Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 41, Ayat: 32-35)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : " نُزُلاً " فيه أوجه : أحدها : أنه منصوب على الحال من الموصول ، أو من عائده ، والمراد بالنزل الرزق المعدّ للنازل كأنه قيل ولكم فيها الذي تدعونه حال كونه معدًّا . الثاني : أنه حال من فاعل " تَدَّعُونَ " أو من الضمير في " لَكُمْ " على أن يكون نزلاً جمع نازل كصَابِر وصُبُرٍ وشَارِفٍ وشُرُفٍ . والثالث : أنه مصدر مؤكد ، وفيه نظر ، لأن المصدر " نزل " النزول لا النزل . وقيل : هو مصدر أنزل . قوله : { من غفور رحيم } يجوز أن يكون تعلقه بمحذوف على أنه صفة " لنزلاً " في " لكم " من الاستقرار أي استقر لكم من جهة غفور رحيم ، وأن يتعلق بما تعلق به الظرف في " لكم " من الاستقرار أي استقر لكم من جهة غفورٍ رحيمٍ . قال أبو البقاء : فيكون حالاً من ما . قال شهاب الدين : وهذا البناء منه ليس بواضح بل هو متعلق بالاستقرار فَضلةً كسائر الفضلات ، وليس حالاً من " ما " . قوله تعالى : { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَآ إِلَى ٱللَّهِ … } الآية قال ابن سيرين والسُّدِّيُّ : هو رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا إلى شهادة أن لا إله إلا الله وقال الحسن : هو المؤمن الذي أجاب الله في دعوته ، ودعا الناس إلى ما أجاب إليه ، وعمل صالحاً في إجابته وقال إنَّني من المسلمين . وقالت عائشة رضي الله عنها إن هذه الآية نزلت في المؤذِّنين . وقال عكرمة : هو المؤذن . وقال أبو أمامة الباهليّ : وعمل صالحاً : ركعتين بين الأذان والإقامة . وقال قيس بن أبي حازمٍ : هو الصلاة بين الأذان والإقامة . قوله : { وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } العامة على إنني بنونين . وابن أبي عبلة وابن نوحٍ بنون واحدة . قوله تعالى : " ولا السيئَةُ " في " لا " هذه وجهان : أحدهما : أنها زائدة للتوكيد ، كقوله : { وَلاَ ٱلظِّلُّ وَلاَ ٱلْحَرُورُ } [ فاطر : 21 ] وكقوله : { وَلاَ ٱلْمُسِيۤءُ } [ غافر : 58 ] ، لأن استوى لا يكتفي بواحد . والثاني : أنها مؤسسة غير مؤكِّدة ؛ إذ المراد بالحسنة والسيئة الجنس ، أي لا تستوي الحسنات في أنفسنا فإنها متفاوته ، ولا تستوي السيئات أيضاً ، فربَّ واحدةٍ أعظم من أخرى ، وهو مأخوذ من كلام الزمخشري ، وقال أبو حيان : " إن أخذت الحسنة والسيئة جنساً لم يكن زيادتها كزيادتها في الوجه الذي قبل هذا " . قال شهاب الدين : " فقد جعلها في المعنى الثاني زائدة ، وفيه نظر لما تقدم " . فصل قال المفسرون : المراد بالحسنة الصَّبر ، وبالسيئة الغضب . وقيل : الحلم والجهل . وقيل : العفو والإساء . قال ابن الخطيب : لما حكى الله تعالى عنهم قولهم : " قُلُوبُنَا في أَكِنَّةٍ " وإصرارهم الشديد على دينهم ، وعدم التأثّر بدلائل محمد صلى الله عليه وسلم ثم أطنب في الجواب عن شبهاتهم ثم رغّب محمداً صلى الله عليه وسلم في أن لا يترك الدعوة إلى الله بقوله : { إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ } [ فصلت : 30 ] فلهم الثواب العظيم ، ثم تَرَقَّى من تلك الدرجة إلى درجة أخرى ، وهي أن الدعوة إلى الله تعالى أعظم الدرجات ، ثم كأن سائلاً ( سأل فـ ) ـقال : إن الدعوة إلى الله ، وإن كانت طاعةً عظيمةً ، إلا أنَّ الصبر على سفاهة الكفَّار شديدةً ، فذكر الله تعالى ما يصلحُ لأ ، يكون دافعاً لهذا الإشكال فقال : { ولا تستوي الحسنة ولا السيئة } . والمراد بالحسنة دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الحق ، والصبر على جهالة الكفار ، وترك الانتقام وترك الالتفات إليهم ؛ والمراد بالسيئة ما أظهروا من الجلافة في قولهم : " قُلُوبُنَا في أَكِنَّةٍ " وقوله : { لاَ تَسْمَعُواْ لِهَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ وَٱلْغَوْاْ فِيهِ } [ فصلت : 26 ] فكأنه قال : يا محمد فعلُك حسنة ، وفعلُهم سيئة ، ولا تستوي الحسنة ( ولا السيئة ) أنت إذا أتيت بهذه الحسنة استوجبت التعظيم في الدنيا والثواب في الآخرة ، وهم بالضِّدِّ من ذلك ، فلا ينبغي أن يكون إقدامهم على تلك السيئة مانعاً لك من الاشتغال بهذه الحسنة . ثم قال { ٱدْفَعْ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } يعني ادفع سفاهتهم وجهالتهم بالطريق التي هي أحسن الطُّرق . قال ابن عباس رضي الله عنهما أمر بالصبر عند الغضب ، وبالحِلْم عند الجهل ، وبالعفو عن الإساءة . والمعنى أنك إذا صبرت على سوء أخلاقهم مرةً بعد أخرى ولم تقابل سفاهتهم بالغضب استحيوا من تلك الأخلاق المذمومة وتركوا أفعالهم القبيحة ، وانقلبوا من العداوة إلى المحبة ، ومن البغضاء إلى المودَّة فقال : { فَإِذَا ٱلَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ } يعني إذا فعلت ذلك خضع لك عدوك { كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ } أي كالصديق القريب ، قال مقاتل بن حيَّان : نزلت في أبي سفيان بن حرب ، وذلك لأنه لان للمسلمين بعد شدة عداوته بالمصاهرة التي حصلت بينه وبين النبيّ صلى الله عليه وسلم ، ثم أسلم فصار وليًّا بالإسلام وحميماً بالقرابة . قوله : " كأنه ولي " في هذه الجملة التَّشبيهيَّة وجهان : أحدهما : أنها في محل نصب على الحال ، والموصول مبتدأ ، و " إذا " التي للمفاجأة خبره والعامل في هذا الظرف من الاستقرار هو العامل في هذا الحال . ومحطُّ الفائدة في هذا الكلام ( هي الحال والتقدير : فبالحضرة المعادي مشبهاً القريب الشفوق . والثاني : أن الموصول مبتدأ ) أيضاً ، والجملة بعده خبره ، و " إذَا " معمولة لمعنى التشبيه والظرف يتقدم على عامله المعنوي . هذا إن قيل : إنها ظرف . فإن قيل : إنَّها حرف فلا عامل . قوله : " وَمَا يُلَقَّاها " العامة على يُلَقَّاها من التَّلْقِيَة . وابن كثيرـ في رواية وطلحة بن مصرف يُلاَقَاها من المُلاَقَاةِ ، فالضمير للخصلة أو الكلمة ، ( أو الجنة أو شهادة التوحيد . فصل لما أرشد الله تعالى إلى الطريق النافع في الدين والدنيا ) قال : { وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ } ( قَالَ الزَّجاج : " وَمَا يُلَقَّى هذه الفِعْلَةَ إلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا ) على تحمل المكاره وتجرح الشدائد وكظم الغيظ ، وترك الانتقام . { يُلَقَّاهَآ إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ } من الفضائل النفسانية . وقال قتادة الحظ العظيم الجنة ، أي وما يلقاها إلا من وجبت له الجنة .