Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 48, Ayat: 15-17)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
( قوله تعالى ) : { سَيَقُولُ ٱلْمُخَلَّفُونَ إِذَا ٱنطَلَقْتُمْ } { إِلَىٰ مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا } يعني هؤلاء الذين تخلفواعن الحديبية { إِذَا ٱنطَلَقْتُمْ } سرتم وذهبتم أيها المؤمنون { إِلَىٰ مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا } يعني مغانم خيبر { ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ } إلى خيبر لنشهد معكم قتال أهلها ، وذلك أنهم لما انطلقوا انصرفوا من الحديبية وعدهم الله فتح خيبر ، وجعل عنائمها لمن شهد الحديبية خاصة عوضاً من غنائم مكة إذا انصرفوا من الحديبية ( منهم على صلح ) ولم يصيبوا منهم شيئاً ، ( لأن قوله : { سَيَقُولُ ٱلْمُخَلَّفُونَ } وعد للمبايعين بالغنيمة وللمخلفين الحالفين بالحرمان ) . قوله : يُرِيدُ ( ونَ ) يجوز أن يكون مستأنفاً وأن يكون حالاً من " المخلفون " وأن يكون حالاً من مفعول " ذَرُونَا " . قوله : { كَلاَمَ ٱللَّهِ } قرأ الأخوان كَلِمَ جمع كلمة والباقون كَلاَم قيل معناه : يريدون أن يغيروا تواعد الله تعالى لأهل الحديبية ، بغنيمة خيبر خاصة وقال مقاتل : يعني أمر الله لنبيه صلى الله عليه وسلم أن لا يسيِّر معه منهم أحداً . وقال ابن زيد : هو أن النبي صلى الله عليه وسلم لما تخلف القوم أطلعه الله على ظنهم وأظهر له نفاقهم وقال للنبي صلى الله عليه وسلم { فَٱسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَداً وَلَن تُقَاتِلُواْ مَعِيَ عَدُوّاً } [ التوبة : 83 ] . والأول أصوب وعليه أكثر المفسرين . قوله : { قُل لَّن تَتَّبِعُونَا } إلى خيبر { كَذَلِكُمْ قَالَ ٱللَّهُ مِن قَبْلُ } أي من قبل مرجعنا إليكم أن غنيمة خيبر لمن شهد الحديبية ليس لغيرهم فيها نصيب . قوله : { بَلْ تَحْسُدُونَنَا } قرأ أبو حيوة تَحْسِدُونَنَا بكسر السين " بَلْ " للإضْراب والمضروب عنه محذوف في الموضعين عنه محذوف في الموضعين أما ههنا فتقديره ما قال الله كذلك من قبل بل تحسدوننا أي يمنعكم الحد من أن نصيب منكم الغنائم { بَلْ كَانُواْ لاَ يَفْقَهُونَ } لا يعلمون عن الله ما لهم وعليهم من الدين { إِلاَّ قَلِيلاً } منهم وهم من صدق الله ورسوله . ( فإن قيل : بماذا كان الحسد في اعتقادهم ؟ . قلنا : كأنهم قالوا : نحن ( كنا ) مصيبين في عدم الخروج ( حيث ) رَجَعُوا من الحديبية من غير عدو حاصل ، ونحن اسْتَرَحْنَا فإن خرجنا معهم ويكون فيه غنيمة يقولون هم غنموا معنا ولم يتعبوا معنا . ثم قال الله تعالى رداً عليهم كما ردوا عليه : { بَلْ كَانُواْ لاَ يَفْقَهُونَ إِلاَّ قَلِيلاً } أي لم يفقهوا من قولك : لا تخرجوا إلا ظاهر النهي ، فلم يفهموا حكمه إلاَّ قليلاً فحملوه على ما أرادوه وعللوه بالحسد … ) . قوله تعالى : { قُل لِّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ ٱلأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَىٰ قَوْمٍ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ } لما قال للنبي عليه الصلاة والسلام لهم لن تتبعونا ، ولن تخرجوا معي أبداً وكان المخلفون جمعاً كثيراً من قبائل متشعبة دعت الحاجة إلى بيان قبول توبتهم ، فإنهم لم يبقوا على ذلك ، ولم يكونوا من الذين مَرَدُوا على النفاق بل منهم من حسن حاله فجعل لقبول توبتهم علامة ( وهو أنهم يدعون إلى قوم أولي بأس شديد ، ويطيعون بخلاف حال ثَعْلَبَةَ ، حيث امتنع من أداء الزكاة ، ثم أتى بها ولم يقبل منه النبي صلى الله عليه وسلم واستمر عليه الحال ، ولم يقبل منه أحد من الصحابة كذلك كان يستمر حال هؤلاء لولا أن الله تعالى بين أنهم يدعون , فإن أطاعوا أعطوا الأجر الحسن . والفرق بين حال هؤلاء وبين حال ثعلبة