Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 3-3)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { وَإِنْ خِفْتُمْ } شرط ، وفي جوابه وجهان : أحدهما : أنه قوله : { فَٱنكِحُواْ } وذلك أنهم كانوا يتزوجون الثمانَ ، والعشر ، ولا يقومون بحقوقهن ، فلمَّا نزلت { وَلاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَالَهُمْ } أخذوا يَتحرّجُونَ من ولاية اليتامى ، فقيل لهم : إن خفتم من الجورِ في حقوق اليتامى فخافوا أيضاً من الجور في حقوق النساء ، فانكحوا هذا العدد ؛ لأنَّ الكَثْرَةَ تُفْضي إلى الجور ، ولا تنفع التوبةُ من ذنبٍ مع ارتكاب مثله . والثاني : أن جوابه قوله : " فواحدة " ، والمعنى أنَّ الرجل منهم كان يتزوج اليتيمة التي في ولايته ، فلما نزلت الآية المتضمنة للوعيد على أكل مال اليتيم تحرَّجوا من ذلك ، فقيل لهم : إن خفتم من نكاح النساء اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من [ النساء مثنى وثلاث ورباع من ] الأجنبيات أي : اللاتي لسن تحت ولايتكم ، فعلى هذا يحتاج إلى تقدير مضاف ، أي : في نكاح يتامى النساء . فإن قيل : " فواحدة " جواب لقوله : { فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً } فكيف يكون جواباً للأول ؛ فالجواب : أنَّهُ أَعَادَ الشرط الثاني لأنه كالأول في المعنى ، لما طالَ الفصل بين الأول وجوابه وفيه نظر لا يخفى . والخوف هنا على بابه فالمراد به الحذر . وقال أبو عبيدة إنه بمعنى اليقين وأنشد الشاعر : [ الطويل ] @ 1737 - فَقُلْتُ لهُمْ خَافُوا بأَلْفَيْ مُدَجَّجٍ سَرَاتُهُمُ في الفَارِسِي الْمُسَرَّدِ @@ أي : أيقِنُوا ، وقد تَقَدَّمَ تَحْقِيْقُ ذلك والردُّ عليه عند قوله تعالى : { إِلاَّ أَن يَخَافَآ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ } [ البقرة : 229 ] . قوله : { أَلاَّ تُقْسِطُواْ } إنْ قَدَّرَتْ أنها على حذف حرف الجر ، أي : " مِنْ أن لا " ففيها الخلاف المشهور أي : في محل نصب [ أو جر ، وإنْ لم تقدّر ذلك بل وصل الفعل إليها بنفسه ، كأنك قلت : " فَإنْ حَذَرْتم " فهي في محل نصب ] فقط كما تَقَدَّمَ في البقرة . وقرا الجمهور : " تقسطوا " بضم التاء ، من أقْسَط : إذا عدل ، فتكون لا على هذه القراءة نافيةُ ، والتقديرُ : وإنْ خِفْتُمْ عدم الإقساط أي : العدل . وقرأ إبراهيم النخعي : ويحيى بن وثَّاب بفتحها من " قسط " وفيها تأويلان : أحدهما : أن " قَسَطَ " بمعنى " جار " ، وهذا هو المشهور في اللغة ، أعني أن الرباعي بمعنى عَدَلَ ، والثلاثي بمعنى جار ، وكأنَّ الهمزة فيه للسَّلْبِ بمعنى " أقسط " أي : أزال القسط وهو الجور ، و " لا " على هذا القول زائدة ليس إلا ، وإلا يفسد المعنى كهي في قوله : { لِّئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ ٱلْكِتَابِ } [ الحديد : 29 ] . والثاني : حكى الزجاج أن " قسط " الثلاثي يستعمل استعمال " أقسط " الرباعي ، فعلى هذا تكون " لا " غير زائدة ، كهي في القراءة الشهيرة ؛ إلاَّ أنَّ التَّفْرِقَةَ هي المعروفةُ لغة . قالوا : قاسطته إذَا غَلَبْتَهُ على قِسْطِهِ ، فبنوا " قسط " على بناء ظلم وجار وغلب . وقال الراغب : " القِسْط " أن يأخذ قِسْطَ غيره ، وذلك جَوْرٌ ، وأَقْسَطَ غيره ، والإقسَاطِ أن يُعْطِيَ قِسْطَ غَيْرِهِ ، وذلك إنصاف ، ولذلك يقال : قَسَطَ الرَّجُلُ إذَا جَار ، وأَقْسَطَ إذَا عدَلَ ، قال تعالى : { وَأَمَّا ٱلْقَاسِطُونَ فَكَانُواْ لِجَهَنَّمَ حَطَباً } [ الجن : 15 ] . [ وقال تعالى : { وَأَقْسِطُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ } [ الحجرات : 9 ] . وَحُكِيَ أنَّ الحَجَّاجَ لما أحضر سعيد بن جبير ، قال له : ما تقول فيَّ ؟ قال : " قَاسِطٌ عادل " فأعجب الحاضرون ، فقال لهم الحجاج : ويلكم لم تفهموا عنه إنّه جعلني جائراً كافراً ، ألم تسمعوا قوله تعالى : { وَأَمَّا ٱلْقَاسِطُونَ فَكَانُواْ لِجَهَنَّمَ حَطَباً } [ الجن : 15 ] . وقال تعالى : { ثْمَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ } [ الأنعام : 1 ] وقد تقدم الكلام على هذه المادة من قوله : { قَآئِمَاً بِٱلْقِسْطِ } [ آل عمران : 18 ] . قوله : { مَا طَابَ } في " ما " هذه أوجه : أحدها : أنها بمعنى الذي وذلك عند من يرى أن " ما " تكون للعاقل ، وهي مسألة مشهورة ، وذلك أن " ما " و " من " وهما يتعاقبان ، قال تعالى : { وَٱلسَّمَآءِ وَمَا بَنَاهَا } [ الشمس : 5 ] وقال : { وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ } [ الكافرون : 3 ] وقال { فَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِي عَلَىٰ بَطْنِهِ } [ النور : 45 ] . وحكى أبو عمرو بن العلاء : سبحان من سبح الرعد بحمده . وقال بعضهم : نَزَّلَ الإناث منزلة غير العقلاء كقوله : { إِلاَّ عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ } [ المؤمنون : 6 ] . قال بعضهم : وَحَسن وقوعها هنا أنها واقعة على النساء ، وهن ناقصات العقول . وبعضهم يقول : هي لصفات من يعقل . وبعضهم يقول : لنوع من يعقل كأنه قيل : النوع الطيب من النساء ، وهي عبارات متقاربة . فلذلك لم نعدّها أوجهاً . الثاني : أنها نَكِرَةٌ موصوفة ، أي : أنكحوا جنساً طيباً أو عدداً طيِّباً . الثالث : أنها مصدرية ، وذلك المصدر واقع موقع اسم الفاعل ، تقديره : فانحكوا [ الطَّيِّبَ . وقال أبو حيان : والمصدر مقدر هنا باسم الفاعل ، والمعنى فانكحوا ] النكاح الذي طاب لكم . والأول أظهر . الرابع : أنها ظرفية تستلزم المصدريَّة ، والتقدير : فانحكوا ما طاب مدة يطيب فيها النكاح لكم . إذا تقرر هذا ، فإن قلنا : إنها موصولة اسمية أو نكرة موصوفة ، أو مصدرية ، والمصدرُ واقع اسم الفاعل كانت " ما " مفعولاً بـ " انكحوا " ويكون " من النساء " فيه وجهان : أحدهما : أنها لبيان الجنس المبهم في " ما " عند مَنْ يثبت لها ذلك . والثاني : أنها تبغيضية ، أي : بعض النساء ، وتتعلق بمحذوف على أنها حال من " ما طاب " وإن قلنا : إنها مصدرية ظرفية محضة ، ولم يُوقع المصدر موقع اسم فاعل كما قال أبو حيان كان مفعول " فانكحوا " قوله " من النساء " نحو قولك : أكلت من الرغيفِ ، وشربتُ من العسل أي : شيئاً من الرغيف وشيئاً من العسل . فإن قيل : لِمَ لا يجعل على هذا " مثنى " وما بعدها هو مفعول " فانكحوا " أي : فانكحوا هذا العدد ؟ . فالجواب أن هذه الألفاظ المعدولة لا تلي العوامل . وقرأ ابن أبي عبلة " مَنْ طَابَ " وهو يرجحُ كون " ما " بمعنى الذي للعاقل ، وفي مصحف أبي بن كعب بالياء ، وهذا ليس بمبني للمفعول ؛ لأنه قاصر ، وإنما كُتِبَ كذلك دلالة على الإمالة وهي قراءة حمزة . فصل اختلف المفسرون في كيفية تعلق هذا الجزاء بهذا الشرط فروى عروة قال : قلت لعائشة : ما معنى قول الله تعالى { فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ } { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي ٱلْيَتَامَىٰ } . فقالت : يا ابن أخي هي اليتيمة تكون في حجر وليِّها فَيرغَبُ في مالها وجمالها ، إلاَّ أنَّهُ يريد أن ينكحها بأدنى من صداقها ، ثم إذا تزوج بها عاملها معاملة رديئة لعلمه بأنه ليس لها من يَذُبُّ عنها ويدفع شر ذلك الزوج عنها ، فقال تعالى : { وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى } فانكحوا من غيرهن ما طاب لكم من النساء ، قالت عائشة - رضي الله عنها - ثم إن الناس استفتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية فيهن ، فأنزل اللهُ تعالى : { وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي ٱلنِّسَآءِ قُلِ ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فِي ٱلْكِتَابِ فِي يَتَامَى ٱلنِّسَآءِ ٱلَّلاتِي لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ } [ النساء : 127 ] فالمراد منه هذه الآية ، وهن قوله { وإنْ خفتم ألا تقسطوا في اليتامى } . وقيل : لَمَّا نَزَلَتْ هذه الآية المتقدمة في اليتامى وأكل أموالهم خاف الأولياء من لحوق الحوبِ بتركِ الإقْسَاطِ في حقوق اليتامى فتحرجوا من أموالهم ، وكان الرجل منهم ربما كان عنده العشرة من الأزواج أو أكثر ، ولا يقوم بحقوقهنَّ في العدل . فقيل لهم : إن خفتم ترك العدل في حقوق اليتامى فتحرجتم منها ، فكونوا خائفين من ترك العدل في النساء ، فقللوا عدد المنكوحات ؛ لأن من تحرج من ذنب أو تاب عنه وهو مرتكب مثله ، فكأنه لم يتحرّج ، وهذا قول سعيد بن جبير ، وقتادة والضحاك والسدي . وقيل : لما تحرّجوا من ولاية اليتامى فقيل : إن خفتم في حق اليتامى فكونوا خائفين من الزنا ، فانكحوا ما حل لكم من النساء ولا تحوموا حول المحرمات ، قاله مجاهد . وقال عكرمة : هو الرجل عنده النسوة ويكون عند الأيتام ، فإذا أنفق ماله على النسوة ، وصار محتاجاً أخذ في إنفاق أموال اليتامى عليهن ، فقال تعالى : { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي ٱلْيَتَامَىٰ } عند كثرة الزوجات فقد حرمت عليكم [ نكاح ] أكثر من أربع ليزول هذا الخوف ، وهذه رواية لطاوس عن ابن عباس . فصل قال الواحدي والزمخشري : قوله : { مَا طَابَ لَكُمْ } أي ما حلَّ لكم من النساء لأن منهن من يحرم نكاحها وهي الأنواع المذكورة في قوله : { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ } [ النساء : 23 ] . قال ابن الخطيب : وهذا فيه نظر ؛ لأن قوله : { فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ } هو أمر إباحة ، فلو كان المراد ما حل لكم لنزلت الآية منزلة قوله ، أبَحْنَا لَكُمْ نِكَاحَ من يكون نكاحها مباحاً لكم ، وذلك يخرج الآية من الفائدة ، وأيضاً على التقدير الذي ذكره تصير الآية مجملة ؛ لأنَّ أسباب الحِلِّ والإبَاحَةِ لمَّا لَمْ تُذْكَرْ في هذه الآية صارت مجملة لا محالة ، وإذا حملنا الطيب على استطابة النفس وميل القلب كانت الآية عامة دخلها التخصيص ، وقد ثبت في أصول الفقه أنه متى وقع التعارض بين التخصيص والإجمال كان رفع الإجمال أولى ؛ لأن العام المخصوص حجة في غير محل التخصيص ، والمجملُ لا يكون حجة أصلاً . قوله " مَثْنَى " منصوب على الحال من " طَابَ " وجعله أبو البَقاء حالاً من " النساء " فأجاز هو وابن عطية أن يكون بدلاً من " ما " وهذان الوجهان [ ضعيفان ] . أمَّا الأول : فلأنَّ الْمُحَدَّث عنه إنما هو الموصول وأتى بقوله { ٱلنِّسَآءِ } كالتبيين . وأما الثاني : فلأنَّ البدل على نِيَّةِ تكرار العامل ، وقد تقدم أن هذه الألفاظ لا تباشر العوامل . واعلم أن هذه الألفاظ المعدولة فيها خلاف ، وهل يجوز فيها القياس أم يقتصر فيها على السماع ؟ قولان : قول البصريين : عدم القياس . وقول الكوفيين وأبي إسحاق : جوازه . والمسموع [ من ذلك ] أحد عشر لفظاً : أُحاد ، وَمَوْحَد ، وثُنَاء ، وَمَثْنَى ، وَثُلاَثَ ، وَمَثْلَث ، ورُباع ، وَمَرْبع ، ولم يسمع خُماس ومَخْمس ، وعَشار ومَعْشَر . واختلفوا أيضاً في صَرْفِهَا وَعَدمِه ، وجمهورُ النحاةِ على منعه ، وأجاز الفراء صرفها ، وإن كان المنع عنده أولْى . واختلفوا أيضاً في سبب منع الصرف فيها على أربعة مذاهب : أحدها : مذهب سيبويه ، وهو أنها مُنِعَتْ من الصرف للعدلِ والوصفِ أمَّا الوصف فظاهر ، وَأَمَّا العدل فلكونها معدولة من صيغة إلى صيغة وذلك أنها معدولة عن عدد مكرر . فإذا قلت : جاء القوم أحاد أو مَوْحَدَ أو ثُلاثَ أو مَثْلَثَ ، كان بمنزلة قولك : جاءوا واحداً واحداً وثلاثةً ثَلاثَةً ، ولا يُرادُ بالمعدولِ عنه التوكيد ، إنما يُرادُ به تكرار العدد لقولهم : علمته الحساب باباً باباً . والثاني : مذهب الفراء ، وهو العدل والتعريف بنية الألف واللام ولذلك يمتنع إضافتها عنده لتقدير الألف واللام ، وامتنع ظهور الألف واللام عنده لأنها في نِيَّة الإضافة . الثالث : مذهب أبي إسحاق : وهو عدلها عن عدد مكرر وعدلها عن التأنيث . والرابع : نَقَلَهُ الأخفش عن بعضهم ، أنه تكرار العدل ، وذلك أنه عَدَلَ عن لفظ اثنين اثنين ، وعن معناه ؛ لأنه قد لا يستعمل في موضع تستعمل فيه الأعداد في المعدولة بقوله : جاءني اثنان وثلاثة ، ولا تقول : " جاءني مَثْنَى وثلاث " حتى يتقدم قبله جمع ؛ لأن هذا الباب جعل بياناً لترتيب الفعل ، فإذا قلت : " جَاءَ الْقَوْمُ مَثْنَى " ، أَفَادَ أنَّ مجيئهم وقع من اثنين اثنين ، بخلاف غير المعدولة ، فَإنَّها تفيد الإخبار عن مقدارِ المعدودِ دُونَ غيره ؛ فقد بان بما ذكرنا اختلافهما في المعنى فلذلك جاز أن تقوم العِلَّةُ مَقَامَ العلتين لإيجابهما حكمين مختلفين - انتهى . وقال الزمخشري : " إنَّمَا منعت الصرف لما فيها من العَدْلَيْن ؛ عدلها من صيغتها ، وعدلها عن تكررها ، وهن نكرات يُعَرَّفْنَ بلام التعريف ، يقال : فلان ينكح المثْنَى والثلاث " . قال أبو حيان : " ما ذهب إليه من امتناعها لذلك لا أعلم أحداً قاله ، بل المذهب فيه أربعة " ذكرها كما تقدم ، وقد يقال : إنَّ هذا هو المذهب الرابع وعبَّر عن العدل في المعنى بعدلها عن تكررها وناقشه [ أبو حيان ] أيضاً في مثاله بقوله : ينكح المثنى من وجهين : أحدهما : دخول " أل " عليها ، قال : " وهذا لم يذهب إليه أحد بَلْ لَمْ تُسْتَعْمَلْ في لسان العرب إلاَّ نكرات " , الثاني : أنه أولاها العوامل ، ولا تلي العوامل بل يتقدمها شيء يلي العوامل ، ولا تقع إلا أخباراً كقوله عليه السلام : " صلاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى " أو أحوالاً كهذه الآية الكريمة أو صفات نحو قوله تعالى : { أُوْلِيۤ أَجْنِحَةٍ مَّثْنَىٰ وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ } [ فاطر : 1 ] وقوله : [ الطويل ] @ 1738 - … ذِئَابٌ تَبَغَّى النَّاسَ مَثْنَى وَمَوْحَدُ @@ وقد وقعت إضافتها قليلاً كقوله : [ الطويل ] @ 1739 - … بِمَثْنَى الزُّقَاقِ المُتْرَعَاتِ وَبِالجُزُرْ @@ وقد استدلَّ بعضهم على إيلائها العَوَامل على قِلَّةٍ بقوله : [ الوافر ] @ 1740 - ضَرَبْتُ خُمَاسَ ضَرْبَةَ عَبْشَمِيٍّ أذارُ سُدَاس