Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 49-49)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قد تقدَّمَ الكلامُ على مِثْل قوله : " ألم تر " ، وقوله : " بل " ، إضْرَابٌ عَنْ تزكيتهم أنفُسَهُم ، وقدّر أبُو البقاء قبل هذا الإضراب جُمْلَةً ؛ قال : تقديرهُ : أخْطؤوا ، { بَلِ ٱللَّهُ يُزَكِّي مَن يَشَآءُ } . [ وقوله : " ولا يظلمون " ، يجوزُ أنْ يكونَ حَالاً ممَّا تقدَّم ، وأنْ يكون مُسْتَأنفاً ، والضميرُ في " يظلمون " يجوزُ أنْ يعود على " من يشاء " ] أيْ : لا يُنْقِصُ مِنْ تزكيتهم شيئاً ، وإنَّما جَمَعَ الضميرَ ؛ حَمْلاً على مَعْنى " من " وأنْ يَعُودَ على الذين يُزَكونَ ، وأنْ يعُودَ على القَبِيليْن مَنْ زَكَّى نَفْسَهُ ، وَمَنْ زَكَّاهُ اللَّه ، فَذَاكَ لاَ يُنْقِصُ من عقابه شَيْئاً ، وهذا لا يُنْقِصُ مِنْ ثَوَابِهِ شَيْئاً ، والأوَّلُ أظْهَرُ ؛ لأن " من " أقَرْبُ مَذْكُورٍ ، ولأنَّ " بل " إضرابٌ مُنْقطعٌ ما بَعْدَهَا عمَّا قَبْلَهَا . وقال أبُو البَقَاءِ : ويجوزُ أن يكُونَ مُسْتأنَفاً ، أيْ : منْ زَكَّى نَفْسَه ، ومَنْ زَكَّاهُ اللَّهُ . انتهى . فجعل عودَ الضميرِ على الفَريقَيْنِ ؛ بِناءً على وَجْهِ الاسْتِئْنافِ ، وهذا غيرُ لازِمٍ [ بل ] يجوزُ عودهُ عَلَيْهِمَا ، والجملةُ حَالِيَّةٌ . و { فَتِيلاً } مَفعُولٌ ثانٍ ؛ لأن الأولَ قامَ مَقَامَ الفاعِلِ ، ويجوزُ أنْ يكونَ نَعْت مَصْدرٍ مَحْذُوفٍ ، كما تقدَّمَ تقديره في : { مِثْقَالَ ذَرَّةٍ } [ النساء : 40 ] ، والفَتِيلُ : خَيْطٌ رَقيقٌ في شِقِّ النَّوَاة [ يَضْرَبُ به المَثلُ في القِلَّةِ ، قالَهُ ابنُ السِّكيتِ ، وغيرُهُ . وقيل : هو مَا خَرَجَ مِنْ بيْن إصْبَعَيْكَ ، أو كَفَّيْكَ مِنَ الوَسَخ ] حين تَفْتُلُهُمَا ، فهو فَعِيلٌ بمعنى مَفْعُولٍ ، وقد ضرب العَرَبُ المثلَ في القِلّةِ التافِهَةِ بأربَعةِ أشْيَاء ، اجتمعْتَ في النواةِ ، وهي : الفَتِيلُ ، والنَّقِيرُ : وهو النُّقْرَةُ التي في ظهر النَّواةِ ، والقِطْميرُ : هو القِشْرُ [ الرقيقُ ] فوقها [ وهذه الثلاثةُ واردَةٌ في الكتابِ العزيز ، والثُّفْروق : وهو ما بيْنَ النواةِ والقِمْع ] الَّذِي يكُونُ في رَأسِ التَّمرة كالعلاقَةِ بَيْنَهُمَا . فصل لما هَدّد اليهود بأنه تعالى لا يغفرُ أنْ يشركَ به ، قالوا : لَسْنَا منَ المشركينَ ، بل نحنُ مِنْ خَوَّاصِّ اللَّهِ . قال الكَلْبيُّ : " نزلت هذه الآيةُ في رِجَالٍ مِنْ اليهودِ : منهم " بَحْرى بنُ عُمَرَ " ، و " النُّعْمانُ بنُ أوْفَى " ، و " مَرْحَبُ بنُ زَيْدٍ " أتَوْا بأطْفالهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقَالُوا : يا محمدُ [ هَلْ ] على هَؤلاءِ مِنْ ذنْبٍ ؟ فقال : لاَ ، قالوا : ما نَحْنُ إلاَّ كَهَيْئتهم ، ما عَمِلْنَا بالنهار ، يُكَفَّر عنّا بالليل ، وما عملنا بالليل ، يكفرُ عنَّا بالنهار ، " ، فنزلت هذه الآيةُ . وقال مُجاهِدٌ ، وعكْرمة : كانُوا يُقدِّمُونَ أطْفَالَهُم في الصلاةِ ، يَزْعمُوَن أنَّهم لا ذُنُوبَ لَهُم ، فتِلْكَ التزكيةُ . وقال الحَسنُ ، والضحاكُ ، وقتادةُ ، ومقاتلٌ : نزلت في اليهودِ ، والنصارى ، حينَ قَالُوا : { نَحْنُ أَبْنَاءُ ٱللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ } [ المائدة : 18 ] { وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ ٱلْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ } [ البقرة : 111 ] . قال عبدُ الله بنُ مسعودٍ : هو تزكيةُ بعضِهم لِبَعضٍ . فصل التَّزْكِيَةُ - ها هنا - عِبارةٌ عنْ مَدْح الإنْسَانِ نَفْسَهُ . قال تعالى : { فَلاَ تُزَكُّوۤاْ أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ ٱتَّقَىٰ } [ النجم : 32 ] والتَّقْوَى : لا يَعْلَمُ حقيقتَها إلاَّ الله تعالى . فإن قيل : ألَيْسَ قد قال - عليه الصلاة والسلام - : " واللَّهِ ، إنّي لأمِينٌ في السَّماءِ ، وأمِينٌ في الأرْضِ " . فالجوابُ : إنَّما قال ذلك حين قال المنافِقُون له : اعدِلْ في القِسْمة ؛ ولأنَّ الله تعالى لمَّا زكَّاهُ أوَّلاً بِقِيَامِ المعْجزةِ ، جاز له ذَلِكَ ، بخلافِ غيرِه .