Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 103-103)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
لمَّا منع النَّاسَ من البَحْثِ عن أمُورٍ لَمْ يُكَلَّفُوا بالبَحْثِ عنها ، كذلك مَنعَهُم من التزامِ أمُورٍ لَمْ يُكَلَّفُوا بالتِزَامِهَا ، ولمَّا كان الكُفَّار يحرِّمُون على أنْفُسِهِم الانْتِفَاعَ بهَذِهِ الحيوانات ، وإنْ كَانُوا في غاية الحَاجَة إلى الانْتِفَاع بها ، بيَّنَ اللَّهُ - تعالى - أنَّ ذَلِكَ بَاطِلٌ . " جَعَلَ " يجوز أن يكون بمعنى " سَمَّى " ويتعدَّى لمفعولَيْن ، أحدهما محذوف ، والتقدير : ما جَعَلَ - أي ما سَمَّى - اللَّهُ حيواناً [ بَحِيرَةً ] . قاله أبو البقاء . وقال ابن عطيَّة والزمخشريُّ وأبو البقاء : " إنَّها تكونُ بمعنى شرَعَ ووضَعَ ، أي : ما شَرَعَ اللَّهُ ولا أمَرَ " ، وقال الواحديُّ - بعد كلامٍ طويلٍ - " فمعنى ما جعل اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ : ما أوْجَبَهَا ولا أمَرَ بِهَا " ، وقال ابنُ عطيَّة : " وجَعَلَ في هذه الآيةِ لا تكُونُ بمعنى " خَلَقَ " ؛ لأنَّ الله خَلَقَ هذه الأشياء كلَّها ، ولا بمعنى " صَيَّرَ " ؛ لأن التصْييرَ لا بُدَّ له من مفعولٍ ثانٍ ، فمعناه : ما سَنَّ الله ولا شَرَعَ " . ومنع أبو حيان هذه النقولاتِ كلَّها بأنَّ " جَعَلَ " لم يَعُدُّ اللغويُّون من معانيها " شَرَعَ " ، وخرَّجَ الآية على التَّصْييرِ ، ويكونُ المفعولُ الثاني محذوفاً ، أي : ما صيَّر الله بَحِيرَة مَشْرُوعَةً ، وفي قوله لم يَعُدَّ اللغويُّون في معانيها " شَرَعَ " نظرٌ ؛ لأن الآية المتقدمة تدل على ذلك وهي قوله : { جَعَلَ ٱللَّهُ ٱلْكَعْبَةَ ٱلْبَيْتَ ٱلْحَرَامَ قِيَاماً لِّلنَّاسِ } [ المائدة : 97 ] . والبَحِيرَة : فعيلَةٌ بمعنى مفعُولَة ، فدخولُ تاءِ التأنيثِ عليها لا ينقاس ، ولكن لَمَّا جَرَتْ مَجْرَى الأسماءِ الجَوَامِد أُنِّثَتْ ، وقد تقدم إيضاح هذا في قوله { وَٱلنَّطِيحَةُ } [ المائدة : 3 ] ، واشتقاقُها من البَحْرِ ، والبَحْرُ : السَّعَةُ ، ومنه " بَحْرُ المَاءِ " لِسَعَتِه وَهِيَ النَاقَةُ المَشْقُوقَةُ الأذُنِ ، يُقَالُ : بَحَرتُ أذن النَّاقَة إذَا شَقَقْتهَا شقّاً واسعاً ، والنَّاقَةُ بَحِيرةٌ ومَبْحُورَةٌ . واختلف أهلُ اللغة في البحيرةِ عند العرب ما هي اختلافاً كثيراً ، فقال أبو عُبَيْدٍ : " هي الناقةُ التي تُنْتَجُ خمسةَ أبطنٍ في آخِرِهَا ذكرٌ ، فتُشَقُّ أذُنُهَا ، وتُتْرَكُ فلا تُرْكَبُ ولا تُحْلَبُ ولا تُطْرَدُ عن مَرْعىً ولا ماءٍ ، وإذا لَقِيَهَا المُعْيي لم يركبْهَا " ورُوِيَ ذلك عن ابن