Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 82-82)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قرأ ابن محيْصِن : " يَدَّبَّرون " : بإدغام التَّاء في الدَّال ، والأصْل : يَتَدبرون ، وهي مخالفةٌ للسَّوَاد والتَّدْبير والتَّدَبُّر عبارة عن النَّظَر في عَوَاقِب الأمُور وأدْبَارِهَا ، ودُبُرُ الشَّيْء آخره ، ومنه قوله : إلامَ تدبَّرُوا أعْجَاز أمُورٍ قَدْ ولت صُدُورَها ، ويقال في فَصِيح الكَلاَم : لو استَقبلتُ من أمري ما اسْتَدْبَرْت ، أي : لو عَرَفْت في صَدْرِي ما عَرَفْتَ [ من ] عاقِبَتِهِ ، لامْتَنَعْت . فصل : وجه النظم في الآية ووجه النظم أنه - تعالى - [ لمَّا ] حكى أنواعَ مكر المُنَافِقِين وكَيْدِهم ؛ لأجل عَدَم اعتِقَادِهم صحَّة دَعْوَى النَّبي صلى الله عليه وسلم للرِّسَالَة ، فلا جَرَم أمرهم [ الله ] تعالى بأن يَنْظُروا ويتفكروا في الدَّلائِل [ الدَّالَّة ] على صِحَّة النُّبوَّة ؛ فقال [ - تعالى - ] { أفلا يتدبرون القرآن } والعلماء قَالُوا : دلالة القُرْآنِ على صِدْق نُبُوَّةِ محمَّد صلى الله عليه وسلم من ثلاثة أوْجُه : أحدُها : فصاحَته . وثانيها : اشْتِمَاله على الإخْبَارِ عن الغُيُوبِ . والثالث : سلامَتُه عن الاخْتِلاَف ، وهاذ هو المذكُور في هَذِهِ الآية ، وذكروا في تَفْسِير سَلاَمَتِه عن الاخْتِلاَف ثلاثة أوْجُه : الأول : قال أبو بَكر الأصَم : معناه أنَّ هؤلاء المُنَافِقِين كانوا يَتواطَئُون في السَِّرِّ على أنْواع كَثِيرةٍ من الكيد والمَكْر ، والله - تعالى - [ كان ] يُطْلِعُ الرَّسُول - عليه الصلاة والسلام - على تلك الأحْوَال ، ويخبره عَنْهَا مُفَصَّلة ، فقيل لهم : إن ذلك لو لم يَحْصُل بإخْبَارِ الله - تعالى - ، وإلا لما اطَّردَ الصِّدْق فيه ، ولظَهَر الاخْتِلاف والتَّفَاوت في قول مُحمَّد - [ عليه السلام ] - ، فلمَّا لم يظهر ذلك عَلِمْنا أنَّ ذلك بإعْلام اللَّه - تعالى - . الثاني : قال أكثر المُتَكَلِّمين : إن القُرْآن كتاب كَبِير مشتمِلٌ على أنْوَاع كثيرةٍ من العُلُوم ، فلو كَان ذَلِك مِنْ عِنْد غَيْر اللَّه ، لوقع فيه أنْواعٌ من الكَلِمَات المُتَنَاقِضَة ؛ لأن الكِتَاب الكَبِير لا ينْفَكُّ من ذَلِكَ ، ولمّا لم يُوجد فيه ذلك ، عَلِمْنَا : أنه لَيْس من عِنْد غَيْر اللَّه ؛ قاله ابن عبَّاسٍ . فإن قيل : أليس أنَّ قوله : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } [ القيامة : 22 - 23 ] كالمناقض لقوله : { لاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأَبْصَارُ } [ الأنعام : 103 ] ، وآيات الجِبْرِ كالمناقِضَةِ لآيات القَدَرِ ، وقوله : { فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ } [ الحجر : 92 ] كالمناقَضِ لقوله : { فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَآنٌّ } [ الرحمن : 39 ] . فالجواب أنا بَيَنَّا أنه لا مُنَافَاة ولا مُنَاقَضَةَ بَيْن شَيْءٍ مِنْهَا . الثالث : قال [ أبُو ] مسلم الأصْفَهَانِي : المراد منه عدم الاخْتِلاف في رُتب الفَصَاحَةِ فيه من أوَّله إلى آخره على نَهْج وَاحدٍ ، ومن المَعْلُوم أن الإنْسَان وَإنْ كان في غَايَة البَلاغَة ونهاية الفَصَاحة ، إذا كَتَب كِتَاباً طويلاً مُشْتَمِلاً عَلَى المعاني الكثيرة ، فلا بُدَّ وأن يقع التَّفَاوُت في كَلاَمه ، بحيْث يكون بَعْضُه قريباً مُبَيِّناً وبَعْضُه سَخِيفاً نازلاً . ولما لم يكُن القُرآن كَذلِك ، علمنا أنه مُعْجِزٌ من عِنْد الله - تعالى - . والضمير في " فِيه " يُحتمل أن يعودَ على القُرْآن ، وهو الظَّاهِر ، وأن يعُود على ما يُخْبره الله - تعالى - به ممَّا يُبَيِّتُون ويُسِرُّون ، يعني : أنه يُخْبِرُهم به عَلَى حَدٍّ ما يَقَع . فصل في دلالة الآية دلت الآية على أن القُرْآن معلوم المَعْنَى ، خلافاً لِمَنْ يَقُول : إنَّه لا يَعْلَم مَعْنَاه إلا النَّبي والإمَام المَعْصُوم ؛ [ لأنه ] لو كان كَذَلِك ، لما تَهَيَّأ للمنافقين مَعْرِفة ذلِك بالتَّدَبُّر ، ودلت الآيَة أيْضاً على إثْبات القياسِ ، وعلى وُجُوب النَّظرِ والاستِدْلال ، وعلى فَسَاد التَّقْليد ، [ و ] لأنه - تعالى - أمر المُنَافِقِين بالاستِدْلال بهذا الدَّلِيل على صِحَّة نُبُوَّته فيه ، فبأن يَحْتَاج إلى مَعْرِفة ذَاتِ اللَّه - تعالى - وصِفَاته إلى الاستدْلال أوْلى . فصل قال أبو علي الجُبَّائي : دلت الآية على أن أفْعَال العِبَاد [ غَيْر ] مَخْلُوقة للَّه تعالى لأن قوله - تعالى - : { وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ ٱخْتِلاَفاً كَثِيراً } يقتضي أن فعل العَبْد لا يَنْفَكُّ عن التَّفَاوُت والاختلاف وفِعْل اللَّه - تعالى - لا يوجد فيه التَّفَاوُت ؛ لقوله - تعالى - : { مَّا تَرَىٰ فِي خَلْقِ ٱلرَّحْمَـٰنِ مِن تَفَاوُتِ } [ الملك : 3 ] ، فهذا يَقْتَضِي أن فِعْل العَبْد لا يكُون فِعْلاً للَّه - [ عز وجل ] - . والجواب : أن قوله - تعالى - : { مَّا تَرَىٰ فِي خَلْقِ ٱلرَّحْمَـٰنِ مِن تَفَاوُتِ } [ الملك : 3 ] معنى التَّفاوُت في أنَّه يقع على وَفْقِ مشيئته بخلاف غيره ، فإنَّ فِعْل غيره لا يقع على وَفْقِ مشيئته على الإطْلاقِ .