Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 48, Ayat: 18-23)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { لَّقَدْ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنِ ٱلْمُؤْمِنِينَ … } الآية لما بين حال المخلفين بعد قوله : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ ٱللَّهَ } [ الفتح : 10 ] عاد إلى بيان حال المبايعين . قوله : { إِذْ يُبَايِعُونَكَ } منصوب بـ " رَضِيَ " و " تَحْتَ الشَّجَرَة " يجوز أن يكون متعلقاً بـ " يُبَايِعُونَكَ " وأن يتعلق بمحذوف على أنه حال من المفعول . ( " فصل " المعنى : يبايعونك بالحديبية على أن يناجزوا قريشاً ، ولا يفروا . وقوله : " تَحْتَ الشَّجَرَة " وكانت سمرة قال سعيد بن المسيب : حدثني أبي أنه كان فيمن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة قال : فلما خرجنا من العام المقبل نَسِيناها فلم نقدر عليها . وروي أن عمر بن الخطاب مرّ بذلك المكان بعد أن ذهبت الشجرة فقال : أين كانت ؟ فجعل بعضهم يقول : ههنا ، وبعضهم ههنا ، فلما كثر اختلافهم قال : سيروا قد ذهبت الشجرة . وروى جابر بن عبدالله قال : قَالَ لَنَا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية " أنتم خير أهل الأرض ، وكنا ألفاً وأَرْبَعَمِائةٍ ولو كنت أبصر اليوم لأَرَيْتُكُمْ مَكَانَ الشَّجَرَة " وروى سالم عن جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لاَ يَدْخُلُ النار أحَدٌ مِمَّنْ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ " . قوله : { فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ } من الصدق والوفاء { فَأنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ } الطمأنينة والرضا " عَلَيْهِمْ " فإن قيل : الفاء للتعقيب وعلم الله قبل الرضا ؛ لأنه علم ما في قلوبهم من الصدق فرضي عنهم فكيف يفهم التعقيب في العلم ؟ . فالجواب : قال ابن الخطيب : إن قوله تعالى : { فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ } متعلق بقوله : { إِذْ يُبَايِعُونَكَ } كما تقول : " فَرِحْتُ أَمس إِذْ كَلَّمت زَيْداً فَقَامَ لي ، وإذْ دَخَلْتُ عَلَيْهِ فَأَكْرَمِني " فيكون الفرح بعد الإكرام مرتباً كذلك ههنا قال تعالى : { لَّقَدْ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنِ ٱلْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ … فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ } من الصدق إشارة ألى أن الرضا لا يكون عند المبايعة ( حَسْب بل عند المبايعة ) التي كان معها علم الله بصدقهم . والفاء في قوله { فَأنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ } للتعقيب المذكور ، فإنه تعالى رضي عنهم فأنزل السكينة عليهم . وفي قوله : " فَعَلِمَ " لبيان وصف المبايعة يكون ( ها ) معقبة بالعلم بالصدق الذي في قلوبهم . قوله : { وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً } يعني فتح خيبر . وقوله : { وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً } أي وآتاهم مَغَانِمَ أو أثابهم مغانم . وإنما قدر الخطاب والغيبة لأنه يقرأ : " يَأخُذُونَهَا " بالغيبة ، وهي قراءة العامة ، و " تَأخُذُونَهَا " بالخطاب وهي قراءة الأعمش وطَلْحَةَ ونافعٍ في رواية سِقْلاَبٍ . فصل قيل : المراد بالمغانم الكثيرة مغانم خيبر ، وكانت خيبر ذاتَ عَقَار وأموال فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم . وقيل : مغانم هجر . { وَكَان ٱللَّهُ عَزِيزا } كامل القدرة غنياً عن إعانتكم إياه " حَكِيماً " حيث جعل هلاك أعدائه على أيديهم ليثيبكم عليه ، أو لأن في ذلك كان إعزاز قوم وإذلالَ لآخرين فقال : يُذِلُّ مَنْ يَشَاءُ بِعِزَّتِهِ ، ويعز من يشاء