عبَّاس ، إلا أنه لم يذكُرْ في آخرها ذَكَراً ، وقال بعضُهُمْ : " إذَا أُنْتِجَتِ الناقَةُ خمْسَةَ أبْطُنٍ ، نُظِر في الخامس : فإن كان ذَكَراً ، ذبحوه وأكَلُوه ، وإن كان أنثى ، شَقُّوا أذنها وتركُوها تَرْعَى وتَرِدُ ولا تُرْكَبُ ولا تُحْلَبُ فهذه هي البَحِيرَةُ " ، ورُوِيَ هذا عن قتادة ، وقال بعضهم : " البحيرَةُ : الأنثى الَّتِي تكونُ خَامِسَ بطنٍ ؛ كما تقدَّم بيانُه ، إلاَّ أنها لا يَحِلُّ للنساءِ لَحْمُها ولا لَبنُهَا ، فإن ماتَتْ حَلَّتْ لهن " ، وقال بعضُهُم : " البَحِيرَةَ : بِنْتُ السَّائبة " ، وسيأتي تفسيرُ " السَّائِبَة " ، فإذا ولدَتِ السائبةُ أنْثَى شقُّوا أذنها وتركُوها مع أمِّها ترعى وتَرِدُ ولا تُحْلَبُ ولا تُرْكَبُ حتَّى لِلْمُعْيِي ، وهذا قولُ مجاهدٍ ، وابنِ جُبَيْر ، وقال بعضُهُمْ : " هِيَ التي مُنِعَ دَرُّهَا - أي لَبَنُهَا - لأجْلِ الطَّواغِيتِ ، فلا يَحْلِبُهَا أحَدٌ " وقال بهذا سَعِيدُ بنُ المُسَيَّبِ ، وقيل : هي التي تُتْرَكُ في المَرْعَى بلا راعٍ ، قاله ابنُ سيدة ، وقيل : إذا ولدَتْ خَمْسَ إنَاثٍ شَقُّوا أذُنَهَا وتَرَكُوهَا . نَقَلَ القُرْطِبِي عن الشَّافِعِيِّ رحمه الله ، أنَّهُ قال : إذا أنْتَجَتِ النَّاقَةُ خَمْسَةُ أبْطُنٍ إناثٍ بُحِرَتْ أذُنُهَا ، فحَرُمَتْ ، قال : محرمة لا يَطْعمُ النَّاسُ لَحْمَها وقال بعضُهُمْ - ويُعْزَى لِمَسْرُوقٍ - : " إنَّهَا إذا وَلَدَتْ خَمْساً ، أو سَبْعاً ، شَقُّوا أذُنَهَا " ، وقيل : " هي الناقةُ تَلِدُ عَشرةَ أبْطُنٍ ، فَتُشَقُّ أذنُها طُولاً بنصْفَيْن ، وتُتْرَكُ ؛ فلا تُرْكَبُ ولا تُحْلَبُ ولا تُطْرَدُ عن مرعى ولا ماءٍ ، وإذا ماتَتْ ، حَلَّ لحمها للرجالِ دون النساء " ، نقله ابن عطية ، وكذا قاله أبو القاسم الرَّاغب ، وقيل : البَحِيرَةُ السَّقْبُ ، إذا وُلِدَ ، نَحَرُوا أذنه ، وقالُوا : اللَّهُمَّ ، إنْ عاشَ ، فَقَنِيٌّ ، وإن مات ، فَذَكِيٌّ ، فإذا مات ، أكلُوه ، ووجه الجمع بين هذه الأقوالِ الكثيرة : أنَّ العربَ كانت تختلفُ أفعالُها في البحيرة . والسائبةُ قيل : كان الرَّجُل إذا قَدِمَ من سفرٍ أو شُكْرِ نعمةٍ ، سَيَّبَ بعيراً فلم يُرْكَبْ ويفعل به ما تقدَّم في البحيرَة ، وهذا قول أبي عُبَيْد ، وقيل : هي الناقة تُنْتَجُ عَشْرَة إناثٍ ، قال القرطبيُّ : ليْس بينهن ذكرٌ ؛ فلا تُرْكبُ ولا يَشْرَب لبنهَا إلا ضَيْفٌ أو ولدٌ ، قاله الفراء ، وقيل : ما تُرِكَ لآلهتهم ، فكان الرجُلُ يجيء بماشيتهِ إلى السَّدنة فيتركه عندهم ويسيل لبنه ، وقيل : هي الناقَةُ تُتْرَكُ ليُحَجَّ عليها حَجَّة ، ونُقِلَ ذلك عن الشافعيِّ ، وقيل : هو العبدُ يُعْتَقُ على ألاَّ يَكُونَ عليه ولاءٌ ، ولا عَقْلٌ ولا ميراثٌ قاله عَلقَمَةُ . والسَّائِبَةُ هنا : فيها قولان : أحدهما : أنها اسمُ فاعلٍ على بابه ، من سَابَ يَسِيبُ ، أي يَسْرَحُ ، كسَيَّبَ المَاءَ ، وهو مطاوعُ سَيَّبْتُهُ ، يقال : سَيَّبْتُهُ فَسَابَ وانْسَابَ . والثاني : أنه بمعنى مفعُول ؛ نحو : " عِيشَة رَاضِيَة " ، ومجيءُ فاعل بمعنى مفعول قليلٌ جدًّا ؛ نحو : " ماء دافق " ، والذي ينبغي أن يُقال : إنه فاعلٌ بمعنى ذي كذا ، أي : بمعنى النَّسَب ، نحو قولهم : لابنٌ ، أي : صَاحِبُ لبنِ ، ومنه في أحدِ القولَيْن : " عِيشَةٌ رَاضِيَةٌ ، ومَاءٌ دَافِقٌ " ، أي : ذاتُ رِضاً ، وذو دَفْقٍ ، وكذا هذا ، أي : ذَاتُ سَيْبٍ . والوصِيلَةُ هنا فعليةٌ بمعنى فاعلةٍ على ما سيأتي تفسيرُهُ ، فدخولُ التاءِ قياسٌ ، واختلف أهلُ اللغةِ فيها ، هَلْ هي من جنْسِ الغَنَم ، أو من جنْسِ الإبلِ ؟ ثم اختلَفُوا بعد ذلك أيضاً ، فقال الفرَّاء : " هي الشَّاةُ تُنْتَجُ سبعةَ أبطُنٍ عَناقَيْنِ عَناقَيْنِ ، فإذا ولدتْ في آخرِهَا عَنَاقاً وجَدْياً ، قيل : وصلتْ أخَاهَا ، فجَرَتْ مَجْرَى السَّائبة " ، وقال الزجَّاج : " هي الشَّاة إذا ولدتْ ذكراً ، كان لآلهتهمْ ، وإذا ولدتْ أنثى ، كانت لهم " ، وقال ابن عبَّاس - رضي الله عنه - : " هِيَ الشَّاةُ تُنْتَجُ سبْعَةَ أبْطُنٍ ، فإذا كان السابعُ أنْثَى ، لم تنتفعِ النساءُ منها بشَيْء ، إلا أنْ تموتَ فيأكُلَهَا الرجَالُ والنِّسَاء ، وإنْ كانَتْ ذَكَراً ذبحُوه وأكلُوه جميعاً ، وإنْ كان ذكراً وأنثى ، قالوا : وصلتْ أخَاهَا ، فيتركُونَها معهُ لا تُذْبَحُ ولا ينتفعُ بها إلا الرجالُ ، دون النِّساء ، فإن ماتتِ ، اشتركْنَ مع الرجالِ فيها " ، وقال ابن قُتَيْبَةَ : إن كان السابعُ ذَكَراً ، ذُبِحَ وأكله الرجال ، دون النساء ، وقالوا : { خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَىٰ أَزْوَاجِنَا } [ الأنعام : 139 ] وإنْ كانَتْ أنثى ، تُرِكَتْ في الغنمِ ، وإن كان ذَكَرَاً وأنْثَى فكقَوْلِ ابن عبَّاس ، وقيل : " هي الشَّاةُ تنتجُ عشْرَ إناثٍ متوالياتٍ في خَمْسة أبطنٍ ، ثم ما ولدتْ [ بعد ذلك ، فللذكورِ دون الإناث " وبهذا قال أبو إسحاق ، وأبو عُبَيْدَة ، إلا أن أبا عُبَيْدَة قال : " وإذَا وَلَدَتْ ] ذكراً وأنثى معاً ، قالوا : وَصَلَتْ أخَاهَا ، فلم يذبَحُوه لمكانِهَا " ، وقيل : هي الشَّاة تُنْتَجُ خَمْسَةَ أبطنٍ أو ثلاثةً ، فإن كان جَدْياً ذَبَحُوه ، وإن كان أنثى أبْقَوْهَا ، وإن كان ذَكراً وأنثى ، قالوا : وصلَتْ أخاها ، هذا كلُّه عند من