Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 65-65)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
في سَبَب النُّزُولِ قَوْلان : الأوّل : قال عَطَاء ومُجَاهِد والشَّعْبِي : نزلت في قِصَّة المُنَافِقِ واليَهُودِيّ اللَّذين اخْتَصَما إلى عُمر . الثاني : روي عن عُرْوَة بن الزُّبَيْر ؛ " أنه خَاصَم رجُلاً من الأنْصَار قد شهد بَدْراً مع رسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم في شِرَاجٍ مِنَ الحرَّة ، وكانَا يَسْقِيَانِ به كلاهما ، فقال رسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم للزُّبَيْر : اسْقِ يا زُبَيْر ، ثم أرْسِلْ إلى جَارِكَ ، فغَضِب الأنْصَارِيُّ ، وقال : أن كان ابنُ عَمَّتِكَ ؟ فتلوّن وَجْهُ رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قال للزُّبَيْر : اسْقِ ثُمَّ احْبِسِ المَاءَ حَتَّى يَرْجع إلى الجِدْرِ " واعلم [ أن الحكم ] أن مَنْ كَان أرْضُهُ أقْربَ إلى فَمِ الوَادِي ، فهو أوْلَى [ بأَوَّل ] المَاءِ ، وحَقُّهُ تَمَام السَّقْي ، فالرَّسُول عليه الصلاة والسلامِ أَذِن للزُّبَيْر في السَّقْي على وَجْهِ المُسَامَحَةِ [ ابْتدَاء ] ، فلما أسَاءَ خَصْمُهُ الأدَب ، ولم يعرف حَقَّ ما أمَرَهُ به الرَّسُولُ - عليه الصلاة والسلام - من المُسَامَحَةِ لأجْلهِ ، أمَرَهُ النَّبِي - عليه السلام - باسْتِيفَاءِ حَقِّه على التَّمَامِ ، وحَمْل خَصْمِهِ على مُرِّ الحَقِّ . قال عروة بن الزُّبَيْر : [ أحسبُ هذه الآية نزلَتْ في ذلِك ، وروي أن الأنْصَارِي الذي خاصَمَ الزُّبَيْر ] كان اسْمُهُ حَاطِب بن [ أبِي ] بَلْتعة ، فلما خَرَجَا مَرَّ على المِقْدَاد . فقال : لمن كان القَضَاءُ فقال الأنْصَارِيّ : قَضَى لابْن عَمَّتِهِ ، ولَوَى شِدْقَيْه ، فَفَطِنَ له يَهُودِيٌّ كان مع المِقْدَادِ ، فقال : قَاتَل اللَّه هَؤلاء ، يَشْهَدُون أنَّهُ رسول اللَّهِ ثم يتهمُونَهُ في قَضَاء يَقْضِي بَيْنَهُم ، وأيْمُ اللَّه لقد أذْنَبْنَا ذَنْباً مَرَّة في حَيَاةِ مُوسَى - عليه الصلاة والسلام - فدعانا مُوسَى إلى التَّوْبَةِ مِنْهُ ، فقال : فاقْتُلُوا أنفُسَكُم ففعلنا ، فبلغ قَتْلاَنا سَبْعِين ألْفاً في طَاعَةِ رَبِّنا ، حتىَّ رَضِيَ عَنَّا . فقال ثَابِت بن قَيْس بن شماس : أما واللَّه إنَّ الله لَيَعْلَمُ منّي الصِّدْق ، ولو أمَرَنِي مُحَمَّد أن أقْتُل نَفْسِي ، لَفَعَلْتُ ، فأنزل اللَّه في شَأنِ حَاطِب بن أبِي بَلْتَعَة هَذِه الآية . قوله : { فلا وربك لا يؤمنون } فيه أربعة أقْوالٍ : أحدها : وهو قَوْلَ ابن جَرِير : أن " لا " الأولَى ردّ لِكَلاَم تَقَدَّمَها ، تقديرُه : فلا تَعْقِلُون ، أو لَيْس الأمْر كما يَزْعُمُون من أنَّهمُ آمَنُوا بما أنْزِل إلَيْك ، وهُم يُخَالِفُون حُكْمَكَ ، ثم اسْتأنَفَ قَسَماً بعد ذَلِك ، فعلى هذا يَكُون الوَقْفُ على " لاَ " تَامّاً . الثاني : أن " لا " الأولَى قُدِّمت على القَسَمِ اهْتِمَاماً بالنَّفْي ، ثم [ كُرِّرت ] توكيداً للنَّفْي ، وكان يَصِحُّ إسقاط الأولى ، ويَبْقَى مَعْنَى النَّفْي ، ولكن تَفُوت الدَّلالة على الاهْتِمَامِ المذكور ، [ وَكَان يَصِحُّ إسْقَاطُ الثَّانِية ويبقى مَعْنَى الاهْتِمَامِ ، ولكن ] تفُوت الدَّلالةَ على النَّفْي ، فَجَمَعَ بينهما لذلك . الثالث : أن الثَّانِية زَائِدةٌ ، والقَسَم معْتَرِضٌ بين حَرْفَي النَّفْي والمَنْفِيّ ، وكان التقدير : فلا يُؤمِنُون وَرَبِّك . الرابع : أن الأولى زائدةٌ ، والثَّانِيَة غير زائدة ، وهو اخْتِيَار الزَّمَخْشَرِي ؛ فإنه قال : " لا " مزيدةٌ لتأكِيد مَعْنَى القَسَمِ ؛ كما زِيدَتْ في { لِّئَلاَّ يَعْلَمَ } [ الحديد : 29 ] لتأكِيد وُجُوب العِلْم ، و " لا يؤمنون " جواب القَسَم . فإن قلت : هلاّ زَعَمْتَ أنَّها زَائِدة لتظاهر لا في لا يؤمنون ؟ . قلت : يَأبَى ذلك اسْتِوَاء النَّفْيِ والإثْبَات فيه ؛ [ وذلك لقوله : { فَلاَ أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ وَمَا لاَ تُبْصِرُونَ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ } [ الحاقة : 38 - 40 ] يعني : أنه قد جاءَت " لاَ " قبل القَسَمِ ؛ حَيْثُ لم تكُن " لا " موجودة في الجَوَابِ ] ، فالزَّمَخْشَرِي يرى : أن " لاَ " في قَوْله - تعالى - : { فَلاَ أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ } [ الحاقة : 38 ] أنها زائدَة أيضاً لتأكيدِ مَعْنَى القَسَم ، وهو أحَدُ القَوْلَيْن . والقول الآخر : كَقَوْلِ الطَّّبَرِي المتقَدِّم ؛ ومثل الآيَةِ في التَّخَارِيج المَذْكُورة قول الآخر : [ الوافر ] @ 1820 - فَلاَ وَاللَّه لا يُلْفى لما بِي ولا لِلِمَا بِهِمْ أبَداً دَوَاءُ @@ قوله : " حتى يحكموك " غاية مُتَعلِّقَةٌ بقوله : " لا يؤمنون " أي : ينْتَفِي عنهم الإيمَانُ إلى هَذِه الغَايَةِ ، وهي تَحْكِيمُك وَعَدم وُجْدَانِهِم الحَرَج ، وتسليمهم لأمْرِك ، والتَفَتَ في قوله : " وربك " من الغَيْبَةِ في قوله : واستغفر لهم [ الرسول ] رجُوعاً إلى قوله : { ثُمَّ جَآءُوكَ } [ النساء : 62 ] . قوله : { شَجَرَ } قرأ أبو السَّمَّال : " شَجْرَ " بسكون الجيمِ هَرَباً من تَوَالِي الحَرَكَاتِ ، وهي ضَعيفَةٌ ؛ لأن الفَتْح أخو السُّكُون ، و " بينهم " ظَرْفٌ مَنْصُوبٌ بـ { شَجَرَ } ، هذا هو الصَّحيحُ . وأجاز أبو البَقَاءِ فيه : أن يكُون حالاً ، وجعلَ في صَاحِب هذه الحَالِ احْتَمَالَيْنِ : أحدهما : أن يكون حالاً من " مَا " الموْصُولَة . والثاني : أنه حَالٌ من فَاعِل { شَجَرَ } وهو نَفْس الموصُول أيضاً في المَعْنَى ، فعلى هَذَا يتعلَّق بمَحْذُوفٍ . فصل في معنى التشاجر يقال : شَجَر يَشْجُرُ شُجُوراً وشَجْراً : إذا اخْتَلَف واخْتَلَطَ ، وشَاجَرَهُ : إذا نَازَعَهُ ، وذلك لتداخل [ الكلام بعضه في بعض عند المُنازعةِ ، ومنه يقال لخشبات الهَوْدج : شِجَار ] ، لتَداخُل بعضها في بعض . قال أبو مُسلم : وهو مأخُوذٌ عندي من التِفَافِ الشَّجَرِ ؛ فإن الشَّجَرَ يتداخلُ بَعضُ أغْصَانه في بَعْضٍ . قوله { ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ } عطفُ على ما بَعْدَ " حتى " ، و " يجدوا " يحتمل أن تكُون المُتعدِّية لاثْنَين [ فيكون الأوَّل : " حَرَجاً " ، والثاني : الجار قَبْلَه ، فيتعلَّق بمحذُوفٍ ، وأن تكُون المتعدِّية لوَاحِدٍ ] فيجوز في { فِيۤ أَنْفُسِهِمْ } وجْهَان : أحدهما : أنه مُتعلِّق بـ { يَجِدُواْ } تعلُّق الفَضَلاتِ . والثاني : أن يتعلَّق بمَحْذُوفٍ على أنه حَالٌ من { حَرَجاً } ؛ لأن صِفَة النَّكِرَة لما قُدِّمَت عليها انْتَصَبت حَالاً . قوله { مِّمَّا قَضَيْتَ } فيه وجهان : أحدهما : أنه مُتَعَلِّق بنفس { حَرَجاً } ؛ لأنَّك تقُول : خرجْتُ من كَذَا . والثاني : أنه متعلِّق بمحْذُوفٍ فهو في مَحَلِّ نَصْبٍ ؛ لأنه صِفَةٌ لـ { حَرَجاً } ، و " مَا " يجُوزُ أن تكون مصدريَّة [ وأن تكُون بمَعْنى الَّذِي ، أي : حَرَجاً من قَضَائِك ، أو