Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 20-21)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لما أذن في مضارة الزوجات إذَا أتين بفاحشة مبينة بين في هذه الآية تحريم المضارة في غير حال الإتيان بالفاحشة ؛ وذلك لأن الرجل إذا مال إلى التَّزَوُّج بامرأة أخرى ، رمى زوجته بنفسه بالفاحشة حتى يُلْجِئَها إلى الافتداء منه بما أعْطاهَا ليصرفه في تزوج المرأة التي يريدها ، فقال تعالى { وَإِنْ أَرَدْتُّمُ ٱسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ } . قوله : { مَّكَانَ زَوْجٍ } ظرف منصوب بالاستبدال ، والمراد بالزوج هنا الجمع ، أيْ : فإن أردتم استبدال أزواج مكان أزواج وجاز ذلك [ لدلالة ] جمع المستبدلين ، إذ لا يتوهم اشتراك المخاطبين في زوج واحد مكان زوج واحد ، ولإرادة معنى الجمع عاد الضمير من قوله { إِحْدَاهُنَّ } على " زوج " جمعاً . [ و ] التي نهى عن الأخذ منها في المستبدل مكانها ؛ لأنها آخذة منه بدليل قوله تعالى : { وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ } وهذا إنَّمَا هو في القديمة لا في المستحدثة ، وقال : { إِحْدَاهُنَّ } ليدل على أنه قوله { وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً } المراد منه : وآتى كل واحد منكم إحداهن أي : إحدى الأزواج [ ولم يقل : " آتيتموهن قنطاراً " لئلا يتوهم أن جميع المخاطبين آتوا الأزواج ] قنطاراً ، والمراد آتى كل واحد زوجته قنطاراً ، فدَلَّ [ على ] لفظ إحداهن " . على أنَّ الضمير في أتيتم المراد منه كل واحد واحد ، كما دلّ لفظ { وَإِنْ أَرَدْتُّمُ ٱسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ } على أن المراد استبدال أزواج مكان أزواج فأرِيدَ بالمفرد هنا الجمع ، لدلالة { وَإِنْ أَرَدْتُّمُ } ، واُرِيدَ بقوله : " وآتيتم كل واحد واحد " لدلالة إحداهن - وهي مفردة - على ذلك ، ولا يُدَلُّ على هذا المعنى البليغ بأوجز ، ولا أفصح من هذا التركيب ، وقد تقدم معنى القنطار واشتقاقه في " آل عمران " ، والضمير في " منه " عائد على قنطار . وقَرَأَ ابْنُ مُحَيْصِنٍ " آتيتم إحداهن " بوصل ألف إحدى ، كما قرأ " إنها لإحدى الكبر " ، حذف الهمزة تحقيقاً كقوله : [ الرجز ] @ 1771 - إنْ لَمْ أُقَاتِلْ فَالْبِسُونِي بُرْقُعَا @@ وقد طول أبُو البَقَاءِ هنا ، ولم يأتِ بطائلٍ فقال : وفي قوله : { وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً } إشكالان : أحدهما : أنه جمع الضمير والمتقدم زوجان . والثاني : أن التي يريد أن يستبدل بها هي التي تكون قد أعطاها مالاً ، فَنَهَاهُ عن أخذه ، فَأَمَّا التي يريد أن يستحدث بها فلم يكن أعطاهَا شيئاً حَتَّى ينهى عن أخذه ، ويتأيد ذلك بقوله { وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ } . والجواب عن الأول : أنَّ المراد بالزوج الجمع ؛ لأن الخطاب لجماعة الرجال ، وكل منهم [ قد ] يريد الاستبدال ، ويجوز أنْ يكون جمع ؛ لأن التي يريد أنْ يستحدثها يفضي حالها إلى أن تكون زوجاً و [ أن ] يريد أن يستبدل بها كما استبدل بالأولى فجمع على هذا المعنى . وأمَّا الإشكال الثاني ففيه جوابان : أحدُهُمَا : أنَّه وضع الظاهر موضع المضمر ، والأصل " وآتيتموهن " . والثاني : أن المستبدل بها مبهمة فقال " إحداهن " إذْ لم يتعين حتى يرجع الضمير إليها ، وقد ذكرنا نحواً من هذا في قوله " فتذكر إحداهما الأخرى " انتهى . قال شهابُ الدِّينِ : وفي قوله " وضع الظاهر موضع المضمر " نظر ؛ لأنَّهُ لو كان الأصل كذلك لأوهَمَ أنَّ الجميع آتوا الأزْوَاجَ قنطاراً كما لم تقدم وليس كذلك . فصل [ حكم المغالاة في المهر ] قالوا : دَلَّتِ الآية على جواز المغالاة في المهر . رُوِيَ أنَّ عمر بن الخطاب قال على المِنْبَرِ : " ألاَ لاَ تُغَالُوا في مهور نِسَائكُم " فقامت امرأة فقالت : يا ابن الخطاب اللَّه يعطينا وَأنْتَ تمنع ، وتلت الآية فقال عمر : كلّ الناس أفْقَهُ مِنْكَ يا عمرُ ، ورجع عن ذلك . قال ابن الخطيب : وعندي أنَّ الآية لا دلالة فيها على جواز المغالاة ؛ لأن قوله { إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً } لا يدل على جواز إيتاء القنطار ، كما أن قوله { لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ ٱللَّهُ لَفَسَدَتَا } [ الأنبياء : 22 ] لا يدل على حصول الآلهة فالحاصل أنَّهُ لا يلزم من جعل الشيء شرطاً لشيء آخر كون ذلك الشرط في نفسه جائز الوقوع . قال عليه الصلاة والسلام : " من قُتل له قتيلٌ فأهله بين خيرتين " ولم يلزم منه جواز القتل ، وقد يقول الرجل : لو كان الإله جسماً لكان محدثاً ، وهذا حق ، ولا يلزم منه أن [ قولنا ] الإله جسم حق . فصل يدخل في الآية ما إذَا كان آتَاهَا مهرها ، وما إذا لم يؤتها ؛ لأنه إذَا أوقع العقد على الصداق فقد آتاها ذلك الصداق في حكم الله فلا فرق بين ما إذا آتاها الصداق حساً ، وبين ما إذا لم يؤتها . فصل [ في الخلوة الصحيحة هل تقرر المهر ؟ ] احتج أبُو بكر الرازي بهذه الآيةَ على أنَّ الخلوة الصحيحة تقرر المهر . قال : لأنَّ اللَّهَ تعالى منع الزوج من أنْ يأخذ منها شيئاً من المهر ، وهذا المنع مطلق ترك العمل قبل الخلوة ؛ فوجب أن يكون معمولاً به بعد الخلوة . قال : ولا يجوز أن يقال إنَّهُ مخصوص بقوله تعالى : { وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ } [ البقرة : 237 ] لأن الصحابة اختلفوا في تفسير المسيس . فقال عمر وعلي - رضي الله عنهما - : المراد من المسيس : الخلوة . وقال عبد الله : هو الجماع إذَا صار مختلفاً فيه امتنع جعله مخصصاً لعموم الآية . وأجيب أنَّ هذه الآية هنا مختصة بعد الجماع لقوله : { وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ } وإفضاء بعضهم إلى بعض ، هو الجماع على ما سيأتي . فصل [ سوء العشرة هل يوجب العوض ] سُوءُ العشرة إنْ كان من قِبَلِ الزوجة حَلَّ أخذ بدل الخُلْعِ ؛ لقوله : { وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ ُلِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَآ آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ } وإن كان من قِبل الزوج ، كُرِهَ له أن يأخذ من مهرها شيئاً ؛ لأنه نهى في هذه الآية عن الأخذ ، ثم إن خالف وفعل ملك بدل الخُلْعِ كما أنَّ البيع وقت النداء منهي عنه ، ثم إنه يفيد الملك . قوله : { أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً } استفهام