Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 46, Ayat: 20-20)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَيَوْمَ يُعْرَضُ } اليوم منصوب بقول مضمر ، أي يقال لهم : أَذْهَبْتُمْ في يوم عرضهم . وجعل الزمخشري هذا مثل قولهم : " عُرِضَتْ النَّاقَةُ عَلَى الْحَوْضِ " فيكون قلباً . وردهُ أبو حيان بأنه ضرورة وأيضاً العرض أمر نسبي فتصح نسبته إلى الناقة ، وإلى الحوض . وقد تقدم الكلام في القلب وأنَّ فيه ثلاثة مذاهب . قوله : { أَذْهَبْتُمْ } قرأ ابن كثير : أَأَذْهَبْتُمْ بهمزتين الأولى مخففة والثانية مُسَهَّلة بَيْنَ بَيْنَ ولم يُدخل بينهما ألفاً . وهذا على قاعدته في : " أأنذرتهم " ونحوه . وابن عامر قرأ أيضاً بهمزتين ، لكن اختلف راوياه عنه : فهشام سهل الثانية وخففها ، وأدخل ألفاً في الوجهين ، وليس على أصله فإنه من أهل التحقيق . وابن ذكوان بالتحقيق فقط ، دون إدخال ألف ، والباقون بهمزة واحدة فيكون إما خبراً وإما استفهاماً سقطت أداته للدلالة عليها . والاستفهام معناه التقريع وكلتا القراءتين فصيحتان لأن العرب تسْتَفْهِمُ وتترك الاستفهام فتقول : أذْهَبْتَ فَفَعَلْتَ كَذَا ؟ وذَهَبتَ فَفَعَلْتَ كَذَا ؟ . قوله : { فِي حَيَاتِكُمُ } يجوز تعلقه " بأَذْهَبْتُمْ " ويجوز تعلقه بمحذوف على أنه حال من " طَيْبَاتِكُمْ " . فصل قيل : المعنى يعرض الذين كفروا على ( النار ) أي يَدْخُلُون النار . وقيل : تدخل عليهم النارُ ليروا أهوالها ، ويقال لهم : أَذْهَبتُمٍ طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمعتم بها ، والمعنى أن ما قدر لكم من الطيبات والدَّرَجَات فقد استوفيتموه في الدنيا ، فلم يبق لكم بعد استيفاء حظكم شيء منها . وعن عمر رضي الله عنه ـ : لَوْ شِئْتُ لَكُنْتُ أَطْيَبَكُمْ طَعَاماً وأحْسَنَكُمْ لِبَاساً ، ولكنِّي أسْتَبْقِي طَيِّباتِي . قال الواحدي : إن الصالحين يؤثرون التقشف والزهد في الدنيا رجاء أن يكون ثوابهم في الآخرة أكمل ، لأن هذه الآية لا تدل على المنع من التمتع ، لأن هذه الآية وردت في حق الكافر ، وإنما وبخ الله الكافر ، لأنه تمتع بالدنيا ولم يؤد شكر المنعم بطاعته ، والإيمان به ، وأما المؤمن فإنه يؤدي بإيمانه شكر المنعم ، فلا يوبّخ بتمتعه ، ويدل على ذلك قوله تعالى : { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِيۤ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ ٱلرِّزْقِ } [ الأعراف : 32 ] نعم لا يُنْكَر أنَّ الاحتراز عن التنعيم أولى ؛ لأن النفس إذا اعتادت التنعيم صعب عليها الاحتراز والانقياد وحينئذ ربّما حمله المَيْلُ إلى تلك الطيبات على فعل ما لا يَنْبَغِي . " روى عمر ( رضي الله عنه ) قال : دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو على زُمّالٍ حَصِيرٍ قد أثر الزّمّال بجنبه فقلت يا رسول الله : ادع الله أن يُوسِّعَ على أمتك ، فإنَّ فارساً والرومَ قد وسع عليهم وهم يعبدون غير الله فقال : أولَئِكَ قوم قد عُجِّلَتْ لهم طيباتهم في الحياة الدنيا " وروت عائشة ( رضي الله عنها ) قالت : ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم من خبز الشعير يومين متتابعين حتى قُبضَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنها قالت : لقد كان يأتي علينا الشَّهْرُ ما نُوقِدُ فيه ناراً ما هو إلا الماء والتمر . وعن ابن عباس ( رضي الله عنهما ) قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يَبِيتُ الليالي المتتابعةَ طاوياً وأهلُه لا يجدون شيئاً ، وكان أكثر خبزهم خبزَ الشعير ، والأحاديث فيه كثيرة . قوله : { فَٱلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ ٱلْهُونِ } أي العذاب الذي فيه ذُلّ وخِزْي . وقرىء : عَذَاب الهَوَانِ { بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ } فعلّل تعالى ذلك العذاب بأمرين : أحدهما : الاستكبار والترفع وهو ذنب القلب . والثاني : الفِسق ، وهو ذَنْب الجوارح وقدم الأول على الثاني ، لأن أحوال القلب أعظم وقعاً من أعمال الجوارح ، ويمكن أن يكون المراد من الاستكبار أنهم يتكبرون عن قبول الدين الحق ، ويستكبرون عن الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم والمراد بالفسق المعاصي . فصل دلت الآية على ان الكفار يخاطبون بفروع الإسلام ، لأن الله تعالى علل عذابهم بأمرين : أولهما : الكفر ، وثانيهما : الفسق وهذا الفِسق لا بدّ وأن يكون مغايراً لذلك الكفر لأن العَطْفَ يوجب المغايرة فثبت أن فسق الكافر يوجب العذاب في حقهم ، ولا معنى للفسق إلا ترك المأمورات وفعل المنهيَّات .