ألاَّ يَسْتَقِيمَا @@ ويمكن تأويله على حذف المفعول لفهم المعنى تقديره : ضربتهم خماس . ومن أحكام هذه الألفاظ ألا تؤنث بالتاءِ ، لا تقول : " مثناة " ولا " ثُلاثة " بل تَجْرِي على المذكر والمؤنث جَرَياناً واحداً . وقرأ النخعي وابن وثّاب " ورُبَعَ " من غير ألف ، وزاد الزمخشري عن النخعي : " وثُلَثَ " أيضاً ، وغيره عنه " ثُنَى " مقصوراً من " ثُناء " حَذَفوا الألف من ذلك كله تحقيقاً ، كما حذفها الآخر في قوله : [ الرجز ] @ 1741 - … يريد بارداً وَصلَّياناً بَرِدَا @@ فصل معنى قوله : { مَّثْنَىٰ وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ } أي اثنين اثنين وثلاثاً ثلاثاً وأربعاً أربعاً ، والواو بمعنى " أو " للتخيير كقوله تعالى : { أَنْ تَقُومُواْ لِلَّهِ مَثْنَىٰ وَفُرَادَىٰ } [ سبأ : 46 ] وقوله : { أُوْلِيۤ أَجْنِحَةٍ مَّثْنَىٰ وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ } [ فاطر : 1 ] وأجمعت الأمة على أنه لا يجوز لأحد أن يتزوج أكثر من أربع نسوة ، وكانت الزيادة من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم . فصل ذهبَ أكْثرُ الفقهاء إلى أن قوله تعالى : { فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ } لا يتناول العبد ؛ لأن الخطاب إنما يتناول إنساناً متى طلب امرأة قَدِرَ على نكاحها ، والعبد ليس كذلك ؛ لأنه لا يتمكن من النكاح إلا بإذن مولاه لقوله تعالى : { عَبْداً مَّمْلُوكاً لاَّ يَقْدِرُ عَلَىٰ شَيْءٍ } [ النحل : 75 ] ، فَيَنْفِي كونه مستقلاًّ بالنكاح . وقال عليه السلام : " أيُّما عَبْدٍ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذنِ مَوْلاَهُ فَهُوَ عَاهِرٌ " . وقال مالك : يجوز للعبد أن يتزوج أربعاً لظاهر الآية . وأجيب بأن قوله تعالى بعد هذه الآية : { فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } مختص بالأحرار ؛ لأن العبد لا ملك له ، وبقوله تعالى : { فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً } [ النساء : 4 ] والعبد لا يأكل ما طابت عنه نفس امرأته من المهر ، بل يكون لسيده . قال مالك : إذا ورد عمومان مستقلان فدخول التقييد في الآخر لا يوجب دخوله في السابق . وأجيب بأن هذه الخطابات وردت متوالية على نسق واحد ، فلما ذكر في بعضها الأحرار علم أن الكل كذلك . فصل ذهبت طائفة فقالوا : يجوز التزويج بأيّ عدد شاء ، واحتجوا بالقرآن والخبر ، أمَّا القرآن فتمسكوا بهذه الآية من ثلاثة أوجه : الأول : أن قوله { فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ } إطلاق في جميع الأعداد ، بدليل أنه لا عدد إلاّ ويصح استثناؤه منه . وحكم الاستثناء إخراج ما لولاه لدخل . الثاني : أن قوله : { مثنى وثلاث ورباع } لا يصلح مخصصاً لذلك العموم ؛ لأن تخصيص بعض الأعداد يدخل على رفع الحرج ؛ والحجر مطلقاً ، فإن الإنسانَ إذا قال لولده : افعل ما شئت ، اذهب إلى السوق وإلى المدرسة ، وإلى البستان ، لم يكن تنصيصاً للإذن بتلك الأشْيَاء المذكورة فقط ، بل يكون ذلك إذناً في المذكور ، وغيره ، هكذا هنا . الثالث : أن الواو للجمع المطلق ، فقوله تعالى : { مَثْنَىٰ وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ } لا يدخل هذا المجموع ، وهو تسعة ، بل يفيد ثمانية عشر ؛ لأن قوله مثنى ليس عبارة عن اثنين فقط ، بل عن اثنين اثنين ، وكذا البقية . وأما الخبر فمن وجهين : الأول : أنه ثبت بالتواتر أنه عليه الصلاة والسلام مات عن تسع ، وأمرنا الله باتباعه بقوله تعالى : { فَٱتَّبِعُوهُ } [ الأنعام : 153 ] وأقل [ مراتب ] الأمر الإباحة . الثاني : أن التزويج بأكثر من أربع طريقه عليه الصلاة والسلام ، فيكون سنةً له . وقال عليه الصلاة والسلام : " النِّكَاحُ سُنَّتِي وَسُنَّةُ الأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي " وهذا يقتضي الذم لمن ترك التزويج بأكثر من أربع ، فلا أقل من أن يثبت أصل الجواز . أجاب القدماء بما رُوِيَ " أن غَيْلاَنَ أسلم وتحته عشر نسوة فقال له عليه الصلاة والسلام : " أمْسِكْ أربعاً وَفَارِقْ بَاقِيهنَّ " وهذا ضعيف من وجهين : الأول : أن هذا نسخ للقرآن بخبر الواحد ، وذلك لا يجوز . الثاني : أن هذه واقعة حال ، فلعله عليه الصلاة والسلام إنَّما أمره بإرسال أربع ومفارقة البواقي ؛ لأن الجمع بين الأربع وبين البواقي غير جائز ، إمَّا لنسب أو رضاع ، أو اختلاف دين محرم ، وإذا قام الاحتمال فلا يمكن نسخ القرآن إلا بمثله . واستدلوا أيضاً بإجماع فقهاء الأمصار على أنه لا يجوز الزيادة على الأربع ، وهذا أيضاً فيه نظر من وجهين : أحدهما : أن الإجْمَاعَ لا يُنْسَخُ به فكيف يقال : الإجماع نسخ هذه الآية ؟ الثاني : أن هؤلاء الذين قالوا بجواز الزيادة على الأربع من جملة فقهاء الأمصار ، والإجماع لا ينعقد مع مخالفة الواحد والاثنين . وأجيب عن الأول بأن الإجماع يكشف عن حصول الناسخ في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، وعن الثاني أن هذا المخالف من أهل البدعة ، فلا عبرة بمخالفته . فإن قيل : إذا كان الأمر على ما قلتم فكان الأولى أن يقال : " مثنى أو ثلاث أو رباع " فلم جاء بواو العطف [ دون " أو " ] . فالجواب : أنه لو جاء بالعطف بـ " أو " لكان يقتضي أنه يجوز ذلك إلا أحد هذه الأقسام ، وألاَّ يجوز لهم أن يجمعوا بين هذه الأقسام ، بمعنى أن بعضهم يأتي بالتثنية ، وبعضهم بالتثليث ، والفريق الثالث بالتربيع ، فلما ذكره بحرف الواو أفاد ذلك أنه يجوز لكل طائفة أن يختاروا قسماً من هذه الأقسام ، ونظيره أن يقال للجماعة : اقتسموا هذا المال وهو ألف ، درهمين درهمين ، وثلاثة ثلاثة ، ولطائفة ثالثة أن يأخذوا أربعة أربعة ، فكذا هاهنا في ترك " أو " وذكر الواو . فصل قال مالك والشافعيُّ - رحمهما الله تعالى - " إذا تزوج خامسة وعنده أربع عليه الحد إن كان عالماً " . وقال الزُّهْرِيُّ : " يرجم إذا كان عالماً ، وإذا كان جاهلاً عليه أدنى الحدين ، الذي هو الجلد وهو مهرها ، ويفرَّق بينهما ولا يجتمعان أبداً " . وقال النُّعْمَانُ : " لا حدّ عيه في شيء من ذلك " . وقالت طائفة : " يحدُّ في ذات المحرم ، ولا يحدّ في غير ذلك من النكاح ، مثل أن يتزوج مجوسية ، أو خمساً في عقد ، أو تزوّج معتدة ، أو بغير شهود ، أو [ تزوج ] أمة بغير إذن مولاها " . قوله : { فَإِنْ خِفْتُمْ } شرط ، جوابه " فواحدة " ، وقد تقدّم أن منهم من جعل " فواحدة " جواباً للأول وكررّ الثاني لما طال الفصل ، وجعل قوله : { فَٱنكِحُواْ } جملة اعتراض ، ويُعْزَى لأبي علي ، ولعله لا يَصِحُّ عنه . قال أبو حيان : إذا أنتج من الآيتين هذه وقوله : { وَلَن تَسْتَطِيعُوۤاْ } [ النساء : 129 ] ما أنتج [ من ] الدلالة اقتضى أنه لا يجوز أن يتزوّج غير واحدة ، أو يتسرَّى بما ملكت يمينه ، ويبقى الفصل بجملة الاعتراض لا فائدة له ، بَلْ يكون لغواً على زعمه . والجمهور على نصب " فواحدة " بإضمار فعل أي : فانكحوا واحدة وطؤوا ما