مِن الَّذي قضََيْتَهُ ] ، وأن تكون [ نكرة ] موصُوفة ، فالعَائِدُ على هَذَيْن القَوْلَيْن مَحْذُوفٌ . فصل أقْسَم اللَّه - تعالى - على أنَّهُم لا يَصِيرُون مُؤمنين إلا عِنْد شَرَائِط : أولُها : { حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ } ، وهذا يَدُلُّ على أنَّ من لَمْ يَرْض بحُكْم الرَّسُول ، - [ عليه الصلاة والسلام ] - لا يَكُون مؤمناً . وثانيها : قوله : { ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ [ فِيۤ أَنْفُسِهِمْ ] حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ } . قال الزجاج : لا تضيقُ صُدورُهُم من أقْضِيَتِك ، وقال مُجاهِد : شكّاً ، وقال الضَّحَّاك : إثْماً ، أي : يأثمُون بإنْكَارِهِم . وثالثها : قوله : { وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً } أي : ينقادوا للأمْرِ كحَالَ الانْقِيَادِ ، واعلم أن قوله : { ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِيۤ أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ } المراد منه : الانْقِيَاد في البَاطِنِ ، وقوله { وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً } المُرَاد منه : الانْقِيَادُ في الظَّاهِرِ ، والحَرَجُ على ثلاثة أوجه : الأول : بمعنى الشَّكّ ؛ كهذه الآية ، [ و ] مثله : { فَلاَ يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ } [ الأعراف : 2 ] أي : شك . والثاني : بمعنى الضِّيق ؛ قال - تعالى - : { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِي ٱلدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } [ الحج : 78 ] أي ضيقٍ . الثالث : بمعنى الإثْمِ ؛ قال : - تعالى - : { وَلاَ عَلَىٰ ٱلْمَرْضَىٰ وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ } [ التوبة : 91 ] أي : إثْمٌ . فصل في عصمة الأنبياء دلَّت هذه الآيةُ على عِصْمَة الأنْبِيَاء - عليهم السلام - عن الخَطَإ في الفَتَاوى والأحْكَام ؛ لأنه - تعالى - أوْجَبَ الانْقِيَاد لحُكْمِهِم ، وبالغ في ذَلِك الإيَجابِ ، وبيَّن أنه لا بُدَّ من حُصُولِ الانْقِيَاد في الظَّاهِرِ والقَلْبِ ، وذلك يَنْفِي صُدُورَ الخَطَإ عَنْهُم ، فَدَلَّ ذلك على أنَّ قَولَه : { عَفَا ٱللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ } [ التوبة : 43 ] ، وفتواه في أسْرَى بَدْرٍ ، وقوله : { لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكَ } [ التحريم : 1 ] ، وقوله : { عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ } [ عبس : 1 ] كل ذلِكَ مَحْمُول على التَّأوِيل . فصل قالت المعتزلة : لو كانت الطَّاعَاتُ والمَعَاصِي بَقَضَاء الله - تعالى - لَزِم التَّنَاقُضُ ؛ لأن الرَّسُول إذا حَكَم على إنْسَانٍ بأنه لا يَفْعلُ كَذَا ، وجب على جَمِيع المكَلَّفين الرِّضَا بذلك ؛ لأنه قضاءُ الرَّسُول ، والرِّضى بقَضَاءِ الرَّسُولِ وَاجِبٌ [ لهذه الآية ، ثم إن ذلك المكلَّف فعل ذَلِكَ بقَضَاءِ اللَّهِ ، والرِّضَا بقضَاء اللَّه وَاجِبٌ ] فيَلْزَمُ أن يَجِب على جَمِيع المكلَّفِين الرِّضَا بِذلِكَ الفِعْل ، لأنه قضاء اللَّه ، فوجب أن يَلْزَمَهُم الرِّضَا بالفِعْلِ والتَّرْكِ مَعاً ، وذلك مُحَالٌ . والجوابُ : أن المُرَاد من قَضَاءِ الرَّسُول : الفَتْوى بالإيجَابِ والمُرَاد من قَضَاء الله : التكوِين والإيجَادِ ، وهما مفهومان مُتغايَران ، فالجَمْعُ بينهما لا يفضي إلى التَّنَاقُض .