من وجهين : أحدهما : أن ثعلبة يجوز أن يقال حاله لم يكن يتغير في علم الله فلم يبين لتوبته علامة ) وحال الأعراب تغيرت ، فإن بعد النبي صلى الله عليه وسلم لم يبق من المنافقين على النفاق أحدٌ . الثاني : أن الحاجة إلى بيان حال الجمع الكثير ، والْجَمِّ الغفير ، أمسّ ؛ لأنه لولا البيان لأفضى الأمر إلى قيام الفتنة بين فِرَق الْمُسْلِمِينَ . ( " فصل " قال ابن عباس ومجاهد : المراد بقوله { قَوْمٍ أُوْلِي بَأْسٍ } : هم أصحاب فارس . وقال كعب : الروم وقال الحسن : فارس والروم . وقال سعيد بن جبير : هوازن وثقيف . وقال قتادة : هوازن وغطفان قوم حنين . وقال الزهري ومقاتل وجماعة : هم بنو حنيفة أهل اليمامة أصحاب مسيلمة الكذاب . وقال رافع بن خديج : كنا نقرأ هذه الآية ولا نعلم من هم حتى دعا أبو بكر إلى قتال بني حنيفة فعلمنا أنهم هم . وقال أبو هريرة : لم تأت هذه الآية بعد ) . قوله : { أَوْ يُسْلِمُونَ } العامة على رفعه بإثبات النون عطفاً على " تُقَاتِلُونَهُمْ " أو على الاستئناف أي أو هُمْ يُسْلِمُونَ . وقرأ أبيّ وزيدُ بن عليٍّ بحذف النون نصباً بحذفها . والنصب بإضمار " أن " عند جمهور البصريين ، وبـ " أو " نفسها عند الجَرْمي والكِسَائيِّ ، ويكون قد عطف مصدراً مؤولاً على مصدر متوهم كأنه قيل : يكون قتالٌ أو إسلامٌ . ومثله في النصب قول امرىء القيس : @ 4491ـ فَقُلْتُ لَهُ لاَ تَبْـكِ عَيْنُكَ إنَّمَـا نُحَاوِلُ مُلْكـاً أَوْ نَمُـوتَ فَنُعْـذَرَا @@ وقال أبو البقاء : أو بمعنى إلاَّ أَنْ ، أو حَتَّى . ( " فصل " معنى قوله : تقاتلونهم أن يسلمون إشارة إلى أن أحدهما يقع ؛ لأن " أو " تبين المتغايرين وتُنْبِىءُ عن الحصر ، يقال : العدد زوجٌ أو فردٌ ، ولهذا لا يصح قوله القائل : هذا زيدٌ أو ابن عمرو ؛ أذا كان زيد ابن عمرو ؛ إذا علم هذا فقول القائل : أُلاَزِمُكَ أَوْ تَقضينِي حَقِّي معناه أن الزمان انحصر في قسمين : قسم يكون فيه الملازمة ، وقسم يكون فيه قضاءُ الحق فيكون قوله : " أُلاَزِمُكَ أو تقضيني " ، كقوله : ألازمك إلى أن تقضيني ، لامتداد زمان الملازمة إلى القضاء ) . قوله : { فَإِن تُطِيعُواْ يُؤْتِكُمُ ٱللَّهُ أَجْراً حَسَناً } يعني الجنة { وَإِن تَتَوَلَّوْاْ } تُعْرِضُوا { كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِّن قَبْلُ } عام الحديبية { يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً } وهو النار ، فلما نزلت هذه الآية قال أهل الزمانة : كيف بنا يا رسول الله ؟ فأنزل الله عزّ وجلّ { لَّيْسَ عَلَى ٱلأَعْمَىٰ حَرَجٌ } أي في التخلف عن الجهاد { وَلاَ عَلَى ٱلأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى ٱلْمَرِيضِ حَرَجٌ } . وذلك لأن الجهادَ عبارة عن المقاتلة والكرِّ والفَرِّ ، وهؤلاء الثلاثة لا يمكنهم الإقدام على العدو والطلب ، ولا يمكنهم الاحتراز والهرب . وفي معنى الأعرج الأَقْطَعُ والمُقْعَد بل أولى أن يعذر ، ومن به عَرَجٌ لا يمكنه من الكرِّ والفرِّ لا يعذر ، وكذلك المرض الذي لا يمنع من الكر والفر كالطّحال والسُّعال وبعض أوجاع المفاصل إذا لم يُضْعِفْهُ عن الكرِّ والفر ، فهذه الأعذار في نفس المجاهد ، وتبقى أعذار خارجة ، كالفقر الذي لا يمكن صاحبه من استصحاب ما يحتاج له وكذا الاشتغال بمن لولاه لضاع كطفلٍ أو مريضٍ . والأعذار المبيحة مذكورة في كتب الفقه . وقدم الأعمى على الأعرج ، لأن عذر الأعمى يستمر ولو حضر القتال ، والأعرج إن حضر راكباً أو بطريق يقدر على القتال بالرمي وغيره . قوله : { وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ وَمَن يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَاباً أَلِيماً } قرأ أهل المدينة والشام ندخله ونعذبه بالنون فيهما . وقرآ الآخرون بالياء لقوله : { ومن يطع الله ورسوله } .