بِحِكْمَتِهِ . قوله : { وَعَدَكُمُ ٱللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا } وهي الفتوح التي تفتح لهم إلى يوم القيامة وليس المغانم كل الثواب ، بل الجنة قُدَّامهم ، وإنما هي عاجلة عَجَّلَ بها لهم ، ولهذا قال : { فَعَجَّلَ لَكُمْ هَـٰذِهِ } يعني خيبر { وَكَفَّ أَيْدِيَ ٱلنَّاسِ عَنْكُمْ } وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قصد خَيْبَرَ وحَاصَرَ أهلها هَمَّ قبائلُ من أَسَدَ ، وغَطَفَان ، ِأن يُغِيرُوا على عِيَال المسلمين وذَرَارِيهِمْ بالمدينة فكف الله أيديهم بإلقاء الرعب في قلوبهم . وقيل : كف أيدي الناس عنكم يعني أهل مكة بالصلح ، وليكون كفهم وسلامتكم آية للمؤمنين على صدقك ، ويعلموا أن الله هو المتولِّي حياطتهم وحِرَاسَتَهُمْ في مشَهْدِهِمْ ومغيبهم . قوله : " وَلتَكُونَ " يجوز فيه ثلاثة أوجه : أحدها : أن يتعلق بفعل مقدر بعده تقديره : ولِتَكُونَ ( فعلك ) فعل ذلك . الثاني : أنه معطوف على علة محذوفة تقديره : وَعَدَ فَعَجَّل وَكَفَّ لينتفعوا ولِيَكُونَ أو لتشكروا ولتكون . الثالث : أن الواو مزيدة . والتعليل لما قبله أي وَكَفَّ لتكون . قوله : { وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً } يثيبكم على الإسلام ، ويزيدكم بَصيرَةً ويقيناً بصُلْح الحديبية وفتح خيبر ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رجع من الحديبية أقام بالمدينة بقية ذي الحجة وبعض المُحَرَّم ، ثم خرج في سَنَةِ سَبع إلى خيبر . روى أنسُ بن مالك ( رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ) " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا غزا بنا قوماً لم يكن يغير بنا حتى يُصْبِحَ وَيَنْظُرَ ، فإن سمع أَذَاناً كفَّ عنهم ، وإن لم يسمع أذاناً أغار عليهم ، قال : فخرجنا إلى خَيْبَرَ ، فانتهينا إليهم ، فلما أصبح لم يسمع أذاناً ( ركب ) وركبتُ خلف أبِي طلحة ، وإن قدمي لتمَسُّ قدم النبي صلى الله عليه وسلم قال : فخرجوا إلينا بمكاتلهم ومَسَاحِيهم فلما رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا محمد , والله محمد والخميس أي محمد والجيش , فلما رآهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : الله أكبر الله أكبر خَربتْ خَيْبَرُ ، إنَّا إذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ " . " وروى إياسُ بْنُ سَلَمَةَ قال حدثني أبي قال : خرجنا إلى خيبر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فجعل عمي يَرْتَجِزُ بالقَوم : " @ 4492 تَاللَّـهِ لَـوْلاَ اللَّهُ مَا اهْتَدَيْنَـا وَلاَ تَصَـدَّقْـنَـا وَلاَ صَـلَّيْـنَـا وَنَحْنُ مِنْ فَضْلِـكَ مَا اسْتَغْنَيْنَـا فَـثَـبِّـتِ الأَقَـدْامَ إنْ لاَقَـيْـنَـا وَأَنْـزِلَـنْ سَكِـيـنَـةً عَلَـيْـنَـا @@ " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مَنْ هَذَا ؟ فقال : أنا عامر ، قال : غَفَر الله لك ربك . وما استغفر رسول الله صلى الله عليه وسلم لإنسان يَخُصُّه إلا استشهد . قال : فنادى عمرُ بنُ الخَطَّاب رضي الله عنه وهُوَ على جمل له : يا نبيّ الله لولا مَتَّعْتَنَا بعامرٍ قال : فلما قدمنا خيبر خرج ملكهم مَرْحَبُ يخطر بسيفه يقول : " @ 4493ـ قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي مَرْحَبُ شَاكِي السِّلاَح يَطَلٌ مُجَرِّبُ إذَا الْحُرُوبُ أَقْبَلَتْ تَلَهَّبُ @@ " فقال علي رضي الله عنه ـ : " @ 4494ـ أَنَا الَّـذِي سَمَّتْنِـي أُمِّي حَيْـدَرَهُ كَلَيْـثِ غـابَـاتٍ كَـرِيهِ المَـنْظَـرَه أَكِيـلُكُـمْ بِالصَّـاعِ كَيْـلَ السَّنْـدَرَهْ @@ " قال : فضرب رأس مرحب فقتله ، ثم كان الفتح على يديه " . ( ومعنى أكيلكم بالسيف كيل السندرة أي أقتلكم قتلاً واسعاً ذريعاً . والسَّندرة مكيال واسع . قيل يحتمل أن يكون اتخذ من السندرة وهي شجرة يعمل منها النَّبْل ، والقِسِيُّ ، والسَّنْدرة أيضاً العجلة ، والنون زائدة . قال ابن الأثير : وذكرها الجَوْهَرِيُّ في هذا الباب ولم ينبه على زيادتها ) . وروي فتح خيبر من طرق أُخَر في بعضها زيادات وفي بعضها نقصان عن بعض . قوله : " وأخرى " يجوز فيها أوجه : أحدها : أن تكون مرفوعة بالابتداء و { لَمْ تَقْدِرُواْ عَلَيْهَا } صفتها و { قَدْ أَحَاطَ ٱللَّهُ بِهَا } خبرها . الثاني : أن الخبر " منهم " محذوف مقدر قبلها ، أي وَثَمَّ أخرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا . الثالث : أن تكون منصوبة بفعل مضمر على شريطة التفسير ، فتقدر بالفعل من معنى المتأخر وهو { قَدْ أَحَاطَ ٱللَّهُ بِهَا } أي وقَضَى اللهُ أُخَْرَى . ( الرابع : أن تكمون منصوبة بفعل مضمر لا على شريطة التفسير ، بل لِدَلاَلة السِّياقِ ، أي ووَعَدَ أُخْرَى ، أو وآتاكُمْ أخرى . الخامس : أن تكون مجرورة بـ " رُبَّ " مقدرة ، ويكون الواو واو " رب " ذكره الزمخشري . وفي المجرور بعد الواو المذكورة خلاف مشهور أهو برُبَّ مضمرة أم بنفس الواو ؟ إلا أن أبا حيان قال : ولم تأت " رُبَّ " جارة في القرآن على كَثْرة دورها ، يعني جارة لفظاً وإلا تقدر . قيل : إنها جارة تقديراً هنا وفي قوله : { رُّبَمَا } [ الحجر : 2 ] على قولنا : إنّ ما نكرة موصوفةٌ ) . قوله : { قَدْ أَحَاطَ ٱللَّهُ بِهَا } يجوز أن يكون خبراً لـ " أُخْرَى " كما تقدم ، أو صفة ثانية إذَا قِيلَ بأن أخرى مبتدأ وخبرها مضمر أو حالاً أيضاً . فصل قال المفسرون : معناه أي وعدكم فتح بلدة أخرى لم تقدِروا عليها قد أحاط الله بها حتى يفتحها لكم كأنه حفظها لكم ، ومنعها من غيركم حتى تأخذوها . قال ابن عباس ( رضي الله عنهما ) علم الله أنه يفتحها لكم . قال ابن الخطيب : تقديره : وعدكم الله مغانم تأخذونها ، ومغانم لا تأخذونها أنتم ولا تقدرون عليها ، وإنما يأخذها من يجيء بعدكم من المؤمنين . وهذا تفسير الفراء . قال : معنى قوله : { قَدْ أَحَاطَ ٱللَّهُ بِهَا } أي حفظها للمؤمنين ، لا يجري عليها هلاك وفناء إلى أن يأخذها المسلمون كإحاطة الحُرَّاسِ بالخَزَائِنِ . واختلفوا فيها فقال ابنُ عباس والحسن ومقاتل : هي فارس والرومُ ، وما كانت العرب تقدر على قتال فارس والروم ، بل كانوا حولاً لهم حتى قدروا عليها الإسلام . وقال الضَّحَّاكُ وابنُ زيد : هي خيبر وعدها الله عزّ وجلّ نبيه صلى الله عليه وسلم قبل أن يصيبها ولم يكونوا يرجونها . وقال قتادة : هي مكَّة . وقال عِكْرِمَةُ : حُنَيْن . وقال مجاهد : وما فَتَحُوا حتى اليوم ، { وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً } . قوله تعالى : { وَلَوْ قَاتَلَكُمُ ٱلَّذِينَ كفَرُواْ } يعني أسداً وغَطفانَ وأَهْلَ خَيْبَرَ { لَوَلَّوُاْ ٱلأَدْبَارَ } ، قال ابن الخطيب : وهذا يصلح جواباً لمن يقول : كَفّ الأيدي عنهم كان أمراً اتفاقياً ، ولو اجتمع عليهم العرب كما زعموا لمنعوهم من فتح خيبر واغتنام غنائمها ، فقال : ليس كذلك بل سواء قاتلوا أو لم يقاتلوا لا ينصرون والغلبة واقعة للمسلمين ، فليس أمرهم أمراً اتفاقياً ، بل هو أمر إلهيٌّ محكوم به محتوم . ثم قال { لاَ يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } . قول : { سُنَّةَ ٱللَّهِ } مصدر مؤكد لمضمون الجملة المقدمة ، أي سَنَّ اللهُ ذَلك سنةً . قال ابن الخطيب : وهذا جواب عن سؤال آخر يقوله قومٌ من الجُهَّال وهو : إن الطَّوَالِعَ والتأثيرات والاتِّصالاتِ تأثيراتٌ وتغييرات فقال : ليس كذلك ، بل سنة الله نصرة رسله ، وإهلاك عدوه ، والمعنى : هذه سنة الله في نصرة أوليائه ، وقهر أعدائه { وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَبْدِيلاً } .