Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 20-25)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الواو في قوله : " وَإذْ قَالَ " واو عَطْفٍ ، وهو مُتَّصِلٌ بقوله : { وَلَقَدْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ بَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ } [ المائدة : 12 ] ، كأنَّهُ قيل : أخَذَ عَليْهِم الميثاق ، وذكر مُوسى نِعَم الله وأمَرَهُم بمحارَبةِ الجَبَّارين ، فَخَالَفُوا المِيثَاقَ ، وخالَفُوا في مُحَارَبَة الجَبَّارين . واعلم : أنَّه تعالى مَنَّ عليهم بثلاثَةِ أمُورٍ : أوَّلها : جعل فيهم أنْبيَاء ؛ لأنَّهُ ما بَعَثَ في أمَّة ما بَعَث في بَنِي إسْرائيل من الأنْبِيَاء ، فمنهم السَّبْعُون الذين اخْتَارَهُم مُوسَى من قَوْمِه فانْطَلَقُوا مَعَهُ إلى الجَبَلِ ، وكانوا من أوْلاَدِ يَعْقُوبَ بن إسْحَاق بن إبراهيم ، وهؤلاءِ الثَّلاثةُ من أكَابِر الأنْبِياء بالاتِّفَاق ، وأوْلاَدُ يَعْقُوب - أيضاً - كانوا أنْبِيَاء على قَوْل الأكْثَرِين ، والله تعالى أعلم مُوسَى أنَّهُ لا يَبْعَثُ من الأنْبِيَاء إلا من وَلَدِ يَعْقُوب ومن وَلَدِ إسْمَاعيل ، [ فهذا الشَّرَفُ ] حَصَلَ بمن مَضَى من الأنْبِيَاء ، وبالَّذِين كانوا حَاضِرِين مع مُوسَى ، وبالَّذين أخْبر الله مُوسَى أنَّه يَبْعَثُهُم من وَلَدِ يَعْقُوب وإسْمَاعِيلَ بعد ذَلِك . وثانيها : قوله " وَجَعلَكُمْ مُلُوكاً " ، قال ابن عبَّاس : أصْحَاب خدم وحَشَمٍ . قال قتادةُ : كانوا أوَّل من مَلَك الخدم ، ولم يَكُنْ قَبْلَهم خَدَمٌ ، وعن أبي سعيدٍ الخُدْرِيّ عن النَّبي صلى الله عليه وسلم : " كان بنو إسرائيل إذا كان لأحَدٍ خَادِمٌ وامْرَأةٌ ودَابَّة يُكْتَبُ مَلِكاً " . وقال أبُو عَبْد الرَّحْمَن السُّلَمي : سَمِعْتُ عَبْدَ الله بْن عمرو بن العَاصِ ، وسأله رَجُل فَقالَ : ألَسْنَا فُقَراء المُسْلمين المُهَاجِرِين ؟ فقال لَهُ عَبْدُ الله : " ألَكَ امْرَأةٌ تَأوِي إلَيْهَا ؟ قال : نَعَمْ ، قال : ألَكَ سَكَنٌ تَسْكُنُه ؟ قال : نَعَمْ ، قال : فأنْتَ من الأغْنِيَاء ، قال : لِي خَادِمٌ ، قال : فأنت من المُلُوكِ " . وقال السديُّ : وجَعَلكُمْ [ مُلُوكاً ] أحراراً تَمْلِكُون أمْرَ أنفُسِكُمْ ، بَعْدَما كُنْتُم في أيْدِي القبطِ يَسْتَعْبِدُونَكُمْ . وقال الضَّحَّاك : كانت مَنَازِلُهُمْ واسِعَة ، فيها مِيَاهٌ جَارِيَةٌ ، فمن كان مَسْكَنُهُ واسِعاً وفيه نهرٌ جارٍ ، فهو مَلِكٌ . وقيل : إنَّ كل من كان رسُولاً ونَبِيّاً كان مَلِكاً ؛ لأنَّه يَمْلِكُ أمْر أمَّتِهِ وكان نافِذَ الحُكْم عليهم فكان مَلِكاً ، ولهذا قال تعالى : { فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكاً عَظِيماً } [ النساء : 54 ] . وقيل : كان في أسْلافِهِم وأخلافِهِم المُلُوكُ والعُظْمَاءُ ، وقد يُقَال لمن حصل فيهم المُلُوك : أنْتُم ملوكٌ على سَبِيل الاسْتعارَة . قال الزَّجَّاج : المَلِكُ من لا يَدْخُل علَيْه أحدٌ إلا بإذْنِهِ . وثالثها : قوله تعالى : { وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِّنَ ٱلْعَالَمِينَ } وذلك لأنَّه تعالى خَصَّهم بأنْوَاع عَظِيمَة من الإكْرَامِ ، فلق البَحْرَ لهم وأهْلك عَدُوَّهم وأوْرَثهُمْ أمْوَالهم ، وأنْزَل عليهم المَنَّ والسَّلْوَى ، وأخرج لهم المياه الغَزِيرَة من الحَجَرِ ، وأظلَّ فَوْقَهُم الغَمام ، ولَمْ يَجْتَمِع المُلْكُ والنُّبُوَّة لِقَومٍ كما اجْتَمَعَا لَهُم ، وكانوا في تِلْكَ الأيَّام هُمُ العُلَمَاءُ باللَّه ، وهم أحْبَابُ اللَّهِ وأنْصَار دينِهِ . ولما ذَكَر هذه النِّعَمَ وشرحَها لهم أمَرَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ بِجَهَاد العَدُوِّ ، فقال : { يَٰقَوْمِ ادْخُلُواْ الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمْ } . وقرأ ابن مُحَيْصِن هنا وفي جميع القُرْآن " يَا قَوْمُ " مضموم الميم . وتروى قراءة عن ابن كثيرٍ [ ووَجْهُهَا أنَّها ] لُغَةٌ في المُنَادى المضاف إلى يَاءِ المُتَكَلِّم كَقِرَاءة { [ قل ] رَبِّ احْكُم بِالحَقِّ } [ الأنبياء : 112 ] ، وقد تقدَّمَت هذه [ المسألة ] . وقرأ ابن السمَيْفع : { يَا قَوْمِ ادْخُلُوا } بفتح الياء ، ورُوِيَ أنَّ إبراهيم - عليه السلام - لما صعد [ جَبَل لبنان ] ، فقال اللَّهُ تعالى له : " انظر فما أدركه بصرك فهو مقدس ، وهو ميراث لذريتك " . والأرضُ المقدَّسَةُ هي الأرْضُ المطهَّرَةُ من الآفات ؛ لأنَّ التَّقْدِيس هُو التَّطْهِيرُ ، وقال المُفَسِّرُون طهِّرَت من الشِّرك ، وجُعِلَت مَسْكَناً وقَرَاراً للأنْبِيَاء ، وفيه نظرٌ ؛ لأنَّ تلك الأرْض لما أمَرهُمْ مُوسى بِدُخُولها ما كانَتْ مقدَّسة عن الشِّرْك ، وما كَانَتْ مَقرًّا للأنْبيَاء ، وقد يُجَابُ عَنْهُ بأنَّها كَانَتْ كذلك فيما قَبْل . واختلفُوا في تلك الأرْض ، فقال عِكْرِمَةُ ، والسديُّ ، وابنُ زَيْد : هي أريحا . وقال الكَلْبِيُّ : هي دمشق وفلسْطِين وبعض الأرْدُن ، وقال الضَّحَّاك : هي إيليَا وبَيْتُ المَقْدِسِ ، وقال مُجَاهِد : هي الطُّور وما حَوْلَه . وقال قتادةُ : هي الشَّامُ كُلُّها . وقال كَعْبٌ : وجَدْتُ في كتاب اللَّه المُنَزَّل [ أنَّ الشَّام ] كَنْزُ الله من أرْضِه ، وبِها كَثْرَةٌ من عِبَادِه . وقوله : { كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ } يعني : في اللَّوْح المَحْفُوظِ أنَّها لكم مَسَاكِن . وقال ابن إسحاق : وهب اللَّهُ لكم ، وقيل : جعلها لكم [ قال السديّ : أمَرَكُم الله بِدُخُولها ] . فإن قيل : لم قال { كتبَ اللَّه لَكُم } ، ثم قال { فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ } [ المائدة : 26 ] . فالجوابُ : قال ابنُ عبَّاس : كانت هِبَةً ثُمَّ حرَّمها عليهم بشُؤم تَمَرُّدِهِم وعِصْيَانِهم ، وقيل : اللَّفْظ وإن كان عامًّا لكنَّ المرادُ به الخُصُوصُ ، فكَأَنَّها كُتِبَتْ لِبَعْضِهِم ، وَحُرِّمَتْ على بَعْضِهِم . وقيل : إنَّ الوَعْد بقوله : { كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ } مشروطٌ بقَيْد الطَّاعة ، فلما لم يُوجَد الشَّرْط لم يُوجَد المَشْرُوط . وقيل : إنَّها مُحَرَّمةٌ عليهم أرْبَعِين سَنَة ، فلما مَضَى الأرْبَعُون حصل ما كتَبَ . وفي قوله : { كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ } فَائِدَة ، وهي أنَّ القوم وإن كانُوا جبَّارِين ، إلاَّ أنَّ الله تعالى لمَّا وعد هؤلاءِ الضُّعَفَاء بأنَّ تلك الأرْضَ لهم ، فإن كانوا مُؤمنين مُقَرَّبين بصدْق الأنْبِيَاء ، عَلِمُوا قَطْعاً أنَّ اللَّه يَنْصُرهم عليهم ، فلا بُدَّ وأن يَعْزِمُوا على قتالهم من غير خَوْفٍ ولا جُبْن . قوله : { وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِكُمْ } فالجار والمجرور [ حال من فاعل " تَرتَدوا " أي : لا ترتدوا مُنقلبين ، ويجُوزُ أن ] يتعلَّق بِنَفْسِ الفِعْل قَبْلَهُ . وقوله : " فَتَنْقَلِبُوا " فيه وجهان : أظهرُهُمَا : أنَّهُ مَجْزُومٌ عَطْفاً على فِعْل النَّهْي . والثاني : أنَّهُ منصُوبٌ بإضْمَار " أنْ " بعد الفَاءِ في جواب النَّهي . و " خَاسِرِين " حالٌ . وفي المَعْنَى وجهان : أحدهما : لا يَرْجِعُوا عن الدِّين الصَّحيح في نُبُوَّة مُوسَى ؛ لأنَّهُ - عليه السلام - لما أخْبَرَ اللَّه تعالى جعل تِلْكَ الأرْضَ لَهُم ، [ أو ] كان هذا وعْداً بأنَّ الله يَنْصُرهم عليهم ، فلو لَمْ يقْطعُوا بِهَذِه النُّصْرَة ، صارُوا شاكِّين في صِدْق مُوسى - عليه الصلاة والسلام - فيصيروا كافرين بالنُّبُوَّة والإلهِيَّة . والثاني : لا ترجِعُوا عن الأرْضِ التي أمرتُم بِدُخُولِها إلى الأرْض الَّتِي خَرَجْتُم عنها ، يُرْوَى أنَّهُم عَزَمُوا على الرُّجُوعِ إلى مِصْر . وقوله : " فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِين " أي : في الآخِرَة يَفوتُكُم الثَّواب ويَلْحَقُكُم العِقَابُ . وقيل : تَرْجِعُون إلى الذِّلَّة ، وقيل : تُمَزَّقُون في التِّيه ، ولا تَصِلُون إلى شَيْءٍ من مَطَالبِ الدُّنْيَا ومَنَافِع الآخِرَة . قوله : { قَالُوا يَٰمُوسَىٰ إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ } والجبَّارُ : فعَّالٌ من جَبرهُ على الأمْرِ ، بمعنى : أجْبَرهُ عليه ، وهو الذي يُجْبِرُ النَّاس على ما يُرِيدُ ، وهذا اخْتِيَارُ الفَرَّاء والزَّجَّاج . قال الفرَّاء : لا أسْمَع فعَّالاً من أفعل إلاَّ في حَرْفَيْن وهما : جَبَّارٌ من أجْبَر ، ودَرّاك من أدْرَكَ . وقيل : مأخوذٌ من قَولِهِم : نَخْلةٌ جَبَّارَةٌ ، إذا كانت طَويلَةً مُرْتَفِعَةً لا تَصِلُ الأيْدِي إلَيْها ، ويُقَال : رَجُلٌ جَبَّارٌ ، إذا كان طَوِيلاً عَظِيماً قويّاً تَشْبِيهاً بالجبَّار مِن النَّخْلِ ، والقَوْمُ كانوا في غَايَةِ القُوَّة وعِظَمِ الإجْسَامِ ، بِحَيْثُ ما كَانَتْ أيْدِي قوم مُوسَى تَصِلُ إليهم ، فَسَموهم جَبَّارِين لِهذَا المَعْنى . فصل قال المُفَسِّرُون : لما خَرَجَ مُوسَى من مِصْر ، وعدَهُم الله - تعالى - إسكان أرْضِ الشَّام ، وكان بَنُو إسرائِيل يُسَمُّون أرْضَ الشَّام أرْضَ المَوَاعِيد ، ثم بَعَثَ مُوسى - عليه السلام - اثْنَي عَشَر نَقِيباً من الأنبياء ، يَتَجسَّسُون