Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 96-96)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

والمرادُ بالبَحْر : جَمِيعُ المِيَاهِ ، قال عُمَرُ : صَيْدُه ما اصْطِيدَ ، وجَميعُ ما يُصْطَادُ من البَحْرِ ثلاثةُ أجْنَاسٍ : الحِيتَانُ وجَمِيعُ أنْوَاعِها حلالٌ ، والضَّفَادِعُ وجميع أنواعها حَرَامٌ ، واختلَفُوا فيما سِوَى هَذَيْنِ . فقال أبو حنيفة : إنَّه حَرَامٌ ، وقال الأكثرُون : إنَّه حلالٌ لِعُمُومِ هذه الآيَة . قوله : " وطعَامُهُ " : نسقٌ على " صَيْدُ " ، أي : أحِلَّ لكمُ الصيدُ وطعامُهُ ، فالصَّيْدُ الاصْطِيَادُ ، والطَّعامُ بمعنى الإطعامِ ، أي : إنه اسمُ مصدرٍ ، ويُقَدَّرُ المفعولُ حينئذٍ محذوفاً ، أي : إطعامُكُمْ إياه أنفسكُمْ ، ويجوز أن يكون الصَّيْدُ بمعنى المَصِيد ، والهاءُ في " طَعَامُهُ " تعودُ على البَحْر على هذا أي : أُحِلَّ لكُمْ مَصِيدُ البَحْرِ وطعامُ البَحْر ؛ فالطعامُ على هذا غَيْرُ الصَّيْدِ وعلى هذا ففيهِ وجوهٌ : أحسنها ما ذكرهُ أبو بَكْر الصِّدِّيق ، وعُمَرُ - رضي الله عنهما - : أنَّ الصَّيدَ ما صِيدَ بالْحِيلَةِ حال حَيَاتِهِ - والطَّعَامُ ما رَمَى بِهِ البَحْرُ ، أو نضبَ عَنْهُ المَاءُ مِنْ غَيْرِ مُعَالَجَةٍ . وقال سعيدُ بنُ جُبَيْر ، وسعيدُ بنُ المُسَيَّب ، ومُقَاتِلُ ، والنَّخْعِي ، وعِكْرِمَةُ ، وقتادَةُ : صَيْدُ البَحْرِ هو الطَّرِيُّ ، وطعامَهُ هُو المُمَلَّحُ مِنْهُ ، وهو ضَعِيفٌ ؛ لأنَّ المملَّحُ كان طَرِيّاً وصَيْداً في أوَّلِ الأمْرِ فَيَلْزَمُ التكْرَارُ . وأيضاً : فإنَّ الاصْطِيَادَ قد يَكُون للأكْل ، وقد يَكُون لِغَيْرِه كاصْطِيَادِ الصَّدف لأجْلِ اللُّؤلُؤِ ، واصْطِيَاد بَعْضِ الحيواناتِ البَحرِيَّة لأجل عِظَامِها وأسْنَانِهَا ، فَحَصَل التَّغَايُر بين الاصْطِيَاد من البَحْرِ ، وبين الأكْل مِنْ طعامِ البَحْر . رُوِيَ عن ابن عبَّاس - وابن عُمَرَ ، وأبي هُرَيْرَة : طَعَامُهُ ما قَذَفَهُ المَاءُ إلى السَّاحِل مَيْتاً ، ويجوزُ أن تعود الهاءُ على هذا الوجهِ أيضاً على الصيْدِ بمعنى المصيدِ ، ويجوز أن يكون " طعام " بمعنى مَطْعُوم ، ويَدُلُّ على ذلك قراءة ابن عبَّاس وعبد الله بن الحارث : " وطَعْمُهُ " بضم الميم وسكون العين . قوله تعالى : " متاعاً لَكُمْ " في نصبه وجهان : أحدهما : أنه منصوبٌ على المصدر ، وإليه ذهب مكي وابن عطيَّة وأبو البقاء وغيرهم ، والتقدير : مَتَّعَكُمْ به متاعاً تَنْتَفِعُونَ وتَأتَدِمُونَ به ، وقال مكيٌّ : لأنَّ قوله : " أُحِلَّ لَكُمْ " بمعنى أمْتَعْتُكُمْ به إمْتَاعاً ؛ كقوله : { كِتَابَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ } [ النساء : 24 ] . والثاني : أنه مفعول من أجله ، قال الزمخشريُّ : " أي : أحلَّ لكُمْ تمتيعاً لكم ، وهو في المفعول له بمنزلة قوله تعالى : { وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً } [ الأنبياء : 72 ] في باب الحال ؛ لأنَّ قوله " مَتَاعاً لكُمْ " مفعولٌ له مختصٌّ بالطعام ؛ كما أنَّ " نَافِلَةً " حالٌ مختصٌّ بيعقوب ، يعني أُحِلَّ لكم طعامُه تمتيعاً لتَنَائِكُمْ تأكلونه طَرِيًّا ولسيَّارَتِكُمْ يتزوَّدونه قديداً " . انتهى ، فقد خصَّصَ الزمخشريّ كونه مفعولاً له بكون الفعْلِ ، وهو " أُحِلَّ " مسنداً لقوله : " طَعَامهُ " ، وليس علَّةً لحِلِّ الصيدِ ، وإنما هو علَّةٌ لحِلِّ الطعام فقط ، وإنما حملهُ على ذلك مذهبُهُ - وهو مذهبُ أبي حنيفةَ - ؛ من أنَّ صيدَ البَحْرِ مُنْقَسِمٌ إلى ما يُؤكَلُ ، وإلى ما لا يُؤكَلُ ، وأن طعامه هو المأكُولُ منه ، وأنه لا يقع التمثيلُ إلا بالمأكُول منه طريًّا وقَدِيداً ، وقوله " نَافِلَةً " ، يعني أنَّ هذه الحالَ مختصةٌ بيعقوبَ ؛ لأنه ولدُ ولدٍ ؛ بخلافِ إسحاقَ ، فإنه ولدُه لصُلْبه ، والنافلةُ إنما تُطْلَقُ على ولد الولدِ ، دونَ الولد ، فكذا " متاعاً " ، إلاَّ أنَّ هذا يؤدِّي إلى أنَّ الفعل الواحدَ يُسْنَدُ لفاعلين متعاطفَيْن [ يكونُ ] في إسناده إلى أحدهما معلَّلاً وإلى الآخر ليْسَ كذلك ، فإذا قلت : " قَامَ زَيْدٌ وعَمْرٌو إجلالاَ لَكَ " ، فيجوز أن يكون " قِيَامُ زيدٍ " هو المختصَّ بالإجلال ، أو بالعكْسِ ، وهذا فيه إلباسٌ ، وأمَّا ما أورده من الحالِ في الآية الكريمة ، فَثمَّ قرينةٌ أوْجَبَتْ صرْفَ الحالِ إلى أحدهما ، دون ما نحْنُ فيه من الآية الكريمة ، وأمَّا غيرُ مذهبه ؛ فإنه يكونُ مفعولاً له غير مختص بأحدِ المتعاطفيْنِ وهو ظاهرٌ جَلِيٌّ ، و " لَكُمْ " إنْ قلنا : " مَتَاعاً " مصدرٌ ، فيجوز أن يكونَ صفةً له ، ويكونُ مصدراً مبيِّناً لكونه وُصِفَ ، وإن قلنا : إنه مفعولٌ له ، فيتعلَّقُ بفعلٍ محذوفٍ ، أي : أعني لكم ؛ نحو : " قُمْتُ إجْلالاً لَكَ " ، ويجوز أن تكونَ اللام مقويةً لتعدية المصدر ؛ إذ التقديرُ : لأنْ أمَتِّعَكُمْ ، ولأنْ أجلَّكَ ، وهكذا ما جاء من نظائره . فصل معنى " مَتَاعاً لَكُمْ " أي : منْفَعَةً لكم ، وللسَّيَّارة يعني : المَارَّة ، وجُمْلَةُ حيواناتِ الماءِ على قسْمَيْن : سمك ، وغيره ، أمَّا السَّمَكُ فَمَيْتَتُهُ حلالٌ مع اخْتِلاَف أنْوَاعِهَا ، لقوله - عليه الصلاة والسلام - : " أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ السَّمَكُ والجَرَادُ " ، ولا فرق بين أنْ يَمُوتَ بِسَبَبٍ أو بِغَيْرِ سَبَبٍ . وعِنْدَ أبي حنيفةَ : لا يحلُّ إلا أن يمُوت بِسبَبٍ من وُقوع على حَجَرٍ ، أو انحِسَارِ المَاءِ عَنْهُ ، ونحو ذلك . وأمَّا غير السَّمكِ فَقِسْمَان : قِسْمٌ يَعيشُ في البَرِّ ، كالضفْدَعِ والسَّرطان ، فلا يحل أكْلُهُ . وقال مالِكٌ ، وأبو مجلز ، وعطاء ، وسعيدُ بن جُبَيْر ، وغَيْرهم : كُلُّ ما يعيشُ في البَرِّ ، وله فيه حَيَاةٌ ، فهو صَيْدُ البَرِّ إنْ قتلهُ المُحْرِمُ ودَاهُ ، وزادَ أبو مجْلَز في ذَلِكَ الضفْدعَ ، والسَّلاحِفَ ، والسَّرَطَان . وقسم يعيشُ في المَاءِ ، ولا يَعِيشُ في البَرِّ إلاَّ عَيْشَ المَذْبُوح ، فاخْتُلِفَ فيه ، فقيل : لا يَحِلُّ شيءٌ منْهُ إلاَّ السَّمَك ، وهو قولُ أبِي حَنِيفَة . وقيل : إنَّ مَيْتَ المَاءِ كُلّها حَلالٌ ، لأنَّ كُلَّهَا سَمَكٌ ، وإن اخْتَلَفَتْ صورَتُهَا كالجرِيثِ ، يُقَال : إنَّه حَيَّةُ المَاء ، وهو على شَكْلِ الحَيَّةِ ، وأكْلُهُ مُبَاح بالاتِّفَاقِ ، وهو قولُ أبي بَكْرٍ ، وعُمَر ، وابنِ عبَّاسٍ ، وزَيْدِ بن ثَابِت ، وأبِي هُرَيْرَة ، وبه قال شُرَيْحٌ ، والحسنُ وعطاء ، وهو قولُ مالكٍ ، وظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافعي . وذهبَ قومٌ إلى أنَّ ما لَهُ نظير في البرِّ يُؤكَل ، فَمَيْتَتُهُ من حيوانَاتِ البَحْرِ حلالٌ ، مثل بقر الماءِ ونحْوِه ، وما لا يُؤكلُ نَظِيرُهُ في البرِّ لا تَحِلُّ ميْتَتُهُ من حيواناتِ البَحْر ، مثل كَلْبِ المَاءِ والخِنْزِيرِ والحِمَارِ ونحْوهَا . وقال الأوزَاعِيُّ : كلُّ شَيْءٍ عَيْشُهُ في المَاءِ فَهُوَ حلالٌ قيل : والتِّمْسَاحُ ؟ قال نَعَمْ . وقال الشِّعْبِي : لَوْ أنَّ أهْلِي أكَلُوا الضَّفَادِعَ لأطعمتهم . وقال سُفْيانُ الثَّوْرِي : أرجو ألاَّ يَكُونَ بالسَّرَطَان بَأسٌ ، وظاهِرُ الآيَةِ حُجَّةٌ لِمَنْ أبَاحَ جَمِيعَ حَيَوانَاتِ البَحْرِ ، وكذلك الحَدِيثُ ، وهو قوله صلى الله عليه وسلم " هُوَ الطَّهُورُ ماؤهُ والحِلُّ مَيْتَتُهُ " . وقوله : { وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ ٱلْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً } ذكر تعالى تَحْرِيم الصَّيْدِ على المُحْرِم في ثلاثة مواضع من هذه السُّورة ، وهي قوله : { غَيْرَ مُحِلِّي ٱلصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ } [ المائدة : 1 ] إلى قوله : { وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَٱصْطَادُواْ } [ المائدة : 2 ] ، وقوله : { لاَ تَقْتُلُواْ ٱلصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ } [ المائدة : 95 ] ، وقوله : { وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ ٱلْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً } ، واتَّفَقَ المُسْلِمُون على تَحْرِيم الصَّيْدِ على المُحْرِم ، وهو الحيوان الوَحْشِيُّ الذي يَحِلُّ أكلُهُ ، فأمَّا ما لا يَحِلُّ أكْلُهُ ، فلا يَحْرُم بالإحْرَامِ ، ويَحْرُمُ أخْذُه وقَتلُهُ ، ولا جَزَاء على من قَتَلَهُ ، لقوله - عليه الصَّلاة والسَّلام - : " خَمْسٌ من الدَّوَابِّ لَيْسَ على المُحْرِمِ في قَتْلِهِنَّ جُنَاحٌ : الغُرَابُ ، والحدَأةُ ، والعَقْرَبُ ، والفَأرَةُ ، والكَلْبُ العَقُورُ " . وقال - عليه السلام - : " يَقْتُلُ المُحْرِمُ السَّبُعَ العادِي " . وقال سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَة : الكَلْبُ العَقُورُ : كلُّ سَبُع يعْقر ومِثْلُه عن مَالِكٍ ، وذهبَ أصْحَابُ الرَّأي إلى وُجُوبِ الجَزَاءِ في قَتْلِ ما لا يُؤكَل لَحْمُهُ ، كالفَهْدِ ، والنمرِ ، والخِنْزِيرِ ، ونحوها إلاَّ الأعيان المَذكُورة في الخَبَرِ ، وقَاسُوا عليْهَا : الذِّئْبَ ، ولَمْ يوجِبُوا فيه الكَفَّارَة . فأمَّا المُتَولِّد من المأكُولِ وغيره ، فَيَحْرُمُ أكْلُهُ ، ويَجِبُّ فيه الجَزَاءُ ؛ لأنَّ فيه جَزَاءً من الصَّيْدِ ، واختَلَفُوا في الصَّيْدِ الذي يَصِيدُه الحلالُ هل يُحَرَّمُ على المُحْرِمِ ؟ فقال عليٌّ ، وابنُ عباسٍ ، وابنُ مَسْعُود ، وسعيدُ بنُ جُبَيْرٍ ، وطاوُسٌ : إنَّه حرامٌ على المُحْرِم بكُلِّ حالٍ ، وهو قولُ الثَّوْرِي وإسْحَاق ، لظاهِرِ الآية . ورُويَ : أنَّ الحَارِثَ كان خَليفَة عُثْمَان على الطَّائِفِ ، فَصَنَعَ لِعُثْمَان طَعاماً وصنع فيه الحَجَلَ : واليَعَاقِيبَ ، ولُحُومَ الوُحُوشِ ، فبعَثَ إلى عليٍّ بن أبي طالبٍ ، فجاءه الرَّسُولُ فقال عَلِيٌّ : أطعمُونا قُوتاً حلالاً [ فإنا حُرُم ] ، ثم قال علي : أنْشِدُ اللَّهَ من كان هَا هُنَا مِنْ أشْجَع ، أتعلَمُون أنَّ رسُول الله صلى الله عليه وسلم أهْدَى إليه رجلٌ حِمَاراً وَحْشياً ، وهو مُحْرِمٌ فأبَى أن يأكُلَهُ ، فَقَالُوا : نعم . وقال الشَّافِعِيُّ : لَحْمُ الصَّيدِ حَلاَلٌ لِلْمُحْرِم