Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 36-37)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قد تقدم الكلام على " أنَّ " الواقعة بعد " لو " على أنَّ فيها مَذْهَبيْن . و " لَهُمْ " خبر لـ " أنَّ " ، و { مَا فِي الأرْض } اسمها ، و " جميعاً " توكيد لهُ ، أو حال منه و " مِثلَه " في نَصْبِه وجهان : أحدهما : عطف على اسم " أن " وهو " مَا " الموصولة . والثاني : أنه منصُوب على المَعِيَّة ، وهو رأي الزَّمخْشَرِي ، وسيأتي ما يرد على ذلك والجوابُ عنه . و " معهُ " ظرف واقع موقع الحال . [ " واللام " ] متعلِّقة بالاستِقْرَار الذي تعلَّق به الخبر ، وهو " لَهُمْ " . و " به " و " مِنْ عذاب " متعلِّقان بالافْتِدَاء ، والضَّمير في " بِهِ " عائدٌ على " مَا " الموصولة ، وجيء بالضَّمِير مُفْرَداً وإن تقدَّمه شَيْئَان وهما { مَا فِي الأرْض } و " مِثْلَهُ " ، إما لتلازُمهمَا فهما في حُكْم شيء واحد ؛ وإما لأنَّه حذف من الثَّانِي لدلالة ما في الأوَّل عليه ، كقوله رحمة الله عليه : [ الطويل ] @ 1960 - … فَإنِّي وَقَيَّارٌ بِهَا لَغَرِيبُ @@ أي : لو أنَّ لهم ما في الأرض لِيَفْتَدُوا به ، ومثله معه ليفْتَدُوا به وإما لإجراء الضمير مُجْرَى اسم الإشارة ، كقوله : [ الرجز ] @ 1961 - … كَأنَّهُ فِي الجِلْدِ … @@ وقال بعضهم : ليفْتَدُوا بذلك المَال . وقد تقدم في " البقرة " . و " عذاب " بمعنى : تَعْذِيب بإضافته إلى " يَوْم " خرج " يَوْم " عن الظرفية ، و " مَا " نَافِية وهي جواب " لَوْ " ، وجاء على الأكْثَر من كونِ الجواب النَّفي بغير " لام " ، والجملة الامْتِنَاعية في محل رفع خبراً لـ " إن " ، وجعل الزَّمَخْشَرِيُّ توحيد الضَّمير في " بِهِ " لمَدْرك آخر ، وهو أنَّ " الوَاو " في " ومِثْلَهُ " [ واو " مع " قال بعد أن ذكر الوجهين المتقدمين : ويجُوزُ أن تكُونَ الواوُ في " ومِثله " ] بمعنى " مَعَ " فيتوحد المَرْجُوع إليه . فإن قُلْتَ : فبم يُنْصب المَفْعُول معه ؟ . قلت : بما تسْتَدْعِيه " لَوْ " من الفعل ؛ لأن التَّقدير : لو ثبت أنَّ لَهُمْ ما في الأرض ، يعني : أنَّ حكم ما قبل المفعُول معه في الخَبَرِ والحَالِ ، وعود الضَّمِير حكمه لو لم يكن بعده مفعول معه ، تقول : " كُنْتُ وَزَيْدَاً كالأخِ " قال الشاعر : [ الطويل ] @ 1962 - فَكَانَ وَإيَّاهَا كَحَرَّانَ لَمْ يُفِقْ عَنِ المَاءِ إذْ لاَقَاهُ حَتَّى تَقَدَّدَا @@ فقال : " كَحَرَّان " بالإفْرَاد ولم يقُلْ : " كحرَّانَيْن " ، وتقول : " جَاءَ زَيْدٌ وهنْداً ضاحِكاً في داره " . وقد اختار الأخْفَشُ أن يُعطى حُكْم المُتَعَاطفين ، يعني : فَيطَابق الخبر ، والحَال ، والضمير له ولما بَعْده ، فتقول : " كُنْتُ وَزيْداً كالأخوين " . قال بعضهم : والصَّحِيح جوازه على قِلِّة . وقد رد أبُو حيَّان على الزمخشري ، وطوَّل معه . قال شهاب الدِّين : ولا بد من نَقْل نصِّه ؛ قال : وقول الزمَخْشَرِي ويجُوزُ أن تكون " الواو " بمعنى " مع " ليس بِشَيْء ؛ لأنَّه يصير التقدير : مع مثله معه ، أي : مع مِثْل ما في الأرْضِ [ مع ما في الأرض ] إن جعلت الضَّمِير في " مَعَه " عائِداً على " مَا " يكون معه حَالاً من " مِثْله " . وإذا كان مَا في الأرض مع مثله كان مثله معه ضرورة ، فلا فائدة في ذكر " معه " لملازمة معيّة كل منهما للآخر . وإن جعلت الضمير عائداً على " مثله " ، أي : مع مثله مع ذلك المثل ، فيكون المعنى مع مِثْلَيْنِ ، فالتَّعْبِير عن هذا المَعْنَى بتلك العِبَارة عَيِيٌّ ؛ إذ الكلام المُنْتَظِم أن يكون التَّرْكيب إذا أُريد ذلك المعنى مع مِثْلَيْهِ . وقول الزَّمَخْشَرِي : " فإن قُلْت " إلى آخِر الجواب [ هذا السؤال ] لا يرد ؛ لأنَّا قد بَيَّنَّا فسادَ أن يكون " الوَاو " واو " مَعَ " ، وعلى تقدِير وُرودِه فهذا بناء منه على أنَّ [ " أن " ] إذا جاءت بعد " لَوْ " كانت في مَحَلِّ رفع بالفاعليّة ، فيكون التقدير على هذا لو ثَبَتَ كينونة ما في الأرْضِ مع مثله لهم لِيَفْتَدُوا به ، فيكون الضَّمِير عائِداً على " مَا " فقط . وهذا الذي ذكره هو تَفْريعٌ منه على مذهَب المُبَرِّد في أنَّ " أن " بعد " لَوْ " في محل رفع على الفاعليَّة ، وهو مذهب مرجُوحٌ ، ومذهب سيبويه : أن " أنَّ " بعد " لَوْ " في محلِّ رفع مُبْتَدأ . والذي يظهر من كلام الزَّمخْشَرِي هنا وفي تصانيفه أنَّهُ ما وَقَفَ على مذهب سيبويْه في هذه المسألة . وعلى المفرع على مذهَب المُبَرِّد لا يجوز أن تكون " الوَاوُ " بمعنى " مَعْ " والعامِلَ فيها " ثَبَتَ " المقدَّرة لما تقدم من وجود لفظة " مَعَهُ " ، وعلى تقديره سُقُوطها لا يصحُّ ؛ لأن " ثَبَتَ " ليس رَافِعاً لـ " مَا " العائد عليها الضمير وإنما هو رَافِعٌ مصدراً مُنْسَبكاً من " أن " وما بعدها ، وهُو كونُ ؛ إذ التقدير لو ثَبَتَ كون ما في الأرض جَمِيعاً لهم ومِثْله معه لِيَفْتدُوا به ، والضمير عَائِد على [ ما ] دُون الكوْنِ ، فالرَّافِع الفاعِل غير النَّاصب للمفعُول معه ، إذ لو كان إيَّاه للزم من ذلك وجود الثُّبُوت مُصَاحباً للمثل [ والمعنى على كينونة ما في الأرض مُصاحباً للمثل ، لا على ثُبُوت ذلك مُصَاحِباً للمثل ، ] وهذا فيه غُمُوض . وبيانُهُ : أنَّك إذا قلت : " يُعْجِبُني قيام زَيْد وعَمْراً " ، جعلت " عمراً " مفعُولاً معه ، والعامِلُ فيه " يُعْجُبني " [ لزم ] من ذلك أن " عَمْراً " لم يَقُمْ ، وأعجبك القِيَامُ وعمرو . وإن جَعَلْتَ العامل فيه القِيَام : كان عمرو قَائِماً ، وكان الإعْجَاب قد تعلَّق بالقيام مصاحباً لقيام عَمْرو . فإن قلت : هلاّ كان " ومِثْلَهُ مَعَهُ " مفعولاً معه ، والعامِلُ فيه هو العَامِلُ في " لَهُمْ " ؛ إذ المَعْنَى عليه ؟ . قلت : لا يَصِحُّ ذلك لِمَا ذكرْنَاه من وجود " مَعَهُ " في الجُمْلَة ، وعلى تقديرِ سُقُوطِهَا لا يصحُّ ؛ لأنَّهُم نَصُّوا على أنَّ قولك : " هَذَا لَكَ وأبَاك " ممنوع في الاختيار . قال سيبويْه : وأما " هَذَا لَكَ وأبَاك " فَقَبيحٌ ؛ لأنَّه لم يذكر فِعْلاً ولا حَرْفاً فيه معنى فعل حتى يَصِير كأنَّه قد تكلَّم بالفعل ، فأفْصَح سيبويه بأن اسْم الإشَارَة وحرف الجر المتضمن [ المعنى الاستقرار لا يعملان في المفعول معه وقد أجاز بعض النحويين في