لَهُمْ أحْوَال تلك الأرَاضي . فلمَّا دَخَلُوا تلك الأمَاكِن رَأوْا أجْساماً عَظِيمَة ، قال المُفَسِّرُون : فأخذَهُم أحَدُ أولئك الجبَّارِين ، وجَعَلَهُم في كُمّهِ مع فَاكِهَةٍ كان قد حَمَلَها من بُسْتَانِه ، وأتى بهم المَلِك فَنَثَرَهُم بين يديه ، وقال مُتَعجِّباً للملك : هؤلاء يُرِيدُون قِتالَنا ، فقال المَلِكُ : ارْجِعُوا إلى صاحِبِكُم ، وأخْبِرُوه بما شَاهَدْتُم . قال ابْنُ كَثِير : وهذه هذياناتٌ من وضْعِ جُهَّالِ بني إسائيل ، ولو كان هذا صَحِيحاً لكَان بَنُوا إسرائيل معذُورين في امْتِنَاعِهِم عن القتال ، وقد ذَمَّهُمُ اللَّهُ تعالى على مُخَالَفَتِهِم وتَرْكِ جِهَادِهِم ، وعَاقَبَهُم بالتِّيهِ ، ثمَّ انْصَرَف أولَئِكَ النُّقَبَاءُ إلى مُوسَى وأخْبَرُوه بالوَاقِعَة ، وأمَرَهُم أنْ يَكْتُمُوا ما شَاهَدُوهُ ، فلم يَقْبَلُوا قوله إلا رَجُلان مِنْهُم ، وهم : يُوشَعُ ابن نُون ، وكَالِب بن يُوقنا فإنهما سَهَّلا الأمْر ، وقالا : هي بلادٌ طَيِّبَةٌ كثيرة النعم والأقوام ، وإن كانت أجْسَامُهُم عَظِيمَة ، إلاَّ أنَّ قلوبَهُم ضَعِيفَةٌ . وأما العَشْرُة البَاقِية فإنَّهم أوْقَعُوا الجُبْن في قُلُوب النَّاسِ حتَّى أظْهَرُوا الامْتِنَاع من غَزْوِهِم ، وقالُوا لِمُوسَى : { إِنَّا لَنْ ندخُلَهَا أبداً ما دامُوا فِيهَا ، فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاَ إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ } ، فدَعا عَلَيْهم مُوسَى ، فعاقَبَهُم الله تعالى بأن أبْقَاهُم في التِّيهِ أرْبَعِين سنة . وقالوا : وكَانَتْ مُدَّة غَيْبَة النُّقَبَاءِ المُتَجَسِّسِين أرْبعين يَوْماً ، فعُوقِبُوا بالتِّيهِ أرْبَعِين سنة . قالوا : ومَاتَ أولَئِك العُصَاةُ بالتِّيهِ ، وأهْلِكَ النُّقَبَاءُ العَشْرَة في التِّيهِ بعُقُوبَةٍ غَلِيظَةٍ ، وقال بَعْضُهُم : إنَّ مُوسَى وهَارُون مَاتَا - أيضاً - في التِّيهِ . وقال آخرون : إنَّ مُوسَى بَقِي ، وخرج مَعَهُ يُوشَعُ بن نُون وكَالِب ، وقاتَلَ الجبَّارِين وغَلَبَهُم ، ودَخَلُوا تلك البِلاَد . ورُويَ أنَّهُ لم يَخْرُجْ من التِّيهِ [ أحدٌ ] ممن دَخَلهُ ، [ بل ] ماتوا كُلُّهُم في مُدَّةِ أربعين سنة ، ولَمْ يَبْقَ إلا ذَرَارِيهم يُوشعُ بن نُون وكالِب - عليهما الصلاة والسلام - . قال المُفَسِّرُون : إنَّ بَني إسْرَائيل دَخَلُوا البريَّة عند سيناء في الشَّهْرِ الثالث من خُرُوجهم من " مِصْر " ، وكان خُرُوجُهُمْ في أوَّلِ السَّنَة التي شُرِعَت لَهُمْ ، وَهِيَ أوَّل فَصْلِ الرَّبيع ، فكأنَّهُم دَخَلُوا التِّيهَ في أوَّل فَصْلِ الصَّيْف . قوله تعالى : { وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىٰ يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ } . قالُوا هذا القول على سبيل الاسْتِبْعَاد ، كقوله تعالى : { وَلاَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ حَتَّىٰ يَلِجَ ٱلْجَمَلُ فِي سَمِّ ٱلْخِيَاطِ } [ الأعراف : 40 ] . وقوله : " فإنَّا دَاخِلُون " أي : فإنَّا دَاخِلُون الأرْضَ ، فحذف المَفْعولَ لِلدلالَةِ عَلَيْه . قوله : { قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِين يَخَافُون } هذا الجارُّ والمَجْرُور في محلِّ رَفْع صِفَةٍ لـ " رَجُلاَن " ، ومَفْعُول " يَخَافُونَ " محذوفٌ تَقْدِيرُهُ : " يَخَافُون الله " ، أو يخافُون العَدُوّ [ ولكن ثَبَّتَهُمَا اللَّهُ تعالى ] بالإيمَان والثِّقَةِ به ، حتى قَالُوا هَذِه المَقَالة ، ويُؤيِّد التَّقْدير الأوَّل التَّصْرِيح بالمَفْعُول في قِرَاءة ابْن مَسْعُود " يَخَافُون اللَّه " ، وهذان [ التَّأوِيلاَن ] بِنَاء على ما هُوَ المَشْهُور عِنْد الجُمْهُور ، من كَوْنِ الرَّجُلَين القَائِلَيْن ذلك من قَوْمِ موسى ، وهما : يُوشَعُ بن نُون بن أفرائيم بن يُوسُف فتى مُوسَى ، والآخَر : كَالِب بن يوفنا خَتَنُ مُوسَى على أخْتِه مَرْيَم بِنْت عِمْران ، وكان من سِبْط يَهُوذَا . وقيل : الرَّجُلان من الجَبَّارين ، ولكن أنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِما بالإيمَانِ حَتَّى قَالاَ هذه المقَالَة يُحَرِّضُونَهُم على قَوْمِهِم لِمُعَادَاتِهِم لهم في الدِّينِ وعلى هذا القَوْل فَيُحْتَمَل أن يكون المَفْعُولُ " يَخَافُون " كما تقدَّم ، أي : يَخَافُون اللَّه أو العَدو ، والمعنى كما تقدَّم ويُحْتَمَلُ أنَّ في المَفْعُول ضَمِيراً عَائِداً على المَوْصُولِ ، ويكون الضَّمِير المَرْفُوع في " يَخَافُون " ضَمِير بَنِي إسْرَائيل ، فالتَّقْدير : [ من ] الَّذِين يَخَافُهُمْ بَنُو إسْرَائِيل . وأيَّدَ الزَّمَخْشَرِيُّ هذا التَّأوِيل بِقرَاءة مَنْ قرأ " يُخافون " مَبْنِيًّا للمَفْعُول [ وبِقَوْلِه أيْضاً ] { أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهمَا } ، فإنَّه قال : " وقراءة مَنْ قَرأ " يُخَافُون " بالضَّمِّ شاهدة له ، ولذلك أنْعَم الله عَلَيْهِما ، كأنَّه قيل : من المُخَوفين " انتهى . والقِرَاءةُ المَذْكُورة مَرْوِيَّة عن ابْن عبَّاسٍ ، وابن جُبَيْر ، ومُجاهد ، وأبدى الزَّمَخْشَرِي - أيضاً - في هذه القِرَاءة احْتِمَالاً آخَر ، وهو أن تكُون من الإضَافَةِ ومعناه : من الَّذين يَخُوَّفُون من اللَّه بالتَّذْكِرة والمَوْعِظَة ، أو يُخَوِّفهم وَعِيد الله بالعقَابِ . وتَحْتَمِلُ القِرَاءةُ - أيضاً - وجْهاً آخَر ، وهو : أن يكُون المَعْنَى : يُخَافون ، أي : يُهَابُون [ ويُوَقَّرُون ، ويُرْجَعُ ] إليهم لِفَضْلِهِم وخَيْرِهِم . ومع هَذَيْن الاحْتِمَالين الأخِيرَيْن ، فلا تَرْجِيحَ في هذه القراءة لِكَون الرَّجُلَيْن من الجبَّارين [ أما قوله كذلك : { أنعم الله عليهما } ، أي : في كونه مرجّحاً أيضاً لكونهما من الجبارين ] فَغَيْرُ ظاهر ، لكون هذه الصِّفَة مُشْتَرَكَة بَيْن يُوشَع وكالب ، وبين غيرهما مِمَّن أنْعَمَ اللَّهُ عليه . قوله : { أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهما } في هذه الجُمْلَة خَمْسَة أوجُه : أظهرها : أنَّها صِفةٌ ثانية فمحَلُّها الرَّفْع ، وجيءَ هنا بِأفْصَحِ الاسْتِعْمَالَيْنِ من