Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 40, Ayat: 82-85)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ … } معناه أن هؤلاء الكفار الذين يجادلون في آيات الله وحصل الكِبْر العظيم في صدورهم ، إنما كان السبب في ذلك طلب الرياسة والتقديم على الغير في المال والجاه ومن ترك الانقياد على الحق طلباً لهذه الأشياء فقد باع الآخرة بالدنيا وهذه طريقة فاسدة ؛ لأن الدنيا ذاهبة واحتج بقوله تعالى : { أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ … } يعني لو ساروا في أطراف الأرض لعرفوا أن عاقبة المتكبرين والمتمردين ليس إلا الهلاك والبَوَار مع أنهم كانوا أكثر عَدَداً وعِدَداً ومالاً من هؤلاء المتأخرين ، فلما لم تُفِدْهُمْ تلك المُكْنَةُ العظيمة إلا الخَيْبَة والخَسَار فكيف حال هؤلاء الفقراء المساكين ؟ ! . قوله : { فما أغنى عنهم } يجوز في " ما " أن تكون نافية واستفهامية بمعنى النفي ، ولا حاجة إليه وقوله " مَا كَانُوا " يجوز أن يكون " ما " مصدرية ، ومحلها الرفع أي مَكْسُوبُهُمْ أو كَسْبُهُمْ ويجوز أن يكون بمعنى الذي فلا عائد على الأول وعلى الثاني هو محذوف أي يكسبونه وهي فاعل " بأَغْنَى " على التقدِيرين . قوله : { بِمَا عِندَهُمْ مِّنَ ٱلْعِلْمِ } فيه أوجه : أحدها : أنه تهكم بهم ، والمعنى ليْسَ عندهم عِلْم . الثاني : أن ذلك جاء على زَعْمِهِمْ أنَّ عندهم علماً ينتفعون به . الثالث : أن " مِنْ " بمعنى بدل أي بما عندهم من الدنيا بدل العلم . الرابع : أن يكون الضمير للرسل ، أي فَرِحَ الرسل بما عندهم من العلم . الخامس : أن الأول للكفار ، وأما الثاني لِلرسل ، ومعناه فرح الكفار فَرَحَ ضَحِكٍ واستهزاءٍ بما عند الرسل من العلم ؛ إذ لم يأخذوه بقبول ويمتثلوا أوامر الوحي ونواهيه . وقال الزمخشري : وَمِنْهَا أي من الوجوه أن يوضع قوله : فَرِحُوا بِمَا عِندَهُمْ مِنَ العِلْمِ مبالغة في نفي فرحهم بالوحي الموجب لأقصى الفرح والمسرة مع تهكم بفَرْطِ خُلُوِّهم من العلم وجهلهم . قال أبو حيان : ولا يعبر بالجملة الظاهر كونها مثبتة عن الجملة المنفية إلا في قليل من الكلام ، نحو : " شَرٌّ أهَرَّ ذا ناب " على خلاف فيه ، ولما آل أمره إلى الإثبات المحصور جاز . وأما في الآية فينبغي أن لا يحمل على القليل لأن في ذلك تخليطاً لمعاني الجمل المتباينة . فصل قال المفسرون : الضمير في قوله : " فَرِحُوا " يحتمل أن يكون عائداً على الكفار وأن يكون عائداً إلى الرسل فإن عاد إلى الكفار ، فذلك العلم الذي فرحوا به قيل : هو الأشياء التي كانوا يسمونها علماً ، وهي الشبهات المحكيّة عنهم في القرآن ، كقولهم : { وَمَا يُهْلِكُنَآ إِلاَّ ٱلدَّهْرُ } [ الجاثية : 24 ] وقولهم : { لَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَآ أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا } [ الأنعام : 148 ] وقولهم : { مَن يُحيِي ٱلْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ } [ يس : 78 ] { وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىٰ رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْراً مِّنْهَا مُنْقَلَباً } [ الكهف : 36 ] وكانوا يفرحون بذلك ويدفعون به علوم الأنبياء ، كما قال : { كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ } [ المؤمنون : 53 ] و [ الروم : 32 ] وقيل : المراد