Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 44, Ayat: 34-39)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ لَيَقُولُونَ } يعني مشركي مكة ، ليقولون : { إِنْ هِيَ إِلاَّ مَوْتَتُنَا ٱلأُوْلَىٰ وَمَا نَحْنُ بِمُنشَرِينَ } بمبعوثين بعد موتنا . واعلم أنه رَجَعَ إلى ذكر كفار مكة ؛ لأن الكلام كان فيهم حيث قال : { بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ } [ الدخان : 9 ] أي بل هم في شك من البعث والقيامة . ثم بين كيفية إصرارهم على كفرهم ثم بين أن قوم فرعون كانوا في الإصرار على الكفر مثلهم ، وبين كيف أهلكهم وكيف أنعم على بني إسرائيل ثم رجع إلى كفار مكة وإنكارهم للبعث فقال : { إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ لَيَقُولُونَ : إِنْ هِيَ إِلاَّ مَوْتَتُنَا ٱلأُوْلَىٰ } . فإن قيل : القوم كانوا ينكرون الحياة الثانية ، فكان من حقهم أن يقولوا : إن هي إلا حياتنا الأولى وما نحن بمنشرين . فالجواب : قال الزمخشري : إنه قيل لهم : إنكم تموتون موتةً يَعْقُبُهَا حياةٌ كما أنكم حال كونكم نطفاً كنتم أمواتاً وقد يعقبها حياة ، كقوله : { وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ } [ البقرة : 28 ] فقالوا : إنْ هِيَ إلاَّ مَوْتَتَنَا الأُوْلَى يريدون : ما الموتة التي من شأنها أن تعقبها حياة إلا الموتة الأولى خاصة ، ولا فرق إذن بين هذا الكلام وبين قوله : " إن هِيَ إلاَّ حَيَاتُنا الأُولى " . قال ابن الخطيب : ويمكن وجه آخر وهو أن قوله : إن هي إلا موتننا الأولى ، يعنى أنه لا يأتينا من الأحوال الشديدة إلا الموتة الأولى وهذا الكلام ( لا ) يدل على أنهم لا يأتيهم الحياة الثانية ألبتةَ ، ثم صرحوا بهذا المرموز فقالوا : { وَمَا نَحْنُ بِمُنشَرِينَ } . ولا حاجة إلى التكليف الذي ذكره الزمخشري . ثم إنَّ الكفار احتجوا على نفي الحشر ، والنشر بأن قالوا : إن كان البعث والنشر ممكناً معقولاً فعجَّلوا لنا إحياء من مات من آبائنا إن كنتم صادقين في دعوى النبوة والبعث في القيامة . قيل : طلبوا من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يَدْعُوا الله حتى ينشر قصَيَّ بْن كِلاَب ، ليشاوروه في صحة نبوة محمد وفي صحة البعث . ولما حكى الله تعالى عنهم ذلك قال : { أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ } وهذا استفهام على سبيل الإنكار قال أبو عبيدة : ( ملوك اليمن ) كل واحد منهم يسمى تُبَّعاً ؛ لأن أهل المدينة كانوا يتبعونه ، وموضع ( " تبع " ) في الجاهلية موضع الخليفة في الإسلام وهم الأعاظِمُ من ملوك العرب قالت عائشة رضي الله عنها كان تُبَّعٌ رَجُلاً صالحاً . وقال كَعْبٌ : ذَمَّ الله ولَمْ يَذُمَّه وقال الكلبي : هو أو كرب ( أبو ) أسعد . وعن النبي صلى الله عليه وسلم ـ : " لاَ تَسُبُّوا تبَّعاً فَإِنَّهُ كَانَ قَدْ أَسْلَمَ " وعنه صلى الله عليه وسلم ـ : " مَا أَدْرِي أَكَانَ تُبَّعٌ نَبِيًّا أَمْ غَيْرَ نَبِيٍّ " وقال قتادة : هو تبَّعٌ الْحِمْيَريّ ، وكان سار بالجيوش حتى حير الحيرة وبنى سمرقند ، وكان