كونه قدَّمَ الوَصْفَ بالجَارِّ على الوَصْفِ بالجُمْلَةِ لِقُرْبِهِ من المُفْرَد . والثاني : أنها مُعْتَرَضَةٌ وهو - أيضاً - ظَاهِر . الثالث : أنَّهَا حالٌ من الضَّمِير في " يَخَافُون " قاله مَكِّي . الرابع : أنَّها حالٌ من " رَجُلانِ " ، وجاءت الحالُ من النَّكِرَة ، لأنَّها تخصّصت بالوَصْف . الخامس : أنَّها حالٌ من الضَّمِير المُسْتَتِر في الجَارِّ والمَجْرُور ، وهو " مِن الَّذِين " لوُقُوعِهِ صِفَةً لموصُوف ، وإذا جَعَلْتَها حَالاً فلا بُدَّ من إضمار " قَدْ " مع المَاضِي ، على خلافٍ سلف [ في المسألة ] . فصل قوله : { ادْخُلُوا عَلَيْهمُ البَابَ } مُبَالغةٌ في الوَعْدِ بالنَّصْر والظفر ؛ كأنَّه قيل : مَتَى دَخَلْتُم باب بَلَدِهِم انْهَزَمُوا ، ولَمْ يَبْق منهم أحَدٌ ، وإنَّما جَزَمَ هذان الرَّجُلان في قولهما : { فَإذَا دَخَلْتُمُوهُ فإنَّكُمْ غَالِبُون } ؛ لأنَّهما كان عَارِفَيْن صِدْق مُوسى - عليه السلام - ، فلمَّا أخْبَرَهُم مُوسَى بأنَّ الله قال : { ٱدْخُلُواْ الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ ٱلَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ } [ فقد تبيّن أنَّهُ أوْعَدَهُم ] بأنَّ النُّصْرَة والغَلَبَةَ لَهُمْ ، ولِذَلك خَتَمُوا كلامَهُم بقولهم : { وعلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنْتُم مُؤمنين } ، يعني : توكَّلُوا على اللَّه تعالى في حُصُول هذا النصر لكم إن كُنْتُم مُؤمنين بوجود الإله القَادِرِ ، ومُؤمِنِين بِنُبُوَّةِ مُوسَى - عليه السلام - . قوله : { قَالُواْ : يَا مُوسَى ، إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أبداً مَا دَامُوا فِيهَا } [ " ما " ] مصْدَريَّة ظرفية و " دَامُوا " صِلَتُهَا ، وهي " دَامَ " النَّاقصة ، وخبرها الجارُّ بعدها ، وهذا الظَّرْفُ بَدَلٌ من " أبداً " وهُوَ بَدَلُ بَعْض من كُلّ ؛ لأنَّ الأبَدَ يعمُّ الزَّمَن المُسْتَقْبَل كله ، ودوام [ الجَبَّارين ] فيها بَعْضه ، وظَاهِرُ عِبَارَة الزَّمَخْشَرِيِّ يُحْتَمَلُ أن يكُون بَدَلُ [ كُلٍّ ] من كُلٍّ أو عَطْف بَيَان ، والعَطْفُ قد يَقَعُ بَيْن النَّكِرَتَيْن على كلام فيه تقدَّم . قال الزَّمَخْشَرِيُّ : " وأبَداً " تعليق للنَّفْي المُؤكَّد بالدَّهْر المُتَطَاولِ ، { ومَا دَامُوا فِيها } : [ بيانُ الأمْر ] ، فهذه العَبَارَةُ تَحْتَملُ أنَّهُ بَدَلُ بَعْضٍ من كُلٍّ ، لأنَّ بَدَل البَعْضِ من الكُلِّ مُبَيِّنٌ للمُرَاد ، نحو : " أكَلْتُ الرَّغِيفَ ثُلُثَهُ " ، ويحتَملُ أن يكُون بَدَلَ كُلٍّ من كُلٍّ ، فإنَّه بيانٌ أيضاً للأوَّل ، وإيضَاحٌ له ، نحو : رَأيْتُ زَيْداً أخَاك ، ويحتمل أن يكُون عَطْفَ بَيَانٍ . قوله : { فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ } [ في " وَرَبُّكَ " ] أرْبَعَةُ أوجه : أحدها : أنَّه مرفوع عَطْفاً على الفاعِل المُسْتَتِر في " اذْهَبْ " ، وجازَ ذلِك للتَّأكِيد بالضَّمِير . الثاني : أنَّه مَرفوع بِفِعْل مَحْذُوف ، أي : ولْيَذْهَبْ رَبُّكَ ، ويكون من عَطْفِ الجُمَل ، وقد تقدَّم [ لي نَقْلُ ] هذا القَوْل والرَّدُّ عليه ، ومُخَالَفَتُهُ لنَصِّ سِيبَويْه عند قَوْلِهِ تعالى : { ٱسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ ٱلْجَنَّةَ } [ البقرة : 35 ] . الثالث : أنَّهُ مُبْتَدأ ، والخبَرُ محذُوفٌ ، و " الواوُ " لِلْحَال . الرابع : أنَّ " الواوَ " لِلْعَطْفِ ، وما بَعْدَها مُبْتَدَأ محذوفٌ والخَبَرُ - أيضاً - ولا مَحَلَّ لهذه الجُمْلَة من الإعْرَاب لِكَوْنِها دُعَاءً ، والتَّقْدِير : وَرَبُّكَ يُعِينُكَ . قوله : { هَاهُنَا قَاعِدُونَ } " هُنَا " وَحْدَهُ الظَّرْفُ المَكَانِي الَّذِي لا يَنْصَرِفُ إلا بِجَرِّه ؛ بـ " مِنْ " و " إلَى " ، و " هَا " قَبْلَهُ للتَّنْبيه كسَائِرِ أسْمَاء [ الإشارة ] وعامله " قَاعِدُون " ، وقد أجيز أن يكُون خَبَر [ " إنَّ " ] و " قاعدُون " خَبر ثانٍ ، [ وهُو بَعِيدٌ ] . وفي غير القُرْآن إذا اجْتَمَع ظَرْفٌ يَصِحُّ الإخْبَارُ بِهِ مع وَصْفٍ آخَر ، ويَجُوزُ أن يُجْعَل الظَّرْفُ خَبَراً ، والوَصْفُ حالاً ، وأن يَكُون الخَبَرُ الوَصْفَ ، والظَّرْف مَنْصُوبٌ به كَهَذِه الآية . فصل قولهم : { فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ } فيه وُجُوهٌ : أحدُهَا : لعلَّ القَوْم كانُوا مُجَسِّمَةً ، يجوِّزُون الذَّهَاب والمَجِيءَ على الله تعالى . وثانيها : يُحْتَمَلُ ألاَّ يَكُون المُرَادُ حَقِيقَة الذهَاب ، بَلْ كَما يُقَالُ : كَلَّمْته فذهَبَ يُجِيبُنِي ، أي : يُريدُ أن يُجِيبَنِي ، فكأنَّهُم قالوا : كُن أنْتَ وَربُّكَ مُريدين لقتَالِهِمْ . ثالثها : التَّقْدِير اذْهَبْ أنْتَ وَربُّكَ مُعِينٌ لَكَ بِزَعْمِكَ فأضْمَر خَبَر الابْتِدَاء . فإن قيل : إذَا أضْمَرْنَا الخَبَرَ فَكَيْفَ يَجْعَل قوله : " فَقَاتِلاَ " خبراً أيضاً . فالجَوَابُ : لا يَمْتَنِعُ خَبَرٌ بَعْدَ خَبَر . رابعها : أرَادَ بقوله : " وَرَبُّكَ " أخُوه هَارُون ، وسمُّوه [ ربًّا ] لأنَّهُ كان أكبر من مُوسَى . قال المُفَسِّرُون : قولهم : { اذهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ } ، إن قَالُوهُ على وَجْهِ الذهَاب من مَكَانٍ إلى مَكَانٍ فهو كُفْرٌ ، وإن قَالُوهُ على وَجْهِ التَّمَرُّدِ عن الطَّاعَةِ فهو فِسْقٌ ، ولقَدْ فَسَقُوا بهذَا الكلامِ لقوله تعالى في هذه القصة : { فلا تَأسَ عَلَى القَوْمِ الفَاسِقِينَ } . والمقْصُودُ من هذه القِصَّة : شَرْحُ حال هؤلاءِ اليَهُودِ ، وشِدَّة بُغْضِهِم [ وَغُلُّوهِمِ ] في المُنَازَعَةِ مع الأنْبِيَاءِ قَدِيماً ، ثُمَّ إنَّ مُوسى - عليه السلام - لمَّا سَمِع مِنْهُم هذا الكلام قال : { رَبِّ إنِّي لا أمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وأخِي } في إعْرَاب " أخي " سِتَّةُ أوْجُه : أظهرها : أنَّهُ مَنْصُوبٌ عَطْفاً على " نَفْسِي " ، والمعنى : لا أمْلِكُ إلاَّ أخِي مع مِلْكِي لِنَفْسي دُونَ غَيْرنَا . الثاني : أنَّهُ مَنْصُوبٌ عَطْفاً على اسْمِ " إنَّ " ، وخَبَرُهَا محذوفٌ للدَّلالة اللَّفْظِيَّة عَلَيْه ، أي : وإنَّ أخِي لا يَمْلِكُ إلا نَفْسَه . الثالث : أنَّهُ مرفوع عَطْفاً على مَحَلِّ اسم " إنَّ " ؛ لأنَّه يُعَدُّ استكمال الخَبر على خلافٍ في ذَلِك ، وإن كان بَعْضُهم قد ادَّعى الإجْمَاعَ على جَوَازه . الرابع : أنَّهُ مَرْفُوع بالابْتِدَاء ، وخَبَرُهُ مَحْذُوفٌ للدَّلالة المتقدِّمَة ، ويكون قد عَطفَ جُمْلَة غَيْرَ مُؤكَّدَةٍ عَلَى جُمْلَةٍ مُؤكَّدَة [ بـ " إنَّ " ] . الخامس : أنَّه مَرْفُوعٌ عَطْفاً على الضَّمير المُستكِنِّ في " أمْلك " ، والتَّقْدير : ولا يَملِكُ أخي إلا نَفْسَه ، [ وجاز ذلك لِلْفَصْل بقوله : " إلاَّ نَفْسِي " ] وقال بهذا الزَّمَخْشَرِيُّ ، ومَكِّي ، وابنُ عطيَّة ، وأبُو البقاء ورَدّ أبُو حَيَّان هذا الوَجْهَ ، بأنَّه يلزم منه أنَّ مُوسَى وهَارُون لا يَمْلِكَان إلاَّ نَفْسَ مُوسَى فَقَطْ [ وَلَيْس المَعْنَى على ذَلِك ] ، وهذا الرَّدُّ لَيْس بِشَيْءٍ ؛ لأنَّ القائِل بهذا الوَجْهِ صَرَّح بِتَقْديرِ المفعول بَعْد الفاعِلِ المَعْطُوف . وأيضاً اللَّبْسُ مأمُونٌ ، فإن كلَّ أحِدٍ يَتَبادَرُ إلى ذِهْنِهِ أنَّهُ يَمْلِكُ أمْرَ نَفْسِهِ . السادس : أنَّه مَجْرُورٌ عطفاً على " اليَاء " في " نَفْسِي " ، أي : إلاَّ نَفْسِي ونَفْس أخِي ، وهو ضعيفٌ على قَوَاعِدِ البَصْريِّين لِلْعَطْفِ على الضَّمِير المَجْرُور من غَيْر إعادَةِ الجَارِّ ، وقد تقدَّم ما فيه . والحَسَن البَصْرِيُّ يقرأ بِفَتْح [ ياء ] " نَفْسِي " ، و " أخِي " . وقرأ يوسُف بن دَاوُد وعُبَيْد بن عُمَيْر " فَافْرِق " بِكَسْرِ الرَّاء ، وهي لُغَةٌ : فَرَقَ يَفْرِق كـ " يضرب " قال الراجز : [ الرجز ] @ 1949 - يا رَب فَافْرِقْ بَيْنَهُ وبَيْنِي أشَدَّ ما فَرَّقْت بَيْنَ اثْنَيْنِ @@ وقرأ ابن السَّمَيْفَع " فَفَرِّقْ " مُضَعَّفاً ، وهي مُخَالِفَةٌ للرَّسْم و " بَيْنَ " معمولة لـ " افْرُق " ، وكان من حَقِّها ألا تكرَّرَ في العَطْفِ ، تقُولَ : المَالُ بَيْن زَيْدٍ وعَمْرو ، وإنَّما كرِّرَت للاحْتِيَاج إلى تكررِ الجارِّ في العَطْفِ على الضِّمِير المَجْرُور ، وهو يُؤيِّد مَذْهَب البَصْريِّين . فإن قيل : لم قال : { لا أمْلِكُ إلاَّ نَفْسِي وَأخِي } وكان مَعَهُ الرَّجُلان المَذْكُورَان ؟ . فالجواب : كأنَّه لم يَثِقْ بِهِمَا كُلَّ الوُثُوق لِمَا رَأى [ من ] إطباقِ الأكْثَرِين على التَّمَرُّد ، ولَعَلَّهُ إنَّما قَالَ ذَلِكَ تَقْلِيلاً لمن وَافَقَهُ ، أو يكُون المُرَادُ بالأخِ مَنْ يُؤاخِيهِ في الدِّين ، وعلى هذا يَدْخل الرَّجُلان . والمُرادُ بقوله : { فَٱفْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ ٱلْقَوْمِ ٱلْفَاسِقِينَ } أي : افْصِلْ بَيْنَنَا وبَيْنَهُم ، بأنْ تَحْكُم لَنَا بما تَسْتَحِقُّ وتحْكُم عَلَيْهِم بما يَسْتَحِقُّون ، وهُوَ في مَعْنَى الدُّعَاء عَلَيْهِم ، أو يكون المَعْنَى : خَلِّصْنَا من صُحْبَتِهِم ، وهو كقوله : { نَجِّنِي مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } [ القصص : 21 ] .