Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 42, Ayat: 29-31)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ … } الآية قد تقدم الكلام على دلالة خلق السموات والأرض والحيوانات على وجود الإله الحكيم . فإن قيل : كيف يجوز إطلاق لفظ الدابَّة على الملائكة ؟ ! . فالجواب : فيه وجوه : الأول : أنه قد يضاف الفعل إلى جماعة ، وإن كان فاعله واحداً منهم كما يقال : " بَنُو فُلاَنٍ فَعَلُوا كََذَا " ، وإنما فعله واحدٌ منهم ومنه قوله : { يَخْرُجُ مِنْهُمَا الُّلؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ } [ الرحمن : 22 ] . الثاني : أن الدابة عبارة عما فيه الروح والحركة ، والملائكة لهم الروح والحركة . الثالث : لا يبعد أن يقال : إنه تعالى خلق في السموات أنواعاً من الحيوانات يمشون مشي الأناس على الأرض . وروى العبَّاس ( رضي الله عنه ) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " فوق السماء السابعة بحر ( بين ) أسفله وأعلاه كما بين السماء والأرض ، ثم فوق ذلك ثمانية أوعالٍ بين رُكَبِهِنَّّ وأَظلاَفِهِنَّ كما بين السَّمَاءِ والأرْضِ ، ثُمَّ فَوْقَ ذَلِك العَرْش … " الحديث . قوله : " وَمَا بَثَّ " يجوز أن تكون مجرورة المحل عطفاً على " السموات " أو مرفوعته عطفاً على " خلق " ، على حذف مضاف أي وخلق ما بثَّ . قاله أبو حيان . وفيه نظر ؛ لأنه يئول إلى جره بالإضافة " لِخَلق " المقدر فلا يعدل عنه . قوله : " إذَا يَشَاءُ " " إذَا " منصوبة " بجَمْعِهِمْ " لا " بِقَدِيرٍ " ، قال أبو البقاء : لأن ذلك يؤدي إلى أن يصير المعنى : وهو على جمعهم قدير إذا يشاء ، فتتعلق القدرة بالمشيئة وهو محال . قال شهاب الدين : وَلاَ أدري ما وجه كونه محالاً على مذهب أهل السنة ، فإن كان يقول المعتزلة ، وهو القدرة تتعلق بما لم يشأ الله مشى كلامه ، ولكنه مذهب رديء لا يجوز اعتقاده . ونقول : يجوز تعلق الظرف به أيضاً . قال الزمخشري : " إذا " تدخل على المضارع كما تدخل على الماضي , قال تعالى : { وَٱلْلَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ } [ الليل : 1 ] ومنه : " إذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ " ، والمقصود أنه تعالى خلقها لا لعجز ولا لمصلحة ولهذا قال : { وهو على جمعهم إذا يشاء قدير } ، يعني الجمع والحشر والمحاسبة . فصل احتج الجبَّائيُّ بقوله : إذا يشاء قدير على أن مشيئة الله تعالى محدثةٌ ، قال : لأن كلمة " إذا " ظرف لما ( لم ) يستقبل من الزمان وكلمة " يَشَاءُ " صيغة المستقبل فلو كانت مشيئته تعالى قديمة لم يكن لتخصيصها بذلك الوقت المستقبل فائدة ، ولما دل قوله : " إذَا يَشَاءُ " على التخصيص علمنا أن مشيئته تعالى محدثة . وأجيب : بأن هاتين الكلمتين كما دخلتا على المشيئة فقد دخلتا أيضاً على لفظ " القَدِير " فلزم على هذا أن تكون قدرته صفة محدثة ، ولما كان هذا باطلاً فكذا القول في المشيئة . قوله : { وَمَآ أَصَابَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ } قرأ نافع وابن عامر بما كسبت بغير فاء ، والباقون بالفاء " فما " في القراءة الأولى الظاهر أنها موصولة بمعنى الذي ، والخبر الجار من قوله " بما كسبت " . وقال قوم منهم أبو البقاء : إنها شرطية حذفت منها الفاء ، قال أبو البقاء : كقوله تعالى : { وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ } [ الأنعام : 121 ] وقول الآخر : @ 4382ـ مَـنْ يَفْعَـل الحَسَنَاتِ اللهُ يَشْكُرُهَا … @@ وهذا ليس مذهب الجمهور ، إنما قال به الأخفش وبعض البغداديِّين ، وأما قوله : " إنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ " فليس جواباً للشرط ، إنما هو جواب لقسم مقدر حذفت لامه الموطِّئة قبل أداة الشرط . وأما القراءة الثانية ، فالظاهر أنها فيها شرطية . وقال أبو البقاء : إنَّه ضَعيفٌ ولا يلتفت إلى ذلك . ويجوز تكون موصولة ، والفاء داخلة في الخبر تشبيهاً للموصول بالشرط بشروط مذكورة في هذا الكتاب . وقد وافق نافع وابن عامر مصاحفهما ، فإن الفاء ساطقة من مصاحف المدينة والشام ، وكذلك الباقون ، فإنها ثابتة في مصاحف مكَّة والعراق . فصل اختلفوا فيما يحصل في الدنيا من الآلام والأسقام ، والقَحط ، والغَرَق ، والمصائب هل هي عقوبات على ذنوب سلفت أم لا ؟ فمنهم من أنكر ذلك لوجوه : الأول : قوله تعالى : { ٱلْيَوْمَ تُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَـسَبَتْ } [ غافر : 17 ] بيّن تعالى أن ذلك إنما يحصل يوم القيامة وقال تعالى : { مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدِّينِ } [ الفاتحة : 3 ] أي يوم الجزاء ، وأجمعوا على أن المراد منه يوم القيامة . الثاني : مصائب الدنيا يشترك فيها الزنديق ، والصِّدِّيق ، فيمتنع أن يكون عقوبة على الذنوب ، بل حصول المصائب ( للصالحين ) والمتقين أكثر منه للمذنبين ، ولهذا قال عليه الصَّلاة والسَّلام ـ : " خُصَّ البَلاَءُ بالأَنْبِيَاءِ ثُمَّ الأَمْثَل فالأَمْثَلِ " . الثالث : أن الدنيا دار تكليف ، فلو حصل الجزاء فيها لكانت دار تكليف ودار جزاء معاً وهو محالٌ . وقال آخرون : هذه المصائب قد تكون أَجزيةً على ذنوب متقدمة لهذه الآية ، ولما روى الحسن قال : لما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا مِنْ خَدْشِ عُودٍ ولا عَثْرةِ قَدَمٍ وَلاَ اخْتِلاَجِ عِرْقٍ إلاَّ بِذَنْبٍ وَمَا يَعْفُو اللهُ عَنْهُ أَكْثَرُ " . قال علي بن أبي طالب : " أَلا أُخْبِرُكُمْ بأَفْضَلِ آيَةَ في كِتَابِ اللهِ حَدَّثَنا بِهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ـ : { وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فبمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوعَنْ كَثِيرٍ } ( قال ) : وَسَأفسِّرُها لَكَ يَا عَلِيُّ مَا أَصَابَكُمْ مِنْ مَرَضٍ أَوْ عُقُوبَةٍ أَوْ بَلاَءٍ في الدُّنْيَا فبمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ واللهُ عَزَّ وجَلَّ أَكْرَمُ مِنْ أَنْ يُثْنِيَ عَلَيْكُمْ العُقُوبَةَ في الآخِرَةِ ، وَمَا عَفَا اللهُ عَنْهُ في الدُّنْيَا ، فَالله أَحْلَمُ مِنْ أنْ يَعُودَ بعد عَفْوِهِ " وتمسكوا أيضاً بقوله تعالى بعد هذه الآية : { أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا } وذلك تصريح بأن ذلك الاهلاك بسبب كسبهم . وأجاب الأولون بأن حصول هذه المصائب يكون من باب الأمتحان في التكليف ، لا من باب العقوبات ، كما في حق الإنبياء والأولياء . ويحمل قوله : { بما كسبت أيديكم } على أن الأصلح عند إتيانكم بذلك الكسب إنزال هذه المصائب عليكم . فصل هذه الآية تقتضي إضافة الكسب إلى اليد ، والكسب لا يكون باليد بل بالقدرة القائمة باليد فوجب أن يكون المراد من لفظ اليد هاهنا القدرة ، وإذا كان هذا المجاز مشهوراً مستعملاً كان لفظ اليد الوارد في حق الله تعالى يجب حمله على القدرة تنزيهاً لله تعالى عن الأعضاء . قوله : { وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ } أي قد يترك الكثير بفضله ورحمته قال الواحدي بعد أن روى حديث عليٍّ المتقدم ـ : وهذه أرجى آية في كتاب الله ؛ لأن الله تعالى جعل ذنوب المؤمنين صنفين ، صنف كفَّر عنهم بالمصائب ، وصنفٌ عَفَا عنه في الدنيا ، وهو كَرَمٌ لا يرجع في عفوه فهذه سنة الله مع المؤمنين . وأما الكافر ، فإنه لا يعجل له عقوبة ذنبه حتى يوافي ( رَبَّهُ ) يوم القيامة . ثم قال : { وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ } أي بفائتين " في الأرض " هرباً ، أي لا تُعْجِزونَنِي حيث ما كنتم ولا تَسْبِقُونِي { وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ } والمراد به من يعبد الأصنام ، بين أنه لا فائدة فيها ألبتة بل النّصير هو الله تعالى ، فلا جرم هو الذي يحْسُنُ عِبَادَتُهُ .