يَخُصُّها بجنْسِ الغَنَمِ ، وأما من قال : إنها من الإبل فقال : " هي النَّاقَةُ تبتكرُ ، فتلدُ أنثى ، ثم تُثَنِّي بولادةِ أنثى أخرى ، ليس بينهما ذكَرٌ ، فيتركونها لآلهتهم ، ويقولون : قد وصلتْ أنثى بأنثى ، ليس بينهما ذكرٌ " . والحَامِي : اسمُ فاعلٍ من حَمَى يَحْمِي أي : مَنَعَ ، واختلف فيه أهلُ اللغة ، فعن الفرَّاء : " هو الفحْلُ يُولَدُ لولدِ ولدِه ، فيقولون : قد حَمَى ظهرَه ، فلا يُرْكبُ ولا يُستعملُ ولا يُطْرَدُ عن ماءٍ ولا شجرٍ " ، وقال بعضهم : " هو الفحْلُ يُنْتجُ من بَيْن أولاده ذكُورَها وإناثَهَا عشْر إنَاثٍ " ، روى ذلك ابن عطيَّة . وقال بعضهم : هو الفحْلُ يُولَدُ مِنْ صُلْبهِ عَشَرَةُ أبْطُنٍ ، فيقولون قد حَمَى ظهرَهُ ، فيتركونَهُ كالسائبةِ فيما تقدَّم ، وهذا قول ابن عبَّاس وابنِ مسْعُود ، وإليه مال أبو عُبَيْدَة والزجَّاج ، ورُوِيَ عن الشافعيِّ : أنه الفَحْلُ يَضْرِبُ في مال صاحبِهِ عَشْرَ سنينَ ، وقال ابن زَيْدٍ : هو الفحلُ يُنْتَجُ له سَبْعُ إناثٍ متوالياتٍ ، فيَحْمِي ظهره ، فيُفْعَلُ به ما تقدَّم ، فهذا منشأ خلاف أهْلِ اللغة في هذه الأشياءِ ؛ أنه باعتبار اختلافِ مذاهب العرب وآرائهم الفاسِدَة فيها ، وقد أنشد أهل اللغة في كلِّ واحدٍ من هذه الألفاظ معنًى يخُصُّه ؛ فأنْشَدُوا في البحيرةِ قوله : [ الطويل ] @ 2057 - مُحَرَّمَةٌ لا يَطْعَمُ النَّاسُ لَحْمَهَا ولا نَحْنُ فِي شيءٍ كَذاكَ البَحَائِرُ @@ وأنشدوا في السَّائبةِ قوله : [ الطويل ] @ 2058 - وَسَائِبَةٍ لله مالِي تَشَكُّراً إن اللَّهُ عَافَى عَامِراً أوْ مُجَاشِعَا @@ ونشدوا في الوصيلةِ لتَأبَّطَ شَرًّا : [ الطويل ] @ 2059 - أجِدَّكَ أمَّا كُنْتَ فِي النَّاسِ نَاعِقاً تُرَاعِي بأعْلَى ذِي المَجَازِ الوَصَايلا @@ وأنشدوا في الحَامِي قوله : [ الطويل ] @ 2060 - حَمَاهَا أبُو قَابُوسَ فِي عِزِّ مُلْكِهِ كَمَا قَدْ حَمَى أوْلادَ أولادِهِ الفَحْلُ @@ فصل قال سعيدُ بن المُسَيِّبِ : البَحِيرَةُ الَّتِي يُمنح دَرُّها للطَّواغِيتِ ، فلا يَحْلِبُها أحدٌ من النَّاسِ ، والسَّائبَةُ كانوا يسيبّونها لآلهتهم لا يُحْمَلُ عَلَيْها شيء . قال أبو هُرَيْرَة - رضي الله عنه - ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " رَأيْتُ عَمْرو بن عَامرٍ الخُزَاعِي يجر قُصْبَهُ في النَّار ؛ وكان أوَّل من سَيَّبَ السَّوَائِبِ " . وروى أبو هريرة قال : " قال رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم لأكثم بن الجون الخُزَاعِي يَا أكْثَمُ ، رَأيْتُ عَمْرو بن لحي بن قمعة بن خِنْدف يَجُرُّ قصبَهُ في