بِشَرْط ألاَّ يَصْطَادَهُ المُحْرِم ، ولا يُصْطَادُ لَهُ ، كقوله - عليه السلام - : " صَيْدُ البَرِّ لَكُم حلالٌ مَا لَمْ تصيدُوهُ أوْ يُصَاد لَكُم " . وقال أبو حنيفة - رضي الله عنه - : إذا صِيْدَ للمُحْرِمِ بغير إعانتهِ وإشارته حَلَّ له ؛ لأنَّ أ " با قتادةَ اصْطَاد حِمَاراً وحشيّاً ، وهو حَلاَلٌ في أصحابٍ مُحْرِمينَ ، فَسَألُوا رسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فقال : فيكم أحَدٌ أَمَر أن يحْمِل عَلَيْهَا أو أشَارَ إلَيْهَا ، قالوا : لا . قال : فَكُلُوا ما بَقِي مِنْ لَحْمِهَا " . وفي رِوَايَةٍ : " " هَلْ بَقِي مَعَكُم منه شَيءٌ ؟ " قالوا : نَعَمْ ، فَنَاوَلْتُهُ العَضُدَ فأكَلَهَا " ، وهذا يَدُلُّ على تَخْصِيصِ القُرْآنِ بِخَبَرِ الواحِدِ . قوله : { ما دُمتم حُرُماً } " ما " مصدريةٌ ، و " دمتم " صلتها وهي مصدريةٌ ظرفيةٌ أي : حُرِّم عليكم صيدُ البر مدةَ دوامِكم مُحْرمين . والجمهور على ضمِّ دال " دمتم " من لغة من قال : دام يدوم . وقرأ يحيى : " دِمتم " بكسرها من لغة من يقول : دام يدام كخاف يخاف ، وهما كاللغتين في مات يموتُ ويمات ، وقد تقدَّم [ الآية 57 آل عمران ] . والجمهورُ على " وحُرِّم " مبنياً للمفعول ، " صيدُ " رفعاً على قيامه مقام الفاعل ، وقرىء : " وحَرَّم " مبنياً للفاعل ، " صيدَ " نصباً على المفعول به . والجمهورُ أيضاً على " حُرُماً " بضم الحاء والراء جمعُ " حَرام " بمعنى مُحْرِم كـ " قَذَال " و " قُذُل " . وقرأ ابن عباس " حَرَماً " بفتحهما ، أي : ذوي حَرَم أي إحرام ، وقيل : جعلهم بمنزلة المكان الممنوع منه ، والأحسنُ أن يكون من باب " رجل عدل " جعلهم نفسَ المصدرِ فإنَّ " حَرَما " بمعنى إحرام ، وتقدم أن المصدر يقع للواحدِ فما فوقُ بلفظٍ واحد . والبَرُّ معروفٌ ، قال الليث : " ويستعمل نكرة يقال : جلست بَرَّا ، وخرجْتُ برًّا " . قال الأزهري : " وهو من كلام المولدين " وفيه نظر لقول سلمان الفارسي : " إنَّ لكلِّ امرىء جَوَّانِيًّا وبَرَّانياً " أي باطنٌ وظاهرٌ ، وهو من تغيير النسب ، وقد تقدم استيفاء هذه المادة في البقرة [ الآية 44 ] ثمَّ قال : { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيۤ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } والمقصُودُ مِنْهُ التَّهْديدُ ، ليكون المَرْءُ موَاظِباً على الطَّاعَة مُحْتَرِزاً عن المَعْصِيَة وقدَّم " إليه " على " تُحْشرون " للاختصاص أي : تُحشرون إليه لا إلى غيره ، أو لتناسُبِ رؤوس الآي .