Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 46, Ayat: 17-19)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَٱلَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَآ } لما وصف الولد البارَّ بوالديه ، وصف الولد العاقَّ بوالديه ههنا . واعلم أنه قد تقدم الكلام على أُفٍّ . و " لكما " بيان أي التأفيف لكما نحو : " هَيْتَ لَكَ " وهي كلمة كَرَاهَيِة . { أَتَعِدَانِنِيۤ أَنْ أُخْرَجَ } كم قبري حياً { وَقَدْ خَلَتِ ٱلْقُرُونُ مِن قَبْلِي } ولم يبعث منهم أحد . قال ابن عباس ، والسدي ، ومجاهد : نزلت في عبد الله . وقيل : في عبد الرحمن بن أبي بكر قبل إسلامه كان أبواه يدعوانه إلى الإسلام ، وهو يأبى ، وهو قوله : أُفٍّ لكما أَحْيوا لي عَبْدَ الله بن جُدْعَان ، وعامرَ بن كعب ومشايخ قريش حتى أسألهم عما تقولون . واحتجوا بهذا القول بأنه ( لما ) كاتب معاوية إلى ابن مروان بأن يبايع الناس ليزيد قال عبد الرحمن بن أبي بكر : لقد جئتم شيئاً نُكراً أتبايعون أبناءكم فقال : ( مروان ) يا أيها الناس هو الذي قال الله فيه : { وَٱلَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَآ } والصحيح أنها نزلت في كل كافر عاقٍّ لوالديه . قاله الحسن وقتادة . قال الزجاج : قول من قال : إنها نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر قبل إسلامه يبطله قوله : { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ فِيۤ أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمْ } فأعلم الله تعالى أن هؤلاء قد حقت عليهم كلمة العذاب ، وعبد الرحمن مؤمن من أفاضل المؤمنين ، فلا يكون ممّن حقَّت عليهم كلمة العذاب . قال ابن الخطيب : وهذا القول هو الصحيح فإن قالوا : روى أنه لما دعاه أبواه إلى الإسلام ، وأخبراه بالبعث بعد الموت قال : أَتَعِدَانني أَنْ أُخْرَجَ من القبر يعني أبعث بعد الموت " وَقَدْ خلت القرون من قبلي " يعني الأمم الخالية ، فلم يرجعوا منهم عبد الله بن جدعان ، وفلان وفلان . فنقول : قوله : أولئك الذي حق عليهم القول المراد هؤلاء الذين ذكرهم عبد الرحمن من المشركين الذين ماتوا قبله هم الذين حق عليهم القول فالضمير عائد إلى المُشارِ إليهم بقوله : { وَقَدْ خَلَتِ ٱلْقُرُونُ مِن قَبْلِي } لا إلى المشار إليه بقوله : { وَٱلَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَآ } . هذا جواب الكلبي في دَفْعِ ذلك الدليل ، وهو حسن . وأيضاً روي أن مَرْوَان لما خاطب عبد الرحمن بن أبي بكر بذلك الكلام سمعت عائشة رضي الله عنها ذلك فغضبت وقالت : والله ما هُوَ به ، ولكن الله كفَّر أباك وأنت في صلبه . وإذا ثبت ذلك كان المراد كُلّ ولد اتصف بالصفات المذكورة . ولا حاجة إلى تخصيص اللفظ المطلق بشخص معين . قوله : { أَتَعِدَانَني } العامة على نوني مكسورتين ، الأولى للرفع والثانية للوقاية وهشام بالإدغام ونافع في رواية بنون واحدة . وهذه شبيهة بقوله : " تَأْمُرُونِّي أَعْبُد " . وقرأ الحسن وشيبة وأبو جعفر وعبد الوارث عن أبي عمرو بفتح النون الأولى ، كأنهم فروا من توالي مثلين مكسورين بعدهما ياء . واقل أبو البقاء : وهي لغة شاذة في فتح نون الاثنين . قال شهاب الدين : إن عنى نون الاثنين في الأسماء نحو قوله : @ 4453ـ عَلَـى أَحْوَذِيَّيْـنَ اسْتَقَلَّـتْ … … @@ فليس هذا منه ، وإن عنى في الفعل فلم يثبت ذلك لُغَةً ، وإنما الفتح