ملكت أيمانكم ، وإنما قدّرنا ناصباً آخر لملك اليمين ؛ لأن النكاح لا يقع في ملك اليمين ، إلا أن يريد به الوطء في هذا ، والتزويج في الأول ، فيلزم استعمال المشترك في معنيين أو الجمع بين الحقيقة والمجاز ، وكلاهما مقول به ، وهذا قريب من قوله : [ الرجز ] @ 1742 - عَلَفْتُهَا تِبْنَاً وَمَاءً بَارِدَاً … @@ وبابه . وقرأ الحسن وأبو جعفر : " فواحدةٌ " بالرفع ، وفيه ثلاثة أوجه : أحدها : الرفع بالابتداء ، وسوَّغ الابتداء بالنكرة اعتمادها على فاء الجزاء ، والخبر محذوف أي : فواحدة كافية . الثاني : أنه خبر مبتدأ محذوف أي فالمقنع واحدة . الثالث : أنه فاعل بفعل مقدّر أي : فيكفي واحدة . و " أو " على بابها من كونها للإباحة أو التخيير . و " ما ملكت " كهي [ في قوله ] : " مَا طَابَ " [ فإن قيل : المالك هو نفسه لا يمينه ، فلِمَ ] أضاف المِلْك لليمين [ فالجواب ] لأنها محل المحاسن ، وبها تُتَلَقَّى رايات المجد . وروي عن أبي عمرو : " فما ملكت أيمانكم " ، والمعنى : إن لم يعدل في عِشْرَةِ واحدة فما ملكت يمينه . وقرأ ابن أبي عبلة " أو من ملكت أيمانكم " . ومعنى الآية : إن خفتم ألا تعدلوا بين هذه الأعداد كما خفتم ترك العدل فيما فوقها فاكتفوا بزوجة واحدة ، أو بالمملوكة . قوله : " ذلك أدنى " مبتدأ وخبر ، و " ذلك " إشارة إلى اختيار الواحدة أو التسرِّي . و " أدنى " أفعل تفضيل من دنا يدنو أي : قرُب إلى عدم العول . قال أبو العباس المقرئ : " ورد لفظ أدنى في القرآن على وجهين : الأول : بمعنى أحرى قال تعالى : { ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلاَّ تَعُولُواْ } . والثاني : بمعنى " دون " قال تعالى : { أَتَسْتَبْدِلُونَ ٱلَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بِٱلَّذِي هُوَ خَيْرٌ } [ البقرة : 61 ] يعني الرديء بالجيد " . قوله تعالى : { أَلاَّ تَعُولُواْ } في محل نصب أو جرٍّ على الخلاف المشهور في " أن " بعد حذف حرف الجر ، وفي ذلك الحرف المحذوف ثلاثة أوجه : أحدها : " إلى " أي : أدنى إلى ألا تعولوا . والثاني : " اللام " والتقدير : أدنى لئلا تعولوا . والثالث : وقدّره الزمخشريُّ من ألا تميلوا ؛ لأن أفعل التفضيل يجري مجرى فعله ، فما تعدى به فعله [ تعدى ] هو به ، وأدنى من " دنا " و " دنا " يتعدى بـ " إلى " و " اللام " ، و " من " تقول : دنوت إليه ، وله ، ومنه . وقرأ الجمهور : " تعولوا " من عال يعول إذا مال وجار ، والمصدر العول والعيالة ، وعال الحاكم أي : جار . حكي أن أعرابياً حكم عليه حاكم فقال له : أتعول عليَّ . وقال أبو طالب في النبي عليه السلام [ الطويل ] @ 1743 - … لَهُ حَاكِمٌ مِنْ نَفْسِهِ غَيْرُ عَائِلِ @@ وروي عن عائشة - رضي الله عنها - مرفوعاً عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : { ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلاَّ تَعُولُواْ } [ النساء : 3 ] قال : " لاَ تَجُورُوا " . وفي رواية أخرى " ألا تميلوا " . قال الواحدي رحمه الله : " كلا اللفظين مرويّ ؛ وعال الرجل عيالَهُ يَعُولهم إذا مانَهُمْ من المؤونة ومنه أبْدَأ بِنَفْسِكَ ثُمَّ بمَنْ تَعُول " . وحكى ابن الأعرابي : عال الرجل يعول : كثر عياله ، وَعَالَ يِعِيلُ افتقر وصار له عائلة ، والحاصل أن " عال " يكون لازماً ومتعدياً ، فاللازم يكون بمعنى : مال وجار ، والمتعدي ومنه " عال الميزان " . قال أبو طالب : [ الطويل ] @ 1744 - بِمِيزانِ قِسْطٍ لا