Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 47, Ayat: 15-17)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { مَّثَلُ ٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلْمُتَّقُونَ } لما بين الفرق بين الفريقين في الاهتداء والإضلال بين الفرق بينهما في مرجعهما ومآلهما . قوله : " مثل الجنة " فيها أوجه : أحدها : أنه مبتدأ وخبره مقدر ، فقدره النضْرُ بنُ شُمَيْل : مثل الجنة ما يسمعون " فما يسمعون " خبر ، و { فِيهَآ أَنْهَارٌ } مفسر له . وقدره سيبويه : فيما يتلى عليكم مثل الجنة . والجملة بعدها أيضاً مفسرة للمثل . قال سيبويه : المثل هو الوصف ومعناه وصف الجنة ، وذلك لا يقتضي مشابهة . الثاني : أن مثل زائدة تقديره : الجنَّةُ التي وعد المتقون فيها أنهار . ونظير زيادة مثل هنا زيادة " اسم " في قوله : @ 4467ـ إلَى الْحَـوْلِ ثُـمَ اسْـمُ السَّـلاَم عَلَيْكُمَـا … @@ الثالث : أن مثل الجنة مبتدأ ، والخبر قوله : " فيها أنهار " ، وهذا ينبغي أن يمتنع ؛ إذ لا عائد من الجملة إلى المبتدأ ، ولا ينفع كون الضمير عائداً على ما أضيف إليه المبتدأ . الرابع : أن مثل الجنة مبتدأ خبره { كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي ٱلنَّارِ } فقدره ابن عطية : أمثل أهل الجنة كمن هو خالد ( في النار ) ( فقدر حرف الإنكار ومضافاً ليصحَّ . وقدره الزمخشري أمثل الجنة كمن جزاؤه من هو خالد ) والجملة من قوله : { فِيهَآ أَنْهَارٌ } على هذا فيها ثلاثة أوجه : أحدها : هي حال من الجنة ، أي مستقرة فيها أنهار . الثاني : أنها خبر لمبتدأ مضمر ، أي هي فيها أنهار ، كأن قائلاً قال : ما فيها ؟ فقيل : فيها أنهار . الثالث : أن تكون تكريراً للصلة ، لأنها في حكمها ، ألا ترى إلى أنه يصح قولك : التي فيها أنهار . وإنما أعري قوله مثل الجنة تصوير المكابرة من أن يسوّي بين المستمسك بالبينة وبين التابع هواه ، كمن يسوّي بين الجنة التي صفتها كيت وكيت وبين النار التي صفتها أن يسقي أهلُها الحَمِيم . ونظيره قوله القائل رحمه الله ـ : @ 4468ـ أَفْـرَحُ أَنْ أُرْزَأَ الكِـرَامَ وَأَنْ أُورثَ ذَوْداً شَصَائِصـاً نُبْـلاً @@ هذا كلام منكر الفرح برزية الكرام ووراثة الذود مع تَعَرِّيه من حرف الإنكار . ذكر ذلك كله الزمخشري . وقرأ علي بن أبي طالب : مِثَالُ الجَنَّةِ . وعنه أيضاً وعن ابن عباس وابن مسعود : أَمْثَالُ بالجمع . قوله : { غَيْرِ آسِنٍ } قرأ ابن كثير : أًسِن بزنة حَذِرٍ ، وهو اسم فاعل من أَسِنَ بالكسر يَأسنُ ، فهو أَسِنٌ كَحَذر يحذر فهو حَذِر . الباقون آسِن بزنة ضَارِبٍ من : أَسَنَ بالفتح يأسن ، يقال : أَسَنَ المَاءُ بالفتح يَأسِنُ ويَأسُنُ بالكسر والضم أُسُوناً . وكذا ذكره ثَعْلَبُ في فصيحة . فهما لغتان يقال : أسن الماء يأسن أسناً وأَجِن يَأجنُ ، وأَسِنَ يَأسُنُ ويَأسِنُ ، وأَجَن يَأجُنُ أُسُوناً وأُجُوناً . وقال اليَزِيدِيُّ يقال : أَسِنَ بالكسر يَأسَنُ بالفتح أَسَناً أي تغير طعمه ، وأما أَسِنَ الرَّجُلُ إذا دخل بئراً فأصابه من ريحها ما جعل في رأسه دواراً فأَسِنَ بالكسر فقط قال الشاعر : @ 4469ـ قَـدْ أَتْـرُكَُ القِـرْنَ مُصْفَـرًّا