بفتحها ، وفي ذلك قولان : أحدهما : أنَّ الدَّرْك والدَّرَكِ لغتان بمعنى واحدٍ ، كالشَّمْعِ والشَّمَعِ ، والقَدْرِ والقَدَرِ . والثاني : أن الدَّرَكَ بالفتح جمعُ " دَرَكَة " على حدِّ بَقَر وبَقَرة . وقال أبو حاتم : جَمْع الدَّرْكِ : أدْرَاك ؛ مثل حَمْل وأحْمَال ، وفَرْس وأفراس وجمع الدرك : أدْرُك ؛ مثل أفْلُس وأكْلُب . واختار أبو عُبيد الفتح ، قال : لأنه لم يَجِىءْ في الآثار ذكرُ " الدَّرَك " إلا بالفتحِ ، وهذا غيرُ لازمٍ لمجيء الأحاديثِ بإحدى اللغتين ، واختار بعضهم الفتح ؛ لجمعه علَى أفعال قال الزمخشريُّ : " والوجهُ التحريكُ ؛ لقولهم : أدْرَاكُ جَهَنَّمَ " ، يعني أنَّ أفْعَالاً منقاسٌ في " فَعَلٍ " بالفتحِ ، دونَ فَعْل بالسكون ، على أنه قد جاء أفعالٌ في فعْلٍ بالسكون ؛ نحو : فَرْخٍ وأفراخ ، وزنْدٍ وأزنَادٍ ، وفَرْدٍ وأفْرَادٍ ، وقال أبو عبد الله الفاسيُّ في شرحِ القصيدِ : " وقال غيرُه - يعني غيرَ عاصم - ؛ محتجاً لقراءة الفتحِ ؛ قولهم في جمعه : " أدْرَاك " يدُلُّ على أنه " دَرَكٌ " بالفتح ، ولا يلزمُ ما قال أيضاً ؛ لأن فعلاً بالتحريك قد جُمِعَ على أفعالٍ ، كقَلَمٍ وأقْلاَمٍ ، وجَبَل وأجْبَالٍ " انتهى ، وهذه غفلةٌ منه ؛ لن المتنازع فيه إنما هو فعْلٌ بالتسكين : هل يُجمعُ على أفعالٍ ، أم لا ؟ وأما فعَل بالتحريك فأفعالٌ قياسه ، وكأنه قصد الردَّ على الزمخشريَّ ، فوقع في الغلطِ ، وكان ينبغي له أن يقول : وقد جُمِعَ فعلٌ بالسكون على أفعالٍ نحو : فَرْخٍ وأفْرَاخٍ ، كما ذكرته لك ، وحُكِيَ عن عاصم أنه قال : " لو كان " الدَّرَكُ " بالفتح ، لكان ينبغي أن يقال السُّفْلى لا الأسفل " قال بعض النحويِّين : يعني أنَّ الدَّرَك بالفتح جمع " دَرَكَة " ؛ كبَقَرٍ جمع بقَرَةٍ ، والجمعُ يُعامَلُ معاملةَ المؤنثة ، وهذا غيرُ لازم ؛ لأنَّ اسم الجنس الفارقُ بين واحده وجمعه تاءُ التأنيث يجوز تذكيرُه وتأنيثه ، إلا ما استُثني وجوبُ تذكيره أو تأنيثه ، والدَّرَكُ ليس منه ، فيجوزُ فيه الوجهان ، هذا بعد تسليم كون " الدَّرْكِ " جمع " دَرَكَةٍ " بالسكون كما تقدم ، والدَّرَكُ مأخوذٌ من المُداركة ، وهي المتابعةُ ، وسُمِّيَتْ طبقاتُ النارِ " دَرَكَاتٍ " ؛ لأنَّ بعضها مَدَارِكُ لبعض ، أي : متتابعة . قوله : " من النَّارِ " في محلَّ نصب على الحال ، وفي صاحبها وجهان : أحدهما : أنه " الدَّرْك " ، والعامل فيها الاستقرار . والثاني : أنه الضميرُ المستتر في " الأسْفَل " ؛ لأنه صفةُ ، فيتحمل ضميراً . قال الليث : الدَّرْكُ أقْصَى قعْر الشيء ؛ كالبَحْر ونحوه ، فعلى هذا المُرَاد بالدَّرْكِ الأسْفَل : أقْصَى