يَغُلُّ شَعِيرَةً وَوَزَّان صِدْقٍ وَزْنُهُ غَيْرُ عَائِلِ @@ وعالت الفريضة إذا زادت سهامها ، ومعنى كثر عياله ، وبمعنى تفاقم الأمر ، والمضارع من هذا كله يَعُولُ ، وعال الرجل افتقر ، وعالَ في الأرض : ذهب فيها ، والمضارع من هذين يَعِيل ، والمتعدي يكون بمعنى أثقل ، وبمعنى مانَ من المؤونة ، وبمعنى غَلَبَ ومنه " عيل صبري " ، ومضارع هذا كله يَعُول ، وبمعنى أعجز ، تقول : أعجزني الأمرُ ، ومضارع هذا يَعيل ، والمصدر " عَيْل " و " مَعِيل " ، فقد تلخص من هذا أن " عال " اللازم يكون تارة من ذوات الواو ، وتارة من ذوات الياء ، باختلاف المعنى ، وكذلك عال المتعدي أيضاً . ومنه : [ الطويل ] @ 1745 - وَوَزَّانُ صِدْقٍ وَزْنُهُ غَيْرُ عَائِلِ @@ وفسَّر الشافعي رحمه الله { تَعُولُواْ } بمعنى يكثر عيالُكُم . وردَّ هذا القول جماعة كأبي بكر بن داود الرازي والزجاج وصاحب النظم . قال الرازي : " هذا غلط من جهة المعنى واللفظ ، أما المعنى فلإباحة السراري صح أنه مظنة كثرة العيال كالتزويج ، وأما اللفظ ؛ فلأن مادة عال بمعنى كثر عياله من ذوات الياء ؛ لأنه من العَيْلَةِ ، وأما عال بمعنى " جار " فمن ذوات الواو ، واختلفت المادتان ، وأيضاً فقد خالف المفسرين " . وقال صاحبُ النظم : قال أولاً " ألاَّ تعدلوا " فوجب أن يكون ضده الجور . وأجيب عن الأول وهو أنَّ التَّسَرِي أيضاً يكثر معه العيال ، مع أنه مباح ممنوع ؛ لأن الأمة ليست كالزوجة ؛ لأنه يعزل عنها بغير إذنها ، ويؤجرها ويأخذ أجرتها ينفقها عليه وعلى أولاده وعليها . قال الزمخشري : " وجههُ أن يُجْعَلَ من قولك : عَالَ الرجلُ عياله يعولهم كقولك : مانَهم يَمُونهم أي : أنْفَقَ عليهم ؛ لأن من كثر عياله لَزِمَهُ أن يَعُولهم ، وفي ذلك ما يصعب عليه المحافظة من كسب الحلال والأخذ من طيب الرزق " ثم أثنى على الشافعي ثناءً جميلاً ، وقال : ولكن للعلماء طُرق وأساليبُ ، فسلك في تفسير هذه الآية مسلك الكنايات ، انتهى . وأما قولُهم : " خالف المفسرين " فليس بصحيح ، بل قاله زيد بن أسلم وابن زيد . وأما قولهم : " اختلفت المادتان " فليس بصحيح أيضاً ؛ لأنه قد تقدَّم حكايةُ ابن الأعرابي عن العرب : عال الرجل يعول كثر عياله ، وحكاها الْكِسَائِيُّ أيضاً قال : يقالُ : عالَ الرَّجل يَعُولُ ، وأعال يعيل كثر عياله . قال أبو حاتم : كان الشَّافِعِيُّ أعْلَمَ بلسانِ العرب مِنَّا ، ولعلّه لغة ، ويقال : هي لغة " حمير " ونقلها أيضاً الدَّوْرِيُّ المقرِئُ لغةً عِنْ حِمْيَر وأنشد [ الوافر ] : @ 1746 - وَإنَّ الْموتَ يأخُذُ كُلَّ حَيٍّ بِلاَ شَكٍّ وَإنْ أمْشِى وَعَالا @@ أمشى : كثرت ماشيته ، وعَالَ كَثُرَ عياله ، ولا حجَّةَ في هذا ؛ لاحتمال أن يكون " عال " من ذَوَاتِ الياء ، وهم لا يُنْكِرُونَ أنَّ " عال " يكون بمعنى كثر عياله ، ورُوِيَ عنه أيضاً أنَّهُ فَسَّرَ تعولوا بمعنى تفتقروا ، ولا يُريدُ به أنَّ " تعولوا " وتعيلوا بمعنى ، بل قصد الكِنَايَة أيضاً ؛ لأن كثرةَ العيالِ سَبَبٌ للفقر . وقرأ طلحة : " تَعيلوا " بفتح تاء المضارعة من عال يعيل افتقر قال : [ الوافر ] @ 1747 - فَمَا يَدْرِي الفَقِيرُ مَتى غِنَاهُ وَمَا يَدْرِي الْغَنِيُّ مَتَى يَعِيلُ @@ وقرأ طاوس : " تُعيلوا " بضمها من أعَالَ : كثر عياله ، وهي تُعَضَّدُ تفسير الشَّافعيِّ المتقدِّم من حيث المعنى . وقال الرَّاغبُ : عَالَهُ ، وَغَالَهُ يتقاربان ، لكن الغَوْلَ : فيما يُهلك والعَوْل فيما يُثْقِلُ .