Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 27-30)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

واتل عليهم نبأ ابني آدم الآية . في تعَلُّقِ هذه الآية بما قبلها وُجُوهٌ : أحدها : أنه تعالى قال فيما تَقدَّمَ : { يَٰأَيُّهَآ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ } [ المائدة : 11 ] فذكر أنَّ الأعْدَاءَ يُرِيدُونَ إيْقَاعَ الْبَلاَء بِهِمْ ، لَكِنَّهُ تعالى يَحْفَظُهُمْ [ بِفَضْلِهِ ] ويمنع أعداءهم من إيصالِ الشَّرِّ إلَيْهِمْ ، ثم ذكر قِصَصاً تَدُلُّ في أنَّ كُلَّ مَنْ خَصَّهُ اللَّهُ به - تعالى - من النِّعَمِ العظيمة في الدِّينِ والدُّنْيَا فإنَّ الناس يتنازعونه حسداً ، فَذَكَرَ قِصةَ النُّقَبَاءِ الاثْنَيْ عَشَرَ ، وأخذ الميثاق منهم ، ثم إنَّ اليهود نقضوا ذلك الميثاق حتى وقعوا في اللَّعْنِ والقساوة ، وذكر بعد شِدَّة إصْرَارِ النصارى على الكفر ، وقولهم بـ " التَّثْلِيث " بعد ظهور الدَّلاَئِل الواضحة القاطعة على فساد اعْتِقَادِهِمْ ، وما ذلك إلا حسداً لمحمد صلى الله عليه وسلم فيما آتاه الله من الدِّينِ الْحَقِّ ثم ذكر قصَّه موسى في مُحَاربَةِ الجبَّارِينَ ، وإصْرار قمه على التَّمَرُّدِ والْعِصْيَانِ ، ثم ذكر بعد قِصَّة ابْنَيْ آدم ، وأنَّ أحدهما قتل الآخر حسداً على قَبُولِ قُرْبَانِهِ ، وكل هذه الْقَصَصِ دالَّةٌ على أنَّ كل ذي نِعْمَة محسود ، فلما كانت نِعَمُ الله على محمَّد صلى الله عليه وسلم أعْظَمَ النعم لم يبعد اتِّفَاق الأعداء على كَيْدِهِ ، فكان ذكر هذه القصص تسلية له فيما هدّده به اليَهُود من المكر والكَيد . ثانيها : أنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بقوله : { يَٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ ٱلْكِتَابِ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ } [ المائدة : 15 ] . وهذه القصص مَذْكورة في التَّوْراة . وثالثها : أنَّها متعلِّقَة بقصة [ محاربة ] الجبَّارين ، أي : ذكِّروا اليَهُود بحديث ابْنَيْ آدم ؛ ليعلموا أن سَبِيل أسْلاَفهم في النَّدامة والحسرة الحاصلة بسبب إقدامهم على المعاصي ، مثل سَبِيل ابْنَيْ آدم في نَدَامة أحَدهما على قَتْلِ الآخَر . رابعها : أنه مُتَّصِل بحكاية قول اليَهُود والنَّصَارَى : { نَحْنُ أَبْنَاءُ ٱللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ } [ المائدة : 18 ] أي : لا ينفعهم كَوْنُهُم أولاد الأنْبِيَاء مع كُفْرِهِم ، كما لم يَنْتَفِع ولد آدم بقَتْلِ أخيه بكون أبيه نَبِيّاً معظماً عند الله - تعالى - . وخامسها : لما كَفَرَ أهل الكِتَاب بمحمَّد - عليه الصلاة والسلام - حَسَداً أخْبَرَهُم الله - تعالى - بخبر ابْنَيْ آدم ، وأنَّ الحسد أوْقَعَهُ في سُوءِ الخَاتِمة ، والمقصود منه التَّحْذِير عن الحَسَدِ . الضَّمِير في " عَلَيْهِم " فيه قولان : أحدهما : واتل على النَّاس . والثاني : واتْلُ على أهل الكِتَاب . وفي " ابْنَيْ آدَمَ " قولان : أحدهما : أنها ابْنَا آدم