قعر جَهَنَّم ، وأصْلُ هذا من الإدْرَاكِ بمعنى اللُّحُوق ، ومنه إدراكُ الطَّعَام وإدْراكُ الغُلاَمِ ، قال الضحاك : [ الدَّرج ] إذا كان بَعْضُها فوقَ بَعْضٍ ، والدَّرك إذا كانَ بعضها أسْفَل مِنْ بَعْضٍ . فصل في معنى الدرك قال ابن مَسْعُود : الدَّرْكُ الأسْفَل من النَّارِ : توابِيت من حديدٍ مُقْفَلَة في النَّارِ ، وقال أبُو هُرَيْرَة : بَيْتٌ يُقْفَل عليهم ، تتوَقَّد فيه النَّارُ من فوقهم ومن تَحْتِهِم . فصل قال ابن الأنْبَارِيّ : قال - تعالى - في صِفَةِ المُنَافِقِين : إنَّهُم في الدَّرْكِ الأسْفَلِ من النَّارِ ، وقال في آلِ فِرْعَوْن : { أَدْخِلُوۤاْ آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ ٱلْعَذَابِ } [ غافر : 46 ] فأيُّهُمَا أشَدُّ عَذَاباً : المُنَافِقُون ، أم آل فِرْعوْن ؟ . وأجَابَ : بأنَّهُ يحتمل أنَّ أشَدَّ العذاب إنَّما يكُون في الدَّرْكِ الأسْفَلِ ، وقد اجْتَمَع فيه الفَريقَانِ . فصل لماذا كان المنافقون أشد عذاباً من الكفار ؟ إنَّما كان المُنَافِقُون أشَدّ عَذَاباً من الكُفَّارِ ؛ لأنَّهم مِثْلهم في الكُفْر ، وضَمُّوا إليه نَوْعاً آخَرَ من الكُفْرِ ، وهو الاسْتِهْزَاء بالإسْلامِ [ وأهْلِه أيضاً فإنّهم يُظْهِرُون الإسْلاَم ] ؛ ليتَمَكَّنُوا من الاطِّلاعِ على أسْرَار المُسْلِمِين ، ثُمَّ يُخْبِرُون الكُفَّار بذلك فتتضاعف المِحْنَة . قوله : { وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً } مانعاً من العذاب . واحْتَجُّوا بهَذِهِ الآيَةِ على إثْبَات الشَّفَاعةِ للفُسَّاقِ من المُسْلِمِين ؛ لأنه - تعالى - خَصَّ المُنَافِقِين بهذا التَّهْدِيدِ ، ولو كَانَ ذلك حَاصِلاً لِغَيْر المُنَافِقِين ، لم يَكُنْ ذلك زَجْراً عن النِّفَاقِ من حَيْثُ إنَّه نِفَاقٌ ، ولَيْس هذا اسْتِدْلاَلاً بِدَلِيلِ الخِطَابِ ، بل وجْه الاستدلالِ فيه ؛ أنه - تعالى - ذَكَرَهُ في مَعْرِضِ الزَّجْرِ عن النِّفَاقِ ، فلو حَصَل ذلك مع عَدَمِهِ ، لم يَبْقَ زَجْراً عَنْه من حَيْث إنَّه نِفَاقٌ . قوله : { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ } : فيه ثلاثة أوجه : أحدها : أنه منصوبٌ على الاستثناء من قوله : " إِنَّ المُنَافِقِينَ " . الثاني : أنه مستثنًى من الضمير المجْرُورِ في " لَهُمْ " . الثالث : أنه مبتدأ ، وخبرُه الجملةُ من قوله : { فأولئك مَعَ المُؤمنِينَ } ، قيل : ودَخَلَتِ الفاءُ في الخبرِ ؛ لشبه المبتدأ باسم الشرط ، قال أبو البقاء ومكي وغيرُهما : " مَعَ المُؤمنينَ " خبرُ " أولَئِكَ " ، والجملةُ خبر " إِلاَّ الَّذِينَ " ، والتقدير : فأولئك مؤمنون