حرف الجر والظرف أن يعملا ] نحو " هذا لك وأباك " . فقوله : " وأبَاكَ " يكون مفعُولاً مَعَهُ ، والعَامِلُ الاستِقْرَار في " لَكَ " . انتهى . ومع هذا الاعتراض الذي ذكره ، فقد يَظْهر عنه جوابٌ ، وهو أنَّا نقول : نختار أن يكون الضَّمِير في قوله : " مَعَهُ " عائداً على " مِثْله " ويَصِيرُ المعنى : مع مِثْلَين ، وهو أبْلَغُ من أن يكون مع مِثْل واحد . وقوله : " تَرْكِيبٌ عَيِيٌّ " فَهْم قَاصِرُ ، ولا بُدَّ من جُمْلَةٍ محذُوفَة قَبْل قوله : { ما تُقبِّلَ مِنْهُم } تقديره : وَبذَلُوه ، أو وافْتَدُوا به ، ليصِحَّ التَّرْتيب المذكُور ؛ إذ لا يترتَّب على اسْتِقْرَار ما فِي الأرْض جَمِيعاً ومثله معه لهم عدم التَّقبُّل ، إنما يترتَّب عدم التَّقَبُّل على البَذلِ والافْتِدَاء والعامَّة على " تُقُبِّل " مبنياً [ للمفعول حذف فاعله لعظمته وللعلم به . وقرأ يزيد بن قطيب : " ما تقبَّل " مبنياً للفاعل ] وهو ضميرُ البَارِي تبارك وتعالى . قوله [ تعالى ] " ولَهُمْ عَذابٌ " مبتدأ وخبرُهُ مُقَدَّمٌ عليه ، و " ألِيمٌ " صفته بمعنى : مُؤلِمٌ ، وهذه الجُمْلَة أجَازُوا فيها ثلاثة أوجه : أحدها : أن تكون حالاً ، وفيه ضَعْفٌ من حيث المعنى . المعنى الثاني : أن تكون في مَحَلِّ رفع عَطْفاً على خَبَرِ " أن " أخبر عن الذين كفروا بخبرين لو استقرَّ لَهُمْ جَمِيعُ ما في الأرضِ مع مثله فَبَذلُوه ، لم يُتَقَبَّلْ مِنْهُم وأنَّ لهم عَذَاباً أليماً . الثالث : أن تكون مَعْطُوفة على الجُمْلَة من قوله : { إن الذين كفرُوا } ، وعلى هذا فلا مَحَلَّ لها ؛ لِعَطْفها على ما لا مَحَلَّ له . وقوله تعالى : { يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُواْ } كقوله تعالى : { يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ } [ النساء : 28 ] وقد تقدَّم . والجُمْهُور على " أن يَخرُجُوا " مَبْنيّاً للفاعل وقرأ يحيى بن وثَّاب ، وإبْرَاهيم النَّخْعي " يُخْرجُوا " مبنياً للمفعُول وهما واضحتان ، والمقصُود من هذا الكلام لُزُوم العذابِ لَهُمْ ، وأنَّهُ لا سَبيلَ لهُمْ إلى الخلاصِ مِنْهُ وإرادتهم إلى الخُرُوجِ تحْتَمِلُ وجهيْن : الأوَّل : أنهم قصدوا وطلبُوا المخرج مِنْها ، كقوله تعالى { كُلَّمَآ أَرَادُوۤاْ أَن يَخْرُجُواُ مِنْهَآ أُعِيدُواْ فِيهَا } [ السجدة : 20 ] . قيل : إذا [ لَفَحَتْهُم ] النَّار إلى فوق فهُنَاك يتمنُّون الخُرُوج . وقيل : يَكادُون أن يخْرُجُوا من النَّار ؛ لِقُوَّة النَّارِ ورفعها للمُعَذَّبين . والثاني : أنهم يتمَنُّون ذلك ويريدُوه بِقُلُوبهم . فصل احتجَّ أهْلُ السُّنَّة بهذه الآية على أن الله تعالى يُخْرِج من النار من قال : لا إله إلا الله مُخْلِصاً ؛ لأنَّه تعالى جعل هذا المعنى من تَهْديدات [ الكُفَّار ، وأنواع ما خَوَّفهم به ، ولولا أنَّ هذا المعنى يختصُّ بالكفار وإلا لم يكن لِتخصيص ] الكُفَّار به معنى ، ويؤكده قوله { وَلَهُمْ عذابٌ مُقِيمٌ } ، وهذا يفيد الحصر ، فكان المعنى : ولهم عذابٌ مقيمٌ لا لِغَيْرهم كما أن قوله { لَكُم دينكُمْ } لا لغيركم ، فهاهُنَا كذلك .