Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 41, Ayat: 28-31)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : " ذَلِكَ " فيه وجهان : أحدهما : أنه مبتداً و " جزاء " خبره . والثاني : أنه خبر مبتدأ محذوف أي : الأمر ذلك و { جَزَآءُ أَعْدَآءِ ٱللَّهِ ٱلنَّارُ } جملة مستقلة مبينةٌ للجملة قبلها . ( قوله ) : " النار " فيه ثلاثة أوجه : أحدها : أنها بدل من " جزاء " وفيه نظر ؛ إذ البدل يحل محلّ المبدل منه فيصير التقدير ذلك النار . الثاني : أنه خبر مبتدأ مضمر . الثالث : أنه مبتدأ و { لَهُمْ فِيهَا دَارُ الخُلْدِ } الخبر ، و " دَارُ " يجوز ارتفاعها بالفاعليَّة أو الابتداء . وقوله : { فِيهَا دَارُ الخُلْدِ } يقتضي أن يكون " دار الخلد " غير النار ، وليس كذلك بل النار هي نفس دار الخلد . وأجيب عن ذلك : بأنه قد يجعل الشيء ظرفاً لنفسه باعتبار متعلَّقه على سبيل المبالغة ، لأن ذلك المتعلق صار مستقراً له ، وهو أبلغ من نسبة المتعلق إليه على سبيل الإخبار به عنه . ومثله قول الآخر : @ 4365ـ … وَفيِ اللهِ إنْ لَمْ تُنْصِفُوا حَكَمٌ عَدْلُ @@ وقوله تعالى : { لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } [ الأحزاب : 21 ] والرسول هو نفس الأسوة . كذا أجابوا . وفيه نظر ؛ إذ الظاهر وهو معنى صحيح منقول أن في النار داراً تسمى دار الخلد ، والنار محيطة بها . قوله : " جزاء " في نصبه ثلاثة أوجه : أحدها : أنه منصوب بفعل مقدر ، وهو مصدر مؤكد ، أي يجزون جزاءً . الثاني : أن يكون منصوباً بالمصدر الذي قبله ، وهو جزاء أعداء الله . والمصدر ينصب بمثله كقوله { فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ جَزَاءً } [ الإسراء : 63 ] . الثالث : أن ينتصب على أنه مصدر واقع موقع الحال و " بِمَا " متعلق " بجزاء " الثاني إن لم يكن مؤكداً وبالأول إن كان ( مؤكداً ) و " بِآيَاتِنَا " متعلق بيجحدون . فصل لما قال : { وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ ٱلَّذِي كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [ فصلت : 27 ] بين أن ذلك الأسوأ الذي جعل جزاء أعداء الله هو النار ، ثم قال : { لَهُمْ فِيهَا دَارُ الخُلْدِ } ، أي لهم في جملة النار دارٌ معينة ، وهي دار العذاب الخلد ، { جزاء بما كانوا بآياتنا يجحدون } أي يبلغون في القراءة ، وسماه جحداً ؛ لأنهم لما علموا أن القرآن بالغ إلى حد الإعجاز خافوا من أنه لو سمعه الناس لآمنوا به فاستخرجوا ( تلك ) الطريقة الفاسدة وذلك يدل على أنهم علموا كونه معجزاً وأنهم جحدوا حسداً . قال الزمخشري : " أي بما كانوا يلغون ، فذكر الجحود ؛ لأنه سبب اللَّغو " انتهى . يعني أنه من باب إقامة السبب مقام المسبَّب ، وهو مجاز سائغٌ . قوله : { وَقَال الَّذِينَ كَفَرُواْ رَبَّنَآ أَرِنَا ٱلَّذَيْنِ أَضَلاَّنَا … } الآية تقدم الخلاف في " أَرِنَا " وفي نون اللَّذين وقال الخليل : إذا قلت : أرني ثوبك فمعناه بصِّرنيهِ ، وبالسكون أعطنيه . فصل لما بين أن الذي حملهم على الكفر الموجب للعقاب الشديد مجالسة قرناء السوء بيَّن أن الكفار ( عند الوقوع في العذاب الشديد ) في النار يقولون : { رَبَّنَآ أَرِنَا ٱلَّذَيْنِ أَضَلاَّنَا مِنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنسِ } ومعناه أن الشيطان على نوعين جنٍّي وإنْسِيٍّ . قال تعالى : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ ٱلإِنْسِ وَٱلْجِنِّ } [ الأنعام : 112 ] وقال : { ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ } [ الناس : 5ـ6 ] وقيل : هما إبليس وقابيل بن آدم الذي قتل أخاه ؛ لأن الكفر سنة إبليس والقتل بغير حق سنة قابيل فهما سنا المعصية . { نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا } في النار { لِيَكُونَا مِنَ ٱلأَسْفَلِينَ } قال مقاتل : يكونون أسفل منا في النار . وقال الزجاج : ليكونا في الدرك الأسفل . وقال بعض الحكماء : المراد باللَّذَيْنَ يُضِلاَّن الشهو والغضب والمراد بجعلهما تحت أقدامهم كونهما مسخَّرين للنفس مطيعين لها ، وأن لا يكونا مستوليين عليها قاهرين لها . قوله تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ } الآية . لما ذكر الوعيد أردفه بذكر الوعد كما هو الغالب . واعلم أن " ثُمَّ " لتراخي الرتبة في الفضيلة