مع المُؤمِنِينَ ، وهذا التقديرُ لا تقتضيه الصناعةُ ، بل الذي تقتضيه الصناعةُ : أن يُقَدَّر الخبرُ الذي يتعلَّق به هذا الظرف شيئاً يليقُ به ، وهو " فأولئِكَ مُصَاحِبُونَ أو كائِنونَ أو مستقرُّون " ونحوه ، فتقدِّرُه كوناً مطلقاً ، أو ما يقاربه . فصل معنى الآية { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ } : من النِّفَاقِ وآمَنُوا ، " وأَصْلَحُوا " أعْمَالَهُم ، " واعْتَصَمُوا باللَّهِ " ووثِقُوا باللَّهِ ، { وأخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ } وأراد الإخلاَصِ بالقَلْبِ ؛ لأن النِّفَاقَ كُفْر القَلْبِ ، فَزَوالُهُ يكُونُ بإخلاصِ القَلْبِ ، فإذا حَصَلَت هذه الشُّرُوط ، فِعنْدَها قال : { فَأُوْلَـٰئِكَ مَعَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } ، ولم يَقُلْ : فأولئَك مُؤمِنُون . قال الفَرَّاء : معناه : فَأولَئِك من المُؤمِنِين . قوله : { وَسَوْفَ يُؤْتِ الله [ المُؤمِنينَ أجْراً عَظِيماً ] } رُسِمَتْ " يُؤتِ " دون " يَاءٍ " وهو مضارعٌ مرفوع ، فحقُّ يائه أن تثبت لفظاً وخَطَّاً ، إلا أنها حذفتْ لفظاً في الوصل ؛ لالتقاء الساكنين [ وهما اليَاءُ في اللفظ واللام في الجلالة ] فجاءُ الرسمُ تابعاً للفظ ، وله نظائرُ تقدَّم بعضها ، والقراءُ يقفون عليه دون ياءٍ اتِّباعاً للرسْمِ ، إلا يعقوب ، فإنه يقف بالياء ؛ نظراً إلى الأصل ، ورُوي ذلك أيضاً عن الكسَائيِّ وحمزة ، وقال أبو عَمْرو : " ينبغي ألاَّ يُوقفَ عليها ؛ لأنَّه إنْ وُقِفَ عليها كما في الرسْمِ دون ياء خالَفَ النحويين ، وإن وقف بالياء خالَفَ رسْم المصْحَف " ، ولا بأسَ بما قالَ ؛ لأن الوقْفَ ليس ضروريًّا ، فإن اضْطُرَّ إليه واقفٌ ؛ لقَطْعِ نفس ونحوه ، فينبغي أن يُتابعَ الرسمُ ؛ لأنَّ الأطرافَ قد كَثُر حَذفُهَا ، ومِمَّا يشبه هذا الموضع قوله : { وَمَن تَقِ ٱلسَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ } [ غافر : 9 ] فإنه رسم " تَقِ " بقافٍ ، دون هاءِ سكت ، وعند النحويين : أنه أنه إذا حُذِفَ من الفعل شيءٌ ؛ حتى لم يَبْقَ منه إلا حرفٌ واحدٌ ، ووُقِفَ عليه ، وجَبَ الإتيانُ بهاء السكت في آخره ؛ جَبْراً له ؛ نحو : " قِهْ " و " لَمْ يَقِهْ " و " عِهْ " و " لَمْ يَعِهْ " ، ولا يُعْتَدُّ بحرف المضارعة ؛ لزيادته على بنية الكلمة ، فإذا تقرَّر هذا ، فنقول : ينبغي ألاَّ يُوقَفَ عليه ؛ لأنه إن وُقِفَ بغير هاءِ سكتٍ ، خالف الصناعةَ النحويةَ ، وإنْ وُقِفَ بهاء خالف رَسْمَ المُصْحف . والمراد : " يؤت الله المؤمنين " في الآخِرَةِ ، " أجْراً عَظِيماً " [ يعني : الجَنَّة ] .