Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 40, Ayat: 77-81)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { فَٱصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ } لما زَيَّفَ طريقة المجادلين في آيات الله تعالى أمر في هذه الآية رسوله بأن يصبرَ على أذاهم بسبب جدالهم ، ثم قال : { إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ } . والمراد ما وعد الرسول نُصْرته ، ومن إنزال العذاب على أعدائه . قوله : { فَـإِمَّا نُرِيَنَّكَ } قال الزمخشري : أصله : فَإِن نُرِكَ و " ما " مزيدة لتأكيد معنى الشرط ، ولذلك ألحقت النون بالفعل ، ألا ترَاك تقول : " إنْ تُكرِمَنِّي أكْرِمْكَ ، ولكن إِمَّا تُكْرِمَنِّي أُكْرِمْكَ " قال أبو حيان : " وما ذكره من تَلاَزُمِ النون ، وما الزائدة ، ليس مذهب سيبويه ، إنما هو مذهب المبرد ، والزجاج . ونص سيبويه على التخيير ، وقد تقدمت هذه القواعدُ مستوفاةً . قوله : { فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ } ليس جواباً للشرط الأول ، بل جواباً لما عطف عليه . وجواب الأول محذوف . ( قال الزمخشري : " فَإِلَيْنَا " متعلق بقوله " نَتَوفَّينَّكَ " وجواب نرينك محذوف ) تقديره : فإن نرينك بعض الذي نعدهم من العذاب والقتل يوم بدر ، فذاك ؛ وإنْ " نَتَوَفَّيَنَّكَ " قبل يوم بدر " فَإِلَيْنَا يُرجَعُونَ " فننتقم منهم أشدُّ الانتقام . وقد تقدم مثلُ هذا في سورة يونس . وبحثُ أبي حَيَّانَ مَعَهُ . وقال أبو حيان هَهُنَا : وقال : جواب " إما نُرِيَنَّكَ " محذوف ؛ لدلالة المعنى عليه أي فتقرّ عينك ، ولا يصح أن يكون " فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ " جواباً للمعطوف عليه والمعطوف ، لأن تركيبَ " فإما نُرينك بعض الذي نعدهم في حياتك فإلينا يرجعون " ليس بظاهر ، وهو يصحُّ أن يكون جواب " أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ " أي فإِلينا يرجعون فننتقم منهم ونعذبهم ، لكونهم يَتَّبِعُوكَ . ونظير هذه الآية قوله تعالى : { فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ أَوْ نُرِيَنَّكَ ٱلَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُّقْتَدِرُونَ } [ الزخرف : 41 و42 ] . إلا أنه هنا صرح بجواب الشرط ، قال شهاب الدين : وَهَذَا بعَيْنِهِ هو قول الزمخشري . وقرأ السُّلَمِيُّ ويَعْقُوبُ : يَرْجِعُونَ بفتح ياء الغيبة مبنياً للفاعل ، وابْنُ مِصْرِفٍ ويعقوبُ أيضاً بفتح الخطاب . قوله : { مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا } يجوز أن يكون " مِنْهُمْ " صفة " لِرُسُولاً " فيكون " مَنْ قَصَصْنَا " فاعلاً لاعتماده ويجوز أن يكون خبراً مقدماً ، و " مَنْ " مبتدأ مؤخر . ثم في الجملة وجهان : أحدهما : الوصف " لِرُسُلاً " وهو الظاهر . والثاني : الاستئناف . فصل معنى الآية قال لمحمد ( ـ صلى الله عليه وسلم ـ ) ، أنت كالرسل من قبلك وقد ذكرنا حال بعضهم لك ولم نذكر حال الباقين وليس فيهم أحد أعطاه الله آياتٍ ومعجزاتٍ ، إلا وقد جادله قومُه فيها وكَذَّبُوه فصبروا ، وكانوا أبداً يقترحون على الأنبياء إظهار المعجزات الزائدة على الحاجة عِناداً وعبثاً ، { وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } ، والله تعالى علم الصلاح في إظهار ما أظهروه ، فلم يَقْدَحْ ذلك في نُبُوَّتِهِمْ ، فكذلك الحال في اقتراح قومك عليك المعجزات الزائدة لما لم يكن إظهارها صلاحاً لا جَرَمَ ما أظهرناها . ثم قال : { فَإِذَا جَـآءَ أَمْرُ ٱللَّهِ قُضِيَ بِٱلْحَقِّ } أي فإذا جاء قضاءُ الله بين الأنبياء والأمم قضي بالحق { وَخَسِرَ هُنَالِكَ ٱلْمُبْطِلُونَ } وهم المعاندون الذين يجادلون في آيات الله فيقترحون المعجزات الزائدة على قدر الحاجة تعنتاً وعبَثاً . قوله تعالى : { ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَنْعَامَ … } الآية . لما ذكر الوعيدَ عاد إلى ذِكر ما يدل على وجود الإِلَهِ القَادِرِ الحَكِيمِ ، وإلى ذكر ما يصلح أن يعد إنعاماً على العباد . قال الزجاج : " الأَنْعَامُ الإِبل ( خاصة ) " ، وقال القاضي : هي الأزواج الثمانية . وقوله : " مِنْهَا … وَمِنْهَا " . " من " الأولى يجوز أن تكونَ لِلتَّبْعِيض ، إذ ليس كُلُّها تُرْكَبُ ، ويجوز أن تكون لابتداء الغاية إذ المرادُ بالأنعام شيءٌ خاصٌّ هي الإبل ، قال الزجاج : " لأنه لم يُعْهد المركوبُ غيرها " . وأما الثانية فكالأولى . وقال ابن عطية : هي لبيان الجنس قال : لأن الخيل منها ولا تُؤْكَلُ . فإن قيل : ما السَّبَبُ في إدخال لام العِوَض على قوله : " لِتَرْكَبُوا " وعلى قوله : " لِتَبْلُغُوا " ولم يدخل على البَوَاقِي ؟ . فالجواب : قال الزمخشري : الركوب في الحج والغزو إما أن يكون واجباً أو مندوباً ، وأيضاً ركوبها لأجل حاجتهم ، وهي الانتقال من بلدٍ إلى بلد آخر لطلب علم أو إقامة دين يكون إما واجباً أو مندوباً فهذان القسمان أغراض دينيةٍ ، فلا جَرَمَ أدخل عليها حرف التعليل نظيره قوله تعالى : { وَٱلْخَيْلَ وَٱلْبِغَالَ وَٱلْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً } [ النحل : 8 ] فأدخل حرف التعليل على " الرُّكُوبِ " ولم يدخله على الزِّينَةِ . قوله { لِتَرْكَـبُواْ مِنْهَا } أي بعضها { وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ } أي في أصوافها وأوبارها وأشعارها وألبانها { وَلِتَـبْلُغُواْ عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ } لحمل أثقالكم من بلد إلى بلد . قوله : { وَعَلَيْهَا وَعَلَى ٱلْفُلْكِ تُحْمَلُونَ } أي على الإبل في البرِّ ، وعلى السفن في البَحْرِ . فإن قيل : لِمَ لَمْ يقل : في الفلك ، كما قال : { قُلْنَا ٱحْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ } [ هود : 40 ] ؟ . فالجواب : كلمة على للاستِعْلاَء ، فالشيء يُوضَع على الفلك كما صح أن يقال : وضع فيه صح أن يقال : وضع عليه ولما صح الوجهان كانت لفظةُ " عَلَى " أولى حتى يتم المزاوجة في قوله : { وعليها وعلى الفلك تحملون } . وقال بعضهم : إن لفظة " فِي " هناك ألْيَقُ ؛ لأن سفينة نُوحٍ على ما قيل كانت مُطْبِقَةً عليهم وهي محيطة بهم كالوعاء ، وأما غيرها فالاستعلاء فيه واضح ، لان الناس على ظهرها . قوله : { وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ } دلائل قدرته ، وقوله : { فَأَيَّ آيَاتِ ٱللَّهِ } منصوب بـ " تُنْكِرُونَ " وقدم وجوباً لأن له صدر الكلام . قال مكيّ : ولو كان مع الفعل هاءٌ لكان الاختيار الرفع في أي بخلافِ ألف الاستفهام تدخل على الاسم ، وبعدها فعلٌ واقعٌ على ضمير الاسم فالاختيار النصب نحو قولك : أَزَيْداً ضَرَبْتَهُ ، هذا مذهب سيبويه فرق بين الألف وبين " أي " يعني أنك إذا قُلْت : أَيّهُمْ ضَرَبْتَ ؟ كان الاختيار الرفع ؛ لأنه لا يُحْوجُ إلى إضمار مع أن الاستفهام موجود وفي : " أَزَيْداً ضَرَبْتَهُ " يختار النصب لأجل الاستفهام فكان مقتضاه اختيار النصب أيضاً فيما إذا كان الاستفهام بنفس الاسم ، والفرق عَسِرٌ . وقال الزمخشري : " فأَيَّ آيَاتِ " جاءت على اللغة المستفيضة وقولك : فأية آياتِ الله قليلةٌ ؛ لأن التفرقة بين المذكر والمؤنث في الأسماء غير الصفات ، نحو : حِمَار ، وحِمَارة غريب ، وهو في أي أغرب ( لإبهامه ) قال أبو حيانَ ( رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ ) : وِمن قلة تأنيث أيٍّ قولُه : @ 4351ـ بأيِّ كتَابٍ أَمْ بِأَيَّةِ سُنَّةٍ تَرَى حُبَّهُمْ عَاراً عَلَيَّ وتَحْسِبُ @@ وقوله : وهو في " أي " أغرب إن عَنَى " أيًّا " على الإطلاق فليس بصحيح ؛ لأن المستفيضَ في النِّداء أن يؤنث في نداء المؤنث كقوله تعالى : { يٰأَيَّتُهَا ٱلنَّفْسُ ٱلْمُطْمَئِنَّةُ } [ الفجر : 27 ] ولا نعلم أحداً ذكر تذكيرها فيه فيقول : يـٰأَيُّها المرأَةُ ، إلا صاحب البَدِيع في النَّحْوِ . وإن عنَى غير المناداة فكلامه صحيح يقل تأنيثها في الاستفهام ، وموصولة شرطية . قال شهاب الدين : أما إذا وقعت صفةً لنكرة أو حالاً لمعرفة فالذي ينبغي أن يجُوزَ الوجهان كالموصولة ويكون التأنيث أقلّ نحو : مررتُ بامرأةٍ أَيَّةِ امرأة ، وجَاءَتْ هِنْدٌ أَيَّةُ امْرَأَةٍ وكان ينبغي لأبي حَيَّانَ أن ينبه على هذين الفَرْعَيْنِ . فصل معنى قوله { فَأَيَّ آيَاتِ ٱللَّهِ تُنكِرُونَ } أَيْ هذه الآيات التي عددناها كلها ظاهرة باهرة ليس في شيء منها ما يمكن إنكاره .