Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 166-166)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { لَّـٰكِنِ ٱللَّهُ يَشْهَدُ } هذه الجملة الاستدراكية لا يبتدأ بها ، فلا بدَّ من جملة محذوفة ، وتكون هذه الجملةُ مستدركةً عنها ، والجملة المحذوفةُ هي ما رُويَ في سبب النزول ؛ أنه لَمَّا نَزَلَت : { إِنَّآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ } [ الآية : 163 النساء ] ، قالوا : ما نشهد لك بهذا أبداً ، فنزلت : { لَّـٰكِنِ ٱللَّهُ يَشْهَدُ } ، وقد أحسن الزمخشريُّ هنا في تقدير جملةٍ غيرِ ما ذكرتُ ، وهو : " فإنْ قلْتَ : الاستدراكُ لا بُدَّ له من مُسْتدركٍ ، فأيْنَ هو في قوله : { لَّـٰكِنِ ٱللَّهُ يَشْهَدُ } ؟ قلتُ : لمَّا سأل أهلُ الكتاب إنزال الكتاب من السماء ، وتعنَّتوا بذلك ، واحتجَّ عليهم بقوله : { إِنَّآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ } قال : { لَّـٰكِنِ ٱللَّهُ يَشْهَدُ } بمعنى أنهم لا يشهدون ، لكن اللَّهُ يَشْهَدُ " ، ثم ذكر الوجه الأول . وقرأ الجمهور بتخفيفِ " لَكِن " ورفعِ الجلالة ، والسُّلَمِيُّ والجرَّاح الحكمي بتشديدها ونَصْب الجلالة ، وهما كالقراءتين في { وَلَـٰكِنَّ ٱلشَّيْاطِينَ } [ البقرة : 102 ] وقد تقدَّم ، والجمهورُ على " أنْزَلَهُ " مبيناً للفاعل ، وهو الله تعالى ، والحسن قرأه " أُنْزِلَ " مبنيًّا للمفعول ، وقرأ السلميُّ " نَزَّلَهُ بِعِلْمِهِ " مشدَّداً ، والباء في " بعلْمِهِ " للمصاحبة ، أي : ملتبساً بعلمه ، فالجارُّ والمجرور في محلِّ نصب على الحال ، وفي صاحبها وجهان : أحدهما : الهاءُ في " أنْزَلَهُ " . والثاني : الفاعل في " أنْزَلَهُ " أي : أنزله عالماً به ، و " والمَلائِكةُ يَشْهَدُونَ " مبتدأ وخبر ، يجوز أن تكون حالاً أيضاً من المفعول في " أنْزَلَهُ " ، أي : والملائكة يَشْهَدُونَ بصدْقه ، ويجوزُ ألاَّ يكونَ لها محلٌّ ، وحكمه حينئذٍ كحُكْم الجملة الاستدراكيّة قبله ، وقد تقدَّم الكلامُ على مِثْلِ قوله : { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً } [ النساء : 166 ] . فصل قال ابن عبَّاسٍ - رضي الله عنهما - : " إن رُؤسَاء مكَّةَ أتوا رسُول الله صلى الله عليه وسلم وشَرَّف وكَرَّم ومَجَّد وعَظَّم وقالوا : يا مُحَّمد ، إنا سَألْنَا عنْكَ اليَهُودَ ، عن صفتِك في كِتَابِهِم ، فَزَعَمُوا أنَّهُم لا يَعْرِفُونَك ودخل عليه جَمَاعَةٌ من اليَهُودِ ، فقال لَهُم : والله إنَّكُمْ لتَعَلمُن أنِّي رَسُولُ اللَّهِ " فقالوا : ما نَعْلَمُ ذلك واللَّهِ ، فأنزلَ الله - تعالى - : { لَّـٰكِنِ ٱللَّهُ يَشْهَدُ بِمَآ أَنزَلَ إِلَيْكَ [ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ ] } إن جحدوك وكَذَّبُوك ، وشهادَةُ الله عُرِفَتْ بإنْزَالِ هذا القُرآنِ البَالِغ في الفَصَاحَةِ إلى حَيْثُ عَجَز الأوَّلُون والآخِرُون عن مُعَارَضَتِهِ ، فكان ذَلِكَ مُعْجِزاً ، وإظْهَارُ المُعْجِزَة شهادَةٌ بكَوْن المُدَّعِي صَادِقاً ، ولما كانت شهادتُهُ إنما عُرِفَتْ بإنْزَالِهِ بواسِطَة القُرْآنِ ، قال : { لَّـٰكِنِ ٱللَّهُ يَشْهَدُ } لك بالنُّبُوَّةِ ، بواسِطَة إنْزَالِ هذا القُرْآنِ عليك ، ثم بيَّن صفَة هذا الإنْزَال ، وهو أنَّه - تعالى - أنْزَلَهُ بِعِلْمٍ تَامٍّ ، وحِكْمَةٍ بَالِغَة . فقولُهُ بغايَةِ الحُسْن ونهاية الكَمَالِ ؛ كما يُقالُ في الرَّجُل المَشْهُور بكَمَالِ الفَضْل والعِلْم ، إذا صَنَّف كتاباً واسْتَقْصَى في تحْريره : إنَّه إنما صنَّفَ هذا بكَمَالِ عِلْمِه وفَضْلِه ، يعني : أنه اتَّخَذَ جُمْلَة عُلُومه وسِيلَةً إلى تَصْنِيفِ هذا الكِتَابِ ، فيدُلُّ ذَلِك عَلَى وَصْفِ ذلك التَّصْنِيف بِغَايَةِ الجَوْدَةِ والحُسْنِ ، فكذا هَهُنَا دلَّت هذه الآيَةُ على أنَّ لله - تعالى - عِلْماً ؛ لأنَّها أثْبَتتِ العلم للَّه - تعالى - ولو كان عِلْمُهُ نَفْس ذَاتِهِ ، لزم إضافَةُ الشَّيْء إلى نَفْسِهِ ، وهُوَ مُحَال . وقوله - تعالى - : { وَٱلْمَلاۤئِكَةُ يَشْهَدُونَ } إنَّما تُعْرَفُ شَهَادَةُ المَلاَئِكَة له بذلك ؛ لأن إظهار المُعْجزة على يَدِهِ ، لمَّا دلَّ على أنَّ اللَّه - تعالى - شَهِد بذلك ، فالمَلاَئِكَة [ أيضاً ] يشهدُون لا مَحَالَة ، لأنَّهُم لا يَسْبِقُونَهُ بالقَوْلِ ، فكأنَّهُ قيل : يا محمد إن كَذَّبَكَ هؤلاء [ اليَهُود ] ، فلا تُبَالِ بِهِم ، فإنَّ إله العَالمِينَ يُصَدِّقُك ، وملائِكَةُ السَّمَوات يُصَدِّقُونَك في ذلك ، ومن صَدَّقَهُ ربُّ العَالَمِين ، وملائكةُ العَرْشِ والكُرْسِيّ ، والسَّمواتُ السَّبْع أجْمَعِين ، لم يَلْتَفِتْ إلى تكْذِيب أخَسِّ النَّاسِ . ثُمَّ قال : { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً } [ وقد تقدَّم الكلامُ فيه ] .