هنا لما ذكرت . قوله : { أَنْ أُخْرَجَ } هو الموعود به ، فيجوز أن نقدر الباء قبل " أن " وأن لا نقدِّرَهَا . قوله : { وَقَدْ خَلَتِ } جملة حالية ، وكذلك { وَهُمَا يَسْتَغثِيَانِ ٱللَّهَ } أي يَسْأَلاَنِ الله ، واستغاث يتعدى بنفسه تارة ، وبالباء أخرى ، وإن كان ابن مالك زعم أنه متعدٍّ بنفسه ، وعابَ قولَ النحاة : مُسْتَغَاثٌ بِهِ قال شهاب الدين : لكنه لم يرد في القرآن إلا متعدياً بنفسه ، ( كقوله ) : { إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ } [ الأنفال : 9 ] { فَٱسْتَغَاثَهُ ٱلَّذِي مِن شِيعَتِهِ } [ القصص : 15 ] { وَإِن يَسْتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ } [ الكهف : 29 ] . قال ابن الخطيب : معناه يستغيثان الله من كفره وإنكاره ، فلما حذف الجار وصل للفعل ، ويجوز أن يقال : حذف الباء ، لأنه أريد بالاستغاثة الدعاء ، فحذف الجار ، لأنَّ الدعاء لا يَقْتَضِيهِ . قوله : " وَيْلَكَ " منصوب على المصدر بفعل ملاق له في المعنى دون الاشتقاق ، ومثله : وَيْحَهُ ووَيْسَهُ ، وَوَيْتَهُ . وإما على المفعول به بتقدير ألْزَمَكَ اللهُ وَيْلَكَ ، وعلى كلا التقديرين الجملة معمولة لقول مضمر ، أي يَقُولاَنِ وَيْلَكَ آمِنْ ، ( والقول في محل نصب على الحال أي يستغيثان الله قَائِلِينَ ذلك ، والمعنى يقولان له ويلَكَ آمنْ ) وصدِّقْ بالبْعثِ ، وهو دعاء عليه بالثُّبُورِ والمراد الحث والتحريض على الإيمان لا حقيقة الهَلاَك . قوله : { إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ } قرأ العامة بكسر إنّ ، استئنافاً ، أو تعليلاً ، وقرأ عمرو بْنُ فَائِدٍ والأعرجُ بفتحها على أنها معمولة " لآمِنْ " على حذف الباء أي آمن بأن وعد الله حق بالبعث " فَيَقُولُ " لهما { مَا هَـٰذَآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } . قوله : { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ } أي وجب عليهم العذاب { فِيۤ أُمَمٍ } أي مع أمم . وقد تقدم { قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمْ مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُواْ خَاسِرِينَ } . قوله : { وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ } قال ابن عباس ( رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ـ ) يريد من سبق إلى الإسلام فهو أفضل ممَّنْ تخلف عنه ولو ساعةً . وقال مقاتل : ولكل واحدٍ من الفريقين يعني البارَّ بوالديه والعاقّ لهما " دَرَجَاتٌ " في الإيمان والكفر والطاعة والمعْصِيَةِ . فإن قيل : كيف يجوز إطلاق لفظ الدرجات في أهل النار ، وقد روي : الجَنَّةُ دَرَجَاتُ والنَّار دركات ؟ . فالجواب من وجوه : أحدها : أن ذلك على جهة التغليب . وثانيها : قال ابن زيد : دَرَجُ أهل الجنة تذهب عُلُوًّا ، ودَرَجُ أهلِ النار تذهب هُبُوطاً . الثالث : المراد بالدرجات المراتب المتزايدة ، فدرجات أهل الجنة في الخيرات والطاعات ودرجات أهل النار في المعاصي والسيئات . قوله : { وَلِيُوَفِّيَهُمْ } معلَّلة بمحذوف تقديره جَاؤُوهُمْ بذلك . وقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وعاصم وهشام بالياء من تحت وباقي السبعة بالنون . والسُّلَميّ بالتاء من فوق : أسند التَّوفيَةً للدرجات مجازاً . قوله : { وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } إما استئناف وإما حال مؤكَّدة .