Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 27-27)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ } زعم بعضهم أنَّ [ في ] قوله { وَٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ } تكريراً لقوله { وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ } المعطوف على التّبيين . قال عطيَّةُ : وتكرار إرادة اللَّه تعالى التَّوبة على عباده تقوية للإخبار الأوَّل وليس القصد في الآية إلا الإخبار عن إرادة الذين يتبعون الشَّهوات فقدمت إرادة اللَّه تَوْطِئة مُظْهِرَةً لفسادِ إرادة مُبتغي الشَّهَوَاتِ ، وهذا الذي قاله إنَّمَا يتمشّى على أنَّ المجرور باللامِ في قوله { لِيُبَيِّنَ } مفعول به للإرادة لا على كونه علّةً ، وقد تقدَّمَ أنَّ ذلك قول الكوفيِّين ، وهو ضعيفٌ ، وقد ضعَّفه هو أيضاً ، إذا تقرر هذا فنقول : لا تكرار في الآية ؛ لأن تعلّق الإرادة بالتَّوبة في الأوَّلِ على جهة العِلِّيَّة ، وفي الثَّاني على جهة المفعوليَّة ، فقد اختلف المتعلقان . وقوله { وَيُرِيدُ ٱلَّذِينَ } بالرَّفع عطفاً على { وَٱللَّهُ يُرِيدُ } عطف جملة على جملة اسميّة ، ولا يجوز أن ينصب لفساد المعنى ؛ إذ يصير التَّقدير : واللَّهُ يريدُ أن يتوب ، ويريد أن يريد الذين ، واختار الرَّاغِبُ : أنَّ الواو للحال تنبيهاً على أنَّهُ يريدُ التَّوْبَةَ عليكم في حال ما تريدون أن تميلوا فخالف بَيْنَ الإخبارين في تقديم المخبر عنه في الجملة الأولى ، وتأخيره في الثَّانية ؛ ليبيّن أنَّ الثَّاني ليس على العطف ، وقد رُدَّ عليه بأنَّ إرادة اللَّهِ التَّوْبَةَ ليست مقيّدة بإرادة غيره الميل ، و [ بأن ] الواو باشرت المضارعَ المثبت ، وأتى بالجملة الأولى اسميّة دلالة على الثَّبوت ، وبالثَّانية فعلية دلالة على الحدوث . فصل في تحليل المجوس لما حرم الله تعالى قيل : إنَّ المجوسَ كانوا يحلُّون الأخوات ، وبنات الإخوة والأخوات ، فلما حرمهنَّ اللَّهُ تعالى قالوا إنَّك تحلُّون بنت الخالة والعمَّةِ ، والخالةُ والعمةُ حرام عليكم فانكحوا بنات الأخ والأخت فنزلتْ هذه الآية . وقال السُّدِّيُّ : المرادُ بالَّذِينَ يتبعون الشَّهوات هم اليهودُ والنَّصَارى . وقال مجاهدٌ هم الزُّناةُ يريدون أن يميلوا عن الحقِّ فيزنون كما يزنون . وقيل : هم جميع أهل الباطل . فصل قالت المعتزلة قوله { وَٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ } يدلّ على أنه تعالى يريد التوبة من الكلِّ والطَّاعة من الكُلِّ . وقال أهل السُّنَّةِ ، هذا محال ؛ لأنَّهُ تعالى علم من الفاسق أنَّهُ لا يتوب ، وعلمه بأنَّهُ لا يتوب مع توبته ضدان ، وذلك العلم ممتنعٌ الزَّوال مع وجود أحدِ الضِّدَّين ، وكانت إرادة ضدّ الآخر إرادة لما علم كونه محالاً ، وذلك محالٌ ، وأيضاً فإنَّهُ إذَا كان يريدُ التَّوْبَةَ من الكُلِّ ، ويريد الشَّيْطَانُ أن تميلوا ميلاً عظيماً ، ثم يحصلُ مراد الشَّيطان لا مراد الرحمن ، فحينئذٍ نفاذ الشيطان في ملك الرحمن أتمُّ من نفاذ الرحمنِ في ملك نَفْسِهِ ، وذلك مُحالٌ ؛ فثبت أن قوله { وَٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ } خطاب مع قوم معنيين حصلت هذه التَّوبة لهم .