Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 7-7)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - سبحانه - : { وَٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ } الآية . لما ذَكَر التَّكَالِيفُ أرْدَفَهُ بما يُوجِبُ عَلَيْهِمْ القبُول والانْقِيَاد ، وذلك مِن وَجْهَيْن : الأوَّلُ : كَثْرَةُ نِعَم اللَّهِ عَلَيْهِم ؛ لأنَّ كَثْرَة النِّعَمِ تُوجِبُ على المُنْعِمِ عَلَيْه الاشْتِغَالَ بِخِدْمَةِ المُنْعمِ ، والانْقِيَاد لأوَامِرِه ونَوَاهِيه . وقال : " نِعْمَةَ اللَّه " ولمْ يَقُلْ " نِعَم اللَّهِ " ؛ لأنَّ هذا الجِنْسَ لا يَقْدِرُ عَلَيْه غير اللَّه ؛ لأنَّ نِعْمَة الحَيَاةِ ، والصِّحَّة ، والعَقْل ، والهِدَايَةِ ، والصَّوْن من الآفَاتِ ، وإيصَال الخَيْرَاتِ في الدُّنْيَا والآخِرَة شيء لا يَعْلَمُهُ إلاَّ الله تعالى ، وإنَّما المُرادُ [ التَّأمُّل ] في هذا النَّوْع مِن حَيْثُ إنَّهُ مُمْتَازٌ عن نِعْمَةِ غَيْرِهِ . والوجه الثاني في السببِ المُوجبِ للانْقِيَادِ للتَّكَالِيفِ : هُوَ المِيثَاقُ الذي واثَقَكُمْ بِهِ . فإن قِيلَ : [ قوله ] { وَٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ } مشعِرٌ بسَبْقِ النِّسْيَان : وكَيْفَ يُمْكِن نِسْيَانُها [ مع أنها ] مُتَوَاتِرَةٌ متَوالِيَةٌ [ علينا ] في جَميعِ السَّاعَاتِ والأوْقَاتِ ؟ فالجَوابُ : أنَّها لِكَثْرتها وتعاقُبها صارتْ كالأمْرِ المُعْتَاد ، فصارت غَلَبَةُ ظُهُورِهَا وكَثْرتها سَبباً لِوُقوعِهَا مَحَلَّ النِّسْيَان . فصل في تفسير الميثاق اختَلَفُوا في تَفْسِير هذا الميثاقِ ، فقال أكْثَرُ المُفَسِّرين : هو العَهْدُ الذي عَاهَدَ اللَّه عَلَيْه المُؤمنين حين بَايَعُوا رَسُول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم وشرَّف وكرم - تَحْتَ الشَّجَرَةِ وغَيْرها على أن يكُونُوا على السَّمْعِ والطاعَةِ في [ المَحْبُوبُ والمكروه ] ؛ وأضَافَ الميثاقَ الصَّادِر عن الرَّسُول إلى نَفْسِهِ ، كقوله تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ ٱللَّهَ } [ الفتح : 10 ] ، وأكَّدَ ذَلِكَ بأنَّهم التزمُوا وقالُوا : " سَمِعْنَا وأطَعْنَا " ، ثم حذَّرَهم عن نَقْضِ تِلْك العُهُود فلا تَعْزِمُوا بقلوبكم على نَقْضِهَا ، فاللَّهُ يَعْلَم ذلك ، وكَفَى به مُجَازِياً . وقال ابْنُ عَبَّاسٍ : هو المِيثاقُ الذي أخذه اللَّه على بَنِي إسْرائِيل حين قالُوا : آمَنَّا بالتَّوْرَاة وبكُلِّ ما فيها ، وكان من جُمْلة ما في التَّوْرَاةِ البِشَارَةُ بمقدم مُحَمَّد - عليه الصلاة والسلام - . وقال مُجَاهِدٌ والكَلْبِي ومقاتلٌ : هو المِيثَاقُ الذي أخَذَهُ منهم حِين أخْرَجَهم من ظَهْر آدَم ، وأشْهَدَهُمْ على أنْفسِهم { أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ، قَالُوا : ْ بَلَى } . وقال السّديّ : المُرَاد بالمِيثاقِ : الدَّلائل العَقْلِيَّة والشَّرْعِية التي نَصَبَها اللَّهُ على التَّوْحِيدِ والشَّرائعِ . قوله تعالى : { إِذْ قُلْتُمْ [ سَمِعْنَا ] } ، في " إذْ " ثلاثةُ أوْجُه : أظهرها : أنَّهُ مَنْصوب بـ " وَاثَقَكُمْ " . الثاني : أنَّهُ مَنْصَوبٌ على الحَالِ من الهَاءِ في " بِهِ " . الثالث : أنَّهُ حال من [ " ميثاقِهِ " ] ، وعلى هذَيْن الوَجْهَيْن الأخيريْن يتعلَّقُ بمحذُوفٍ على القاعِدَة المُقَرَّرَةِ . و " قُلْتُم " في محلّ خَفْضٍ بالظَّرْف ، و " سَمِعْنَا " في محلِّ نَصْبٍ بالقَوْلِ .