علوم الفلاسفة فإنهم كانوا إذا سمعوا بوحي الله دفعوه وصغَّروا علوم الأنبياء عن علومهم كما روي عن سقراط أن سمع بمجيء أحد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فقيل له : لو هاجرت إليه فقال : نحن قوم مهتدون فلا حاجة بنا إلى من يهدينا . وقيل : المراد علمهم بأمور الدنيا ومعرفتهم بتدبيرها ، كقوله تعالى : { يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ ٱلآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ } [ الروم : 7 ] { ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِّنَ ٱلْعِلْمِ } [ النجم : 30 ] فلما جاءت الرسل بعلوم الديانات ومعرفة الله تعالى ، ومعرفة المعاد وتطهير النفس من الرذائل لم يلتفتوا إليها واستهزأوا بها ، واعتقدوا أنه لا علم أنفع وأجلب للفائدة من علمهم ففرحوا به . وإن عاد الضمير إلى الأنبياء ففيه وجهان : الأول : أن يفرح الرُّسُلُ إِذَا رَأوا من قومهم جهلاً كاملاً وإعراضاً عن الحقِّ وعلموا سوء غَفْلَتِهِمْ وما يلحقهم من العقوبة على جهلهم وإعراضهم يفرحوا بما أوتوا من العلم ، ويشركوا الله عليه " وَحَاقَ " بالكافرين جزاء جهلهم واستهزائهم . الثاني : أن المراد أن الرسل فرحوا بما عندهم من العلم فَرَحَ ضَحِكٍ واستهزاء . قوله : { فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا } أي عذابنا { قَالُوۤاْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَحْدَهُ وَكَـفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ } أي تبرأنا مما كنا نعدل بالله ، البأسُ : شدة العذاب ، ومنه قوله تعالى : { بِعَذَابٍ بَئِيسٍ } [ الأعراف : 165 ] . قوله : { فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ } يجوز رفع " إيمانهم " اسماً لكان ، و " يَنْفَعُهُمْ " جملة خبراً مقدماً ، ويجوز أن يرتفع بأنه فاعل ينفعهم ، وفي كان ضمير الشأن . وقد تقدم هذا محققاً في قوله : { مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ } [ الأعراف : 137 ] وأنه ليس من باب التنازع . ودخل حرف النفي على الكون لا على النفي ؛ لأنه بمعنى لا يصح ولا ينبغي ، كقوله تعالى : { مَا كَانَ للَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ } [ مريم : 35 ] . واعلم أن المراد بالوقت الذي لا ينفع الإيمان فيه هو وقت مُعَاينَة نزول ملائكة الرحمة وملائكة العذاب لأن في ذلك الوقت يصير المرء ملجأ إلى الإيمان فذلك الإيمان لاَ يَنْفَعُ . قوله : { سُنَّةَ ٱللَّهِ } يجوز انتصابها على المصدر المؤكد لمضمون الجملة يعني إن الذي فعل الله بهم سنة سابقة من الله ، ويجوز انتصابها على التحذير ، أي احذَرُوا سنة الله في المكذبين { التي قد خلت في عباده } ، وتلك السنة أنهم إذا عاينوا العذاب آمنوا ولا ينفعهم إيمانهم { وَخَسِرَ هُنَالِكَ ٱلْكَافِرُونَ } " هُنَالِكَ " في الأصل مكان . قيل : واستعير هنا للزمان ، ولا حاجة فالمكانيةُ فيه ظاهرة ، أي وخسر هُنَالِكَ الكافرون بذهاب الدارين . قال الزَّجَّاجُ : " الكافر خاسر في كل وقت ، وإنما يُبَيِّنُ لهم خسرانهم إذا رأوا العَذَاب " . فصل قال ابن سيرين : رأى رجل في المنام سَبْعَ جوارٍ حِسَانٍ في مكان واحد لم ير أحْسَنَ منْهُنَّ فقال لهُنَّ : لِمَنْ أنتُنَّ ؟ فقُلْنَ : لِمَنْ قَرَأَ آلَ حمۤ . ( اللَّهم وفِّقنا لكتابك ) ( والله سبحانه وتعالى أعلم ) .