Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 41, Ayat: 40-43)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِيۤ ءَايَاتِنَا } الآية لما بين أن الدعوة إلى دين الله تعالى أعظم المناصب ، وأشرف المراتب ، ثم بين أن الدعوة إنما تحصُلُ بذكر دلائل التوحيد والعدل وصحة البعث والقيامة عاد إلى تهديد من ينازع في تلك الآيات ، ويجادل بإبقاء الشُّبهات فيها فقال : إن الذين يُلحدون في آياتنا لا يخفون علينا ، يقال : ألحدَ الحافِرُ وَلَحَدَ إذ مال عن الاستقامة فحفر في شقٍّ فالمُلحِدُ ، هو المُنْحَرِفُ ، ثم اختص في العرف بالمُنْحرِفِ عن الحق إلى الباطل قال مجاهد : يلحدون في آياتنا بالمُكَاءِ والتصدية واللغو واللَّغط . وقال قتادة : يكذبون في آياتنا . وقال السدي : يعاندون ويشاقون { لاَ يَخْفَوْنَ عَلَيْنَآ } وهو كقول الملك المهيب : إنَّ الذين ينازعون في ملكي أعرفهم فإن ذلك ( لا ) لا يكون تهديداً . ثم قال : { أَفَمَن يُلْقَىٰ فِي ٱلنَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِيۤ آمِناً يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } وهذا استفهام بمعنى التقرير ، والغرض منه التنبيه على أن المُلحِدِين في الآيات يُلْقَون في النار ، وأن المؤمنين بالآيات يأتون آمنين يوم القيامة . قال المفسرون : المراد حمزة ، وقيل : عثمان ، وقيل : عمار بن ياسر . ثم قال : { ٱعْمَلُواْ مَا شِئْتُمْ } وهذا أمر تهديد ووعيد أيضاً ، { إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } أي عالم بأعمالكم فيجازيكم . قوله : { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } في خبرها ستةُ أوجه : أحدها : أنه مذكور ، وهو قوله " أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ " وقد سئل بلال بنُ أبي بُرْدَة عن ذلك في مجسله فقال : لا أجد لها معاداً ، فقال له أبو عمرو بن العلاء : إنه منك لقريب أولئك ينادون . وقد استبعد هذا من وجهين : أحدهما : كثرة الفواصل . والثاني : تقدم من يصح الإشارة إليه بقوله : " أُولَئِكَ " وهو قوله : " وَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ " واسم الإشارة يعود على أقرب مذكور . الثاني : أنه محذوف لفهم المعنى فقدر : مُعَذَّبُونَ ، أو مُهْلَكُونَ ، أو مُعَانِدُونَ . وقال الكسائي : سد مسده ما تقدم من الكلام قبل " إنَّ " وهو قوله { أَفَمَن يُلْقَىٰ فِي ٱلنَّارِ } . يعني في الدلالة عليه ، والتقدير يُخلَّدُونَ في النار ، وقال البغوي : يَجَازَوْنَ بكُفْرِهِمْ . وسأل عيسى بن عمر عَمْرَو بن عبيدٍ عن ذلك فقال معناه في التفسير : إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم كفروا به ، فقدر الخبر من جنس الصِّلة . وفيه نظر من حيث اتّحاد الخبر والمُخبر عنه في المعنى من غير زيادة فائدة ، نحو : سيِّدُ الجارِية مَالِكُها . الثالث : أن " إنَّ الَّذِينَ " الثانية بدل من " إِنَّ الَّذِين " الأولى المحكوم به على البدل محكوم به على المبدل منه فيلزم أن يكون الخبر { لاَ يَخْفَوْنَ عَلَيْنَآ } وهو منتزع من كلام الزمخشري . الرابع : أنَّ الخير قوله : { لاَّ يَأْتِيهِ ٱلْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ } والعائد محذوف تقديره لا يأتيه الباطل منهم ، نحو : " السَّمْنُ منوان بِدرهَم " أي منوان