أَنَامِلُـهُ يَمِيـدُ فِـي الرُّمْـحِ مَيْـدَ المَائِـحِ الأَسِـنِ @@ وقرىء يَسِنٍ بالباء بدل من الهمزة . قال أبو علي : هو تخفيف أسن وهو تخفيف غريب . قوله : { لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ } صفة لـ " لَبَنٍ " . قوله : " لَذَّةٍ " يجوز أن يكون تأنيث " لَذٍّ " ولَذٌّ بمعنى لَذِيدٍ ، ولا تأويلَ على هذا . ويجوز أن يكون مصدراً وصف به ، ففيه التأويلات المشْهُورَة . قال ابن الخطيب : يحتمل أن يقال : ما ثَبَتَتْ لذَّتُهُ يقال : طعام لَذٌّ ولَذِيدٌ ، وأَطْعِمَةٌ لَذَّة ولَذِيدَةٌ ، ويحتمل أن يكون ذلك وصفاً بنفس المعنى لا بالمشتق منه كما يقال للحكيم : هو حَكِيمٌ كله ، وللعاقل : هو عاقل كله . والعامة على جرِّ " لَذَّة " صفة لخمر . وقرىء بالنصب على المفعول له وهي تؤيد المصدرية في قراءة العامة . وبالرفع صفة " لأنهار " . ولم تجمع ، لأنها مصدر إن قيل به وإلا فلأنها صفة لجمع غير عاقل ، وهو يعامل معاملة المؤنثة الواحدة . قوله : { مِّنْ عَسَلٍ } نقلوا في عسل التذكير والتأنيث ، وجاء القرآن على التذكير في قوله : " مُصَفًّى " والْعَسَلاَنُ العدو ، وأكثر استعماله في الذِّئْبِ ، يقال : عَسَلَ الذّئبُ والثعلب . وأصله من عسلان الرمح وهو اهتزازه ، فكأن العادي يَهُزّ أعضَاءَهُ ويُحركها ، قال الشاعر : @ 4470ـ لَـدْنٌ بِهَـزِّ الكَـفِّ يَعْسِـلُ مَتْنُـهُ فِيـهِ كَمَـا عَسَـلَ الطَّرِيـقَ الثَّعْلَـبُ @@ وكنى بالعُسَيْلَة عن الجِمَاع ، لما بينهما . قال عليه الصلاة والسلام ـ : " حتى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ ويَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ " . فصل قال ابن الخطيب : اختار هذه الأنهار من الأنهار الأربعة ؛ لأن المشروب إما أن يُشْرَبَ لِطَعْمِهِ أو لغير طعمه ، فإن كان للطعم فالمطعوم تسعة : المُرّ والمَالِح ، والحريف ، والحَامِض ، والعَفِصُ والقَابضُ والتّفه ، والحلو ، والدَّسِم . وألذها الحُلو والدَّسِم ، لكن أحلى الأشياء العسل فذكره وأما أدسَمُ الأشياء فالدهن لكن الدُّسُومَة إذا تَمَحَّضَتْ لا تطيب للأكل ولا للشرب ، فإن الدّهن لا يأكل ولا يشرب في الغالب وأما اللبن ففيه الدسم الكائن في غيره وهو طيب للأكْل وبه تغذية الحيوان أولاً فذكره الله تعالى ؛ وأمّا ما يشرب لغير الطَّعْم فالماء والخَمْر ، فإن الخمر كريهة الطعم ، لحصول التواتر بذلك ، وإنما تشرب لأمر آخَر غير الطعام وأما الماء فلأن به بقاء الحيوان فذكره . فإن قيل : ما الحكمة في قوله في الخمر : { لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ } ولم يقل في اللبن : لم يخبر طعمه للطاعمين ولا قال في العسل مصفًّى للناظرين ؟ . فالجواب : قال ابن الخطيب : لأن اللذَّةَ تختلف باختلاف الأشخاص فربَّ طعام يلتذ به شخص ويَعَافُهُ الآخر فقال : لذة للشاربين بأَسْرِهِمْ ، ولأن الخمر كريهة الطعم في الدنيا ، فقال لذة ، أي لا يكون في خمر الآخرة كراهة طعم وأما الطعم واللون فلا يختلف باختلاف الناس ، فإن الحُلْوَ والحَامِضَ وغيرهما يدركه كل أحد قد يعافه بعض الناس ويلتذ به البعض مع اتفاقهم على أنَّ لهم طعماً واحداً وكذلك اللون فلم يكن للتصريح بالتعميم حاجةً . قوله : { مِنْ كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ } فيه وجهان : أحدهما : أن هذا الجار صفة لمقدر ، وذلك المقدر مبتدأ وخبره الجار قبله وهو " لَهُمْ " و " فيها " متعلق بما تعلق به ، والتقدير : ولهم فيها زَوْجَانِ من كل الثمرات ، كأنه انتزعه من قوله تعالى : { فِيهِمَا مِن كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ } [ الرحمن : 52 ] وقدر بعضهم صِنْفٌ . والأول أليق . والثاني : أن " مِن " مزيدة في المبتدأ . قوله : { وَمَغْفِرَةٌ } فيه وجهان : أحدهما : أنه عطف على ذلك المقدر لا بِقِيْدِ كونه في الجنة ، أي ولهم مغفرة ؛ لأَنَّ المغفرة تكون قبل دخول الجنة ؛ أو بقيد ذلك . ولا بدّ من حذف مضاف حينئذ أي وبِنَعِيمِ مَغْفِرَةٍ ؛ لأنه ناشىءٌ عَنِ المغفرة وهو الجنة . والثاني : أن يجعل خبرها مقدراً على ولَهُمْ مغفرةٌ . والجملة مستأنفة ، والفرق بين الوجهين أن الوجه الذي قبل هذا فيه الإخبار بـ " لَهُمْ " الملفوظ به عن شيئين ، ذلك المحذوف ومغفرة . وفي الوجه الآخر الخبر جار آخر حذف للدَّلاَلَةِ عَلَيْهِ . قوله : { كَمَنْ هُوَ } قد تقدم أنه يجوز أن يكون خبراً عن : { مَّثَلُ ٱلْجَنَّةِ } ، بالتأويلين المذكورين عن ابن عطيةَ والزمخشريِّ وأما إذا لم تجعله خبراً عن " مَثَلٍ " ففيه أربعة أوجه : أحدها : أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره : حَالُ هؤلاء المتقين كحال مَنْ هُو خَالدٌ . وهذا تأويل صحيح . وذكر فيه أبو البقاء الأوجه الباقية فقال : وهو في موضع رفع أي حَالُهُمْ كحَالِ مَنْ هُوَ خَالدٌ فِي النَّار . وقيل : هو اسْتِهْزَاءٌ بهم . وقيل : هو على معنى الاستفهام أي أكمنْ هُوَ خالد ، وقيل : في موضع نصب أي يُشْبِهُونَ ( حال ) مَنْ هُو خَالدٌ فِي النَّار . انتهى . ومعنى قوله : وقيل : هو استهزاء أي أن الإخبار بقولك : حالهم كَحَال مَنْ ( هُوَ خَالِدٌ ) على سبيل الاستهزاء والتهكم . قال البغوي : معناه أمن كان في هذا النعيم كمن هو خالد في النار ؟ . قوله : { وَسُقُواْ } عطف على الصلة عطف فعلية على اسمية ، لكنه راعى في الأول لفظ " من " فأفرد وفي الثانية معناه فجمع . والأمعاء جمع مِعًى بالقصر وهو المُصْرَانُ التي في البطن . وقد وصف بالجمع في قوله : @ 4471ـ … … وَمِـعًـى جِـيَـاعُ @@ على إرادة الجنس . فصل الماء الحميم هو الشديد الحَرِّ تسعر عليه النار منذ خلقت إذا أُدْنِيَ مِنْهم شَوَى وُجُوَهَهُمْ ، ووقعت فَروة رُؤُوسِهم ، فإذا شَرِبُوه قطَّع أمعاءهم فخرجت من أدبارهم جميع ما في البطن من الحَوَايَا ، واحدها مِعًى . قوله : { وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ } يعنى الكفار منهم من يستمع إليك يعني المنافقون يستمعون إليك فلا يسمعونه ، ولا يَفْهَمُونَه تهاوناً . والضمير في قوله : " وَمِنْهُمْ " يحتمل أن يرجع إلى معنى قوله : { هُوَ خَالِدٌ فِي ٱلنَّارِ وَسُقُواْ مَآءً حَمِيماً } يعني ومن الخالدين في النار قوم يستمعون إليك . قوله { حَتَّىٰ إِذَا خَرَجُواْ مِنْ عِندِكَ } قال المفسرون : حَتَّى للعطف . قالوا : والعطف بحتى لا يحسُنُ إلا إذا كان المعطوف جُزْءاً من المعطوف عَلَيْهِ إمَّا أعلاه وإما أدونه ، كقولك : أَكْرمَنِي النَّاسُ حَتَّى المَلِكُ وجاء الحُجَّاجُ حَتَى المُشَاةُ . وفي الجملة ينبغي أن يكون المعطوف متعلّقاً بالمعطوف عليه من حيث المعنى . ولا يشترط بالعطف بالواو ذلك . فوجه التعلق ههنا هو أن قوله : { حَتَّىٰ إِذَا خَرَجُواْ مِنْ عِندِكَ } يفيد معنًى واحداً في الاستماع كأنه يقول : يستمعون استماعاً بالغاً جيداً لأنهم يستمعون وإذا خرجوا يستعيدون من العلماء كما يفعله المجتهد في التعلُّم الطالب للتفهم ، يفعلون ذلك استهزاء كما قال تعالى عنهم : { وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوۤاْ إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ } [ البقرة : 14 ] . ويحتمل أن يكون فعلهم ذلك لعدم فهمهم . والأول يؤيده قوله تعالى : { كَذَلِكَ يَطْبَعُ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِ ٱلْكَافِرِينَ } [ الأعراف : 101 ] ، وقوله بعد ذلك { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَٱتَّبَعُوۤاْ أَهْوَآءَهُمْ } أي تركوا اتّباعَ الحقِّ ، إما لعدم الفهم أو لعدم الاستفادة . قوله : " آنِفاً " فيه وجهان : أحدهما : أنه منصوب على الحال فقدَّره أبو البقاء : ماذا قال مُوْتَنِفاً ؟ وقدره غيره مبتدئاً أي ما القول الذي ائْتَنَفَهُ الآن قبل انْفصاله عنه ؟ . والثاني : أنه منصوب على الظرف أي ماذا قال الساعة . قاله الزمخشري . وأنكره أبو حيان قال : لأنا لم نعلم أحداً عده من الظروف . واختلفت عبارتهم في معناه ؛ فظاهر عبارة الزمخشري أنه ظرف حالي كالآنَ ، ولذلك فسّره بالسَّاعةِ . وقال ابن عطية : والمفسرون يقولون : آنفاً معناه الساعة الماضية القريبة منا وهذا تفسير بالمعنى . وقرأ البَزِّيُّ بخلاف عنه أنِفاً بالقصر . والباقون بالمدِّ ، وهما لغتان بمعنًى واحدٍ . وهما اسما فاعل كَحذر وحَاذِر وأَسنٍ وآسنٍ ؛ إلا أنه لم يستعمل لهما فعل مُجَرَّد ، بل المستعمل ائْتَنَفَ يأتَنِفُ ، واستأنف يَسْتَأنِفُ والأئْتناف والاسْئتِنَاف الابتداء . قال الزجاج : هو من اسْتَأنَفْتُ الشَّيْءَ أي ابْتَدَأتُهُ أي مذا قال في أول وقت يَقْرُبُ منَّا ؟ . فصل روى مقاتل ( رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ) أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب ويعيب المنافقين فإذا خرجوا من المسجد سألوا عَبْدَ الله بن مسعود استهزاءاً ماذا قال محمد آنفاً ؟ ثم قال تعالى : { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ } فلم يؤمنوا واتَّبعوا أهواءهم في الكفر والنفاق . قوله : { وَٱلَّذِينَ ٱهْتَدَوْاْ } يجوز فيه الرفع بالابتداء والنَّصْب على الاشتغال و " تَقْوَاهُمْ " مصدر مضاف لفاعله . والضمير في " وَآتَاهُمْ " يعود على الله أو على ( قَوْل ) المنافقين ؛ لأن قولهم ذلك مما يزيد المؤمنين تقوى . أو على الرسول والمعنى زادهم قول الرسول هُدًى وآتاهم ( تقواهم أي وفقهم للعمل بما آمر به ، أو زادهم الله هدى وآتاهم الله تقواهم أو زادهم استهزاء المنافقين وآتاهم ) قول المنافقين تقواهم أي ثواب تقواهم يوم القيامة .