لِصُلْبِهِ ، وهما : قَابِيل ، وهَابِيل ، وفي سبب [ وقوع ] المُنَازَعة بينهما قولان : أحدهما : أنَّ هَابِيلَ كان صاحب غَنَمٍ ، وقابيلَ صاحب زَرْع فقرَّب كل واحد منهما قُرْبَاناً ، فطلب هابيل أحْسَنَ شاة كانت في غنمه وجعلها قرباناً ، وطلب قابيل شَرَّ حِنْطة كانت عنده وجعلها قُرْبَاناً ، فنزلت نارٌ مِنَ السَّمَاءٍ فَاحْتَمَلَتْ قُرْبَانَ هَابيلَ ولم تَحْتَمِل قُرْبان قابيل ، فعلم قابيل أنَّ الله تعالى قبل قُرْبَان أخِيهِ ولم يقبل قُرْبَانه ، فحَسَده وقصد قَتْلَهُ . قال سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ : ولم يُحْتَمَلْ قربان قَابيل ، فَعَلِمَ قَابِيلُ أنَّ الله قَبِلَ قربان أخيه ولم يقبل قربانه ؛ لأنَّه كان كافراً فقال قابيل لأخيه هابيل - وكان مُؤمِناً - : أتَمْشِي على الأرض يراك النَّاس أفْضَلَ مِنِّي به ، فَحَسَدَه وَقَصَدَ قَتْلَهُ . وثانيهما : رُوِيَ أنَّ آدم - عليه السلام - كان يُولَدُ له [ في كل بطن ] غلام وجارية وكان يزوِّج [ تلك ] البِنْت من البَطْن بالغلام من بَطْن آخر ، فولد له قَابِيل [ وتوأمته ، ] قال الْكَلْبيُّ : وكان اسْمُهَا " إقْلِيمِياء " - ، وبعدهما هَابِيل وتَوْأمَته وكانت تَوْأمَةُ قابيل أحْسَنَ النَّاسِ وجهاً ، فأراد آدَم - عليه السلام - أن يُزَوِّجَهَا من هَابِيل ، فأبى قَابِيل وقال : أنا أحَقُّ بِهَا وهو أحق بأخته وليس هذا من اللَّه وَإنَّمَا هو رَأيُكَ ، فقال آدمُ - عليه السلام - لهما : قَرِّبَا قرباناً فأيُّكُمَا قبل قُرْبانه زَوَّجْتُها منه ، فَقَرَّبَا قُرْبَانَيْن ، فَقَبِلَ اللَّهُ قُرْبَانَ هَابِيلَ بأن أنْزل على قُرْبَانه ناراً فازداد قابيل حَسَداً له . قال القُرْطُبِيُّ : وَرُوِيَ عن جَعْفَرٍ الصَّادِقِ - رَضي الله عَنْهُ - " أنَّ آدم - عليه السلام - لم يكن يُزَوِّجُ ابنته من ابنه ، ولو فعل ذلك ما رَغِبَ عنه النَّبي صلى الله عليه وسلم ، ولا كان دين آدم عليه السلام إلاَّ دين النبي صلى الله عليه وسلم … " ، وذكر قَصَّته . قال القُرْطُبِيُّ : وهذه القِصَّة عن جَعْفَرٍ ما أظُنُّهَا تَصِحُّ ، وأنه يزوِّجُ غلام هذا البَطْن إلى البَطْن الآخر ، بدليل قوله تعالى : { يَٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَآءً } [ النساء : 1 ] ، وهذا كالنصِّ ثم نسخ ذلك على ما تقدم بيانه في " سورة البقرة " وكان جميع ما ولدته حَوَّاءُ أربعين ولداً ذكراً ، وأنثى : عِشْرين بطناً أوَّلُهُم قابيل ، وتوأمته إقليمياء وآخرهم عَبْدُ المُغِيثِ ، ثم بارك الله في نسل آدم - عليه الصلاة والسلام - . وعن ابن عبَّاسٍ - رضي الله عنهما - : لم يمت آدم - عليه السَّلام - حتى بلغ ولده وولد ولده أربعين ألْفاً . والقول الثاني : وهو قول الْحَسَنِ والضَّحَّاك : أنَّ ابْنَيْ آدَمَ اللذين قَرَّبا القربان ما كانا ابْنَيْ آدم لِصُلْبِهِ ، وإنما كانا رَجُلَيْن من بني إسرائيل [ كانت بينهما خُصُومة ، ولم تكن القرابين إلا في بني إسرائيل ] ؛ لقوله تعالى في آخر القصَّة : { مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي ٱلأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِيعاً } [ المائدة : 32 ] . وصدور الذنب من ابني آدم ، لا يصلح أن يكون سَبَباً لإيجاب القِصَاص عليهم زَجْراً لهم عن المُعَاوَدَة إلى مثل هذا الذَّنب ، ويَدُلُّ عليه أيضاً أنَّ المقصود من هذه القِصَّة : بيان أنَّ اليَهُود من قديم الدَّهر مُصِرُّونَ على التَّمَرُّدِ والحسد حتى بلغ بهم هذا الحَسَد إلى أن أحدهما لما قَبِلَ اللَّهُ قربانه حَسَدَه الآخر وقتله ، ولا شكَّ أن هذا ذَنْبٌ عَظِيمٌ . فإنَّ قَبُولَ الْقُرْبَانِ ممَّا يدل [ عليه أن صَاحِبَه ] حسن الاعتقاد [ وأنه ] مقبول عند اللَّه - تعالى - فَتَجِبُ المُبَالَغَةُ في تَعْظِيمه ، فلما أقدم على قَتْلِهِ [ وَقَتَلَهُ ] مع هذه الحالة دَلَّ ذلك على أنَّهُ قد بَلَغَ في الحَسَد أقصى الغايات ، وإذا كان المرادُ أنَّ الحسَد داءٌ قديمٌ في بَنِي إسْرَائِيلَ ، وجب أن يقال : [ هذان الرَّجلان ] كانا من بَنِي إسْرَائيلَ ، والصَّحيح الأول ؛ لأنَّ القاتل جهل ما يَصْنَع بالمقَتُول ، حتى تعلَّم ذلك من عَمَل الغراب ولو كان من بَنِي إسرائيلَ لما خَفِي عليه هذا الأمْر - والله سبحانه أعلم - . فصل قوله تعالى : " بالحقِّ " فيه ثلاثةُ أوجهٍ : أحدُها : أنه حَالٌ من فاعل " اتْلُ " أي : اتلُ ذلك حال كونك مُلْتَبساً بالحقِّ أي : بالصِّدق ، وموافقاً لما في التَّوْراة والإنْجِيل . والثاني : أنه حال من مَفْعُوله وهي " نَبَأ " ، أي : اتلُ نبأهُمَا مُلْتَبساً بالصِّدْقِ مُوافِقاً لما في كُتُب الأوَّلين لتثبت عليهم الحُجَّةُ برسالتك . الثالث : أنه صِفَةٌ لمصدر " اتْلُ " ، أي : اتْلُ ذلك تلاوةً مُلْتَبِسة بالحقِّ والصِّدق كافَّة . وَالزَّمَخْشَرِيُّ به بدأ ، وعلى الأوْجُهِ الثلاثة فـ " البَاءُ " للمُصَاحبة وهي متعلِّقَة بمحذُوف . وقَرَأ أبُو عَمْرٍو بتسكين الميم من " آدَم " قبل بَاءِ " بالْحَقِّ " ، وكذا كل مِيمٍ قبلها مُتَحرك ، وبعدها بَاء ، ومعنى الكلام : واتْلُ عليهم نبأ ابْنَيْ آدم بالغَرض [ الصحيح ] ، وهو تَقْبِيح الحسد ، والبَغْي وقيل : لِيَعْتَبِرُوا به لا لِيَحْمِلُوهُ على اللَّعِبِ ، كالأقاصيص التي لا فائدة فيها ، وهذا يَدُلُّ على أنَّ المقصود من ذكر القصص العبرةُ لا مجرَّد الحكاية ، لقوله تعالى : { لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ } [ يوسف : 111 ] . قوله تعالى : { إِذْ قَرَّبَا [ قُرباناً ] } فيه ثلاثةُ أوجهٍ : أحدها : وبه بدأ الزَّمخشريُّ ، وأبو البقاء : أن يكون متعلِّقاً بنفس النَّبأ ، أي : قصّتُهما ، وحديثهما في ذلك الوَقْت ، وهذا وَاضِح . والثاني : أنه بَدلٌ من " نبأ " على حَذْف مضافٍ ، تقديره : " واتْلُ " عَلَيْهِم النَّبأ ذلك الوقت ، كذا قدَّره الزَّمَخْشَرِيُّ . قال أبُو حَيَّان : " ولا يجُوز ما ذكر ؛ لأن " إذْ " لا يُضَاف إليها إلا الزَّمانُ و " نبأ " ليس بزمان . الثالث : ذكره أبُو البَقَاءِ [ أنه حال من " نبأ " [ وعلى هذا فيتعلق بِمَحذُوف ] ، لكنَّ هذا الوجه غَيْر وَاضِح ] . قال أبو البَقَاء : ولا يجوز أن يكون ظرفاً لـ " اتْلُ " ؛ قلت : لأنَّ الفعل مستقبل ، و " إذ " وقت ماضٍ ، فكيف يَتلاقَيَان ؟ و " الْقُرْبَانُ " فيه احْتِمَالان : أحدهما : وبه قال الزَّمَخْشَرِيُّ : " أنه اسم لما يُتَقَرَّبُ به ، كما أنَّ الْحُلْوَانَ اسم ما يُحَلَّى أو يُعْطى " . يقال : " قَرَّبَ صَدَقةً وتقرَّب بها " ؛ لأن " تقرَّب " مطواع " قرَّب " . قال الأصْمَعِيُّ : [ تقربوا ] " قِرْفَ القَمع " فيعدَّى بالباء حتى يكون بمعنى : قَرَّبَ ، أي : فيكون قوله : { إِذْ قَرَّبا قُرْباناً } يَطْلُبُ مُطَاوِعاً له ، والتَّقْدِير إذْ قَرَّبَاهُ ، فتقرَّبا بِهِ وفيه بُعْدٌ . قال أبُو حَيَّان : " وليس تقرَّب بصدقة مطاوع " قَرَّب صدقة " لاتحاد فاعل الفعلين ، والمُطاوَعَةُ يَخْتَلِفُ فيها الفاعل يكونُ من أحدهما فعل ، ومن الآخَرِ انفعال ، نحو : كَسَرْتُه فانكسر ، وفَلَقْتُه فانْفَلَق ، فليس قَرَّبَ صَدَقَةً ، وتقرَّبَ بها ، من هذا البَابِ ، فهو غلط فَاحِشٌ " . قال شهاب الدِّين : وفيما قاله الشَّيْخ نظر ؛ لأنَّا نُسَلِّم هذه القاعدة . والاحتمال الثاني : أن يكون في الأصْل مَصْدراً ، ثم أطلق على الشيء المُتقرّب به ، كقولهم " نَسْج اليَمَن " ، و " ضَرْب الأمير " . ويُؤيِّد ذلك أنه لم يُثَنِّ ، والموضعُ موضعُ تَثْنِية ؛ لأنَّ كلاً من قَابيل وهَابيل له قُرْبان يَخُصُّه ، فالأصل : إذ قَرَّبا قُرْبَانين ولأنه لم يُثَنِّ [ لأنه مصدر في الأصل ، وللقائل بأنه اسم ما يتقرّب به لا مصدر أن يقول : إنما لم يُثَنِّ ] ؛ لأن المعنى - كما قاله أبو عَلِيّ الفَارسيّ - : إذ قَرَّبَ كلُّ واحدٍ منهما قُرْبَاناً ، كقوله تعالى : { فَٱجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً } [ النور : 4 ] أي : كل واحد منهم . قال ابن الخطيب : جَمَعَهما في الفِعْل ، وأفرد الاسْم ليستدل بِفِعْلهما على أنَّ لكلِّ واحدٍ منهما قُرْباناً . وقيل : إنَّ القُرْبَان اسم جنس فهو يَصْلُح للوَاحِد والعَدَد . وقوله تعالى : { فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ ٱلأَخَرِ } . قال أكثر المُفَسِّرِين : كان علامَةُ القبول أن تأكله النَّار ، وقال مُجَاهد : علامة الردِّ أن تأكله النَّار . وقيل : لم يكن في ذلك الوَقْتِ فقير يُدفَع إليه ما يتقرَّب به إلى الله - تعالى - ، فكانت تَنْزِلُ من السَّمَاء نار تأكلُهُ . وإنما صار أحد القُرْبَانَيْن مقبولاً والآخر مردوداً ؛ لأنَّ [ حصول ] التَّقوى شرط في قُبُول الأعْمَال لقوله تعالى هاهنا حِكَاية عن المُحِقِّ { إنَّما يَتَقَبَّل اللَّهُ مِنَ المُتَّقِين } ، وقوله تعالى فيما أمَرنا به من القُرْبان بالبدن : { لَن يَنَالَ ٱللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَآؤُهَا وَلَـٰكِن يَنَالُهُ ٱلتَّقْوَىٰ مِنكُمْ } [ الحج : 37 ] فأخبر أنَّ الذي يصل إليه لَيْس إلاَّ التَّقوى ، والتَّقْوى من صفات القُلُوبِ ؛ لقوله - عليه السلام - : " " التَّقْوى هَاهُنَا " وأشار إلى القَلْب " وحقيقة التَّقْوى : أن يكون على خَوْف ووَجَل من تقصير نَفْسه في تلك الطَّاعَة . وأن يكون في غَايَةِ الاحْتِرَاز من أن يَأتِي بتلك الطَّاعَة لغرض سوى مَرْضَاة الله تعالى . وألاَّ يكون فيه شركة لِغَيْر الله تعالى . قيل : إن قابيل جعل قُرْبَانه أرْدَأ ما كان عِنْده ، وأضْمَر في نفسه ألاَّ يُبَالي قُبِلَ أو لم يُقْبَلْ ، وأنه لا يزوِّج أخْتَه من أخِيه أبَداً . وقيل : كان قابيل لَيْس من أهل التَّقْوى والطَّاعة فلذلك لم يَقْبَل اللَّهُ قُرْبانه . قوله تعالى : " قال لأقْتُلَنَّك " ، أي : قال الذي لم يتقبل منه للمَقْبُول منه . وقرأ الجمهور " لأقتلنَّك " بالنون الشديدة ، وهذا جوابُ قسم مَحْذُوف وقرأه زيدٌ بالخفيفة . قال أبُو حَيَّان : [ إنما يتقبل الله مَفْعُوله مَحْذُوف ] ، لدلالة المعنى عليه ، أي : قرابينهم وأعمالهم ويجُوزُ ألاَّ يراد له مَفْعُول ، كقوله تعالى { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَٱتَّقَىٰ } [ الليل : 5 ] ، هذه الجُمْلَة قال ابن عطيَّة : " قبلها كلام محذوف ، تقديرُه : لِمَ تَقْتُلني وأنا لم أجْنِ شيئاً ، ولا ذَنْبَ لي في تَقَبُّلِ الله قرباني بدون قربانك " ؛ وذكر كلاماً كثيراً . وقال غيرُه : " فيه حذفٌ يَطُول " وذكر نحوه : ولا حَاجَة إلى تقدير ذلك كلّه ؛ إذ المعاني مفهومَةٌ من فَحْوَى الكلام إذا قُدِّرَتْ قَصِيرةً كان أحْسَن ، والمعنى هنا : لأقْتُلَنَّك حَسَداً على تَقَبُّل قُرْبَانك ، فَعَرَّضَ له بأن سَبَبَ التَّقَبُّل التَّقْوى . وقال الزَّمَخْشَرِيُّ : " فإن قلت : كيف [ كان ] قوله : { إنما يتقَبَّلُ اللَّه مِنَ المُتَّقِين } جواباً لقوله : " لأقْتُلَنَّكَ " ؟ . قلت : لمَّا كان الحَسَدُ لأخيه على تَقَبُّل قربانه هو الذي حَمَلَهُ على توعُّده بالقَتْل ، قال : إنَّما أتَيْت من قبل نفسك لانْسِلاَخها من لِبَاسِ التَّقْوَى " انتهى . وهذا ونَحْوه من تَفسِير المَعْنَى لا الإعْرَاب . وقيل : إن هذه الجملة اعْتِرَاض بَيْن كلام القَاتِل وكلام المَقْتُول والضَّمِير [ في " قال " ] إنَّما يعود إلى الله تعالى ، أي : قال الله ذلك لِرَسُوله ، فَيَكُون قد اعْتَرض بقوله { إنما يَتَقَبَّل اللَّه } بين كلام قابيل وهو : " قال لأقْتُلَنَّكَ " ، وبين كلام هَابِيل وهو : " لَئِنْ بَسَطْتَ " إلى آخره ، وهو في غاية البُعْد لِتَنافُر النَّظْم . و " اللاَّم " في قوله : " لَئِنْ بَسَطْتَ " هي المُوَطِّئة . وقوله : { مَا أنَا بِبَاسِط } جوابُ القسم المَحْذُوف ، وهذا على القاعِدَة المُقَرَّرةِ من أنَّه إذا اجْتَمَع شَرْطٌ وقسمٌ أجِيبَ سابقُهما إلا في صُورة تَقدّم التَّنْبِيه عليها . وقال الزَّمَخْشَرِي : " فإن قلت : لِم جاء الشَّرْط بلفظ الفِعْل ، والجزاء بلفظ اسم الفاعل ، وو قوله " لَئِنْ بَسَطْتَ " ، { ما أنَا بِبَاسِطٍ } ؛ قلت : ليفيد أنه لا يفعلُ هذا الوَصْفَ الشَّنِيع ، ولذلك أكَّدَهُ بـ " الباء " المفيدة