Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 47, Ayat: 10-14)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم خوف الكفار فقال : { أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ دَمَّرَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ } أي أهلكهم . قوله : { دَمَّرَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ } يجوز أن يكون حذف مفعوله ، أي أهلك الله بُيُوتَهُمْ ، وخرّبها عليهم أو يضمن معنى " دمر " معنى سخط اله عليهم بالتدمير . وقوله : { أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ } مناسب للوجه الأخير ، يعني فينظروا إلى حالهم ، ويعلموا أن الدنيا فانيةً . قوله : { وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا } أي أمثال العاقبة المتقدمة . وقيل : أمثال العقوبة . وقيل : التدمير . وقيل : الهلكة . والأول أولى لتقدم ما يعود عليه الضمير صريحاً مع صحة معناه . فإن قيل : إذا عاد الضمير إلى العاقبة فكيف يكون لها أمثال ؟ . فالجواب : أن المراد هو العذاب الذي هو مدلول العاقبة ، والألم الذي دلّت العاقبة عليه . فصل في المراد بقوله : { وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا } وجهان : أحدهما : أن المراد الكافرون بمحمد عليه الصلاة والسلام ـ . والثَّانِي : أن المراد لهم أمثالها في الآخرة ، فيكون المراد من الكافرين مَنْ تقدّم ، كأنه يقول : دَمَرَ اللهُ عليهم في الدنيا ولهم في الآخرة أمثالها . فإن قيل : إذ كان المراد ( من ) الكافرين بمحمد عليه الصلاة والسلام فإنهم أمثال ما كان لمن تقدمهم من العاقبة ، فالأولون أهلكوا بأمور شديدة كالزَّلاَزِلِ والنِّيران والرِّيَاحِ والطُّوفَانِ ، ولا كذلك قوم محمد عليه الصلاة والسلام ـ . فالجواب : يجوز أن يكون عذابهم أشد من عذاب الأولين ، لكون دين محمد أظهر بسبب تقدم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام عليه ، وأخبارهم عنه ، وإنذارهم على أنهم قتلوا وأُسِرُوا بأيدي مَنْ كانوا يَسْتَخِفُّونَهُمْ ويستضعفونهم والقتل بيد المِثل آلم من الهلاك بسبب عام . قوله : { ذَلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ مَوْلَى ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } تقدم الكلام على نظيره { وَأَنَّ ٱلْكَافِرِينَ لاَ مَوْلَىٰ لَهُمْ } والمراد بالمولى هنا الناصر . ثم ذكر ما للفريقين فقال : { إِنَّ ٱللَّهَ يُدْخِلُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } لما بين حال المؤمنين والكافرين في الدنيا بين حالهم في الآخرة وقال : إنه يدخل المؤمن الجنة ، والكافر النار . وقد تقدم أن مِنْ في قوله : " مِنْ تَحْتِهَا " تحتمل أن تكون صلة معناه تجري تحتها ، ويحتمل أن يكون المراد ( أن ) ماءها منها لا يجري إليها من موضع آخر ، يقال : هذا نهر مَنْبَعُهُ مِنْ أَيْنَ ؟ يقال : من عين كذا من تحت جبل كذا . قوله : { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ ٱلأَنْعَامُ } أي ليس لهم هِمة إلا بطونهم وفروجهم وهم لاهون عما في غد . قيل : المؤمن في الدنيا يتزود ، والكافر يتزين ، والكافر يتمتع . قوله : { كَمَا تَأْكُلُ ٱلأَنْعَامُ } إما حال من ضمير المصدر ، أي يأكلون الأكل مشبهاً أكل الأنعام وإما نعت لمصدر أي أكلاً مثل أكل الأنعام . قوله : { وَٱلنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ } يجوز أن تكون هذه الجملة استئنافاً . ويجوز أن تكون حالاً ، ولكنها مقدرة أي يأكلون مقدار ثَوْيتهم في النار . وقال في حق المؤمن : { إِنَّ ٱللَّهَ يُدْخِلُ } بصيغة الوعد ، وقال في حق الكافر : { النار مثوى لهم } بصغية تنبىء عن الاستحقاق ، لأن الإحسان لا يستدعي استحقاقاً ، فالمحسن إلى من يوجد منه ما يوجب الإحسان كريم . والمعذب من غير استحقاق ظالم . قوله : { وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ } يريد أهل ، ولذلك راعى هذا المقدر في قوله : { أَهْلَكْنَاهُمْ فَلاَ نَاصِرَ لَهُمْ } بعدما راعى المضاف في قوله : { هِيَ أَشَدُّ } والجملة من هي ابتداء صفة لقرية . وقال ابن عطية : نسب الإخراج للقرية حملاً على اللفظ وقال : " أهلكناهم " حملاً على المعنى . قال أبو حيان : وظاهر هذا الكلام لا يَصِحّ لأن الضمير في " أهلكناهم " ليس عائداً على المضاف إلى القرية التي أسند إليها الإخراج بل على أهل القرية في قوله : { وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ } فإن كان أراد بقوله : " حملاً على المعنى " ، أي معنى القرية في قوله : { وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ } فهو صحيح ، لكن ظاهر قوله : حملاً على اللفظ ، وحملاً على المعنى أن يكون في مدلول واحد . وكان على هذا يبقى كأين مفلتاً غير محدَّث عنه بشيء إلا أن يتخيَّل أن { هِيَ أَشَدُّ } خبر عنه والظاهر أنه صفة لقرية . قال شهاب الدين : وابنُ عطية إنما أراد لفظ القرية من حيث الجملة لا من حيث التفسير . فصل لما ضرب الله لهم مثلاً بقوله : { أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ } ، ولم ينفعهم مع ما تقدم من الدلائل ، ضرب للنبي صلى الله عليه وسلم مثلاً تسلية له فقال : { وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِّن قَرْيَتِكَ ٱلَّتِيۤ أَخْرَجَتْكَ } أي أخرجك أهلها ، قال ابن عباس : كان رجالهم أشد من أهل مكة ، يدل عليه قوله : { أَهْلَكْنَاهُمْ } ولم يقل : " أهلكناها " فلا ناصر لهم كذلك يفعل بهم ، فاصبر كما صبر رسلهم . وقوله : { فلا ناصر لهم } قال الزمخشري ( كيف ) قال { فَلاَ نَاصِرَ لَهُمْ } ( مع ) أن الإهلاك ماضٍ وقوله : { فَلاَ نَاصِرَ لَهُمْ } للحال والاستقبال محمول على الحكاية ، والحكاية كالحال الحاضر ، ويحتمل أن يقال : قوله : { فلا ناصر لهم } عائد على أهل قرية محمد عليه الصلاة والسلام كأنه قال : أهلكنا من تقدم من أهل دينك ولا ناصر لأهل قريتك ينصرهم ويُخلِّصهُمْ مِنْ مِثْلِ ما جرى على الأولين . فصل قال ابن عباس ( رضي الله عنهما ) : لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى الغار التفت إلى مكة ، وقال : أنت أحب بلاد الله إلى الله ، وأحب بلاد الله إلَيَّ ، ولو أن المشركين لم يخرجوني لم أخرج منك . فأنزل الله هذه الآية . قوله : { أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ } أفمن كان مبتدأ والخبر { كَمَن زُيِّنَ لَهُ } وحمل على لفظ " مَنْ " فأفرد في قوله : " سوء عمله " ، وعلى المعنى فجمع في قوله : { وَٱتَّبَعُوۤاْ أَهْوَاءَهُمْ } . ( والجملة من " اتبعوا أهواءهم " عطف على " زين " ؛ فهو صلة . فصل معنى قوله : " أفمن كان على بينة من ربه " أي يقين من دينه ، يريد محمداً والمؤمنين ، كمن زين له سوء عمله واتبعوا أهواءهم ) يعني عبدة الأوثان ، يريد أبا جهل والمشركين .