منه أو يكون " أل " عوضاً من الضمير في رأي الكوفيين ، تقديره : " إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بالذِّكْرِ لاَ يَأتِيهِ بَاطِلُهُمْ " . الخامس : أن الخبر قوله تعالى : { مَّا يُقَالُ لَكَ } والعائد محذوف أيضاً تقديره : إنَّ الَّذِين كَفَرُوا بالذِّكْرِ مَا يقال لك في شأنهم إلاَّ ما قد قيل للرسل من قبلك . وهذان الوجهان ذهب إليهما أبو حيَّان . والسادس : قال بعض الكوفيين : إنه قوله : { وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ } وهذا غير متعقَّلٍ . قوله : { وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ } جملة حالية ، وقوله { لاَّ يَأْتِيهِ ٱلْبَاطِلُ } صفة " لكتاب " ، و " تَنْزِيلٌ " خبر مبتدأ محذوف ، أو صفة لكتاب على أنَّ " لاَ يأْتِيهِ " معترض أو صفة كما تقدم على رأي من يجوز تقديم غير الصريح من الصفات على الصريح ، وتقدم تحقيقه في المائدة . و " مِنْ حَكِيم " صفة " لتنزيل " أو متعلق به و " الباطل " اسم فاعل ، وقيل : مصدر كالعاصِفةِ والعاقِبةِ . فصل لما بلغ في تهديد المُلحدين في آيات القرآن أتبعه تعظيم القرآن فقال : { وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ } قال الكلبي عن أبن عباس رضي الله عنهم ـ : أي كريم على الله . وقال قتادة : أعزه الله تعالى لا يجد الباطل إليه سبيلا . قال قتادة والسدي : الباطل هو الشيطان لا يستطيع أن يغيره أو يزيل فيه أو ينقص منه . وقال الزجاج : معناه أنه محفوظ من أن يُنْقَصُ منه فيأتيه الباطل من بين يديه أو يُزَادُ فيه فيأتيه الباطل من خلفه ، وعلى هذا فمعنى الباطل هو الزيادة والنقصان . وقال مقاتل : لا يأتيه التكذيب من الكتب التي قبله ، ولا يأتي بعده كتاب فيُبطلُهُ ( و ) قال الزمخشري هذا تمثيل والمقصود أن الباطل لا يتطرقُ إليه ولا يجد إليه سبيلاً من جهة من الجهات حين يصل إليه . فصل اعلم أنَّ لأبي مسلم الأصفهاني أن يحتج بهذه الآية على أنه لم يوجد النسخ فيه ؛ لأن النسخ إبطال ، فلو دخل النسخ فيه لكان قد أتاه الباطل من خلفه وهذا خلاف الآية . ثم قال : { تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } أي حكيم في جميع أفعاله حميد إلى جميع خلقه بسبب كثرة نعمه . قوله تعالى : { مَّا يُقَالُ لَكَ إِلاَّ مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ } … الآية لما هدَّد الملحدين في آيات الله ثم بين شرف آيات الله وعلو درجة كتاب الله تعالى رجع إلى أمر رسوله بأن يصبر على أذى قومه ، وأن لا يضيق قلبه بسبب ما حكاه عنهم في أول السورة وهو قولهم : { قُلُوبُنَا فِيۤ أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ } [ فصلت : 5 ] إلى قوله : { فَٱعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ } [ فصلت : 5 ] فقال : { ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك } أي إنهم قالوا للأنبياء قبلك : ساحرٌ ، وكذبوهم كما كُذِّبت . وقيل : المراد ما قال لك إلا مثل ما قال لسائر الرسل وهو أنه أمرك وأمرهم بالصبر على سفاهة الأقوام . قوله : { إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةَ } قيل : هو مفسر للمقول كأنه قيل : قيل للرسل إن ربك لذو مغفرة وقيل : هو مستأنف ومعناه لذو مغفرة لمن تاب وآمن بك ، وذُو عِقَابٍ أليمٍ لمن أصر على التكذيب .