لِتَأكِيد النَّفْي " . وناقَشَهُ أبُو حيَّان في قوله : [ إنَّ ] { ما أنا بِبَاسِطٍ } جزاء للشَّرْط . قال : لأنَّ هذا الجواب لِلقَسَم لا للشَّرط قال : " لأنه لو كان جواباً للشَّرط للزمته الفاء لِكَوْنه منفيًّا بـ " ما " والأداة جَازِمة ، وللزِمَهُ أيضاً تلك القَاعِدة ، وهو كَوْنه لم يجب الأسْبَق منهما " وهذا ليس بشيء ؛ لأن الزَّمَخْشَرِيَّ سماه جزاء للشَّرط لما كان دالاًّ على جزاء الشَّرْط ، ولا نَكِيرَ في ذلك [ ولكنه مُغْرى بأن يقال : قد اعترض على الزَّمَخْشَرِي ] . وقال أيضاً : وقد خالف الزمخشريّ كلامه هنا بما ذكره في " البَقَرة " في قوله تعالى { وَلَئِنْ أَتَيْتَ ٱلَّذِينَ } [ البقرة : 145 ] ، من كونه جعله جواباً للقسم سادًّا مسدّ جوابِ الشَّرْط ، وقد تقدَّم بحثه مَعَهُ هناك . فصل في معنى الآية ومعنى قوله " بَسَطْتَ " أي : مَددْتَ إليَّ يدكَ لِتَقْتُلَنِي ما أنَا بباسطٍ يدي إليْكَ لأقْتُلَكَ إنِّي أخافُ الله ربَّ العالمِين " قال عبدُ الله بن عمرو - رضي الله عنهما - : وايمُ الله إن كان المَقْتُول أشدَّ الرَّجُلَين ، ولكن مَنَعَهُ التَّحَرُّج أن يَبْسُطَ إلى أخيه يده ، وهذا في الشَّرْعِ جَائِز لمن أُريد قَتْلُهُ أن يَنْقَاد ويَسْتَسْلِم طلباً للأجْر ، كما فعل عُثْمان - رضي الله تعالى عنه - و " قال النبي صلى الله عليه وسلم لمحمَّد بن مسلمة - رضي الله عنه - ألق كمك على وجهك وكن عبد الله المَقْتُول ولا تكن عبد الله القاتِل " . وقال مجاهد : " كتب عليهم في ذلك الوَقْتِ إذا أراد رَجُلٌ قَتْلَ رجل أنَّه لا يَمْتَنِع ويصْبر " . قوله تعالى : { إِنِّيۤ أُرِيدُ أَن تَبُوۤأَ بِإِثْمِي } ، فيه ثلاثة تأوِيلات : أحدها : على حَذْفِ همزة الاستفهام تقديره : أإنِّي أريد ؛ وهو استفهام إنكَار ؛ لأن إرادة المَعْصِيَة قبيحَةٌ ، ومن الأنْبِيَاء أقبح ؛ فهم معْصُومُون عن ذلك ، ويؤيِّد هذا التَّأويل قراءة من قرأ " أنَّى أريد " بفتح النون ، وهي " أنَّى " التي بمعنى " كَيْفَ " ، أي : كيف أريد ذلك . والثاني : أنَّ " لا " محذوفةٌ تقديره : إني أريدُ أن لا تَبُوء ، كقوله تعالى : { يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ } [ النساء : 176 ] ، وقوله تعالى : { رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ } [ النحل : 15 ] ، أي ألاّ تضلّوا وألا تميد وهو مستَفِيضٌ وهذا أيضاً فرار من إثْبَات الإرَادَة له ، وضعَّفَ بعضهم هذا التَّأويل بقوله - عليه الصلاة والسلام - : " لا تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْماً إلاَّ كانَ على ابْنِ آدمَ الأوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِها ؛ لأنَّهُ أوَّلُ مَنْ سَنَّ القَتْلَ " . فثبت بهذا أن الإثْمَ حاصلٌ ، وهذا الَّذي ضعَّفه به غير لاَزِم ؛ لأن قائِل هذه المقالة يقول : لا يلزم من عَدَمِ إرادَته الإثْم لأخيه عَدَم الإثم ، بل قد يريد عدمه ويَقَع . الثالث : أن الإرادة على حَالها ، وهي : إمَّا إرادة مَجَازية ، أو