سئل أبو بكر الصديق رضي الله عنه عن الاستقامة فقال : أن لا تشرك بالله شيئاً . وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه ـ : الاستقامة أن تستقيم على الأمر والنهي ، ولا تروغَ رَوَغَات الثَّعْلَب . وقال عثمان رضي الله عنه أخلصوا العمل . وقال علي رضي الله عنه أدَّوا الفرائض . وقال ابن عباس رضي الله عنه استقاموا على أداء الفرائض . وقال الحسن ( رضي الله عنه ) استقاموا على أمر الله بطاعته واجتنبوا معصيته . وقال مجاهد وعكرمة استقاموا على شهادة أن لا إله إلا الله حتى لحقوا بالله . وقال قتادة : كان الحسن إذا تلا هذه الآية قال : اللَّهُمَّ فَارْزُقْنَا الاستقامة . قوله : { تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ ٱلْمَلاَئِكَةُ } قال ابن عباس ( رضي الله عنهما ) عند الموت . وقال مقاتل وقتادة : إذا قاموا من قبورهم . وقال وكيع بن الجرَّاح : البشرى تكون في ثلاثة مواطن ، عند الموت وفي القبر وعند البعث . قوله : { أَنْ لاَّ تَخَافُواْ } يجوز في " أن " أن تكون المخففة ، أو المفسِّرة ، أو الناصبة و " لا " ناهية على الوجهين الأولين ، ونافية على الثالث . وقد تقدم ما في ذلك من الإشكال . فالتقدير بأن لا تخافوا أي بانتفاء الخوف . وقال أبو البقاء : التقدير : بأن لا تخافوا ، أو قائلين أن لا تخافوا فعلى الأول : هو حال ، أي نزلوا بقولهم : لا تخافوا . وعلى الثاني : الحال محذوفة . قال شهاب الدين : يعني الباء المقدرة حالية ، فالحال غير محذوفة وعلى الثاني الحال هو القول المقدر وفيه تسامح ، وإلا فالحال محذوفة في الموضعين ، وكما قام المقول مقام الحال كذلك قام الجار مقامها . وقرأ عبد الله " لا تخافوا " بإسقاط " أن " وذلك على إضمار القول ، أي : يقولون لا تخافوا . فصل { أن لا تخافوا } من الموت . قال مجاهد : لا تخافون على ما تَقْدَمُونَ عليه من أمر الآخرة ولا تحزنوا على ما خلَّفتم من أهل وولد ، فإنا نخلفكم في ذلك كله . وقال عطاء ابن أبي رباح : لا تخافوا ولا تحزنوا على ذنوبكم فإني أغفرها لكم . قوله : { وَأَبْشِرُواْ بِٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ } . فإن قيل : البشارة عبارةٌ عن الخبر الأول بحصول المنافع ، فأما إذا أخبر الرجل بحصول المنفعة ثم أخبر ثانياً بحصولها كان الإخبار الثاني إخباراً ولا يكون بشارةً ، والمؤمن قد يسمع بشارات الخير ، فإذا سمع المؤمن هذا الخبَر من الملائكة وجب أن يكون هذا إخباراً ولا يكون بشارة ، فما السَّبب في تسمية هذا الخبر بشارة ؟ . فالجواب : أن المؤمن قد يسمع بشارات الخير ، ( فإذا سمع المؤمن هذا الخبر من الملائكة وجب أن يكون هذا إخباراً ولا يكون بشارة ! قلنا : المؤمن يسمع أن من كان مؤمناً تقِيًّا ) كان له الجنة أما إذا لم ( يسمع ) ألبتة أنه من أهل الجنة فإذا سمع هذا الكلام من الملائكة كان أخباراً بنفع عظيم مع أنه هو الخبر الاول فكان ذلك بشارة . واعلم أن هذا الكلام يدل على أن المؤمن عند الموت وفي القبر وعند البعث ( لا ) يكون فازعاً من الأهوال ومن الفزع الشديد ( بل يكون آمن الصدر لأن قوله : { أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ } يفيد نفي الخوف ، والحزن على الإطلاق ) . قوله تعالى : { نَحْنُ أَوْلِيَآؤُكُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَفِي ٱلآخِرَةِ } وهذا في مقابلة ما ذكره في وعيد الكفار حيث قال : { وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَآءَ فَزَيَّنُواْ } [ فصلت : 25 ] . قال السدي : تقول الملائكة نحن الحفظة الذين كنا معكم في الدنيا ( ونحن أولياؤكم في الدينا ) ونحن أولياؤكم في الآخرة أي لا نفارقكم حتى تدخلوا الجنة . { وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِيۤ أَنفُسُكُمْ } من الكرامات واللذات { وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ } أي تتمنون . فإن قيل : هلى هذا التفسير لا فرق بين قوله : { ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم } و { ولكم فيها ما تدعون } قال ابن الخطيب : والأقرب عندي أن قوله : { ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم } إشارة إلى الجنة الرُّوحانيَّة المذكورة في قوله { دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ ٱللَّهُمَّ } [ يونس : 10 ] الآية .