من ملوك اليمن يسمى تُبَّعاً لكثرة أتباعه ، كل واحد منهم يسمى تبعاً ، لأن يتبع صاحبه ، وكان هذا يعبد النار ، فأسلم ودعا قومه إلى الإسلام ، وهم حِمْيَر . فكذبوه . ( قال ابن إسحاق : وكان اسمه بيان أسعد أبو كرب وقصَّتُهُ مسرودة ؛ لأنه كان يعبد الأوثان ، وأنه أسلم على يد حَبْرَيْنِ عالميْن ، وأنه أتى البيت الحرام فطاف به ، ونحر عنده ، وحلق رأسه ، وأقام بمكة ستة أيام ينحر بها للناس ويُطْعِمُ أهلها ويسقيهم العسل ، وأُري في المنام أن يكْسُوَ البيت ، فكساه الخَصَفَ ، ثم أري أن يكسوه أحسن من ذلك فكساه المعافري ، ثم أري أن يكسوه أحسن من ذلك فكساه الملا والوصائل . وكان تبع أول من كسا البيت وأوصى به ولاته من خزاعة فأمرهم بتطهيره ، وأن يقربوه دَماً ولا مِيتةَ ، ولا مِيلاَثاً ، وهي المحايِضُ وجعل له باباً ومفتاحاً ، وقصته مع الحَبْرَينِ مشْهُورة وأيضاً وأنه رَجَعَ إلى اليمن وتبع الحبرين على دينهما ولذلك كان أصل دين الهيودية باليَمَنِ ) . فإن قيل : ما معنى قوله : { أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ } مع أنه لا خير في الفريقين ؟ . فالجواب : أن معناه أهم خير في القوة والشوكة كقوله تعالى : { أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُوْلَئِكُمْ } [ القمر : 43 ] بعد ذكر آلِ فِرْعَوْنَ . قوله : { وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } يجوز فيه ثلاثة أوجه : أحدها : أن يكون معطوفاً على قوم " تُبَّع " . الثاني : أن يكون مبتدأ ، وخبره ما بعده من : " أَهْلَكْنَاهُمْ " وأما على الأول : " فأَهْلَكْنَاهُمْ " إما مستأنفٌ وإما حال من الضمير المستكنِّ في الصلة . الثالث : أن يكون منصوباً بفعل مقدر يفسره " أَهْلَكْنَاهُمْ " ولا محلّ لـ " أهلكناهم " حينئذ . قوله تعالى : { وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاَعِبِينَ } لما أنكر على كفار مكة قولهم ووبخهم بأنهم أضعف ممن كان قبلهم ذكر الدليل القاطع على صحة القول بالبعث والقيامة ، فقال : { وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما لاعبين } أي لو لم يحصل البعث لكان هذا الخلق لعباً وعبثاً وقد تقدم تقدير هذا الدليل في أول سورة يونس ، وفي آخر سورة المؤمنين عند قوله : { أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً } [ المؤمنون : 115 ] وفي " ص " عند قوله : { وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَآءَ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً } [ ص : 27 ] وتقدم أيضاً استدلال المعتزلة بنظير هذه الآية على أنه تعالى لا يخلق الكفر والشرك ولا يريدهما وتَقَدّمَ جَوَابُهُمَا . قوله : " لاَعِبِينَ " حال . وقرأ عَمْرُو بْنُ عُبَيْد : وَمَا بَيْنَهُنَّ ، لأن السموات والأرض جمعٌ . والعامة : " بينهما " باعتبار النوعين . قوله " إلاَّ بالْحَقِّ " حال إما من الفاعل وهو الظاهر وإما من المفعول أي إلاَّ مُحِقِّينَ أو ملتبسين بالحق ثم قال : { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } ( يعني أهل مكة ) .