إنكاري أي : أتفعلونه مع قبحه ، وفي نصب { بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً } وجهان : أحدهما : أنها منصوبان على المفعول من أجله أي لبهتانكم وإثمكم . قال الزمخشريُّ : فإن لم يكن عَرَضاً كقولك : قعد عن القتال جبناً . وقيل : انتصب ينزع الخافض أي ببهتان . والثاني : أنَّهُمَا مصدران في موضع الحال ، وفي صاحبهما وجهان : أظهرهُمَا : أنَّه الفاعل في أتأخذونه أي : باهتين وآثمين . والثاني : أنَّهُ المفعول أي : أتأخذونه مبهتاً محيراً لشنعته ، وقبح الأحدوثة عنه ، والتقدير : تصيبون في أخذه بهتاناً ، والبُهْتَانُ فُعْلان من البُهْتِ ، وهو في اللغة : الكذب الذي يواجه به الإنسان صاحبه على وجه المكابرة ، وأصله من بهت الرَّجُلُ إذا تحيَّر فالبهتان كذب يحير الإنسان لعظمه ثم جُعِلَ كُلُّ باطل يتحير من بطلانه بهتاناً ، ومنه الحديث : " إذا واجهت أخاك بما ليس فيه فقد بَهَتَّهُ " ولقد تقدم الكلام عليه في البقرة . وفي تسمية هذا الأخذ " بهتاناً " وجوه : أحدها : أنَّهُ تَعَالى لما فرض لها ذلك المهر فأخذهُ ؛ كَأنَّهُ يقول : ليس ذلك بفرض فيكون بُهْتَاناً . وثانيها : أنَّ العقد يستلزم مهراً وتكفل بالعقد تسليم ذلك المهر إليها وألا يأخذه منها ، فإذا أخذه منها ، صار ذلك القول الذي عقد به العقد بهتاناً . وثالثها : أنا ذكرنا أنه كان من عادتهم إذا أرادوا تطليق الزوجة رموها بفاحشة ، حتى تخاف وتشتري نفسها منه بذلك المهر ، فلما كان ذلك واقعاً على هذا الوَجْهِ في الأغلب جعل كأنه أخذه بهتاناً [ وإثماً ] . [ رابعها : أنَّه عقاب البهتان والإثم المبين كأنَّهُ كان معلوماً عندهم مقولة " أتأخذونه بهتاناً " ] معناه أتأخذونه عقاب البهتان فهو كقوله : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ ٱلْيَتَامَىٰ ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً } [ النساء : 10 ] . وقوله : { وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ } تقدَّمَ الكلام في كيف عند قوله : { كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِٱللَّهِ } [ البقرة : 28 ] . قوله : { وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ } الواو للحال ، والجملة بعدها : في محل نصب ، وأتى بـ " قد " ليقرب الماضي من الحال ، وكذلك " أخذن " وقد مقدرة معه لتقدم ذكرها ، وأصل أفْضَى ذهب إلى فضاه أي ناحية سعته ، يقال : فَضَى يَفْضُو فَضْواً ، وأفضى : عن ياء أصلها واو . وقال اللَّيْثُ : أفْضَى فلان إلى فلان أي : وصل إليه ، وأصله أنه صار في فضائه وفرجته . وقال غيره : أصل الإفْضَاءِ الوصول إلى الشيء من غير واسطة . وللمفسرين في هذا الإفضاء قولان : أحدهُمَا : قال ابن عباس ، ومجاهد ، والسدي أنَّهُ كناية عن الجماع وهو اختيار الزجاج ، وابن قتيبة ، ومذهب الشافعيّ ؛ لأنَّ عنده أنَّ الزوج إذا أطلق قبل المسيس فله أن يرجع في نصف المهر ، وإنْ خلا بها . والثاني : أنَّ الإفضاء هو الخلوة وإن لم يجامعها . وقال الكلبي : الإفضاء أن يكون معها في لحاف واحد ، جامعها أو لم يجامعها ، وهذا اختيار الفراء ، ومذهب أبي حنيفةَ ؛ لأن الخلوةَ في الأنكحة الصحيحة تقرر المهر ، واسْتَدَلُّوا