النَّار ؛ فما رَأيْتُ من رَجُلٍ أشْبَه من رَجُلٍ مِنْكَ به ، ولا بِه مِنْكَ ؛ وذلك لأنَّه أوَّل من غَيَّر دينَ إسْمَاعيل ، ونَصَبَ الأوْثَانِ ، وبَحَر البَحَائِر ، وسَيَّبَ السَّائِبَة ، ووصلَ الوصِيلَةَ ، وحمى الحَامِي ، ولقد رَأيْتُه في النَّار يؤذِي أهْلَ النَّار بريح قصبِهِ " فقال أكْثَم أيَضُرُّنِي شَبَهُهُ يا رسُول اللَّهِ ؟ قال : " لا . إنَّك مُؤمِنٌ وهو كَافِرٌ " . فإن قيل : إذا جَاز إعْتَاقُ العَبيدِ والإماء ، فَلِمَ لا يجوزُ إعْتَاقُ هذه البهائِمِ من الذَّبْحِ والإيلامِ ؟ فالجوابُ من وجهين : الأوَّل : إنَّ الإنسانَ مَخْلُوقٌ لِخِدْمة اللَّه وعُبُودِيَّتِهِ ، فإذا تمرَّد عن الطَّاعَةِ ، عُوقِبَ بضَرْب الرِّقِّ عَلَيْه ، فإذا أُزِيلَ الرِّقُ عنه تَفَرَّغَ لعِبَادة اللَّهِ تعالى ، وكان ذَلِكَ عِبَادَة مُسْتَحْسَنَة ، وأمَّا هذه الحيوانَات ، فإنَّهَا مَخْلُوقَةٌ لِمَنَافعِ المُكَلَّفين ، فَتَرْكُهَا وإهمالُها يَقْتَضِي فوات مَنْفَعَةٍ على مَالِكَها ، مِنْ غير أنْ يَحْصُلَ في مُقَابلَتِهَا فَائِدة . والثاني : أنَّ الإنْسَان إذا أُعْتِق ، قدَر على تَحْصِيل مَصَالِح نَفْسِه ، والبَهِيمَةُ إذا عُتِقَتْ وتُرِكَت ، لم تَقْدِرْ على تَحْصِيل مَصَالِحِ نَفْسِها ، بل تَقَعُ في أنْواعٍ من المِحْنَة أشَدّ وأشَقّ مما كانت فيها حَالَ ما كانَتْ مَمْلوكةً ، فافْتَرقَا . فصل قال القرطبي : تَعَلَّقَ أبُو حنيفَةَ في منعه الأحْبَاس وردِّ الأوْقَافِ ، بأنَّ اللَّه تعالى عَابَ على العَرَبِ أفْعَالَهُم في تَسييب البَهَائِم وحِمَايتهَا ، وحَبْس أنْفسها عَنْهَا ، وقاسَ ذَلِكَ على البَحِيرَةِ والسَّائِبَةِ . قال القُرْطُبِيُّ : والفرْقُ بَيِّنٌ ، قال عَلْقَمَةُ لمن سألَهُ عن هَذِه الأشْيَاء ، ما تُريدُ إلى شَيْء كان من عَمَلِ الجاهلية ؟ ! وقد ذهب جُمْهُور العُلَمَاءِ على جَوَازِ الأحْبَاسِ والأوْقَاف ، لما رَوَى نَافِعٌ ، عن ابن عُمَر : " أنَّه اسْتَأذَنَ رسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، بأن يَتصَدَّق بسَهْمِه بِخَيْبَر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " احْبِسِ الأصْل أو سبل الثَّمَرَة " . ثم قال تعالى { وَلَـٰكِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَفْتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ } . قال ابنُ عبَّاس : يريدُ عَمْرو بن لُحَيّ وأعوانه ، { يفترون على الله } هذه الأكَاذِيب ، ويقولون : أمرْنا بِهَا ، قالُوا : وساءَ ما يَفْتَرُون على اللَّهِ الكذب ، والأتْبَاعُ والعوام أكَثرهُمُ لا يَعْقِلُون .