حقيقيَّة على حَسَبِ اختلاف المُفسِّرين في ذلك ، وجَاءَت إرادة ذلك به لمعانٍ ذكرُوها ، من جملتها : أنَّه ظهرت له قَرائِن تدلُّ على قرب أجلهِ ، وأنَّ أخاه كافر ، وإرادة العُقُوبَة بالكافر حَسَنة . وقوله : " بِإثْمِي " في مَحَلِّ نصبٍ على الحال من فاعل " تبُوء " أي : ترجعُ حاملاً له ومُلْتبساً به ، وقد تقدم نَظِيرُه في قوله { فَبَآءُو بِغَضَبٍ } [ البقرة : 90 ] وقالوا : لا بُدَّ من مُضافٍ ، فقدَّره الزَّمَخْشَرِيُّ " بمثلَ إثمي " قال : " على الاتِّسَاع في الكلام ، كما تقول : قرأت قراءة فلان ، وكتبت كِتَابَته " . وقدَّره بعضهم " بإثْمِ قَتْلِي ، وإثم معصِيَتك التي لم يُقبل لأجلها قُرْبَانك ، وإثْم حسدك " . وقيل : معناه إنِّي أريد أن تَبُوءَ بعقاب قَتْلي فتكون إرادة صَحِيحَة ؛ لأنَّها موافقة لِحُكم الله - عزَّ وجلَّ - ، ولا يكون هذا إرادة للقَتْل ، بل لموجِبِ القتل من الإثْم والعِقَاب رُوِي أن الظَّالم إذا لم يَجِد يوم القِيَامة ما يرضي خَصْمَه ، أُخِذَ من سيِّئَات المَظْلُوم وحمل على الظَّالم ، فعلى هذا يَجُوز أن يُقَال : إنِّي أُريد أن تَبُوء بإثْمي في قَتْلِك ، وهذا يَصْلُح جواباً . قوله " فَطَوَّعَتْ " الجمهورُ على " طَوَّعَتْ " بتشديد الواو من غير ألف بمعنى " سَهلت وبعثت " أي : جَعَلْته سهلاً ، تقديره : بعثت له نفسه أنَّ قتل أخيه طَوْعاً سهل عليه . قال الزَّمَخْشَرِي : " وسَّعَتْه ويسَّرَتْه من طاعَ له المرْتَعُ إذ اتَّسع " انتهى . وقال مجاهد : شجّعْتُه . وقال قتادة : زيَّنْتُ له نفسه ، والتَّضْعيف فيه للتَّعْدِية ؛ لأنَّ الأصل : طَاعَ له قَتْلُ أخيه ، أي : انْقَادَ من الطَّواعِية ، فعُدّي بالتَّضعيف ، فصار الفاعلُ مَفْعُولاً كحاله مع الهَمْزَة . وقرأ الحسن ، وزَيْد بن علي وجماعة كثيرة " فَطَاوعتْ " ، وأبدى الزَّمَخْشَرِيُّ فيها احتِمَالَيْن : أحدهما : أن يكُون ممَّا جاء فيه " فَاعَلَ " لغير مُشاركة بين شَيْئيْن ، بل بمعنى " فَعَّل " نحو : ضَاعَفْتُه وضَعَّفْته ، وناعَمْتُهُ ونَعَّمْتُه ، وهذان المثالان من أمثلة سِيبويه . قال : " فجاءوا به على مثال عاقَبْتُه " . قال : وقد تجيء : " فاعَلْتُ " لا تريدُ بها عمل اثْنَيْن ، ولكنَّهم بَنَوْا عليه الفِعْل كما بَنَوْه على " أفْعَلْتُ " ، وذكر أمْثِلَة منها : " عَافَاهُ اللَّه " ، وقَلَّ مَنْ ذكر أن " فَاعَل " يجيءُ بمعنى " فعّلْتُ " . والاحتمال الثاني : أن تكون على بَابِهَا من المُشَاركة ، وهو أنَّ قَتْل أخيه كأنه دَعَا نَفْسَه إلى الإقْدَام عليه فَطَاوعته انتهى . وإيضاحُ العبارة في ذلك أنْ يُقَال : جعَل القَتْل يدعو إلى نفسه لأجل الحسد الذي لَحِقَ قَابِيل ، وجعلت النَّفسُ تَأبى ذلك وتَشْمَئِزُّ منه ، فكُلٌّ منهما - أعني القَتْلَ والنَّفْسَ - كأنه يريد من صاحِبِه أن يُطِيعَه إلى أن غَلَبَ القَتْلُ النَّفسَ فطاوعته ، و " له " مُتعلِّق بـ " طوَّعت " على القِرَاءتَيْن . قال الزَّمَخْشَرِيُّ : و " له " لزيادة الرَّبْط ، كقولك : حَفِظْتُ لزيْد ماله . يعني أنَّ الكلام تامٌّ بِنَفْسه . ولو قيل : فَطَوَّعَتْ نفسُه قَتْل أخيه ، كما كان كَذَلك في قولك " حَفِظْتُ مالَ زَيْد " فأتى بهذه " اللاَّم " لقوة رَبْط الكلام . قال أبو البقاء : وقال قوم : طاوَعَتْ تتعدَّى بغير " لاَم " ، وهذا خَطَأٌ ؛ لأنَّ التي تتعدى بغير اللاَّم تتعدى لِمَفْعُول واحد ، وقد عَدَّاهُ هنا إلى قَتْلِ أخِيه . وقيل : التَّقْدِير : طاوَعَتْه نفسه قَتْل أخيه ، فزاد " اللاَّم " وحذف " عَلَى " ، أي : زاد اللاَّم في المفعول به وهو " الهَاء " ، وحذف [ " على " الجارَّة لـ " قَتْل أخِيه " ] . قالت المُعْتَزِلَةُ : لو كان خالق الكلِّ هو الله لكان ذلك التَّزيين والتَّطْويع مُضافاً إلى الله - تعالى - لا إلى النَّفْس . والجواب : أنَّ الأفعال لما استَنَدَت إلى الدَّوَاعي ، وكان فاعل تِلْك الدواعي هو الله فكان فاعل الأفْعَال كلها هو الله - تعالى - ثم قال تعالى " فَقَتَلَهُ " ، قيل : لم يَدْر قابيل كيف يَقْتُل هَابِيل . قال ابن جُرَيْج : فتمثَّل له إبليس ، فأخذ طَائِراً ووضَع رأسَه على حَجَرٍ ، ثم شَدَخَ له حجراً آخر ، وقَابيل يَنْظُر إلَيْه فعلَّمه القتل ، فرضَخَ قابيل رَأسَ هَابِيل بين حَجَرَيْن ، قيل : قتله وهو مُسْتَسْلِمٌ ، وقيل : اغْتَالَه وهو نَائِمٌ . وكان لهابيل يوم قُتل عشرون سنة ، واخْتَلَفُوا في موضع قَتْله : قال ابن عبَّاس - رضي الله عنهما - على جبل ثَوْر ، وقيل : عند عقبة حراء ، وقيل : بالبَصْرَة عند موضع المَسْجد الأعْظَم ، فلمَّا قتله تركه بالعَرَاء ولم يدر ما يصنع به ؛ لأنَّه كان أول ميِّت على وَجْهِ الأرْض من بَنِي آدم ، وقصده السِّباع فَحَمَلَه في جراب على ظَهْرِه أرْبَعِين يَوْماً . وقال ابن عبَّاس - رضي الله عنهما - : سَنَة حتى أروح ، وعَكَفَت عليه الطَّيْر والسِّبَاع تَنْظُر متى يرمي به فَتَأكله ثم قال : { فَأصْبَح مِن الخَاسِرِين } : الحائرين . قال ابن عبَّاسٍ - رضي الله عنهما - خسر دُنْيَاه وآخِرته أما الدُّنْيَا : فإنه أسْخَطَ والديه ، وَبقِي مذمُوماً إلى يوم القِيَامة ، وأما الآخِرة : فهي العِقَابُ الدَّائِم العَظِيم . قيل : إنَّ قابيل لما قتل أخاه [ هابيل ] ، هرب إلى عدن من أرْضِ اليمن ، فأتاه إبْليس فقال له : إنَّما أكلت النَّارُ قُرْبَان هَابِيل ؛ لأنَّه كان يَخْدُم النَّار ويعبُدُها ، فإن عَبدت أنت أيضاً النَّار حصل مَقْصُودك ، فبنى بيت نَارٍ وهو أوَّل من عبد النَّار ، ورُوِي أنَّه لما قَتَلَهُ اسْوَدَّ جَسَدُهُ وكان أبْيَض ، فَسَألَهُ آدم عن أخِيه ، فقال : ما كُنْت عليه وَكِيلاً ، فقال : بل قَتَلْته ، ولذلك اسوَدَّ جَسَدُك ، ومكث آدَمُ بَعْدَه مائة سنة لم يضَحْكَ قطّ . قال الزمخشري : روي أنَّه رَثَاهُ بِشِعْر ، وهو كَذِب بحت والأنبياء معْصُومون عن الشِّعر روى أنس - رضي الله عنه - قال : " سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن يوم الثلاثاء فقال : " يوم الدَّم فيه حاضَت حَوَّاء ، وفيه قتل ابنُ آدم أخَاه " " .