على القول الأوَّّلِ بوجوهٍ : أحدها : ما تَقَدَّمَ عن الليث : أنه يصير في فرجته وفضائه ، وهذا المعنى إنَّمَا يحصل في الحقيقة عند الجماع . وثانيها : أنه تعالى ذكر في معرض التعجب فقال { وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ } والتعجب إنما يتم إذا كان هذا الإفضاء سبباً قوياً في حصول الألفة والمحبّة ، وذلك لا يحصل بمجرد الخلوة وإنَّمَا يحصل بالجماع ، فيحمل عليه . وثالثها : أن الإفضاء إليها لا بد وأن يكون مُفَسراً بفعل منه ينتهي إليه ؛ لأن كلمة " إلى " لانتهاء الغاية ، ومجرد الخلوة ليبس كذلك ؛ لأن عند الخلوة المحضة لم يصل كل واحد منهما إلى الآخر فامتنع تفسير قوله : { أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ } بمجرد الخلوة . وإنْ قيل : إذا اضطجعها في لحافٍ واحد ملامساً فقد الإفْضَاء مِنْ بعضهم إلى بعض ؛ فوجب أن يكون ذلك كافياً وأنتم لا تقولون به . فالجَوابُ أنَّ القائل بذلك قائلان : قائل يقول : المهر لا يتقرر إلاَّ بالجماع ، وآخر يقول : يتقرَّر بمجرد الخلوة ولا يقولُ أحَدٌ إنَّهُ يتقرر بالملامسة والمضاجعة فَبَطَلَ هذا القول بالإجماع ، ولم يبق في تفسير الإفضاء إلاَّ أحد أمرين : إمَّا الجماع ، وإمَّا الخلوةَ ، وقد أبطلنا القول بالخلوة بما بيناه فلم يبق إلاَّ أن المراد بالإفْضَاءِ الجماع . ورابعها : أنَّ المهر قَبْلَ الخُلْوَةِ ما كان مُتَقَرِّراً ، وقدو علّقَ الشَّرع تقريره على إفضاء البعض إلى البعض ، وقد اشتبه في المُرَادِ بهذا الإفضاء هل هو الخُلوة ، أو الجماع ، وإذَا وقع الشكُّ وجب بقاء ما كان على ما كان والأصل براءة الذمة . احتج من قال : بأن الخلوة الصحيحة تقرر المهر وتُوجِبُ العدةَ دخل بها أوْ لم يدخل بها بما رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عن [ ابن ] ثوبان ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَنْ كَشَفَ خِمَارَ امْرَأةٍ ونَظَرَ إلَيْهَا وَجَبَ الصَّدَاقُ " وقال عمر : إذَا أغْلَقَ باباً وأرخى ستراً ؛ وَجَبَ الصداق وعليها العدة ولها الميراث ، وعن علي : إذا أغلق باباً وأرخى ستراً ورأى عورة فقد وجب الصداق ، وقضى الخلفاء الراشدون أنَّ من أغلق باباً ، وأرخى ستراً فقد وجب الصداق وعليها العدة . قوله { وَأَخَذْنَ مِنكُم } في منكم وجهان : أظهرهما : أنه متعلق بـ " أخذن " ، وأجاز فيه أبُو الْبَقَاءِ أن يكون حالاً من ميثاقاً قدّم عليه كأنه لما رأى أنَّه يجوز أن يكون صفة لو تأخر أجاز ذلك وهو ضعيف . قال الحسن ، وابن سيرين ، والضحاك ، وقتادة ، والسدي ، وعكرمة ، والفراء : المراد بالميثاق هو قول الولي عند العقد : زوّجْتُكَها على ما أخذ للنساء على الرجال من إمساك بمعروف ، أو تسريح بإحسان . وقال الشَّعْبِيُّ وَعِكْرِمَةُ ومُجَاهِدٌ : في كلمة النِّكَاحِ المعقود عليها على الصداق وقال عليه الصلاة والسلام : " اتَّقُوا اللَّهَ في النِّسَاءِ فَإنَّكُمْ أخَذْتُمُوهُنَّ بأمَانَةِ اللَّهِ واسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ " . وقيل المراد بالميثاق الغليظ هو : إفْضَاءُ بعضهم إلى بعض وصفه بالغلظة لعظمة ما يحدث بين الزوجين من الاتحاد والألفة والامتزاج .